للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: تلميذة من دمشق


الرجل والمرأة في دمشق
رسالة من الفتاة الدمشقية المهذبة صاحبة التوقيع الرمزي

حضرة الأستاذ العالم الفاضل الشيخ محمد رشيد أفندي رضا صاحب جريدة
المنار الأغر لازال ملجأ لكل خير.
الغرض من المناظرة التوصيل للحقيقة , ولجريدتكم الغراء السبق في هذا
الميدان الذي أعرف نفسي بأني لست من فرسانه وأن دخولي فيه يعد تطفلاً مني
على ذويه , لكن شدة غيرتي على بنات نوعي ذوات الخدر اضطرني للدفاع عنهن
على قدر بضاعتي واستطاعتي، فأقول: طالعت مقالة للفاضل س. ع مدرجة في
عدد ١٤٨٥ من جريدة ثمرات الفنون الغراء , فرأيت حضرة الكاتب من جهة
يعترف بأن الرجل في دمشق لم يكن أحسن أخلاقًا من أخته، وأنه هو الذي جعلها
بالدرك الأسفل من الجهل، ومن جهه أخرى ينعطف ويوجه الملام عليها بتبذير
ابنها بقوله: إن أمه هي السبب , فإنه لما شرع بالمشي وأخذ يخرج إلى السوق
بدأت هي تعطيه نفقة (خرجية) وتعوده على الإسراف والتبذير ... إلخ.
فأجيبه إنه لم ينصف أخته المسكينة التي كان الرجل هو الذي ضغط عليها
أولاً حتى هوت بأولاده في هاوية الجهل كما ترى، فبأي عدل يحق لأخيها توجيه
الملام إليها مهما أساءت التصرف سواء كان بسوء التربية أو بغيرها , وهو السبب
فيما يشكو منه؛ إذ هو صاحب السيطرة عليها , وبيده إدارة التعليم وما بيد شريكته
غير خدم المنزل , فما دامت الحالة على ما ذكر فمن المسئول والمطالب يا ترى،
هل الرجل أم المرأة؟
هل المرأة هي التي قالت لابنها: إذا كبرت يا بني فأخرب ما بناه أسلافك من
مدارس العلم والتعليم، واجعل البعض منها بيوتًا لسكناك , والبعض بيتًا لمركبتك ,
والبعض إسطبلاً للدواب، والبعض قاعًا صفصفًا يأوي إليه الغراب، وابتلع ما
وقفه أسلافك على هذه المدارس، ولا تُبْقِ لها غير الاسم بكتاب المدارس؟ [*] هل
المرأة هي التي علمت ابنها الخزعبلات، وقالت له: اترك طلب العلم وتزيَّ بشعار
العلماء حتى تغش بأقوالك وأفعالك الظاهرة البسطاء من إخوانك وأخواتك , واترك
التجارة والصناعة والزراعة , واتخذ لك مهنة خرافية فادَّع أنك مشارك للعفاريت
والجان، وأنك قادر على إخراج الشياطين المردة ممن أصابتهم أمراض عصبية من
بني جنسك، وأنك قادر على الإعلام بالمغيبات , وأنك تخرج الثعابين والحيات من
أحجارها , وأن النار إذا دخلتها تكون عليك بردًا وسلامًا , وأن أمضى السلاح لا
يؤثر بجسمك , وأنك قادر بطلاسمك على التفريق بين المرء وزوجته , وأنك قادر
على صلاة المغرب في دمشق والعشاء في بغداد , وما شابه ذلك من الخرافات
والدعاوى الكاذبة والخزعبلات اللاتي يندر صدور أمثالها عن النساء الجاهلات
الللاتى ينحصر حديثهن في الأزياء (الموضة) والخياطة والرجال يقولون فيهن:
طويلات الشعور قصيرات العقول.
وأما نداء حضرته أبناء وطنه ودعوتهم إلى تهذيب بناتهم، وأن يبذلوا الدراهم
على تعليمهن كما يصرفونها على تعليم أبنائهم , فإننا مع موافقته على وجوب
التعليم نطلب منه طلب استفادة أن يدلنا رعاه الله على مدرسة وطنية في دمشق
أو في نواحيها يمكن أن تجاب فيها الدعوة التي هي بالحقيقة ضالتنا المنشودة حتى
أكون أول منادية مع حضرته , وأكون لحضرته من الشاكرين. فإن كان مراده
التعليم بالمكاتب (الكتاتيب) الموجودة , فنعيد هنا ما قلناه في مقالة سابقة من
أن هذه المكاتب ملأى من كلا النوعين الذكور والإناث , على أنها غير وافية
بالمطلوب لأن التعليم فيها محدود. وإن كان مراد حضرته إرسال البنات إلى
مدارس الأجانب كما يرسل البنون، فنحن وإياه على طرفي نقيض، وأظن أنه لا
يوافقه على هذا إلا قليل من الآباء.
قد تحقق عند كثير من الآباء والأمهات بدمشق ضرورة تعليم البنات اللائي
سيصرن أمهات ما يُحْسِنَّ أهم أعمالهن؛ وهي تربية الأولاد الذين تتألف منهم العيال
والطوائف والأمم , والذين سيكونون رجال ونساء المستقبل لأن الأطفال عندما
يكونون في أحضان أمهاتهم يرضعون من ألبانهن ينتقل إليهم كثير من عاداتهن
وصفاتهن ونطقهن , ويقتدي الولد بوالدته في كل ما يسمع منها ويرى. لذلك نرى
أن من يريد تعليم بناته يجب عليه أن يصرف عليهن مثلما يصرف على تعليم بنيه،
لكن المانع من ترقية التعليم عدم وجود مدرسة كما تقدم، ولا أنكر وجود أناس
أيضًا لا يزالون يرون تعليم البنات من الأمور المنكرة لأن المرأة بحد ذاتها عندهم
كمتاع البيت، وأن الواحد إذا صرف وقته بتعليم البقرة الحرث أفضل له من صرفه
في تعليم بنته لاعتقاده أو خوفه من أن تصير ساحرة.
وأما قوله: إنه عجز الآن عن تأسيس مدرسة بدمشق لأجل تهذيب إخوانه
وأخواته ... إلخ، فأقول في جوابه: إنه لا يخفى على حضرته ما نقله إلينا التاريخ
عما كان يعانيه ويقاسيه أعاظم الرجال الذين كانوا يتصدون لأي مشروع جديد سيما
إذا كان مخالفًا لما ألفه الأكثرون، ولو كان مؤكدًا فيه النجاح من الإهانة والهزء بهم
وبأعمالهم حتى كان السواد الأعظم يرى عمل أحدهم ضربًا من الجنون، ومع ذلك
يثبتون ولا يرجعون عن عزمهم حتى خلد ذكرهم، ووضعوا لذاتهم ذكرًا حميدًا على
صفحات التاريخ , فيجب علينا أن نقتدي بهؤلاء الرجال، ولا نهمل أي مشروع
يكون من ورائه النجاح عاجلاً أو آجلاً , وأن نترك ما نحن عليه من التكاسل ومحبة
التعظيم الكاذب والتبجيل الفارغ , وأن ننتبه من غفلتنا، ونصحو من رقدتنا،
وننظر لحالتنا , ونقابلها على حالة جيراننا الذين سبقونا بكل شيء , ونشمر عن
ساعد الجد والاجتهاد، ونتعاون كما أمرنا على البر والتقوى، وأن نؤلف جمعية من
نخبة الشبان العلماء البعيدين عن الخرافات , ونباشر بمعرفتها جمع المال اللازم
لتأسيس مدرسة وطنية لأجل تعليم البنين والبنات تكون على أحسن طراز إن شاء
الله وبه المستعان وعليه الاتكال.
... ... ... ... ... ... ... ... ... (ف.ع)
... ... ... ... ... ... ... ... التلميذة في دمشق