للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: محمد رشيد رضا


فتاوى المنار

لو اعتقد أحدكم بحجر لنفعه!
(س٢) الشيخ محمد حلمي أستاذ العربية بمدرسة سواكن الأميرية:
ضمني وبعض العلماء مجلس ودار بيننا الحديث في مرتبة الرسل والأنبياء
عليهم الصلاة والسلام والأولياء وآل البيت بعد الممات وهل هم قادرون على إجابة
دعوة الداع إذا دعاهم وهل يملكون لأنفسهم نفعًا أو ضرًّا وفي: (لو اعتقد أحدكم في
حجر لنفعه) ! هل هو حديث صحيح ومذكور في البخاري وفي الجامع الصغير.
فقلت أنا بالسلب في الكل وقالوا هم بالإيجاب، وقد رأينا أن نكتب لجنابكم لتأتوا لنا
في مجلتكم (المنار) بفصل الخطاب؛ فإنك نِعم الحكم الذي تُرضى حكومته، ولكم
من الله الأجر ومنا الشكر.
(ج) دعوة غير الله تعالى شرك ونعني بها اللجأ إلى غيره في طلب ما وراء
المساعدة والمعاونة الكسبية التي تكون بين الناس عادة: {وَأَنَّ المَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلاَ
تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَداً} (الجن: ١٨) وقد أمر الله نبيه أن يبين للناس عمل الرسل
ووظيفتهم بقوله: {قُلْ إِنَّمَا أَدْعُو رَبِّي وَلاَ أُشْرِكُ بِهِ أَحَداً * قُلْ إِنِّي لاَ أَمْلِكُ لَكُمْ
ضَراًّ وَلاَ رَشَداً * قُلْ إِنِّي لَن يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِن دُونِهِ مُلْتَحَداً * إِلاَّ
بَلاغاً مِّنَ اللَّهِ وَرِسَالاتِهِ ٠٠٠} (الجن: ٢٠-٢٣) إلخ، قال البيضاوي وغيره في
تفسير قوله:] ضَرًّا وَلاَ رَشَدًا [أي: لا ضرًّا ولا نفعًا ولا غيًّا ولا رشدًا (عبّر عن
أحدهما باسمه وعن الآخر باسم سببه أو مسببه إشعارًا بالمعنيين) ، أو هذا هو
الذي يسميه البُلغاء (الاحتباك) ومنه قوله تعالى: {لاَ يَرَوْنَ فِيهَا شَمْساً وَلاَ
زَمْهَرِيراً} (الإِنسان: ١٣) ؛ أي: شمسًا ولا قمرًا ولا حرًّا ولا زمهريرًا. وقالوا
في قوله] إلا بلاغًا [: إنه استثناء من قوله: (لا أملك) ؛ أي: لا أملك إلا
التبليغ والله الفاعل المؤثر الذي ينفع الناس ويرشدهم بالفعل. وهذه الآية بمعنى قوله
تعالى: {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ} (فصلت: ٦) وما في معناها من آيات
حصر وظيفة الأنبياء في التبليغ وقد شرحنا المقام مرارًا كثيرة.
وأما الحديث فقد جاء في كتاب (اللؤلؤ المرصوع) ، فيه ما نصه: حديث
(لو حسن أحدكم ظنه بحجر لنفعه) موضوع كما قاله ابن تيمية. وقال ابن
الجوزي: هو من كلام عُبّاد الأصنام. اهـ ومن أعجب العجائب أن أمة التوحيد قد
فشا فيها هذا الحديث المفترى منذ فشت فيهم نزغات الوثنية ودعاء غير الله حتى إن
كل عامي يحفظه، ولما نبهنا على وضعه في درسنا العام في المسجد الحسيني وبينا
فساد الاحتجاج به قام بعض السدنة لتلك الهياكل يغري العامة بالقول بأننا نفسد لهم
دينهم أن قلنا - في عمود الرخام الذي في المسجد يتمسح به الناس ويلتمسون نفعه -:
إنه لا ينفع في الحقيقة ولا يضر وأن النافع الضار هو الله وحده ولكنه جعل للنفع
والضر أسبابًا وهدانا لاجتناب الضار واجتلاب النافع بما وهب لنا من العقل
والحواس والدين، وعَمَّ اللغط بذلك، حتى نصرنا الله رب العالمين.
* * *
الدعاء بين الخطبتين
(س٣) الشيخ مبين شيخ رواق الأفغان في الأزهر: ما قولكم دام فضلكم في
رفع اليدين والصوت وتشويش الناس بالدعاء عند جلوس الإمام على المنبر بين
الخطبتين في يوم الجمعة كما هو رسم في زماننا فهل هو سنة أو مندوب أو بدعة أو
مكروه؟ وحديث عبد الله بن سلام أصح من حديث أبي موسى الأشعري في تعيين
الساعة التي يجاب فيها الدعاء. بينوا تؤجروا أثابكم الله.
(ج) حديث أبي موسى الذي يشير إليه السائل هو أن النبي عليه السلام يقول
في ساعة الجمعة: هي ما بين أن يجلس الإمام - يعني على المنبر - إلى أن يقضي
الصلاة. رواه مسلم وأبو داود وقد أعلوه مع ذلك بالانقطاع والاضطراب؛ أما
الأول: فلأن مخرمة بن بكير راويه عن أبيه قد نقل عنه أنه قال: إنه لم يسمع من
أبيه شيئًا.
وأما الثاني: فهو أنهم قالوا: إن أكثر الرواة قد جعلوا هذا الحديث من قول أبي
بردة مقطوعًا وأنه لم يرفعه غير مخرمة عن أبيه بردة ... إلخ ما قالوه وقد
استدركه الدارقطني على مسلم. وأما حديث عبد الله بن سلام فهو ناطق بأن الساعة
التي يجاب فيها الدعاء هي آخر ساعة من النهار وقد رواه ابن ماجه مرفوعًا ورواه
مالك وأصحاب السنن وغيرهم من طريق محمد بن إبراهيم عن أبي سلمة عن أبي
هريرة عن عبد الله بن سلام من قوله ورجاله رجال الصحيح وفي معناه أحاديث
أخرى تؤيده ويعارضها حديث أبي سعيد عند أحمد وابن خزيمة والحاكم وهو أنه
سأل النبي عنها فقال: (قد كنت علمتها ثم أنسيتها كما أنسيت ليلة القدر)
ورجاله رجال الصحيح أيضًا، وأجيب عنه بأنه لا يصلح للمعارضة لجواز أن يكون
ذكر بعد ما نسي.
وللعلماء في تعيين ساعة الإجابة أربعون قولاً ونيف والأكثرون على ترجيح
أحد الحديثين المشار إليهما في السؤال، والأرجح أنها آخر ساعة من نهار الجمعة
والمراد بالساعة الزمانية وتصدق بدقيقة أو دقائق.
أما رفع اليدين والأصوات بالدعاء عند جلوس الخطيب بين الخطبتين فلا
نعرف له سنة تؤيده ولا بأس به لولا التشويش وأنهم جعلوه سنة متبعة بغير دليل
والمأثور طلب السكوت إذا صعد الإمام المِنبر، وإنما السكوت للسماع؛ لذلك نقول:
لا بأس بالدعاء في غير وقت السماع، ولكن يدعو خُفية، لا يؤذي غيره بدعائه
ولا يرفع كل الناس أيديهم، فيكون ذلك شعارًا من شعائر الجمعة بغير هداية من
السنة فيه؛ بل إنهم يخالفون صريح السنة؛ إذ يقوم الإمام ويشرع في الخطبة
الثانية وهم مستمرون على دعائهم، فأَولى لهم سماع وتدبر وقت الخطبة وفكر
وتأثر وقت الاستراحة وأهون فعلهم هذا أن يكون بدعة مكروهة والله أعلم.
* * *
منصب شيخ الإسلام وتاريخه
(س٤) : من أ. ع. بالأزهر:
يقرع الأسماع كثيرًا لفظ (شيخ الإسلام) فهل هذا اللفظ مما اصطلح عليه
المسلمون وله مدخل في شأنهم ويعتبر من الوظائف الدينية التي يوجبها الشرع
أم هذا لفظ وضعي لا مساس له بالشرع؟ ومَن أول من اخترعه. نرجو الجواب ولكم
الأجر والثواب.
(ج) : إن هذا اللقب من الألقاب الحادثة لمنصب حادث ووظيفة شيخ
الإسلام في الدولة العثمانية الفتوى الرسمية؛ فهو المفتي الأكبر في المملكة وأحد
أعضاء مجلس الوزراء وقد وضع الملوك هذا المنصب بعد ما صارت أمور
المسلمين في أيدي الجاهلين بالشرع من السلاطين وأعوانهم الوزراء فمن دونهم
وكانوا محتاجين إلى من يفيدهم حكم الشرع في بعض ما يعرض لهم في سياستهم
للأمة لا سيما قبل أن يستبدلوا القانون بالشرع في كثير من أحكامهم. وكان اختراع
هذا اللقب في أوائل القرن التاسع زمن السلطان مراد خان الثاني الذي ولي السلطنة
في الثامنة عشرة من سنه وقد وليه في زمنه محمد شمس الدين ٨٢٨ وفخر الدين
العجمي سنة ٨٣٤ وشيخ الإسلام في الدولة هو الذي يولي القضاة والمفتين في
المملكة كلها بإذن السلطان، هذا هو اللقب الرسمي والعلماء كانوا يطلقونه على
البارعين في علم السنة وفقه الدين كابن تيمية والعز بن عبد السلام ويطلقونه في
مصر على شيخ الجامع الأزهر.