للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: محمد رشيد رضا


صدى الحادثة في أوربا
أو مقاومة النفوذين الفرنسي والإنكليزي للأستاذ الإمام
في الإصلاح

نشرت جريدة اللواء في عدد يوم الخميس (١٣ ربيع الأول) خبرًا، قالت:
إنه مترجم عن جريدة (الغلوب) الإنكليزية بغير تصرف وهذا نصه بغير تصرف.
(اختلف العلماء من عهد قريب بشأن التعليم في الأزهر وسبب ذلك أن
رئيسهم الشيخ محمد عبده حاول إدخال نظام للتعليم أوسع من النظام الحاضر الذي
وضع من قرون مضت والذي لا يتضمن غير محض تعليم مواد الأجرومية، وقليل
من بعض العلوم الأخرى بقصد تكوين قوة جديدة في الإسلام، ويريد الشيخ محمد
عبده السالف الذكر إدخال العلوم الحديثة في بروغرامه الجديد؛ ليستعين بها العلماء
على اكتساب أرزاقهم من طرق العمل والجد لا الكسل والتواكل.
وقد قاومه العلماء في مشروعه هذا مقاومة شديدة واتصل بنا أنه قال في
حديث له: إن السبب في عدم نجاحه وفشله النهائي راجع إلى محاربة النفوذين
الفرنساوي والإنكليزي السياسيين له، واستشهد بعبارة نشرت في الكتب السياسية
الفرنساوية مؤداها أن سواس فرنسا من الحزب الاستعماري لا يقبلون بوجه من
الوجوه تَنَوُّر المغاربة بنور العلم) اهـ.
ملاحظة المنار
أو انتقاده على ذلك
يعجب المصريون أن يروا في الجرائد الإنكليزية من يخبط في المسائل
المصرية على غير هدى مع وقوف الإنكليز هنا على حقائق الأمور، وذكرنا وذكر
غيرنا ممن قرأ تلك النبذة في جريدة اللواء ما كان أشيع هنا بعد ترك الشيخ محمد
عبده لمجلس إدارة الأزهر من أن بعض المصريين الذين لهم حظ فيما حدث
في الأزهر كلفوا أحد مكاتبي الجرائد الإنكليزية أن يكتب لجريدته التي يكاتبها
شيئًا يفيد معنى ما كتب في بعض الجرائد المصرية التي لها هوى في الحادثة من أن جميع علماء الأزهر مضادون للشيخ محمد عبده فيما يريد من إصلاح التعليم
وزيادة العلوم في الأزهر، ويتضمن شيئا آخر يفيد سخط الإنكليز على الشيخ،
وأتذكر أن بعض الجرائد الأسبوعية في مصر كتبت شيئًا عن هذه الإشاعة وقالت:
إن ذلك سيكتب ثم ينقل في بعض الجرائد المصرية اليومية.
ما لنا ولما أشيع في سبب الكتابة ولما قيل في مصدرها إنما نحن أمام قول
يتضمن خبرين: أحدهما: أن علماء الأزهر كارهون ومقاومون لما يريد الشيخ
محمد عبده من النظام وتوسيع دائرة العلم في الأزهر، وقد بينا في كلامنا على رسالة
(محسن الملك) أن هذا غير صحيح، وأن علماء الأزهر برآء مما يُرمون به من
الغلو في بغض العلم والنظام، والجهل بما يُعلي شأن الإسلام. وثانيهما: أن الشيخ
يقول: إنه لم يخفق فيما حاول من إصلاح الأزهر إلا بمقاومة النفوذين الفرنسي
والإنكليزي له؛ لأن ترقية المسلمين تناقض مصلحتهما في استعمار بلادهم.
ونقول: إن هذا النقل عن الشيخ غير صحيح وإن كان أكثر المسلمين يعتقد بصحة
علته المذكورة.
ولا يعقل أن يقول الشيخ ذلك؛ لأن فرنسا لا نفوذ لها في الأزهر ولا في
مصر فتقاوم، ولأن الإنكليز لم يقاوموه لما هم عليه من الحرية وعدم التعرض
للمصالح الدينية على أن المصريين الذين لم يقدروا حرية الإنكليز حق قدرها. ولم
يعلموا أنها تمثلت مع الفضيلة في اللورد كرومر في أبهج صورها، يتعجبون من
عدم مقاومة الإنكليز لإصلاح الأزهر في السنين الماضية ويظنون أن لهم يدًا في
المقاومة الآن.
أما الشيخ محمد عبده فقد سمعناه غير مرة يقول: إنه ما قصد إلى خدمة
المسلمين في شيء ولقي مقاومة فيه من غيرهم لا من إنكليزي، ولا من إفرنسي،
ولا من قبطي، ولا من شامي. ولا غرو فإن جهل المسلمين وتخاذلهم في هذا العصر
كافيان لإحباط كل سعي لترقية شأنهم لا يحتاجون إلى مساعد في ذلك، ومن يسعى
بعقل لا يقاومه العقلاء.
هذه فرنسا التي كان منهجها في مقاومة تعلم المسلمين في الجزائر أمرًا
معروفًا قد أنشأت ترجع إلى منهج الإنكليز في التساهل، وقد تكلم الشيخ محمد عبده
مع رجالها في تونس والجزائر في مساعدة المسلمين على التعليم فوجد منهم ارتياحًا
إلى ذلك وقد نشرت جريدة (الطان) من عهد قريب مقالة في الاحتفال بمدرسة
الجمعية الخلدونية ذكرت فيها أن مصدر هذه الحركة العلمية في تونس هو الشيخ
محمد عبده وبعض المجلات العلمية المصرية التي تحث المسلمين على الجمع بين
علوم الدنيا والدين، وترد فيها رأي الذي يظنون أن تعليم المسلمين يضر بفرنسا؛
لأن هؤلاء المتعلمين يكونون دعاة لاستقلال البلاد وقيامهم على المستعمرين لها
وترجمت الأهرام مقالة (الطان) فسُرّ بها المسلمون هنا.