للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: محمد رشيد رضا


آثار علمية وأدبية

(ثمرات الأفكار)
لمحمد أفندي حمدي النشار الدمياطي أحد كُتّاب محكمة الإسكندرية الأهلية
شعر منسجم هَامَ به في كل واد، وارتقى به كل نجاد، فاستغاث وناجى، ومدح
ورثى، وتغزل ونسب، ولم ينسَ باب الوعظ والأدب، فقد امتاز على أكثر شعراء
العصر بانتقاد ما فشا فيه من المفاسد والمثالب، وما للمدنية الحاضرة من الفضائح
والمعايب، وقد طبع الجزء الثاني من ديوانه (ثمرات الأفكار) في هذا العام
بمطبعة (المنار) وكان طبع الجزء الأول منه منذ عشرة أعوام، وإننا نورد نموذجًا
منه للقراء حتى إذا ما أحب أحد أن يطّلع على باقيه طلب الديوان من صاحبه. قال
في بيان حالة أكثر الشبان والكهول في هذه البلاد التي باعها الترف والسرف
والفسق للأجانب بثمن بخس؛ بل بثمن موهوم يسمونه كما قال (التمدن الجديد) :
(التمدن الجديد)
بين الندامى والمدامه ... ضاع الحياء والاستقامه
وعلى الغواني والظبى ... بعنا المروءة والكرامه
وعلى الجميلة والجميـ ... ـل قد انقضى عهد الشهامه
وتسرّبت منا الدرا ... هم في الفجور ولا ندامه
والدار بعناها لند ... رك وصل هند أو أُمامه
ونفائس الميراث قد ... رهنت على ثمن المدامه
والدين إن كُتب السدا ... دُ له ففي يوم القيامه
(سبحان مَن قسم الحظو ... ظ فلا عتاب ولا ملامه)
غيري بِيَ استغنى وما ... أبقيت من مالي قلامه
فسد الزمان وأهله ... يا رب نسألك السلامه
هذا تمدن معشر ... جعلوا الفسوق له علامه
من كل مياس القوا ... م له على الخدين شامه
يهتز إعجابًا كما ... هزت معاطفها الحمامه
وإذا رأى أهل المعا ... رف ظل يهزأ بالعمامه
يأتي الصباح ولم يدع ... في غير زينته اهتمامه
ويطل في المرآة هل ... في الحسن قد وفى نظامه
ويظل ينظر خلفه ... حينًا وآونة أمامه
وكأنما بلغ الوزا ... رة والإمارة والإمامه
حتى إذا جاء المسا ... والليل قد أرخى ظلامه
هجر الرقاد فعينه ... بالغمض لم تعرف منامه
متناولاً كأس الحميا ... جامة من بعد جامه
فإذا أضاع رشده ... وغدا ولم يحسن كلامه
ألوى العنان إلى ذوا ... ت الحسن كي يشفي هيامه
وأعاد كرّة سكره الـ ... أُولى وسمّاها (انسجامه)
فسحرنه وسلبن ما ... أبقت يداه بابتسامه
ودعون مركبة لتحـ ـمله وقلن (مع السلامه)
فأتى إلى الدار التي ... وأبيك ما ذاقت طعامه
هو يبذل العشرات كي ... يرضى هواه أو غرامه
وهي التي تبكي لفا ... قتها بدمع كالغمامه
فاستقبلته بما يليـ ... ـق من التحية والكرامه
صفعت قفاه وأتبعت ... بالصفع خديه وهامه
ولربما طرحته خلـ ... ـف الباب لا ترعى ذمامه
فإذا استفاق معاتبًا ... وعلى الهوان رأى مقامه
قالت له اعذرني فمَن ... غرس القبيح جنى الندامه
يستوجب الإذلال مَن ... لم يتّبع طرق السلامه
***
(قلائد الذهب في شرح أطواق الذهب)
كتب الشيخ محمود بن عمر الزمخشري الشهير مئة مقالة في الحكم والمواعظ
سماها (أطواق الذهب) وقد تنكَّب في كتابتها طريقته المثلى في الكتابة ونحا فيها
منحى الحريري في مقاماته في التسجيع والتجنيس. ولا زراية على الزمخشري بهذا
النحو من القول فإنه كان في عصره فنًّا من فنون الأدب وصنعة من صناعات القول
يتقنها مثله ومثل الحريري من أئمة اللغة. ولم يرد الزمخشري بهذه الحِكم المنثورة،
ولا الحريري بتلك المقامات المأثورة أن يسنَّا لكتّاب العربية سنة جديدة يتبعونها،
ويرغبون عن الكلام المرسل العفو إليها؛ وإنما كان لهما فيما يظهر لي غرضان:
أحدهما الاحتيال بهذا الوضع الطريف على توجيه النفوس إلى ما فيه من الحكم
والمَثُلات، وثانيهما جمع طائفة من فرائد اللغة في المفردات، ومحاسن الجمل في
المجاز والكنيات، تزيد الناظر سعة في العربية، وقدرة على صوغ الجمل المجازية.
وقد شرح (أطواق الذهب) وفسر مفرداته غير واحد وطبع في هذا العام
شرح منها لميرزا يوسف خان ابن اعتصام الملك الأشتياني، قال فيه إنه: (أجمع
وأكفى من الشروح والتعاليق التي علقت على تلك المقالات إلى الآن) ، وقد أضاف
إلى تفسير الكلمات ما يضاهي المقالة من رسالة (أطباق الذهب) للشيخ عبد
المؤمن الأصفهاني فإنه تلا فيها تلو الزمخشري واحتذاه كما ترى في هذا المثال.
قال الزمخشري في (المقالة ٥٨) :
(موسر يشح بالنوال، ومعسر يُلِحّ في السؤال، إذا التقيا فجندلتان تصطكان،
وجدلتان من الضرائر تحتكان، هذا كزّ شحيح غير مِعوان، له في وجه الصعلوك
فحيح أفعوان، وذاك ملحٍ ملحف، محف مجحف، وهذا يقول هات، وهو يجيبه
هيهات، له دق بالوجنتين، دق القصار بالمجينتين (الميجنة مدقة القصار) إن
منح تبشبش وتطالق، وتبصبص وتملق، وإن منع أخذ بالمخانيق، ورمى
بالمجانيق) وقال صاحب أطباق الذهب: (من شداد الدنيا غني عابس، يلقاه
فقير بائس، يطرقه حافيًا، ويسأله محفيًا، يستميح شحيحًا لا يفتح الباب
لضيفانه، ولا يكسر حواشي رغفانه، فيرجع خاسرًا، وينقلب باسرًا، حتى إذا
فجأه في طريق، ولقيه في مضيق، فيأخذ بعِنانه، طمعًا في إحسانه، والبخيل
يحمر ويصفر، ويفر وأين المفر، هناك يصدم الأشدان. ويزدحم الضدان، فهما
كصخر قرعه حديد، وقيح كدره الصديد، ونفس يعلوه زاج، وحميم يشوبه أجاج،
ودخان يتلوه عجاج) اهـ وفي المقالات ما هو أظهر في السرقة من هذه.
أُهدي إلينا الكتاب المطبوع منذ أشهر ولم نفرغ لتصفح شيء من الشرح
ولكننا في النظرة السطحية انتقدنا عدم ضبط الكلمات عند تفسيرها وإن كانت قد
ضبطت مقالات الزمخشري بالشكل الكامل. وقد طبع في (مطبعة التمدن) على
ورق جيد وهو يطلب منها.
***
(الطرائف)
جريدة أسبوعية جديدة أنشأها في القاهرة رشيد أفندي المصوبع الشاعر
السوري الذي سبق لنا تقريظ ديوانه، وقد عرفنا هذا الشاب مغرمًا بالأدبيات هائمًا
في أودية الشعر، فلا شك في أن سيكون لجريدته الحظ الوافر من المباحث الأدبية
التي هي أنفع من خوض أكثر الجرائد في هذر السياسة التي لا نكاد نجد في القنطار
منها درهمًا من الفائدة. وقد افتتح الكاتب جريدته بمقدمة قال فيها: (أقدمت على
إنشاء هذه الجريدة وأنا عالم كل العلم بما صارت إليه بضاعة الأدب من الكساد، وما
زاد من الجرائد على حاجة البلاد) وهذه الدعوى قديمة وكم قالها الذين من قبله في
عصور كانت خيرًا من العصور التي قبلها كما أن هذا العصر خير مما قبله في
رواج الأدب وانتشار الجرائد والإقبال عليها وإن كان دون ما ينبغي ويُطلب.
أما قيمة الاشتراك في الطرائف فثمانون قرشًا في القطر المصري وجنيه
إنكليزي في سائر الأقطار. فنتمنى لرصيفنا الجديد النجاح ولجريدته حسن الانتشار.