للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: محمد رشيد رضا


مأثرة جليلة
نفتخر بالكرم الشرقي، ونخص القطر المصري بالنصيب الأوفر من هذا
الفخر، ولكننا إذا نظرنا في تواريخنا الحاضرة أو في جرائدنا التي تجعل الحبة قبة،
والحصاة جبلاً، لا نكاد نرى فيها نبأ عن آثار الكرم الحميد والسخاء الصحيح، وما ثم
إلا منافسة الإسراف والتبذير عند الولائم والوضائم، ونحوها من مجتمعات الحزن
والأفراح، اللهم إلا ما يكون أحيانًا قليلة من بعض رجال الفضيلة، ولقلة هؤلاء
سارت كلمة السموأل: (إن الكرام قليل) مثلاً.
أفضل الإنفاق ما كان في أفضل الأعمال، ولا أفضل من العلم، فالذين ينفقون
أموالهم ويبذلون كرائم مقتناهم لتعزيز العلوم والمعارف وتوسيع دوائرها، هم
فضلاء الكرماء وكرماء الفضلاء، وهم أقل القليل في كل قطر وجيل.
نقول هذا تمهيدًا لذكر المأثرة الجليلة والمكرمة الجميلة، التي يحق للتاريخ أن
يفتخر بها، وهي وقف السروات الأفاضل أبناء سليمان باشا أباظة (تغمده الله
برحمته) مكتبة والدهم الشهيرة على طلبة الأزهر الشريف.
هذه المكتبة تدخل في نيف وألفي مجلد، منها نحو ألف كتاب من نفائس الكتب
الخطية، ومنها ما هو بخط ابن مقلة وابن هلال الشهيرين، وغيرهما من مشاهير
قدماء النساخ، وفيها أكثر من مائة كتاب بخطوط مؤلفيها من العلماء السالفين، ولقد
أنفق سليمان باشا - رحمه الله تعالى - على جمع هذه الكتب الأموال الكثيرة؛ لأنه
كان من الأفاضل المغرمين بالعلوم، والمشغوفين بجمع كتبها النفيسة، وأحب أولاده
البررة أن تكون تذكرة له في أشهر معاهد العلم، وصدقة جارية ينتفع بها من بعده،
فعهدوا بتنفيذ ذلك لأخيهم الفاضل الكامل محمد بك أباظة، وهو أمضاه وأنفذه بمعرفة
وإرشاد العلامة المفضال الأستاذ الشيخ محمد عبده العضو العامل في إدارة الأزهر
الشريف، وقد جاء البك المشار إليه بتلك الكتب القيمة النفيسة إلى الأزهر الشريف في
(١٠ ربيع الآخر سنة ١٣١٦) فاستُقبل أحسن استقبال، وتلقاه الأستاذ الأكبر شيخ
الجامع الأزهر بالشكر والترحاب، وكتب له كتابًا يتضمن الثناء عليه وعلى إخوته
الكرام، والدعاء للمرحوم والدهم، ويعده بتخصيص خزانات للكتب (يكتب عليها ما
يفيد أنها كتب المرحوم سليمان باشا أباظة التي وقفها ورثته الأكرمون) .
ونحن نرفع أعلام الشكر والثناء في منارنا لآل أباظة السراة الكرام، ونرجو
أن يكونوا خير قدوة لأبناء الأمراء والأغنياء في الديار الذين أصبحوا على أمتهم
عارًا، وحملوا أنفسهم وأهليهم أوزارًا، وكانوا لأوطانهم خرابًا ودمارًا، أصلح الله
شؤوننا وشؤونهم بمنه وكرمه.
***
أنِسنا بلقاء حضرة الفاضل محمد أفندي مصطفى الدرملي الإسكندري وكيل
جريدة (معلومات) وقد أهدى إلينا أبيات مطرزة باسم (المنار) يقرظه بها،
فننشرها شاكرين له وممتنين من لطفه وهي:
اأنعِمْ بمَن أنشا وصاغ (منارا) ... ببديع دُرٍّ قد زها وأنارا
ل لاحت معارفُهُ بنور فضائل ... وبلاغة تدع الفهوم حيارى
م مالت عقول أُولي العقول له كما ... عنه أخو الجهل انثنى وتوارى
ن نِعم المؤسس للمنار وحبذا ... طرق لخير الناس فيها سارا
االله يمنحه (رضا) ويزيده ... (رشدا) ونُجْحًا دائمًا ووقارا
ر رام الهدايةَ للأنام فمَن نحا ... نهج الهدى فليتخذه منارا