للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: محمد رشيد رضا


التقريظ
(مقدمة ابن خلدون مع رحلته)
مقدمة ابن خلدون غنية عن التعريف والتقريظ , لا ينكر عارف مكانتها في
فلسفة التاريخ وعلم الاجتماع، ولا فائدتها في ترقية العقل واللسان. وقد طبعت
على حدتها مرات كثيرة، وطبعها أخيراً السيد عمر الخشاب الكتبي الشهير، وطبع
على هامشها رحلة المؤلف، وجعل ثمنها مع ذلك خمسة قروش.
ولو طبع الرحلة وحدها وباع النسخة منها بخمسة قروش؛ لما شككنا في
رواجها لما فيها من الفوائد العلمية والأدبية والتاريخية، والقصائد والتراجم
والحوادث المحررة بذلك القلم البليغ. وهذه الطبعة بحروف إستانبولية جميلة لا
كطبعة العقد الفريد، وهي تطلب من مكتبة الطابع الشهيرة , ولا شك أن ستلاقي
رواجًا عظيمًا.
***
(كتاب تطبيق الإجراءات القانونية على مواد قوانين المحاكم الأهلية)
لا يستغني من يقيم في بلاد عن معرفة قوانينها التي يعامل بها في الإجارة
والقضاء , فإن الحاجة إليها لتعرض للإنسان في أوقات يعوزه فيها المحامي وغيره
من العارفين؛ فيحار ولا يدري ما هو صانع. وقد أحس بهذه الحاجة أحمد أفندي
حسن رئيس المحضرين في محكمة الاستئناف الأهلية , فألف كتابًا في ذلك , أرشد
فيه محتاج معرفة القانون إلى ما ينبغي له عمله عند عروض الحاجة , فبين له حق
إقامة الدعوى وكيفيتها، ورسومها ومواعيدها، وطرق استئنافها وتنفيذ الأحكام
وغير ذلك. وأودع كتابه هذا مجموعة المواعيد القانونية، وقانون القرعة العسكرية
والقانون النظامي، ولائحة التنظيم ولائحة المحاكم الشرعية، وغير ذلك من
القوانين واللوائح والأوامر العالية الناسخة والمخصصة. وقد طبع الكتاب في
مطبعة الشعب , فزادت صفحاته على الخمسمائة , وجعل ثمن النسخة منه عشرين
قرشًا , وهو يطلب من مكتبة الشعب بمصر.
***
(صحة المرأة في أدوار حياتها)
(وهو مختصر في القواعد الصحية التي ينبغي أن تتبعها الفتاة حال البلوغ
والزواج , والمرأة في الحمل والولادة والنفاس والرضاع ووظيفتها نحو أطفالها)
تأليف الدكتور أحمد أفندي عيسى الذي كان طبيبًا في مستشفى المجاذيب. وقد قال
المؤلف أنه اعتمد في تأليفه هذا على أشهر المؤلفات الفرنسية والإنكليزية الحديثة،
والكتاب مؤلف من ١٩ بابًا في المرأة جسمها وعقلها وبلوغها, وفي الزواج سنه
وموانعه، وفي العقم والحمل والوضع والإجهاض والرضاعة والأطفال، وما
يعرض للنساء في جميع الأطوار من الأمراض , وما يعرض كذلك للأطفال،
وكيفية المعالجة ومداواة الصحة، وكيفية التربية الجسدية بالتفصيل. وفي هذه
الأبواب فصول كثيرة وفوائد غزيرة، لا يستغني أحد عن مطالعتها , ولا مطالع
إلا ويستفيد منها على ما فيها من الاصطلاحات الطبية، وإننا نذكر للقارئ نموذجًا
من الفصل الثالث من الباب الأول ليرى الفرق بين الإشارة إلى هذه الأبواب وبين
ما يدخل فيها من الفوائد. وهذا الفصل قد عقده المؤلف لبيان الوقاية الصحية في
الزواج قال:
(للمدنية الحاضرة سيئات بقدر ما لها من الحسنات , فمن سيئاتها أنها سهلت
انتشار كثير من الأدواء العفنة المعدية التي تنتقل بالوراثة من السلف للخلف , فلكل
شيء آفة من جنسه. وهذه الأدواء تفعل بالأمم خفية ما كانت تفعله الأوبئة ظاهرًا في
سالف الزمان , فتنخر في جسم الأمة نخر السوس في عيدان الخشب من تصرم
حبالها وتقطع أوصالها , فتوردها موارد المهلكة والفناء. كل ذلك والأمة لاهية كأنها
في حالة خدر عام , فلا تكاد تستقيظ إلا والبلاء محيط بها إحاطة السوار بالمعصم) .
ثم بين أن اتقاء هذه الأدواء يكون باتقاء الأمراض التي تنتقل بالزواج والوراثة ,
وقال:
(وبما أن الوراثة هي انتقال الطباع والصفات والحواس من الأسلاف
للأعقاب؛ لزم قبل الزواج أن يلاحظ خلو الزوجين من الأمراض الوراثية أو
المعدية أو المسببة لهلاك أحدهما إذا تزوج , وأهم ما يجب الالتفات إليه والتبصر
فيه عند الزواج الأحوال الآتية وهي:
(١) القرابة (٢) السيلان الصديدي (٣) الزهري (٤) السل الرئوي (٥)
الإدمان على السكر (٦) الأمراض العصبية (٧) تشوه أعضاء التناسل (٨)
ضيق الحوض (٩) التشوهات الخلقية (١٠) أمراض القلب والكبد والكلى
(١١) الأمراض الدياتيزية (أي المتعلقة بالبنية) (١٢) الأورام.
وقد ذكر في الكلام على السيلان والزهري ما يجب أن ينعم النظر فيه الشبان
المصريون الذين اعتادوا الفواحش غير مبالين بأرواحهم ولا بأجسادهم ولا ببلادهم
وأمتهم، وقال في الإدمان على السكر الذي فشا فيهم ما نصه:
(الإدمان على السكر أو التسمم الغولي هو نتيجة الاستمرار على شرب
الخمور سواء كان متتابعًا أو متقاطعًا، وليس هو التأثير الوقتي الناتج عن شرب
كمية عظيمة منها في آن واحد المعبر عنه بالسكر الذي تزول أعراضه بمجرد
توزيع المشروب في البنية.
وللإدمان على السكر تأثير واضح في الشخص وفي سلالته؛ فأما تأثيره على
الشخص فمعلوم للمدمنين عليه وغيرهم , وأما تأثيره على النسل فإن الشخص
المتسمم به ينتقل سمه وعلله إلى ذريته من بعده فهو خطر عليه وعلى عائلته
وذريته معًا، وعلى الأمة والنوع الإنساني بالتالي.
ولقد عرف بالبحث أن الغول (الكئول) يسكن في أعماق العناصر التشريحية
للجسم , وعلى الخصوص في الخلايا العصبية التي تضطرب إذ ذاك تغذيتها
ووظائفها، ويأخذ هذا الاضطراب والاستحالة في وظائف الخلايا في الانتشار
بطريق التلقيح؛ وإذا كان الغول يندي أخلاط الجسم وأنسجته , وبينها الخصية
والمبيضين , فلا غرابة بعد ذلك أن تكون الحيوانات المنوية والبويضات نفسها قد
غشيها من الفساد ما غشيها، أو تكون ذرية المدمنين قد أصيبت بالسقوط العصبي
الذي يدل عليه سرعة التهيج والتشنجات العصبية التي تحدث في سن الصغر
والصرع والبله، وضعف القوى العصبية العضلية التي تحدث في سن الشيخوخة.
ومما يزيد الإدمان على السكر خطرًا أنه بعد أن يقرع الشخص يتبعه في نسله
وذريته , ومن يولد من أبوين مدمنين وليس هو بمدمن , فإنه يحمل آثار الضعف
البنوي، ويكون عرضة للإصابات باضطرابات قد تنتهي بالعته أو الشلل أو العقم ,
وقد أثبت بالتجارب هذه الوراثة كل من توميف ومارسيه وكرونر ولازيج
وديجيرين وجرنيه وفورنيه ولانسروه وفيريه وكثيرون غيرهم.
وبما أن تأثير الخمور يكون بالأخص على المجموع العصبي، فأولاد المدمنين
عليها يكونون في الغالب عصبيين، فيصابون إما بآفات كبيرة في المراكز العصبية،
وإما باضطرابات في الوظائف العصبية فقط، وكذلك يصابون بعلل وراثية شاذة
شبيهة بالعلل الوراثية الزهرية أو الدرنية العديمة القياس كالعلل الناشئة عن فساد
التغذية (الديستروفيات) ووقوف النمو وغرابه الخلقة.
وللوراثة هنا كذلك تأثير قاتل على الجنين وعلى الطفل بعد ولادته حتى إنه قد
تلاشت بذلك عائلات بأجمعها في عقبين أو ثلاثة أعقاب. وزيادة على ما تقدم من
العلل قد تصاب ذرية المدمنين بتشوهات مضاعفة كعدم تساوي وتماثل الجمجمة أو
صغرها أو استسقاء الدماغ أو قصر القامة أو بتأخير أو انحراف في نمو القوى
العقلية كضعف الذاكرة والعبط والبله , أو تحفظ الحالة الصبيانية , أو أن تكون
سريعة التهيج والغضب , وكثيرًا ما تصاب كذلك بالهيستريا وما يتبعها من العلل
الحاسية والنفسانية كخلل التوازن في القوى العقلية , وعدم الاكتراث وضعف
الإرادة وشدة الانفعال , وتارة بحسن الأخلاق أو فسادها [١] .
فيعلم من ذلك ومن كثرة التجارب التي عملت أن وراثة الإدمان على السكر
هي حقيقية لاريب فيها، وعلى ذلك يجب منع زواج المدمنين على السكر في حالة
الخوف من رجوع الداء إذا لم يمتنع صاحبه عن الاستمرار فيه , وكذلك متى كانت
النتائج الناجمة عنه ذات خطر) اهـ وثمن الكتاب عشرون قرشًا فنحث كل قارئ
على مطالعته.
(قصة الأخ الغادر وما يتبعها)
لقد أحسن صاحب (مسامرات الشعب) في اختيار قصصها هذه الكَرة ما لم
يحسنه من قبل؛ إذ اهتدى إلى قصص متعددة في الصورة متحدة في الحقيقة , فيها
روح من الأدب والفضيلة؛ أولها: قصة الأخ الغادر، والثانية: قصة (لو تعارفوا
ما تآلفوا) والثالثة: قصة (الأمريكية الحسناء) والرابعة: قصة (برح الخفاء) ،
وقد صدرت الثلاث الأول، وموضوعها: نبيل فاضل من الفرنسيس عشق فتاة
مهذبة خياطة زكية الطينة، فتحبب إليها بالمجاملة وحسن المعاملة , فأحبته على
تنكره وجهلها به، فخطبها إلى جدتها الكافلة لها فرضيتا به , فأودعها حملاً قبل
تسجيل عقد الزوجة , فانقطع عنها , فظنت هي وجدتها أنه خانها وهجرها , فاشتد
حزنها , وما كان هجره لهما بل للحياة الدنيا , فإنه كان يلاعب صديقًا له بالسيف ,
فسبقت إليه ضربة ففقأت عينه وفاضت روحه , وكان حدث صديقه القاتل بفاتحة
حديثه مع الفتاة، وبما عهد إلى المسجل من تسجيل عقد الزوجية , وإرجائه
الإفصاح باسم الفتاه له وللمسجل , فترك المسجل في ورقة العقد بياضًا ليكتب فيه
الاسم.
هذه فاتحة القصة أو القصص , وهى ليست بشيء , والحديث المفيد يبتدئ
بعدها عندما أراد الصديق القاتل والمسجل البحث عن الزوجة المستودعة وإرث
بيت ذلك النبيل ولقبه (مركيز) وكان له أخ خليع فاسد الأخلاق , وهو الأخ
الغادر , وحال دون ذلك ليكون هو وارث أخيه , فاستولى على أوراقه وأحرق منها
كل ما له تعلق بتلك المرأة، وعرف مكانها فخادعها حتى أخرجها من باريس إلى
الريف ليخفيها عن الصديق والمسجل , وذلك مفصل في القصة الأولى.
وترى في الثانية شابين التقيا وتحابا في حرب فرنسا لتونكين وهما ابن
المركيز المقتول الذي لا يعرف له أبًا , وابن المركيز الوارث بالباطل تحت قيادة
الضابط القاتل، وعودتهما إلى باريس معه وكانت والدة اليتيم قد أثرت، ووالد
الآخر قد أعدم حتى أشرف على بيع دارهم القديمة للدائنين. تلك أثرت بالعمل مع
الفضيلة والاستقامة، وذاك أملق بالمقامرة وسوء السيرة، ثم علم الأخ الغادر بأن
صديق ابنه هو ابن عمه، فحاول الإيقاع بينهما بعدما أحب ابن أخيه ابنته وأحبته ,
ورجوا أن يكونا زوجين، فكلف أبوها الخاطب بأن يتعرف بنسبه تعجيزًا له. وكان
الضابط بعد عودته عاود السعي في معرفة زوج صديقه المقتول , وكان وعد والدته
بذلك , فظهرت له بوادر النجاح , وكل هذا من مباحث القصة الثانية.
وأما الثالثة فموضوعها أن غانية أمريكية جاءت مع والدتها إلى باريس وبنت
لها فيها قصرًا مشيدًا، وأظهرت من دلائل البذخ والترف ما ألفتَ إليها أعناق شبان
باريس , وكانت من أصل وضيع، وقد جاءت تحتال بذلك على اصطياد زوج من
النبلاء , فأتقنت الحيلة , وكاد ابن المركيز أن يقع في فخها.
وفي القصص الثلاث من تقبيح الخلال الفاسدة والأخلاق القبيحة، والتنفير من
القمار , والترغيب في الفضائل لاسيما الوفاء وحسن الإخاء والشجاعة وكرم
الأصل - ما فيه عبرة للقارئ , ولذلك أطلنا من الكلام عليها , وستكون القصة الرابعة
كاشفة للغطاء أو مبينة للانتهاء، ولذلك سميت (برح الخفاء)