للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: محمد رشيد رضا


آثار علمية أدبية

(نموذج من خطب السيد عبد الحق الأعظمي)
نشرنا في الجزء ال ١٧ من المجلد السادس خطبة من خطب صاحبنا الشيخ
عبد الحق البغدادي إمام وخطيب المسجد ذي المنارات في بمبي (الهند) فعلم منهاجه
في الخطب وأنه ينشئ الخطب إنشاء بحسب حال العصر وما ابتدع المسلمون فيه
وما عوقبوا به من البلاء وسوء الحال. وقد كان أرسل إلينا طائفة من هذه الخطب
ابتغاء نشرها في المنار فلم نتمكن من ذلك, ثم انتدب بعد ذلك صاحبنا الشيخ عبد
الله الجيتيكر الكتبي في بمبي لطبع هذه الخطب ونشرها - وهي اثنتا عشرة خطبة -
ابتغاء تعميم نفعها وحث الخطباء على احتذاء مثالها، فله مع الخطيب الشكر والثناء.
وقد أرسل الخطيب نسخًا من هذا النموذج المطبوع إلى أصحاب الجرائد التي
سمع بها وإلى بعض العلماء المشهورين في الأقطار , وطلب منهم انتقادها، وذلك من
دلائل إخلاصه وتوجهه لإحسان عمله. ونقول في هذه الخطب: إنها أنفع ما رأيناه
مطبوعًا وفي مصر من يخطب على هذه الطريقة كالشيخ خالد النقشبندي في (جامع
الست الشامية) والشيخ محمد المهدي في جامع عزبان. ولو كان هؤلاء كلهم لا
يلتزمون السجع المقفى بل يكتفون بجعل الجمل وجيزة على نحو جمل السجع لكان
أولى. ثم إن معظم هذه الخطب في الوعظ العام الإجمالي فلو فصل فيها ما انتشر
من البدع والمعاصي وبين فيها المعروف والخير المطلوب لتحسين حال المسلمين
كمساعدة الجمعيات الخيرية وكيفية التعليم والتربية ومعاملة النساء ونحو ذلك - يكون
نفعها أتم , فإن أكثر الذين يسمعون الكلام العام المجمل من العامة لا يعرفون
الغرض منه ولا يدرون ماذا يراد منهم.
وقد أعجبني من صاحب النموذج انتقاده ما يأتيه المسلمون من الشيعة وأهل
السنة في عاشوراء، وانتقدت عليه الشدة في التعبير في بعض المواضع مما له
مندوحة عنه، والتعريض في قوله: فساء مبارك صباح المسلمين. فهو غير محكم،
والتكلف في السجع وتطويله أحيانًا لا سيما الاقتباس كقوله في النبي صلى الله عليه
وسلم: (ويدعوهم إلى توحيد الخالق وتفريده بالعبادة وينقذهم من ضلال عبادة
الأصنام التي كانوا عليها عاكفين. وقال له: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ
وَالْمَوْعِظَةِ الحَسَنَةِ} (النحل: ١٢٥) خلقي أجمعين) . ولو أتم الآية لكان خيرًا
من وصله بها ما لا يلائمها من الحشو. وأحب له أن يعنى بتصحيح ما يطبع بعد،
فإن في هذا المطبوع شيئًا من الأغلاط الفاشية في الجرائد وكلام المعاصرين كقوله:
تعينت إمامًا. ها أنتم قد استقبلتم. والصواب: ها أنتم أولاء. والفواحش المخفية.
والصواب: المخفاة. تحصلتم على كذا , والصواب: حصلتم.
وقد أرسل إلينا طائفة من هذه النسخ للبيع فنحث الخطباء الذين يخطبون من
الدواوين المتداولة المملولة المثبطة للهمم أن يحفظوا هذه الخطب ويفضلوها فإنها
خير من تلك وأنفع. وثمن النسخة أربعة قروش وهي قليلة بالنسبة إلى الفائدة لكنها
غير قليلة بالنسبة إلى الورق والطبع، وأجرة البريد عُشرا القرش (مليمان) .
* * *
(الزهرة في نظام العالم والأمم)
رسالة لطيفة في الزهرة للشيخ طنطاوي جوهري كتبها بأسلوبه المعروف ,
وهو مزج الكلام في الطبيعة ونظام الكون بآيات القرآن الحكيم, ولو أَلِف التلامذة
وغيرهم من قراء العربية في عصرنا هذا الأسلوب؛ لانتفعوا بما في هذه الكتب
واستلذوه. وفي هذه الرسالة مقارنة بين رأي للإمام الغزالي ورأي لجون لبك العالم
الطبيعي العصري , وبحث في القرآن والمسلمين ومتأخري الإفرنج , وبحث في
جمال النبات ونظام الأزهار، والكلام على الزهر ذي الأقفال والمفاتيح , والزهر
ذي الحراس , والزهر ذي الجند, والزهر ذي السياسة الحقيقية والوهمية , والزهر
المنظم , ونور الزهر. والمؤلف يعتمد في الكلام العلمي على مؤلفات الإفرنج
الحديثة , ويزيد على ذلك إسناد هذا النظام إلى فاعله الحقيقي والتنبيه على سر
صنعته وبديع حكمته، فنحث الناس على قراءة كتبه.
* * *
(دليل مصر والسودان)
يؤلف الإفرنج كتبًا للممالك يصفونها ويبينون ما فيها من المعاهد والمشاهد
والمطابع والجرائد ويذكرون الكبراء والمشهورين وغير ذلك. ويسمى هذا النوع
من الكتب بالدليل , ويمتاز أفراده بالإضافة (فيقال: دليل فرنسا دليل إنكلترا)
وبهذه الكتب يعرف أهل الوطن من وطنهم ما لم يكونوا يعرفوه بأنفسهم، وبها
يستعين الغرباء على اختبار البلاد إذا جاءوها سائحين , وقد ألف غير واحد من
الإفرنج دليلاً لمصر والسودان ولم يُعنَ أحد من أبناء العربية بذلك حتى قام به في
هذه السنة (ثابت وإنطاكي) فألفا للقطرين دليلاً جعلاه جزءين أحدهما تبلغ
صفحاته زهاء ثلاث مائة , وثانيهما ١٧٦ صفحة , وقد ألحقا به كتاب طبائع
الاستبداد برمته، فكان الكتاب سفرًا كبيرًا ومجلدًا ضخمًا لا تستغني عنه خزائن
الكتب العربية؛ إذ عار علينا أن لا نعرف بلادنا إلا من كتب الأجانب. وثمن النسخة
من الكتاب أربعون قرشًا صحيحًا ويطلب من أصحابه بمصر.
* * *
(فتح الملك العلام في بشائر دين الإسلام)
كتاب جديد في بشائر كتب الأنبياء عليهم السلام بدين الإسلام، جمعه أحمد
أفندي ترجمان. وقد سلك فيه مسلك التدقيق مع النصارى في تحريف كتب العهد
القديم لصرفها بشائرها بالإسلام عنه إلى غيره, وجادلهم بالتي هي أحسن كإقامة
الحجة عليهم من كتبهم راجعًا عند الخلاف في التفسير إلى العبارات العبرانية.
مثال ذلك قول النبي أشعيا: (٣: ٤٠ صوت صارخ في البرية أعدوا طريق
الرب قوموا في القفر سبيلاً لإلهنا) إلخ فالنصارى حملوا هذا النص على السيد
المسيح عليه السلام , وهو لم يأت من القفر بل المراد بالقفر البلاد العربية لأن
النص العبراني (بعربه) فترجموه بالمعنى حتى لا يظهر التحريف. وفي أشعيا
أيضًا مما يؤيده (٢١: ١٣ وحي من جهة بلاد العرب في الوعر في بلاد العرب
تبيتين يا قوافل الدرانيين) . ومما يؤيده في المزامير (٤: ٦٨ غنوا لله رنموا
لاسمه , أعدوا طريقًا للراكب في القفار باسمه) والنص العبراني (بعربوت) بدل
في القفار، وهي بلاد العرب. وعلى ذلك فقس. وصفحات الكتاب تقرب من ثلاث
مائة , وعبارته في غاية النزاهة، فنحث القراء على مطالعته. ونطلب من الذين
ينشرون الجرائد والمجلات للدعوة إلى النصرانية والطعن في الإسلام أن يجيبوا
عما أورده هذا الكتاب عليهم إن كانوا يعتقدون ما يقولون.
* * *
(شهادة إسرائيل لإسماعيل)
جواهر التوراة والإنجيل، لمحمد بن إبراهيم الخليل
ألف محمد أفندي حبيب رسالة سماها بهذا الاسم ذكر، في أولها أن الكتب
المقدسة القديمة تكثر فيها الرموز والكنايات , ومن هذه الرموز استنبطت البشارات
والنذر في كتب الأنبياء بالحوادث العظيمة التي جاءت بعدهم وأعظمها ظهور الأنبياء
والشرائع. والنصارى يسمون بشارات الأنبياء ونذرهم بالنبوات , وتوسعوا في ذلك
حتى حولوا كثيرًا من أخبارهم المعروفة حوادثها إلى حوادث جاءت بعدهم ,
وتحكموا في ذلك كما تحكموا في تحويل بعض الأنبياء عن المستقبل إلى ما لا
ينطبق عليه. وقد بين محمد أفندي حبيب في رسالته هذه أمثلة من ذلك , وأظهر
خطأ القسوس فيها على نحو ما أشرنا إليه في تقريظ الكتاب السابق وهو قد كان
مساعدًا لصاحبه على تأليفة لمعرفته اللغة العبرانية.
من ذلك ما جاء في الفصل الخامس من (النشيد ١٦ حلقه حلاوة وكله
مشتهيات هذا حبيبي) قال المؤلف: فلفظ مشتهيات في الأصل العبراني (محمديم)
والقواميس العبرانية تقول: إن هذه اللفظة لا تفيد مشتهيات , ولكن تفيد أنه محمود
أو محمد. ونقول: إن هذه صريحة في نبينا عليه السلام , وليس عندهم بشارة
صريحة مثلها في المسيح عليه السلام وقوله قبلها: حلقه حلاوة، كناية عن فصاحة
كلامه , ولم يأت نبي بكلام أحلى مما جاء به خاتم الأنبياء. وقوله بعدها: وهذا
حبيبي، نص في لقب النبي عليه الصلاة والسلام فإنه حبيب الله عز وجل. وقد عزا
المؤلف العبارة إلى التوارة فيتوهم القارئ أنها في الأسفار المنسوبة إلى موسى عليه
السلام، وهي من النشيد كما قلنا. ومنه ما جاء في الفصل الثاني من النشيد:
(أسمعيني صوتك لأن صوتك لطيف ووجهك جميل) وفي الأصل العبراني (عيرب)
بدل جميل؛ أي عربي. ومنه ما في الفصل الثاني من نبوة حجي (٧ وأزلزل كل
الأمم ويأتي مشتهى كل الأمم فأملأ هذا البيت مجدًا. قال رب الجنود) وكلمة
مشتهى هذه أصلها العبراني (حمدوت) ومعناه محمد أو محمود، وهي من الفعل
العبراني (حمد) ومنه قول المزمور الرابع والثمانين: (طوبى لأناس عزهم بك.
طرق بيتك في قلوبهم ٦ عابرين في وادي البكاء) والأصل العبراني وادي بكة
(وذكر العدد في الرسالة غلطًا) فأبدل لفظ بكاء بلفظ (بكة) وهي مكة في نص
القرآن. وغير ذلك. والرسالة تطلب من مؤلفها في دكانه (المعرض العام وبرج
بابل بمصر) وثمنها نصف قرش. فنطلب من أصحاب الجرائد والمجلات
النصرانية الجواب عنها أو السكوت عنا، وإلا فإنهم مشاغبون يقولون ما لا يعتقدون.