للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: محمد رشيد رضا


الأخبار والآراء
(هداية أستاذ للإسلام)
(نقلها عبد الرحمن أفندي شهبندر من مجلة الملل الصادرة في مارس (آذار)
سنة ١٩٠٥ إلى العربية) .

لدينا الآن رسالتان بقلم الأستاذ نشكنتايا دهيايا الرئيس الماضي لكلية حيدر
أباد (وأستاذ التاريخ في كلية مهراجا في ميسوري) والأولى منهما موضوعها لماذا
انتحلتُ الإسلام والثانية محمد نبي الإسلام وقد أصبح اسم المؤلف بعد إسلامه
محمد عزيز الدين وهو من العلماء والأفاضل الذين ساحوا في البلاد زمنًا طويلاً،
ودرسوا الأديان المختلفة وفي الرسالة الأولى ذكر أسباب هدايته واتخاذه الإسلام
دينًا لا يبارى في الصحة والسلامة.
كان المؤلف في أول أمره كثير الإعجاب بمذهب العقليين لكنه لم يلبث أن
تحول؛ لأن هذا المذهب لم يرو له غليلاً، فأخذ في درس الدين البوذي وأعجب
بظاهر رفعته الأخلاقية؛ لكنه وجده أخيرًا على عكس طبيعة البشر؛ فمَلَّه وكان ذلك
أثناء وجوده في البلاد الألمانية حيث ألقى خطابين موضوعهما البوذية بلغة تلك البلاد،
ومن ثم ذهب إلى باريس وبطرسبرج وبعدما تعلم الإفرنسية أعجب بـ (رنان)
وكان من تأثير ذلك أنه أخذ في درس لغات الساميين وأديانهم وكرس قسمًا
عظيمًا من حياته لدرس المقابلة بين الأديان العظيمة يعني اليهودية والزردشتية
والبرهمية من الجهة الواحدة والبوذية والنصرانية والإسلام من الجهة الأخرى ووقف
في سبيله إلى التنصر مسألة الفداء، ومسألة الهلاك الأبدي وما يضاف إليهما في
الكاثولوكية من اعتقاد العصمة البابوية، والتحول في العشاء الرباني ثم رجع إلى
البلاد الهندية على هذه الحال من تبلبل الفكر وهنالك فرغ نفسه مدة لدرس الرياضة
(التصوف) لكنه عاد منها أيضًا غير مقتنع، ولم يعط البوذية والإسلام حقهما في
الدرس حتى ذلك الحين فدرس الأولى منهما، ثم جاء إلى الإسلام الذي استماله
أخيرًا، وأثر في نفسه أثرًا باقيًا، وكان قد شعر بصحته منذ مدة طويلة لكن الظروف
الخارجية منعته من التصريح بذلك، حتى الثامن والعشرين من شهر آب (أغسطس)
حين صرح في محفل بدخوله في الإسلام برسالته (لماذا انتحلتُ الإسلام) .
وبنى رضاه بالإسلام على ثلاثة أسباب رئيسة: (١) صحة أخبار الإسلام
وأنه الدين التاريخي الوحيد. (٢) موافقته للعقل. (٣) أنه عملي (لا خيالي)
ويقول في رسالته: إن ميدانه التاريخي قد أثر حتى في أعداء محمد وأتباعه
واستشهد بكلام للأستاذ (بسورث سمث) ذكر في خطبه وهو: (إننا في الحقيقة
نعرف بعض نتف من تاريخ المسيح، ولكن أنى لنا من يكشف الحجاب عن السنين
الثلاثين التي أعدت الطريق إلى الثلاث....... .، وفي الإسلام كل شيء على
خلاف ذلك. هنا يقوم التاريخ بدلا من الغامض المظلم....... . وهنا لا تضل
المرء نفسه أو غيره من الناس لأن نور النهار يسطع على كل ما يمكن أن يصل إليه) .
والنقطة الثانية في بحثه: جَرْي الإسلام على قواعد العقل، وقد ذكر القاعدتين
الأساسيتين في الدين (توحيد الله ورسالة النبي محمد) وقال: يجب على كل
صحيح عاقل أن ينقاد لهذه الحقيقة البسيطة الجليلة، وهي توحيد الله الخالص (لا
كتوحيد اليهود الذين جعلوه إلهًا خاصًّا بهم) ، ولا يوجد في الإسلام تعاليم مثل
(ثلاثة في واحد) أو ثلاثين مليونًا من الآلهة.
ولا يرد قاعدة الرسالة النبوية باحث لأنه (متى نُسِيَتْ الحقائق الأساسية التي
تبنى عليها الحياة الأخلاقية الدينية أو أُبهمت، ومتى أصبح الإنسان مفرطًا في حب
دنياه طامعًا سيئ الأخلاق؛ ماديًّا بحتًا يظهر في تاريخ الأمم أناس أخلاقيون أحيتهم
الروح الخالصة في مولدهم ونشأتهم حتى يصبحوا أنبياء ورسلاً لله، ووظيفتهم
تذكير الناس ما كانوا نسوه وإحياء ما كانوا فقدوه) ، ويضاف إلى ذلك كله أن
الإسلام على طبق حياة الإنسان العملية. وربما توهم الناس في بعض الأحيان أن
تعاليم بوذا والمسيح على أحسن الكمال، لكن هذا خطأ، وهذه التعاليم أشبه
بالكمالات الباردة الواردة في القصص والروايات، وربما كان فيها (جمال شعري)
إلا أنه لا يعد طريقة لحكم الإنسان المدني الصناعي على صحة التعاليم والمبادئ،
فمن الواجب علينا أن ننظر إلى حاجات البشر أولاً، ثم نحكم على كمال التعاليم
بالنسبة لفائدتها. وعلى هذا المبدأ تمامًا (يعني النظر إلى حاجات البشر) أباح
الإسلام تعدد الزوجات. وسنن الزواج في هذا الدين أقرب للعمل وأشد موافقة
لحاجات الجمعية البشرية، وأجلب لترقيها من الجهة الأخلاقية الروحية (يعرض
بانتشار الفحش في البلاد الغربية إلى حد لا يوصف) ولمبادئ الإسلام الأخرى هذا
الحظ من الرفعة والمكانة.
وذكر في رسالته الثانية: (محمد نبي الإسلام) مختصرات من حياة النبي -
صلى الله عليه وسلم- ونبذًا من التحويل المدهش الذي أجراه في العالم، وفي الختام
يجيب الكاتب عن اعتراضات المتقدمين المتعصبين. (قالت المجلة) ونحن نلفت
أنظار المسلمين إلى هاتين الرسالتين، وكذلك كل طلاب الحقائق وتطلبان من محل
(لوزاك وشركاه) في لندن أو من (شوز رثمات) في حيدر أباد الدكن.
***
(الدولة العلية في نجد وخوف الفتنة)
جاءنا من بلاد العرب رسالة كتبها رجل كبير من أهل نجد في (غرة
صَفَر) يخبرنا فيها بمعنى ما وصل إلينا قبل من طرق ضعيفة ويزيدنا خبرًا
ورأيًا، قال -حفظه الله - ما ملخصه: أرسلت الدولة إلى الشيخ عبد الرحمن
الفيصل بأن يواجه والي البصرة مع (الشيخ مبارك) فتوجه الشيخ عبد
الرحمن من نجد إلى أطراف الزبير وطلع الشيخ مبارك والتقوا مع الوالي على
مسافة ساعتين من بلد سيدنا الزبير وقدّم الشيخ عبد الرحمن الطاعة لمولانا
أمير المؤمنين وكذّب جميع ما نسب إليه، وأنه خاضع لأوامر مولانا أمير
المؤمنين؛ إلا أن ابن رشيد ليس له يد على أهل نجد وبعد ذلك توجه الوالي
إلى البصرة وبلغ الآستانة ما كان، وليلة ٩ ذي الحجة وصل تلغراف من
أمير المؤمنين بتولية الشيخ عبد الرحمن على نجد، ورفع يد ابن رشيد وبأن
يكون في القصيم عسكر (رسم طاعة) وأمرهم راجع إلى الشيخ عبد الرحمن
وابنه عبد العزيز آل سعود وبلغ الوالي عبد الرحمن وبعد ذلك مشى العسكر
الذي كان بأطراف النجف إلى نجد وهو ستة توابير، وفي نجد عند ابن رشيد
ثلاثة توابير وبهذا السبب صار عند أهل نجد شك في ممشى العسكر زيادة
على ما في نجد (والجميع حدر نظر ان رشيد) والمشير بنفسه طلع ومعه
ابن هذال الشيخ عنزه وشوشوا أهل نجد واستعدوا للفتنة إن كان العسكر جاء
محاربًا، وإن كان مصلحًا فلا حاجة إلى هذه الكثرة. والظاهر أن الفتنة لا تسكن
على هذه الحال. وعبد الرحمن ما توجه إلى نجد بل تربص بالكويت
ينتظر نتيجة وصول العسكر إلى أهل القصيم، وابنه عبد العزيز الظاهر أنه
جهز غزوانه (أي غزاته) ونحر القصيم (قصده) وأهل القصيم مستعدون.
نسأل الله أن يطفئ الفتن ويصلح أحوال المسلمين وحسبنا الله على من أيقظ الفتن
بينهم، وإلا فأي شيء للدولة من المصالح في نجد ولكن يغرهم المفسدون
بالدسائس الفاسدة حتى يلجئوا أهل نجد إليها إذا لم يكن لها علاج وننتظر الحوادث
ونرجو الله يصلح الأحوال ويبصر الدولة بما فيه صلاح المسلمين.
(المنار)
لم يذكر الكاتب ماذا كان بين الوالي والشيخ مبارك صاحب الكويت
وقد بلغنا من مصدر آخر دون هذا المصدر أن الشيخ قال للوالي إنه خاضع
للدولة ونادم على تورطه مع الإنكليز. ولكن الدولة قد أعوزتها السياسة
الحكيمة في هذا الزمان ولذلك غلبتها سياسة الأجانب في البلاد التي لا يوجد
فيها أحد يميل إليهم أو يعبأ بمدنيتهم كاليمن وحضرموت والكويت. وإننا كما
بدأنا النصيحة لها نعيدها ونؤكدها بأن تتحامى مثار سوء ظن أهل نجد بها،
وأن لا تحدث نفسها بمعاملتهم بالقوة وتحكيم رجالها وقوانينها فيهم، وأن لا
تخادعهم كما يخادع الأعداء، بل يجب أن تقبل الطاعة من آل سعود وتعتقد
صدقهم وتمضي الأمر بولاية الشيخ عبد الرحمن على نجد ظاهرًا وباطنًا
وتتفق معه على عدد العسكر الذي تحب أن تجعله في القصيم وإلا كان عملها
هو المنذر بالخطر الذي تريد تلافيه به. وقد جاء أمس في برقيات روتر أن
الباب العالي سأل ناظر خارجية إنكلترا عن البوارج الإنكليزية الراسية في
ميناء الكويت فأجاب بأنه لم يأته نبأ عنها، وأنه لا يقبل البحث معه فيها،
على أن البوارج أنزلت العسكر فاحتلت الكويت. وننصح للشيخ عبد
الرحمن أن لا يبني على سوء الظن وأن يخابر الدولة في مسألة كثرة العسكر
ويقنعها بعدم الحاجة إليه ويتوقى الفتنة لئلا يؤل الأمر إلى ما يندم هو والدولة
عليه، وتلحق نجد بغيرها ولات حين مندم.
***
(المسلمون في روسيا)
ثار الشعب الروسي القح الأرثوذكسي العريق على حكومة القيصر الذي
يسمى في التقاليد الروسية الأب الصغير - أي الرب - صاحب السلطة الدينية
الإلهية، وثارت أيضًا سائر الشعوب كالأرمن واليهود والفيلنديين، وأما المسلمون
فكانوا أشد العناصر الروسية مسالمة للحكومة ولكنهم طالبوا بحقوقهم ومنحتهم
الحكومة ما اختلفت فيه الروايات ففي جرائد أوربا أن مفتي القزان الذي يدعى شيخ
الإسلام (وهو محمد يار سلطانوف) دعي من أورنبورج إلى بطرسبرج وأمرته
نظارة الداخلية بأن يرفع تقريرًا يبين فيه مطالب المسلمين فطلب ما يأتي ملخصًا
بناء على منشور القيصر الصادر في ١٢ ديسمبر سنة ١٩٠٤ الناطق بأنه عزم على
منح الرعايا غير الأرثوذكس جميع الحقوق التي يتمتع بها الروسيون وهو:
(١) أن يعطى المسلمون الذين ينالون الشهادات من المدارس الروسية حق
التدريس بالمدارس غير الإسلامية كمدارس الحكومة.
(٢) أن يعطى من يُتِمّ منهم الدارسة في المدارس الثانية حق التعلم في
المدارس الروسية العالية.
(٣) تعيين أئمة لتوابير العسكر المسلمين لأجل أن يؤدوا الفرائض الدينية
في موتاهم وأحيائهم، وقال: إن القرعة العسكرية تتناول في السنة نحو ٤٠ ألفاً من
المسلمين، وأن القيصر كان أمر بتعيين أئمة لهم ولم ينفذ ذلك! .
(٤) إلغاء ما توجبه المادتان ١٥٤و ١٥٧ من القانون المدني (المجلد الثاني)
من عدم السماح للمسلمين بإنشاء مسجد إلا بإذن الأسقف الأرثوذكسي في الجهة
التي يراد إنشاؤه بها.
(٥) منع اضطهاد الولاة والحكام لرجال الدين كعزل والي أوفا لإمامي
مسجدين من مساجد المدينة في حادثة ١٦ أغسطس سنة ١٩٠٤ بدون ذنب ولا
محاكمة بل افتئاتًا عليهما بأنهما ليسا أهلاً لوظيفتها على أنه أعادهما بعد ثلاثة أشهر.
(٦) إعادة إدارة المدارس والمكاتب (الكتاتيب) الإسلامية أنإلى رجال الدين
المسلمين وكذلك ملجأ الصبيان والبنات في أوفا وقال: إن هذا ما كان متبعًا إلى سنة
١٨٧٠ وبعدها أخذت نظارة المعارف على نفسها حق مراقبة التعليم فتأخر التعليم
الإسلامي وقل التبرع له بقلة الثقة به.
(٧) جعل النظامات والقوانين الموضوعة للمسلمين متحدة موافقة للزمان،
وقال: إن النظام لمسلمي أورنبورغ باق علي ما وضع عليه في أوائل القرن
الماضي مع أن الحكومة سنَّت أخيرا لمسلمي القوقاس قانونًا أمثل منه.
(٨) إعفاء رجال الدين من الخدمة العسكرية ما داموا يؤدون وظائفهم وفقاً
للمادة ١٢٣١ من القانون العسكري الذي وضع سنة ١٨٥٧ التي استبدلت في القانون
الجديد بمادة خصت فائدتها برجال الدين المسيحي ومعلمي المدارس منهم وإن كان
لفظها عامًّا؛ ذلك أن هذا القانون يطلب الشبان للقرعة في الحادية والعشرين والقانون
المدني لا يبيح تعيين إمام لمسجد إلا إذا كان بالغا الخامسة والعشرين ونتيجة ذلك ألا
يعين الإمام إلا بعد الخدمة العسكرية. وقال: إن كثيرين من طلاب العلم يساقون إلى
العسكرية قسرًا، وأنه كتب إلى الحكومة في ذلك مرارًا، فلم تسمع له. هذا ما نقله
بريد أوربا ولم يذكر ماذا أجيب منه ولكن كتب إلينا أحد مسلمي روسيا ما يأتي وقد
حذفنا منه رسم الخطاب والمقدمة قال:
إن المسلمين الروسيين قد أرسلوا وفودًا من الولايات المختلفة إلى عاصمة
الروسية (بترسبورغ) كما أن شيخ الإسلام القزاني (محمد يار سلطانوف) قد
ذهب نفسه إلى بترسبورغ وطلب من حكومتهم إعادة حقوقهم الدينية التي قد وهبت
لهم أولاً. ثم كادت أن تسلب سلبًا كليًّا، بل سلبت حقيقة، فما بقي للمشيخة
الإسلامية إلا اسم يذكر في الألسن وهيكل مخيل في الهواء.
والآن قد شاع الخبر وذاع بأن الحكومة قد سمحت لهم ببعض ما طلبوه من
حقوقهم المسلوبة. وهي هذه:
(١) أن النكاح والطلاق وتقسيم التركات ونصب الإمام وعزله يكون تحت إدارة المشيخة الإسلامية كما كان.
(٢) رُخص للذين أكرهوا من المسلمي على التنصر منذ سنة ١٨٤٢ فتنصروا بعدما أحرق أكثر إخوانهم بالنار أن يرجعوا إلى دينهم الإسلام (وإذا فصلت أحوالهم يرتعش كل مسلم بوجوده وتكاد أن تخرج روحه) .
(٣) رخص للوثينين مثل (آر) و (جرمش) أن يسلموا أو يقبلوا أي دين شاءوا، ومعلوم أن أكثرهم كانو ايتدينون بدين الإسلام وكثيرًا ما استرحموا من الحكومة أن تسمح لهم بأن يلحقوا بالمشيخة الإسلامية، ولكن مُنعوا، وبنيت الكنائس في قراهم، وألزمهم القسيسون بتعلم دين النصرانية إلزامًا، وأكرهوهم عليه إكراهًا.
(٤) أن طائفة القزان ستلحق بإدارة المشيخة القزانية كما كانوا أولاً، ثم قد فصلوا بدسائس القسوس وسعيهم، حتى أن الحكومة سمتهم أهل الظن ونزعت عنهم ثياب الإسلام.
(٥) أن إلزام الأئمة والمدرسين بتعلم اللغة الروسية قد رُفع (ومع ذلك ترى المسلمين يتعلمون اللغة الروسية ويجعلون قانون المعارف الزمانية منطبقًا على برواغرام أوربة والروسية) .
(٦) أن المشيخة الإسلامية ستدعو العلماء الأجلاء والمدرسين النبهاء لينظموا قانون (بروغرام) المكاتب والمدارس الدينية الإسلامية وسيرسلون وفدًا إلى بترسبورغ) اهـ.
هذا ما كتبه لنا (ض. ك) وأتبعه باقتراح له ضاق عنه هذا الجزء، والناظر
فيما طلبه شيخ الإسلام يرى أنه لو لم يكن مطَّلعًا على قوانين الدولة وواقفًا على
أعمالها لما عرف ماذا يطلب ولكن من يطالب شيخ الأزهر أو طائفة من علمائه هنا
بمطالعة القوانين التي يعلَّمون أو يحكمون بها أو يحكم بها إخوانهم المسلمون في بلاد
أخرى يعد عند الأزهريين وعند الذين يجاهدون لإبقائهم في سباتهم عدوًّا للإسلام
والمسلمين، فليتأمل ويعتبر المعتبرون.
***
(ألمانيا في مستعمراتها الإفريقية)
نشرنا في العدد العشرين من المجلد السابع من هذه المجلة (المنار) أنه كتب
إلينا بعض من حضر المعرض الذي أقامته الحكومة الألمانية في دار السلام قاعدة
مستعمراتها في شرقي أفريقية أن الحكومة تمنع العرب من ركوب العربات، وأنها
هدمت المسجد الجامع وأعطت المسلمين جزاءً حقيرًا عنه ثم منعته ... إلخ، وكان
ما ساءنا من ذلك هو السبب في قولنا: إن ألمانيا ليست أمثل من فرنسا في
مستعمراتها، وقد اطلعت الوكالة السياسية لدولة ألمانيا في مصر على ما كتبناه فاهتمت
به وكتبت إلى حكومة دولتها في دار السلام تسألها عن صحة ذلك فجاءها
الجواب بأن مسألة منع العرب من ركوب العربات لا أصل لها، وأما هدم المسجد
فإنما كان بطلب المسلمين أنفسهم لبعده عن بيوتهم وقد أبدلتهم الحكومة مكانًا آخر
قريبًا وزادتهم على ذلك مالاً وافرًا. وقد أبلغتنا الوكالة الألمانية ذلك، فنحن ننشره
شاكرين لها اعتناءها بالبحث وراء الحقيقة، كما أننا نؤمل أن نسمع دائما ما يسرنا عن حكومتها في مستعمراتها، فما استُعمرت البلاد بمثل العدل والإنصاف.
***
(نابتة الأزهر والأستاذ الإمام)
لقد كبر على نابتة الأزهر ترك الأستاذ الإمام له، وذكرت الجرائد اليومية أن
نحو ٥٠٠ أو ٦٠٠ منهم كتبوا إليه عريضة يستعطفونه بها ليعود إلى التدريس فيه.
ونقول: إن منهم من كتب يسترشده في أمره، وقد اطلعنا على صورة كتاب لبعضهم
فرأينا أن ننشره على انتقادنا قوله (كلهم شر) ليرى القراء حسن عبارة وأفكار
تلامذته الذين يشكون الجهل، قال بعد رسم الخطاب:
(إنني نظرت في أمري بعد أن قضيت ما قضيت في الجامع الأزهر
وأضعت ما أضعت من صحتي وشبابي في طلب العلم، فلم أجد ثمنًا لما بذلت إلا
حشدًا من الصور والخيالات لا يضيء البصيرة، ولا يبعث العزيمة، ولا يعد
للسعادة في الحياة الدنيا ولا في الآخرة
ليت الحوادث باعتني الذي أخذت ... مني بعلمي الذي أعطت وتجريبي
طلبت السبيل إلى الكمال والعلم النافع فما وجدت الدليل ولا اهتديت إلى
السبيل، وكيف أطلب الخير من بين معشر أعيذك يا مولاي كلهم شر، وقد هدتني
إليك خاتمة المطاف وفاتحة الألطاف فجئتك أسألك أن تعلمني مما علمك الله وأن لا
تكلني إلى رأيي.
وها أنا ذا أبسط يد الرجاء إليك، ولم أبسط لغيرك يدًا، وأرفع إليك أمنيتي
في الحياة، وقد وضعت أملي ببابك، ومثلك من لا يخيب ببابه الأمل. اهـ