للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: محمد رشيد رضا


الجمعية الخيرية الإسلامية
تنشر هذه الجمعية في كل عام تقريرًا تلخص فيه أعمال مجلس إدارتها في
السنة الماضية، وتذكر فيه ميزانيتها ومشروعاتها للسنة القابلة بعد أن تعرض ذلك
على الجمعية العمومية التي تجتمع في شهر المحرم، وقد حضرنا الاجتماع في هذا
العام ثم أرسل إلينا التقرير بعد طبعه فأرجأنا الكلام فيه إلى الآن.
علم من التقرير أن عدد تلامذة مدارس الجمعية في مصر والإسكندرية وطنطا
وبني مزار وأسيوط والمحلة وبور سعيد ٧٦٦ تلميذًا منهم ٤٦٩ يتعلمون
على نفقة الجمعية و ٢٩٧ تلميذًا يتعلمون على نفقة أنفسهم. وقد بلغ ما أنفقته
الجمعية على مدارسها في السنة الماضية ٤٦٣٩ جنيهًا وكسور الجنيه، وبلغ ما
أخذته من الأجرة على التعليم فيها ٨٤٢ جنيها ونصف تقريبًا.
وقد بلغ ما حَصَّلته الجمعية من الاشتراكات السنوية في السنة الماضية ١٣٥٣
جنيهًا؛ لأن المشتركين قد زادوا ٨٠ عضوًا والمساعدين زادوا ٢٠ عضوًا فصار
عدد الأعضاء ٥١٨ شخصًا والمساعدين ١٠٠ وقيمة اشتراكهم السنوي يبلغ
١٨٣٦، ولكن منهم من يشترك ويمطل في الدفع، ومنهم من لا يدفع ما يفرضه على
نفسه حتى تيأس الجمعية منه ويأمر الرئيس بمحو اسمه، ولو اتكلت هذه الجمعية
على كرم أغنياء البلاد ومروءتهم لسقطت منذ سنين كما سقط غيرها من الجمعيات
الأدبية والخيرية التي أُسست في هذه البلاد قبلها وبعد تأسيسها، ولكن مؤسسيها
الحكماء قد عرفوا أخلاق أهل بلادهم ودرجة سخاء أغنياهم وثبات أهل بلادهم
فوضعوا في قانون الجمعية مادة لولاها لم تقم للجمعية قائمة وهي أن نصف الإيراد
يجعل للاستغلال والنصف الآخر يصرف على التعليم وإعانة الفقراء، فانظر كيف
صارت على قلة المشتركين فيها تنفق على التعليم وحده أضعاف ما يأتي من
الاشتراك ببركة تلك المادة.
وقد يتعجب الغريب إذا علم أن الجمعية الخيرية الإسلامية الوحيدة في أغنى
الأقطار الإسلامية لم يشترك فيها من نحو عشرة آلاف ألف مسلم إلا ٥١٨ وأن أعظم
مبلغ دخل في خزينتها من هؤلاء المشتركين في السنة الماضية لم يزد عن ربع نفقات
الجمعية على التعليم إلا قليلاً، ولكن المصريين الفضلاء العقلاء يرون أن هذه خطوة
كبيرة بالنسبة لضعف الأخلاق في بلادهم وأنه لولا عناية الشيخ محمد
عبده ونفوذه الديني والأدبي ومساعدة أعضاء الجمعية الوجهاء له لما وصلت
الجمعية إلى عشر هذا القدر بأريحية أغنياء القطر وشعورهم الملي والاجتماعي.
فأهل مصر لا يعوزهم إلا الأخلاق كالكرم الحقيقي والثبات والعزيمة، فإذا كثر فيهم أصحاب هذه الأخلاق فانهم ينهضون بذكائهم وثروتهم في زمن قريب.
أما ما أنفقته الجمعية في سنة ١٣٢٢هـ على الفقراء فنحو ٤٣٠ جنيهًا، والناتج
لقسم إعانة الفقراء من صافي الإيرادات العمومية بلغ خمس مائة جنيه وثلاثة
جنيهات تقريبًا. ومعظم إيراد الجمعية من أطيانها ومن الاحتفال السنوي في حديقة
الأزبكية، وقد بلغ ما وصل إلى الصندوق من هذا الاحتفال في العام الماضي ١٥٥٧
جنيهًا.
ولو كان أصحاب الجرائد وأهل الغيرة على الأمة والبلاد يقومون بالدعوة إلى
هذه الجمعية على وجهها لكثر المشتركون والمساعدون والمتبرعون، ولقدرت
الجمعية بذلك على أن تخدم البلاد خدمة لا ترجى من سواها بمال أكثر من
مالها؛ لأن رئيسها ووكيلها والعاملين من أعضاء إدارتها هم خيرة من أنبتت أرض
مصر في هذا العصر وهم يخدمون الجمعية بقدرة وهمة وإخلاص بأموالهم وأنفسهم،
فعسى أن يوفق الله من أراد به الخير إلى هذه الدعوة الصالحة.