للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: محمد رشيد رضا


مكافأة امتحان التلامذة في الأزهر

لقد كان فيما حدث من الإصلاح في الأزهر بسعي الشيخ محمد عبده تعيين
ست مائة جنيه من الأوقاف مكافأة للطلاب الذين ينجحون في الامتحان السنوي الذي
جعل اختياريًّا؛ لأن الشيوخ المدرسين أبوا أن يمتحن طلاب العلم في الأزهر إلزامًا
لتعرف درجات تحصيلهم. وقد كان الأمير مساعدًا للشيخ على هذا التمهيد للامتحان
الإلزامي بالرضا والتنشيط للمجاورين الذين يغلب عليهم الفقر على الجد
والتحصيل , ولكن الشيوخ الذين يبغضون النظام كانوا كارهين لهذا العمل وطامعين
في جعل مكافأة الطلاب زيادة في رواتبهم وسعوا في هذا الأمر سعيه عند الأمير فلم
يفلحوا؛ لأنه على علم واختبار بفوائد الامتحان وفوائد المكافأة. وقد انبرى بعض
هؤلاء للطعن في العمل قولاً وكتابة , فزعموا أولاً أن هذه المكافأة ترغب
المجاورين في العلوم الحديثة أي التي قضى الإصلاح بإحيائها في الأزهر حديثًا
كالحساب والهندسة وتقويم البلدان والتاريخ والأخلاق الدينية والإنشاء , وتضعف
همتهم عن تحصيل العلوم الدينية , فكذبتهم جداول الامتحان وطريقته إذ ظهر أن
المكافأة على العلوم القديمة أكثر مقدارًا وأن الناجحين في العلوم الحديثة أنجح في
العلوم القديمة من سواهم. ثم انبرى بعضهم للطعن في نفس هذه العلوم الحديثة
لا سيما الحساب العملي وتقويم البلدان , فزعموا أنها ضارة مفسدة للعقول , ومن ذلك
ما نشره المؤيد بإمضاء الشيخ محمد راضي البحراوي الصغير وثابت بن منصور
الذي يقال أنه الشيخ محمد بخيت فرددنا عليهم نحن وغيرنا , ولم يفد سعي الشيوخ
شيئًا حتى قضت حوادث الزمان بأن يتقرب منذ عامين بعضهم من الأمير ويحملوه
على تحويل المكافأة على الامتحان إلى بعض الأشياخ، وكذلك كان , وحرم
الأزهر من هذا الضرب من الإصلاح وظهر لكثير من شيوخه المنصفين ضرر هذا
الحرمان وتحدثوا به؛ فتحركت أريحية الشيخ عبد الرحيم الدمرداش إلى إعادة
الامتحان، وكتب لمشيخة الأزهر ما يأتي بعد رسم الخطاب:
(بلغني من طرق متعددة , ومن مشايخ وطلبة لا أحصي عددهم أن الامتحان
الذي كان يجري في الأزهر لنيل المكافأة في كل سنة كان قد أفاد الطلبة , وبعث في
كثير منهم روح النشاط والاجتهاد في طلب العلوم التي تقرأ في الأزهر من قديم
الزمان نفسها فضلاً عن اكتساب فنون أخرى لم تكن من الدروس المقررة فيه من
زمن طويل، وأن جمهورًا عظيمًا من الطلبة خمدت نفوسهم بعد إلغاء ذلك الامتحان،
وأنه قد ضاع على الأزهر شيء كثير بذلك الإلغاء كما أكد لي ذلك من لا أحصي
عده من أهله , ولما تأكدت ذلك وأيقنت أن إعادة مثل هذا الامتحان أصبح مما
لا بد منه في زمن كثرت فيه حاجات الطلبة , وأنه يسوقهم إلى الطلب أمثال
المكافآت التي كانوا ينالونها عقب الامتحان، وكنت ممن يحب العلم أهله ويسعى إلى
ترقيته؛ رأيت أن أقدم من مالي الخاص مبلغ مائتي جنيه إنكليزي يصرف مكافآت
سنوية لمن يمتحن وتقرر لجنة الامتحان أنه من الناجحين المبرزين على من
سواهم في العلوم الآتية:
(١) علم التوحيد على شرط أن يقيم الطالب الأدلة على العقائد التي يسأل
عنها من نفسه لا أن يسرد ما يحفظه من عبارات المؤلفين بلا تعقل , وبذلك تعرف
درجته قي علم المنطق بالضرورة. (٢) علم الأخلاق الدينية الباحث عن الفضائل
والرذائل من جهة ما يسعد ويشقى بها في المعاش والمعاد. (٣) تفسير القرآن
الكريم من حيث هو كتاب سماوي أنزل ليحيي النفوس بمكارم الأخلاق , ويثير فيها
العبر بمن مضى ومن حضر , وكذلك الحديث الشريف. (٤) علوم البلاغة قواعدَ
وعملاً بحيث يدخل فيها الإنشاء وفن الكتابة , ويندمج في ذلك النحو بالطبع. (٥)
الفقه وأصوله معًا بحيث يمتحن الطالب في مسألة فقهية يردها إلى أصلها المعروف
في أصول الفقه. (٦) الحساب. (٧) الجبر. (٨) تقويم البلدان. (٩)
التاريخ.
وأعرض على مولانا أني أحب أن لا يدخل في هذا الامتحان من مضى عليه
أقل من ثماني سنين في الجامع الأزهر علي حسب سجلاته. أما بقية ما يلزم لضبط
الامتحان ليكون كافلاً بإعطاء المكافأة لمن يستحقها فذلك موكول إلى رأي مولانا
الأستاذ ورأيه الموفق إن شاء الله تعالى. وأرجو أن تتفضلوا علي بالجواب هل قبل
طلبي، والله يتولاكم برعايته) اهـ.
فكتب إليه شيخ الأزهر كتابًا رسميًّا بقبول طلبه مع الشكر علي أريحيته
وغيرته , ونحن نشكر له أيضًا هذه المبرة , ونرجو أن يقتدي غيره من الأغنياء به
في إحياء العلم والدين.