للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: محمد رشيد رضا


مجلة بشائر السلام

يعلم قراء المنار أننا أنشأنا فصولاً كثيرة في الرد على هذه المجلة البروتستنتية
المعتدية على الإسلام وكتابه القرآن الحكيم، ونبيه خاتم النبيين، وهذه الفصول
منشورة في المجلد الرابع والخامس والسادس، ولمّا لم يزدها الرد الذي كشف النقاب
عن أباطيلها وأظهر لها الحق إلا لجاجًا وعنادًا - حركت الغيرة بعض أعضاء مجلس
شورى القوانين فخاطبوا الحكومة في شأنها وقبل أن يخاطبوها طلبوا منّا أعداد
المجلة ليراجعوها، ويُطْلع بعضهم بعضًا على ما فيها من الطعن الممنوع قانونًا
وأدبًا، وكنا سكتنا عن الرد في أجزاء قليلة لكثرة المسائل العارضة، فاضطررنا
إلى الاستمرار على السكوت؛ لأن الأجزاء لم تعد إلينا، وقد توهم بعض القراء
أننا سكتنا لأجل اعتراض ذلك المعترض من الإسكندرية الذي لم يستحسن الرد
على المجلة، وزعم أن ذلك يزيد في نشر شبهاتها، فصار الناس يسألوننا عن ذلك،
حتى كتب إلينا قاضي جزيرة البحرين - وهو من فضلاء أهل العلم والدين - من
كتاب طويل ما نصه:
(ولهفي على تقاريرك عن شبهات النصارى فما لي لا أرى لها ذكرًا،
فوربك إن أجوبتك كالشهب المحرقة لشياطينهم، الممزقة لشبهاتهم، وفهمي من
مدلول علمك وفور عقلك، فما أظنك تُصغي لغِرّ انتقدك في أجوبة شبهاتهم،
وعِلَّته التي فاه بها أوهى من انتقاده، أو في حسبانه أن دوي أصوات شبهاتهم
محصورة فيما بينهم؛ بل بعد ما أوحى بها شياطين جِنّهم، فاه بها شياطين إنسهم ... )
... إلخ.
فليعلم القاضي الفاضل وغيره من القراء أننا لم نترك الرد لذلك النقد الهراء،
فإننا نعلم أن فينا مَن لا ترضيه منا الحسنات، ويود أن يحولها إلى سيئاتٍ، وكما
انتقد ذلك الإسكندري علينا بالأمس الرد على المعتدي على الإسلام من الذين قالوا: إنا
نصارى - انتقد علينا اليوم الرد على المعتدين على الإسلام من الذين قالوا: إنا
مسلمون. وحرموا علينا طعام أهل الكتاب وهو حلال بنص الكتاب المبين،
وحرموا علينا لباسهم وقد لبِسه الرسول الأمين، ومن أعجب فنون الجنون أن يشتمك
شاتم سرًّا، ويكلفك أن تشتم نفسك جهرًا، على أن هذا الجاهل أراد أن يذم فمدح!
فقال: إننا استبدلنا الطيب بالخبيث والحلو بالمر. ومعنى هذه العبارة في لغة القرآن
أننا جعلنا الطيب بدلاً من الخبيث، والحلو بدلاً من المر، والمعنى بعكس ذلك في
لغة الجاهلين وهو ما أراده السابّ.
أما ما كان من أمر مجلس الشورى والحكومة؛ فإن الحكومة خاطبت وكيل
إنكلترا السياسي في الأمر؛ لأن الذي يصدر تلك المجلة الخاطئة إنكليزي، فخيَّر
اللورد كرومر الحكومة بين محاكمته واستتابته فرضيت بالثانية فوبخه اللورد
واستتابه. ولما انبرى مجلس الشورى لهذا الأمر قام أحداث السياسة يفتجرون في
جرائدهم ويفتخرون زاعمين أنهم أنصار الدين، وأصحاب الغيرة على الإسلام
والمسلمين، وأنه لولاهم لم يتعرض مجلس الشورى لمخاطبة الحكومة في شأن تلك
المجلة. ومن عجائب فوضى هؤلاء الأحداث أن واحدًا جديدًا منهم قام يعترض على
أكبر المنتصرين للدين، ويرميه بالتقصير في مقاومة بشائر السلام، ويعلم أو لا
يعلم أنه لولاه لَمَا قال أحد كلمة في هذا الانتصار فيما نظن، ولو كان هذا وغيره من
أصحاب الدعوى العريضة يحبون الدين ويغارون عليه أو لو كانوا يعرفونه لعرفوا
أنصاره، واتخذوهم أئمة لهم لا أعداءً وأضدادًا.
وإننا نرجو أن تُرد إلينا الأجزاء تلك المجلة التي أخذها بعض أعضاء المجلس
لنتم الرد على تلك الشبهات المموهة: {لِئَلاَّ يَعْلَمَ أَهْلُ الكِتَابِ أَلاَّ يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ
مِن فَضْلِ اللَّهِ وَأَنَّ الفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الفَضْلِ العَظِيمِ} (الحديد:
٢٩) .