للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: محمد رشيد رضا


انطفاء فتنة نجد واستقرار الأمر
في آل سعود

قد علم القراء مما قصصنا عليهم من قبل أن ابن رشيد الذي كان متغلبا على
بلاد نجد جار وظلم معتمدًا على أن الدولة تؤيده وتنصره بما كان يوهمها من أن آل
سعود الوهابية يريدون محو سلطتها من بلاد العرب، وهو الذي يؤيد نفوذها، وكان
هو وأنصاره يستعينون على ذلك ببعض رجال الحكومة في البصرة والشام
والحجاز وبعض الجرائد المصرية التي توصف (بإسلامية) فقد حاول هؤلاء
الأنصار إقناع الآستانة أو يلدز بأن آل سعود متفقون مع الأجانب على تمليكهم بلاد
نجد وما كانوا ينطقون ولا يكتبون إلا بأجرة عظيمة يأخذونها من بعض كبار التجار
الأغنياء المشايعين لابن رشيد، فكانوا يوقعون الفتنة بين المسلمين ويغشون دولتهم
وسلطانهم حبًّا في منفعة أنفسهم.
ولما تمكن أهل الغيرة والنجدة من أمراء العرب وغيرهم من إقناع الدولة العلية
بخضوع آل سعود لها وبعدهم عن الفتن والاستظهار بالأجانب لشدة تمسكهم بدينهم،
عمدت الدولة إلى التحقيق، فأرسلت المشير أحمد فيضي باشا إلى نجد ليدعو أهل
البلاد النجدية ورؤساء القبائل إلى الطاعة، ويتبين هل هناك جنود أجنبية كما زعم
الواشون فأجيبت دعوته، وعلم أن آل سعود هم المخلصون الصادقون، وأن ابن
رشيد وأنصاره هم الغاشون المخادعون.
فحصر سلطة ابن رشيد في بلده وعشيرته وجعل عبد الرحمن الفيصل أمير
سائر بلاد نجد وقبائلها فاستراحت الدولة بذلك من الدسائس والمفاسد التي كانت
تسري إلى بلاد نجد من مصر وغيرها، فالشيخ عبد الرحمن الفيصل وولده عبد
العزيز آل سعود لا يعرفان غير بلادهم وسلطانهم ولا علاقة لهم بمصر ولا بغيرها
ولا يبالون بعبث العابثين ولا بدسائس المفسدين. وإننا ننشر هنا ما جاءنا من بلاد
العرب من صور الرسائل التي أرسلها المشير أحمد فيضي باشا إلى أهل نجد
المتهمين وإلى الآستانة وولاية البصرة؛ لأن هذه رسائل رسمية قاطعة لألسنة
الفسدة من أصحاب الجرائد الكاذبة في مصر وغيرهم.
كتاب المشير أحمد فيضي باشا
إلى عُنيزة

(بسم الله الرحمن الرحيم)
نحمد الله الواحد مستوجب الشكر والحمد، مالك الأمر من قبل ومن بعد،
والصلاة والسلام على نبينا الذي أرسله بالهدى ودين الحق، وعلى آله وأصحابه
أولياء الخلق. وبعد، فإن خليفة الله في الآفاق، الثابت البيعة في الأعناق، مصباح
مشكاة الخلافة، مفتاح باب الرحمة والرأفة، ولي الأمر، المنصوص على طاعته
بلسان الذكر المحكم، سلطان البرين والبحرين عنوان الشرف والإقدام، أمير
المؤمنين، حامي حوزة الدين، إمام الإسلام والمسلمين، مظهر العدل والإحسان،
مصدر اللطف والامتنان؛ حضرة السلطان ابن السلطان، والخاقان ابن الخاقان،
مولانا الغازي عبد الحميد خان، قوّى الله شوكته، وفسح كما تهوى الشريعة مملكته،
أمرنا بالسير إليكم مع جنوده الشاهانية المنصورة لإصلاح أحوالكم وبلادكم فامتثلنا
أمره، وعملنا إرادته العالية (كذا) فارتحلنا وجئناكم كما أمر دامت ذاته المقدسة
سعيًا نسير فيكم بسيرته الحسنة صوناً لكم ورعيًا ونبث الإنصاف حسبما يريد فيكم،
ونغضي عما تلف من وقائعكم ومغازيكم، ونعفو كما من شأنه العفو عن الكثير
ونرفع أعلام الإصلاح بين شعوبكم وقبائلكم، ونوصل وسائلكم لباب النجاح على
حسب منازلكم، ولا تحسبوا عدتنا لإراقة دم، ومؤاخذة بما مضى وتقدم، فارقدوا
أمنا، وأطيعوا أولي الأمر منا، وتدبروا {إِنْ أَحْسَنتُمْ أَحْسَنتُمْ لأَنفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ
فَلَهَا} (الإسراء: ٧) وسابقوا لمرضاته، وتقربوا من ألطافه، أيها المسلمون
{وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ * أُوْلَئِكَ المُقَرَّبُونَ} (الواقعة: ١٠-١١) إنا لا نقضي فيكم
بسوى الكتاب والسنة، ولا نولي أعمالكم من تشب به نار الفتنة، بل نولي عليكم
من تحمدون ولايته، وتقبلون بأحكام روايته، فادخلوا تحت رواق صفح الملك، فعفوه
ممدود السرادق، وولوا ركنه الشديد واستظلوا بطود حلمه الشاهق، واستقبلوا إنعامه
والمنى، واعتصموا بعروته الوثقى {وَذَرُوا ظَاهِرَ الإِثْمِ وَبَاطِنَهُ إِنَّ الَّذِينَ يَكْسِبُونَ
الإِثْمَ سَيُجْزَوْنَ بِمَا كَانُوا يَقْتَرِفُونَ} (الأنعام: ١٢٠) ولا تتبعوا المجرمين ليمكروا
فيكم {وَمَا يَمْكُرُونَ إِلاَّ بِأَنفُسِهِمْ وَمَا يَشْعُرُونَ} (الأنعام: ١٢٣) عجلوا بالجواب
الصواب، وأرسلوا من تعتمدون عليهم لأجل المواجهة والاستقبال، ولهم منا الرأي
وأمان الله فلا يحصل عليهم سوء ولا مكروه، فاعتمدوا وبالله الاعتماد، والسلام
على من سبح في كفه الجماد، والسلام.
وكتب المشير مثل هذا الكتاب لبريدة، وذلك بعد أن فتش المعاهد التي زعم
ابن رشيد أن فيها عسكرًا من الأجانب وكان مقامه حينئذ في (القوارة) على مسافة
يوم ونصف من عنيزة ويوم بل بعض يوم من بريدة وكتب إمضاءه (مأمور
إصلاحات القصيم مشير) وقد جاءه الجواب ناطقًا بأنهم لم يكونوا عاصين للدولة
فيطيعوا الآن بل هم طائعون من قبل ومن بعد، ولكن الدولة ألبستهم ثوب العصيان
بتزوير ابن رشيد. وأرسل كل أمير معتمدًا من قبله لمواجهة الوالي وكشف الحقائق
فأكرمهم وخلع عليهم، ولما رأى ما يحملون من خطوط الأمراء شد رحله ونزل
بريدة فواجهه أمير البلد صالح بن حسن المهنا فكساه وعاهده وأَمَّرَه على بلاده وترك
عنده خمسين جنديا ولواء عثمانيًّا ثم رحل إلى عنيزة فواجهه الأمير عبد العزيز العبد
الله السليم فلقي منه ما لقي ابن مهنا من اللطف والإكرام وكان كتب إلى عنيزة
الكتاب الآتي جوابًا عن كتابهم إليه.
(الكتاب الثاني من المشير إلى أهل عنيزة)
إلى كافة أكابر وأصاغر أهل عنيزة: الحمد لله ولي الإحسان، والصلاة
والسلام على سيدنا محمد الذي بعثه الله رحمة للأكوان. السلام عليكم ورحمة الله
وبركاته. أما بعد فقد وصل إلينا معتمدكم عبد الله بن محمد القاضي وصحبته
المضبطة المحررة من طرفكم، وعرض طاعتكم وانقيادكم لأوامر حضرة أمير
المؤمنين فصرنا ممنونين لذلك، وحمدنا الله على ما هنالك، ثم نحن بينا له
مقصودنا، وعرفناه كما كتبنا لكم سابقًا مطلوبنا، وهو سيصل إليكم، ويكشف الحال
لديكم، وطلب منا معتمدكم المشار إليه لكم الأمان والعفو عما سلف وعدم تولية ابن
رشيد عليكم، فلكم أمان الله وقد عفونا عما سلف ولا نولي ابن رشيد عليكم ولا نحكم
بغير أحكام الشريعة ليصير معلومكم والسلام، ٤ صفر سنة ١٣٢٣ (الإمضاء)
وقد أطلع المشير أمراء نجد على ترجمة ما أرسله إلى الأستانة وإلى ولاية
البصرة في ذلك وهو كما جاءنا من البلاد العربية.
(ترجمة الرسالة البرقية التي أرسلها المشير إلى باشكاتب المابين الهمايوني)
بمقتضى تعليمات حضرة خليفة رسول من خصوص أهالي القصيم، قد عفا الله
عما سلف منهم وقد أطاعوا وانقادوا لأوامر الدولة العلية، والجميع لازموا الدعوات
بزيادة ودوام عمر وشوكة سلطاننا المعظم، فبناء على هذا فالذين كانوا بالبصرة
وعزموا إلى إستانبول محمد الشبيلي ومحمد وعبد الله الشعبي قد استرحم أقرباؤهم
الذين ساكنين في عنيزة المستظهرين للعفو العمومي أن يشملهم هذا العفو فاعفوا عن
الموصى إليهم وأعيدوهم إلى البصرة وبشَّروهم بالعفو كي يوجب المسرورية، وهذا
المسترحم منكم.
... ... ... ... ... ... ... ... ... ... (الإمضاء)
وقد كتب رسائل أخرى إلى والي البصرة وقومندان موقعها العسكري بالعفو
عن أهالي القصيم والأمر بإطلاق المحبوسين ومساعدة المتجرين وهذه ترجمتهم لها:
ترجمة الرسالة الأولى
إلى قومندان البصرة صاحب السعادة حضرة الأفندي
من جملة أهالي القصيم آل الشبيلي وسائرهم حيث استفادوا من العفو العمومي
فليداوموا على أمور تجارتهم وقضاء مصالحهم، ومن سكنة ولاية البصرة سليمان
الشبيلي وأولاده وأعوانه فلا يتعرض لهم بسوء ومن طرفكم أيضًا ابذلوا لهم التأمين
ولا تخلون أحدا (أي لا تدعوا أحدا) من أتباع ووكلاء ابن رشيد يتعرضهم بسوء
من سبب المادة السابقة ولأجل البيان حرر هذا الأمر.
... ... ... ... ... ... ... ... ... ... (التوقيع)
ترجمة الرسالة الثانية
الشبيلي محمد السليمان بحسب وصول العساكر الشاهانية إلى القصيم أبرز
من حسن الخدامة في طرفنا، والده الذي في البصرة ووكلاؤه في دائرة الأصول أجروا
في حقهم رعاية مخصوصة وأشغالهم الذي تقع في الحكومة تأمرون بعنايتكم بعنايتكم بترويجها.
... ... ... ... ... ... ... ... ... ... (التوقيع)
(المنار)
هذا ما كتب إلينا من البلاد العربية بنصه وقد سرّنا أن الدولة وفّقها الله أرسلت
إلى نجد هذا الرجل الذي سلك مسلك الحكمة وحفظ كرامة الدولة وحقن دماء المسلمين
وأنام الفتنة التي كان أيقظها ابن رشيد، وهذا ما كنا أشرنا به وتمنيناه وليتها وفقت
لمثل ذلك في اليمن قبل استفحال الفتنة واشتغال نيران الثورة، ولكنها لم ترسل إلى
اليمن إلا أهل السلب والنهب المغرورين بقوة الدولة على رعيتها وإن الولد الذي يُربى
بالقسوة والعنف لا ينشأ إلا عاقًّا ينتظر الفرصة للانتقام من مربيه، فليت عمال الدولة
القساة في سوريا وغيرهم يفهمون هذه القاعدة الطبيعية.