للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: محمد رشيد رضا


التعليم الإسلامي في سيراليون

جاء في مجلة سيراليون الأسبوعية الإنكليزية (عدد ٢٩م ٢٠) تحت هذا
العنوان ما يأتي:
يخضع سكان هذه المستعمرة منذ بدء استعمارها أتم الخضوع للحكومة
الإنكليزية، وقد كان السير تشارلس ماك كارثي حاكم سيراليون - بين ثمانين
وتسعين سنة مضت - أول من وجه أنظار الحكومة الإنكليزية إلى فائدة تسهيل
المواصلات مع المسلمين القاطنين في البلاد الواقعة شرق سيراليون وسنغال ,
وكان يومئذ حاكم المقاطعتين إذ كانت سنغال من الأملاك الإنكليزية، وهو أول من
حول تجارة مقاطعات البربر إلى الشاطئ الغربي، وذلك بما كان يبديه من الكرم
والمجاملة لزعماء القبائل المحمدية الذين كانوا يأتون إلى الشاطئ تباعًا تلبية
لدعوته.
ولكن أعمال السير تشارلس ماك كارثي كانت تجارية بحتة؛ فإنه لم يحلم بأن
سيصبح أولئك الأقوام جزءًا من الإمبراطورية الإنكليزية في وقت من الأوقات،
وأنهم يحتاجون حينئذ إلى الدرية العلمية والسياسية ليكونوا عضوًا عاملاً في جسم
المملكة.
ولم يكن إلا في الثلاثين سنة الأخيرة أي منذ تولى السير أرثور كنيدي إدارة
تلك البلاد، أن اعتنى بتوسيع دائرة التعليم في المستعمرة لكي تضم المسلمين إليها.
وقد كان السير أرثورك كنيدي وخلفه السير جون بوب هنيسي ميالين أشد الميل إلى
تعليم المسلمين العلوم الغربية؛ لأنهما رأيا فيهم نشاطًا يُمَكِّن الحكومة من الاعتماد
عليهم في أعمالها الداخلية، وقد لحظا أن المسلمين هم الشعب الوحيد المستنير بنور
المدنية، والذي يؤلف هيئة اجتماعية في تلك الأقطار المظلمة، وأنه يمكن
بواسطتهم إخضاع جميع القبائل العظيمة في داخلية البلاد.
وفي عهد هذين الرجلين تمهدت الطرق للإنكليز في جميع المقاطعات الواقعة
بين سيراليون وسوكوتو، وكان في إمكانهم إنشاء مراكز سياسية، ودورًا علمية
متصلة بعضها ببعض بين سيراليون وهوسالاندر , ولكن ذلك أصبح مستحيلاً الآن
لدخول القوات الأجنبية , ومدها نفوذها في تلك الجهات. ومع ذلك فإن الساسة
الإنكليز يرون أن انتشار التعليم بين المسلمين في سيراليون لا يخلو من التأثير فيما
بقي من الأراضي الواقعة وراء المستعمرة في قبضة الإنكليز. ولا شك في أن إقامة
مدرسة للمسلمين ينطبق تعليمها على معتقدهم تجذب إلى المستعمرة جميع أهل
وطنهم والمتدينين بدينهم في قلب القارة.
ولكن أهم ما حمل الحكومة على إنشاء مدارس إسلامية أساسية في سيراليون
هو أن هذه المستعمرة التي هي المستعمرة الإنكليزية الوحيدة على الشاطئ، والتي
يتكلم باللغة الإنكليزية في جميع أنحائها يجب أن تكون قاعدة لمدرسة جامعة يعلم
فيها الشبان المسلمون العلوم العالية من علوم الإنكليز والغرب، وقد أشار الحاكم
ناتان إلى شيء من هذا القبيل في خطابه الذي ألقاه في ٧ أغسطس ١٨٩٩؛
إذ افتتح المدرسة الإسلامية في مدينة فوله قال:
إني أعتقد أن فتح هذه المدرسة سيكون فجر يوم باسم في التعليم الإسلامي ,
وأنه لا يمضي بضع سنين حتى يكون في سيراليون مدرسة جامعة تنبعث منها
الحكمة والمعرفة، وتنبسطان فوق جميع أرجاء غربي أفريقيا.
وهذا القول الذي فاه به الحاكم المذكور في ذاك الحين قد رددت صداه السياسة
الإنكليزية في الوقت الحاضر، وذلك بالنظر إلى ما تراه من التبعة الملقاة عليها
إزاء العدد العديد من الشعب الإسلامي الذي يقطن غربي أفريقيا وقلبها.
وقد انتبه الرأي العام الإنكليزي إلى أهمية تعليم مسلمي أفريقيا العلوم الغربية
على أثر قيام اللورد كتشنر ومناداته بطلب المال لتأسيس مدرسة جامعة في
الخرطوم لتعليم النشء الإسلامي.
وقد قال اللورد كتشنر في مخاطبته الشعب الإنكليزي: (إن علينا تبعة كبيرة
ملقاة على عواتقنا؛ فإن على الفاتح أن يهذب ويمدن. والعمل الذي قامت العقبات
في سبيله بعد موت غوردون يجب أن يجدد الآن؛ ولذلك أقترح أن تؤسس في
الخرطوم مدرسة جامعة بمال الإنكليز تنسب إلى اسم غوردون لإحياء ذكره، ولتدل
على أننا لا نزال نذكر هذا الرجل العظيم، ولنحقق أمانيه التي كان يسعى إلى
الحصول عليها، ولا يلزمني أن أضيف إلى قولي هذا أنه لا يجب أن نتداخل بعملنا
هذا في دين القوم، والمدرسة التي اقترحت إنشاءها ستوضع لها خطة تعليمية بحتة،
ولا يجب أن يدخل عليها شيء من الدروس الدينية. وسنجلب إليها التلامذة من
مسلمي السودان، وإني واثق بأن اتخاذ المدرسة للتعاليم الدينية يذهب بالفائدة
المطلوبة منها) .
وقد اقترح اللورد كتشنر هذا الاقتراح بعد ستة أشهر من إلقاء الماجور ناتان
لخطابه عند افتتاح مدرسة فوله.
فغربي أفريقيا في حاجة الآن إلى مدرسة جامعة كالمدرسة التي أسسها اللورد
كتشنر. فالحكومة الإنكليزية أنشأت خمس كليات في الهند على طراز كلية لندره.
وهذه الكليات أنشئت في كلكوتا ومِدْرَاس وبومباي والله أباد وبنجاب. ومن
الأسف أن يقال: إنه رغم التسهيلات الكبيرة التي أوجدت للتعليم في تلك الجهات
مدة جيلين على الأقل لم يكن للتلامذة حتى الذين حازوا قصب السبق منهم أدنى إلمام
بالحياة العملية، والحالة هناك سائرة من سيئة إلى سوءى.
والوطنيون الأذكياء قد شعروا بهذه الحالة السيئة منذ سنين عديدة. وجميع
حكام المستعمرة انتقدوا الخطة التي تسير عليها المدارس، والسير أرثور كنيدي
شعر بهذا الاحتلال بين عامي ١٨٦٨ و١٨٧٢. وفي عام ١٨٧٢ تقدم بعض زعماء
الوطنيين بقيادة المرحوم المستر ويليام غرانت من السير جون بوب هنيسي الذي
كان حاكمًا على المستعمرة يومئذ، ورفعوا إليه عريضة يطلبون فيها من الحكومة
إنشاء كلية لغربي أفريقيا في سيراليون، فأعجب الحاكم بشعورهم هذا، ووافق
على مشروعهم، وأبدى آراء عديدة بهذا الشأن أدرجت في ذاك الحين في جريدة
(النيجرو) ، ولم يفكر في إنشاء كلية للأشراف وذوي الثروة، بل كان من رأيه
تأسيس كلية جامعة في غربي أفريقيا غير مختصة بأولاد الرؤساء وذوي اليسار،
بل يدخلها أيضًا أبناء الفقراء الذين فيهم قابلية للعلم ليتغذوا بلبان العلوم أسوة بأبناء
الكبار، كما كانت الحالة في كليات أيرلندا وفي كليات أوربا. وقد كتب الحاكم بهذا
الشأن إلى اللورد كمبرلي الذي كان وزير المستعمرات في ذاك الحين؛ ولم يعارض
الوزير في هذا الأمر، ولكن الحاكم كنيسي الذي كان مصممًا على إنفاذ هذا
المشروع غادر المستعمرة في أثناء المناقشات التي كانت جارية بهذا الصدد فأهمل
المشروع يومئذ , ولكن تأثير هذه المناقشات ظل سائرًا، وقد لوحظ أن إلحاق
مدرسة خليج فوره العليا بكلية درهام كانت نتيجة ذلك المشروع.
ولا يوجد بلاد في العالم أحوج إلى التعليم من هذه البلاد؛ لأن عليه وحده
يتوقف الإصلاح. فالآراء التي تحكم العالم في هذه الأيام تتشعب جذورها ببطء،
ولكن تشعب الجذور في هذه البلاد أبطأ منه في غيرها، فالرجل الذي يُرجى منه
أن يكون معلمًا أو مُصْلِحًا في هذه البلاد يجب أن يعامل بمنتهى الصبر والأناة.
ولكن النتيجة لابد أن تكون مرضية، ولو بعد حين، ولذلك لا يجب أن يهمل
أي مشروع يكون من ورائه النجاح عاجلاً أو آجلاً. ففي الختام نزف التهاني إلى
السير تشارلس كنج هارمان حاكم المستعمرة الذي قام بهذا المشروع العظيم، ولا
شك أن مسلمي تلك البلاد يقدرون أعماله حق قدرها. اهـ وكتبت المجلة في هذا
العدد أيضا ما يأتي:
***
افتتاح مدرسة إسلامية
جديدة أميرية في سيراليون
بعد ظهر الاثنين في ١٤ مارس احتفل حاكم مستعمرة سيراليون السير
تشارلس كنج هرمان بافتتاح مدرسة إسلامية أميرية بحضور جم غفير، وقبل
الموعد المحدد اجتمع عدد كبير من المسلمين وغيرهم في الشوارع منتظرين قدوم
الحاكم وأتباعه، وعند قدومه أحاط به القوم تتقدمهم (البالانجاي) وهي موسيقى
وطنية فأخذ بعض مشاهير العازفين يعزفون عليها، وانتخب اثنتان من نساء
(البللي) لتنشدا مديح الحاكم، واللاِّدي كنج هارمان اتباعًا لعادة بعض قبائل البلاد
الداخلية، وهي أنه عند إقبال أحد الرجال العِظَام عليهم يَأْتُون ببعض النساء
المغنيات ليعدوا مآثره بالنشيد. وقد أحدثت هاتان المغنيتان تهييجًا بعبارات الإطراء
التي فاهتا بها. ولما دخل الحاكم غرفة المدرسة التي كانت الطريق المؤدية إليها
مزدانة بالأعلام وبأغصان النخل، نهض الأولاد وأنشدوا نشيد الملك، ثم مشى
الحاكم وجماعته وصعدوا إلى فسحة مرتفعة حيث كانت الكراسي معدة للزائرين.
وقد كانت غرفة المدرسة قبلاً قذرة وغير منتظمة، ولكنها أُصْلِحت الآن،
وأصبحت آية في النظام والرونق.
وقد أنشئت هذه المدرسة بناءً على مشروع جديد أُريد به ضم مدرستي
ماندينفو وفوله وجعلها مدرسة واحدة، وانتخب لها ناظر مدرب، ومعلمون ذوو
كفاءة. وقد كان تحاسد القبيلتين حائلاً دون هذا الضم والوحدة في العمل، ولكن ما
أُلقي على زعمائهما من الوعظ والإرشاد جعلهم يقدرون الاتحاد والتعاضد حق قدره
فنبذوا التباغض والتحاسد وراء ظهورهم، وتوافقوا على المنفعة العامة لأولادهم.
وبعد استقبال الحاكم بدأ الإمام عبد العزيز بالدعاء , ثم رتل التلامذة ترنيمة
إسلامية باللغة العربية، ثم تلا الألفا إسكندر تقرير مدرسة الماندينغو، وعقبه الألفا
الحسين بتقرير المدرسة الإسلامية، وقدم التقريران إلى الحاكم، ثم قام الحاكم
لإبداء ملاحظاته , فقوبل بأصوات الابتهاج. وبدأ أولاً بشكر الجمع الحاضر من
مسلمين ومسيحيين على حسن استقبالهم له وللاِّدي كنج هارمان، وأبدى لهم عظيم
ارتياحهما إلى المهمة التي أتيا من أجلها، وهي ضم المدرستين، وجعلهما مدرسة
واحدة. وقال: إن مدرسة الماندينغو أسسها الحاكم ناتان في عهد توليته إدارة
المستعمرة، وأراد بتأسيسها تعليم أولاد القبائل الداخلية اللغتين العربية والإنكليزية،
وقال: إنه لما زار المدرسة في أبريل العام الماضي وجد فيها ما لا يسر الخاطر،
فبدلاً من أن تكون مدرسة إسلامية وجدها مدرسة مسيحية خلافًا لما كانت تنويه
الحكومة من إنشائها. فرأى إذ ذاك أن يسحب من متولي المدرسة رخصة الحكومة؛
لأنهم لم يسيروا بموجبها، وسرَّ بأن عمله هذا أدى إلى نتيجة حسنة. وقد عاش
بينهم مدة طويلة، وعرف الطرق التي تعود عليهم بالمنفعة من وراء التعليم , فبينما
كانت الحكومة راغبة في تعليمهم ما ينطبق على دينهم كانت أيضًا راغبة في
تعليمهم اللغة الإنكليزية التي تساعدهم على العمل والارتزاق. وإنه ليدهش حين
يرى قسمًا منهم يعارض في تعليم اللغة الإنكليزية , فلا يبرحن أذهانهم أنهم مع
كونهم مسلمين فهم أيضًا رعايا الحكومة الإنكليزية، وتعلم اللغة الانكليزية يوصلهم
إلى معرفة ما هو جار من الأعمال العظيمة في العالم، وليس في نية الحكومة أن
تبدل جنسيتهم فتجعلهم إنكليزًا، بل تريد أن يبقوا أفريقيين، ولكن تعلم اللغة
الإنكليزية يساعدهم على حياتهم القومية، وعلى أعمالهم.
ثم أبدى أسفه لوفاة ناظر المدرسة الأول سانا جاوارا فقد كان رجلاً طيب
القلب، وصديقًا له، ولكنه سُرَّ بعد وفاته أن رأى الوسائل متخذة لإصلاح حالة
التعليم في المدرستين، وأنهم عولوا على إزالة النفور من بينهم , وعلى العمل يدًا
واحدة لمنفعة أولادهم. فلا يتمكن شعب من الشعوب من السعي في خير وطنه إلا
بتكاتف أعضائه، والمباراة تعود بالربح في بعض الأحيان، ولكنها إذا أفضت إلى
سفك الدماء؛ فلا تكون عاقبتها إلا الخراب والدمار. وإنه ليسر بأن يراهم الآن
متعاضدين، ويشتغلون يدًا واحدة للنفع العام.
وفي الختام حرضهم الحاكم على التمسك بالطرق المعدة لهم الآن، واتخاذها
وسيلة لإصلاح حالهم، وقال إنه واثق بأن كل فرد منهم يسعى في جعل المدرسة
مركزًا للنور تنبعث منه الأشعة إلى القبائل التي يتألف منها الشعب، ثم أعلن الحاكم
فتح المدرسة.
وبعد ذلك أديرت المرطبات، ثم أخذ التلامذة ينشدون الأناشيد , وانصرف
الجمع في الساعة الخامسة ونصف، وصحبت الموسيقى والمغنيتان الحاكم وقرينته
إلى دار الحكومة.
وقد كان في جملة الذين جلسوا مع الحاكم الإمام جامبوريا والألفا دارامي،
وعبد العزيز، والمستر باكارد، والمس باكارد، والمستر جونسون، وقرينته،
والمستر توماس، ورئيس الشمامسة ماكولي والمستر كومبر مدير عموم سكة حديد
سيراليون، والمستر ماي. وقام بإعداد معدات هذه الحفلة الدكتور بليدن مدير
المدارس الإسلامية. اهـ
(المنار)
إننا نوهنا في مجلد المنار الرابع (ص ٧٠٧) بافتتاح مدرسة فوله في
سيراليون، وقلنا في فاتحة الكلام: (إنه لا توجد بلاد إسلامية أعطي أهلها من
حرية التعليم ما أعطي البلاد التي استعمرها الإنكليز. فعلى مسلمي تلك البلاد أن
يهتموا بالتعليم بالعربية، والإنكليزية، وأن يتركوا التنازع المبيد. ولنا عودة
لنصحهم إن شاء الله تعالى.
***
المنار
وجاء في العدد ٣٠ من مجلة سيراليون أيضًا تحت هذا العنوان ما تعريبه:
هذا اسم مجلة عربية تطبع في القاهرة. وقد ورد علينا عدد فبراير منها، وفيه
مقالة ضافية الذيول عن مسلمي سيراليون يتضمن إلماعًا إلى بدء نشر التعليم
الإنكليزي بينهم. وفي هذه المقالة أيضًا إشارة إلى كتاب الدكتور بليدن عن
النصرانية والإسلام، والجنس الأسود مع إبداء الأسف والتصريح بأن هذا العمل لم
يعد معروفًا عند مسلمي الشرق.
وقد علمنا أن كاتب هذه المقالة هو مسلم شرقي متوطن في فريتون، وعلمنا
أيضًا أنه كان حاضر افتتاح المدرسة الإسلامية الجديدة في يوم الاثنين ١٤ مارس،
ولابد أن ينشر بعض مقالات أخرى في المجلة المذكورة.
وقد ذكرت المنار وصول هارون الرشيد إلى القاهرة منذ بضعة أشهر، وهو
شاب مسلم من مدينة فوله في هذه البلاد.
وقد تمكن الشاب المذكور من دخول الأزهر بمساعدة صاحب المجلة، وهذا
الجامع لا يزال يجذب إليه الطلبة من جميع أقطار العالم الإسلامي، وحبذا لو أمكننا
الحصول على معلمين من ذاك الجامع الشهير ليقوموا بتعليم تلامذتنا التعاليم
الإسلامية. اهـ