للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: محمد رشيد رضا


الأخبار والآراء

(كلمة للمشتركين أو كلمتان)
لا يكاد يمضي يوم إلا ويجيئنا فيه مع البريد كتاب أو كتب من المشتركين
يطلبون فيها أجزاءً ناقصة من (المنار) وقلّما يرسل أحد منهم ثمنها الذي عيَّناه
وننشر إعلانه على الغلاف دائمًا، ومنهم مَن يلح في ذلك ويكرر الطلب ولنا العذر في
عدم المجاوبة (يراجع الإعلان في الصفحة الرابعة من الغلاف) .
هذه هي الكلمة الأولى وأما الثانية فنرجو من المشتركين الكرام - حيث لا
وكلاء للمنار - التفضل بإرسال قيمة الاشتراك حوالة على البريد في مصر وأن لا
يحوجونا إلى المكاتبة ونفقة التحويل كما فعل ذلك الغني العظيم في بني سويف؛ إذ
طالبناه بثمن المجلدات التي اشتراها من المنار وبقيمة الاشتراك فما أغنى عنه
الطلب، وحولنا عليه فلم يغنِ التحويل. فلو استن الناس بسُنة هذا الغني لبطلت
الأعمال وفسد العمران وهلك الإنسان ولعله يرجع إلينا المجلدات والأجزاء إذا شقّ
عليه إرسال ثمنها ولا يحوجنا إلى التصريح باسمه خلافًا لعادتنا.
***
(العبرة في ثورة مكدونية)
كل يوم تأتينا البرقيات والصحف الأوربية بضروب من أخبار الثورة وآراء
أهل أوربا فيها وكلها عِبَر للمسلم، ولكنَّ نَقَلَتَها في صحفنا لا يوجهون النفوس إلى
طرق الاعتبار بها، قامت قيامة أساقفة الإنكليز على حكومتهم، وكتبوا يحرضون
الأمة على الحكومة لتحملها معهم على الانتصار لنصارى مكدونية، والسعي في
إنقاذهم من حكم المسلمين، وقد اضطرت الحكومة أن تدافع عن نفسها، وتبرئها
من تهمة مساعدة الدولة العثمانية في الربع الأخير من القرن الماضي، وتفتخر بأنه
تيسر بمساعدتها وضع قبرص والبلغار ورومانيا والبوسنة ومصر وكريت تحت
لواء أوربا، كما اعتذرت عن عدم السعي في استقلال مكدونية بأن العنصر الأقوى
فيها مسلمون متعصبون لدينهم ولسلطانهم.
هذا، وإنك ترى أكثر الجرائد الأوربية والمقلدة لها في الوسائل والمقاصد تندد
بذبح الأتراك وتنكيلهم بالنصارى في البلاد الثائرة - أي بالثائرين ومساعديهم-
ولكنها تمدح الثائرين وتطلب مساعدتهم على إحراق بيوت الله وبيوت الناس
والفتك بحكامهم الترك وسائر المسلمين، ولو أن الدولة العلية قصرت أو عجزت
عن تأديب هؤلاء الثوار الأشرار لكانت - في نظرهم - أحق بالتأنيب، وأحوج
إلى التأديب، وقد كتبت جريدة فرنسية مقالة في هجو اليونان؛ لأنهم لم يساعدوا
الثائرين عملاً بمصلحتهم، وقالت الجريدة إن المسألة ملّية يجب فيها العمل بالغيرة
الدينية، دون المصلحة السياسية، وقد عرَّبت هذه المقالة جريدة الجوائب
المصرية.
فليعتبر بهذا المتفرنجون الذي يزعمون أن أوربا فقدت الغيرة الدينية،
ويجهلون أنه لولا هذه الغيرة لما ثار ثائر نصراني في كريت ولا مكدونية ولا
غيرهما، وأنّ هؤلاء الثوار يعلمون أنهم يعجزون عن الخروج من سلطة الدولة
العثمانية بالقوة، ولكنهم يعتمدون على انتصار الشعوب الأوربية لهم، وإلزامها
حكوماتها بمساعدتهم، وإن كانت الحكومات تقدم مصالحها على مصلحة الدين فإن
من مصالحها أيضًا إرضاء رعاياها ومراعاة إحساسهم الديني!
أما هذه الثورة فقد استعد لها المقدونيون في بلاد الدولة وفي بلاد البلغار
استعدادًا عظيمًا مبنيًا على العلوم والصنائع؛ فمدارس النصارى في تلك البلاد
تعلمهم عمل الديناميت لأجل الاستقلال، وغير ذلك من العلوم والأعمال،
والمسلمون لا يتعلمون إلا ما ينكث فتلهم ويقطع روابطهم، فلو صبر الثوار
لاستولوا عليهم بالعلم، ولكنهم عجلوا إلى امتشاق السيف، والدولة لم تكن غافلة
عما يعملون، ولكن السلطان الأعظم يحب مداواة الأدواء باللين ما وَجَدَ إلى ذلك
سبيلاً؛ ولذلك كان يَمنح الرتبَ والوسامات لكل مَن توسم منه الشر، فلما جاء
الميقات لم تغنِ الرتبُ ولا الوسامات، وكل ما هو آتٍ آت.