للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: محمد رشيد رضا


الأخبار والآراء

(حسن باشا عاصم)
ليس من شأن المنار أن يذكر من الأخبار , إلا ما هو محل العظة والاعتبار ,
وليس من الاتعاظ بالحوادث أبلغ من حوادث رجال الاستقلال والاستقامة، وقد شهد
كل من عرف حسن باشا عاصم من وطني وأجنبي أنه في مقدمة رجال العلم والعمل
والاستقلال والاستقامة والإدارة والنظام، عرفوا ذلك منه بالمشاهدة والاختبار إذ كان
رئيسًا للنيابة ثم قاضيًا أهليًا ثم رئيسًا للتشريفات الخديوية ثم رئيسًا للديوان الخديوي
وقد أخذه الأمير من كرسي القضاء إلى قصر الإمارة لما عرف عنه من الجد
والنظام وكانت دائرة التشريفات قبله مختلة فأقامها على نظام ثابت خضع له حتى
الأجانب ثم رقاه إلى أكبر وظيفة في القصر وهي رياسة الديوان الخديوي فكان
صاحب المؤيد يومئذ يفتخر بحسن اختيار الأمير للرجال تفضيلاً له على اختيار
الحكومة التي تخرج مثل حشمت باشا من المديرين وتقر فيها مثل فلان وفلان.
وقد حدث في أواخر رمضان أن أحال الأمير هذا الرجل على المعاش من
غير سبب ذكر في أمر الإحالة فدهش الناس لذلك وما فتئوا يلهجون به. وقد
اتفقت الجرائد المنتشرة التي لها رأي على الثناء على حسن باشا والاعتراف
بفضله واستقامته، ومن أصحابها من اكتفى بالشهادة له بالاستقامة والصدق في خدمة
الأمة وخدمة الأمير كصاحب المؤيد والأهرام ومنها ما ذكر مع الثناء تعليلاً للإحالة
على المعاش كالمقطم، فإنه ذكر أن حسن باشا في عدله واستقامته قد خلق لأن
يكون قاضيًا لا لأن يكون في بلاط الأمراء.. . وأما (اللواء) فإنه رجح أن
سبب الإحالة غضب الأمير على رئيس ديوانه منذ حدثت مسألة استبدال
مزرعة الأمير المعروفة بمشتهر بأرض لديوان الأوقاف في الجيزة، والمسألة
مشهورة وملخصها أن طالب الاستبدال كان طلب من ديوان الأوقاف ثلاثين ألف جنيه
زيادة فما رضي الديوان حتى أخذ منه عشرين ألف جنيه فكانت الخسارة
بالنسبة إلى طلبة الأول خمسين ألف جنيه وكان ذلك بموافقة حسن باشا إذ كان
عضوًا نائبًا عن الأمير في مجلس ديوان الأوقاف الأعلى الذي تجري أمثال هذه
الأعمال بموافقته. والتفصيل معروف للناس فلا نطيل به ومهما كان من السبب في
ذلك فإن أهل العقل والفضل آسفون لحرمان حكومة البلاد من خدمة هذا الرجل
النابغة وجازمون بأن هذا من دلائل الانحطاط. ونحن جازمون مع هذا بأن حرمان
الحكومة من خدمته ربما يكون سببًا لزيادة حظ الأمة منها فقد كان على اشتغاله
بأعمال الحكومة يخدم الجمعية الخيرية أجل خدمة وكذلك جمعية إحياء العلوم
العربية، فكيف به وقد صار وقته أوسع وقد عرفناه لا يضيع شيئًا من الوقت
سُدى باختياره؟ وإنما كتبنا هذه الكلمات التي هي عند المصريين من قبيل: السماء
فوقنا، لنرغب من يقرأ المنار في سائر البلاد في التأسي برجال الجد
والاجتهاد.
***
(استعراض الأمير لجيش الاحتلال احتفالاً بجلوس ملك الإنكليز)
جرت عادة المحتلين بأن يستعرض عميدهم جيش الاحتلال في ميدان قصر
عابدين لِما لا يخفى، وقد سبق من توفيق باشا الخديوي السابق التراءي للجيش من
شرفة القصر ولكن عباس باشا الخديوي الحالي أعرض عن ذلك حتى كان في
احتفال هذا العام وكان في أول أيام الصيام أن خرج بملابسة العسكرية وحضر
الاستعراض مع اللورد كرومر تحت العلم الإنكليزي فكان لذلك تأثير عظيم في
النفوس ومحي بهذا مع ما سبقه من قبيله ما كان يتوهمه الدهماء من أن الأمير هو
المعارض للمحتلين، وأن النظار هم المشايعون لهم، وعلموا أنه أشد من نظاره وفاقًا
معهم؛ لأن أولئك يوافقونهم لمكان القوة فيما يريدون؛ وهو يمنحهم أكثر مما
يطمعون، ولا نقول إلا أن ما ظهر وتبين نافع وأن خفاء الحقيقة قبله كان ضارًّا
لما فيه من غش الأمة والقذف بها في معامي الغرور والوهم، فللأمير وفقه الله تعالى
لكل ما يريضيه الشكر أن كذب بعمله المغرّرين المخادعين الذين شغلوا
قلوب الناس بمسألة وهمية وهي مقاومة المحتلين، ونسأل الله تعالى أن يوفق أهل هذه
البلاد إلى الاستفادة من هذه الحالة بالمحافظة على أرضهم وتثميرها وعمارتها
وبالعناية بتربية أولادهم وتعليمهم العلم النافع ليحيوا حياة اجتماعية شريفة يرتقون
بها إلى أن يكونوا أمة عزيزة، فإن الحرية الهادئة لا يرتقي فيها إلا المهذب المقتصد
ومن اتبع فيها هواه خسر دينه وديناه.
* * *
(إمارة نجد)
علم الواقفون على أخبار البلاد العربية أن عبد العزيز بن عبد الرحمن
الفيصل وارث إمارة نجد قد انتصر على ابن الرشيد في ملحمة فاصلة في ١٧رجب
فانهزم إلى طرف الإمارة تاركًا كل ما معه من السلاح والذخائر والمال الناطق
والصامت حتى قدروا خسارته بمبلغ ٢٢٠ ألف ليرة عثمانية على الأقل وقتل ممن
معه ٤٨٥ رجلاً ولم يقتل من جماعة ابن سعود إلا خمسة عشر رجلاً: ٢ من عنيزة
و٤ من الرس و٣ من بريدة والباقي من أهل الجنوب. ولو شئنا لذكرنا عدد ما
ترك ابن الرشيد من الإبل والغنم والخيل والمدافع ولكن لا فائدة في التفصيل وإنما
الفائدة في بيان خطأ اشتهر بواسطة الجرائد الكاذبة التي تكتب ما يمليه الدينار أو
الهوى، فإن بعض أغنياء العرب من أنصار ابن الرشيد يوهمون الدولة بواسطة
الجرائد وحكام العراق والحجاز والشام أن ابن سعود يريد أن يؤسس دولة مستقلة
بضم الحجاز إلى نجد بحماية الإنكليز وأنه لا وسيلة إلى منع ذلك إلا بنصر ابن
الرشيد عليه وقد انخدعت الدولة أولاً فأمدّت ابن الرشيد بالمال والسلاح والرجال
ولكن لم يغن المدد شيئًا ثم أشاعت الجرائد الكاذبة زعمها انتصار ابن الرشيد أن
الدولة جهزت جيشًا آخر من الشام لمساعدته، وظهر كذبها، والحقيقة التي علمناها من
مصادر متعددة بريئة من السياسة وخداعها وأهوائها أن ابن مسعود يريد أن يكون
تحت سيادة الدولة العثمانية، وأن يجعل لها من الحقوق والسلطة في نجد أكثر مما
كان لها بشرط واحد وهو أن لا تُدخل القوانين في تلك البلاد؛ فإن أهلها لايقبلون
إلا حكم الكتاب والسنة. وقد اجتهد ابن سعود في عرض رغبته هذه على الدولة
وايصالها إلى السلطان ولكن أعوان ابن الرشيد في العراق والحجاز حالوا
دون ذلك حتى تكفل به نقيب الأشراف في البصرة ويظن أنه أوصله إلى السلطان
ولكن لا ندري أظهر كل الحقيقة أم قضت سياسته بإظهار بعضها وإخفاء بعض ولا
حاجة لإيهام الدولة بأن ابن سعود يلجأ إلى الحماية الإنكليزية إذا هي أصرت
على إمداد ابن الرشيد وإسعاده فإننا نعلم أنه وقومه في تعصبهم الديني الشديد
يفضلون الفناء على الالتجاء إلى الإنكليز ونعلم أن أكثر البلاد العربية تخضع
له وتبغض ابن الرشيد لظلمه ولو شاء أن يستنجد أهل اليمن لأنجدوه فإن بلاده
متصلة ببلادهم وإن الخير للدولة أن تعيد هذه الإمارة إلى نصابها، وإن كانت في
ريب من أمره فلترسل إليه من أهل العلم والدين من يثق بهم ليقفوا على صحة
ما قلنا، والله الموفق.