للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: محمد رشيد رضا


نعيه إلينا وتعزيتنا عنه

توفاه الله عن ستة ذكور، أكبرهم صاحب هذه المجلة (المنار) ومنهم ثلاثة
يشتغلون بالعلم في الأزهر، وواحد في السجن متهم بالسياسة، وهو منها بريء،
وبها جاهل، ولها غير مستعد، وواحد في القرية لا غناء به. وقد كتب إلينا أحد
علماء سوريا الأعلام في التعزية ما نصه:
إنا لله، ولا حول ولا قوة إلا بالله، مصاب بعد مصاب، وخطوب تذهل
الألباب، لقد جلت الرزية، وفدحت المصيبة، وتضاعف الأسف، وتجددت
الأحزان، بوفاة السيد السند الكريم، الوالد البر الرحيم، الذي فجع به الفضل
والكرم ورُزئ به المجد والشرف، وإنما غار الله له، فاختار له ما عنده، فنقله من
دار المحن والشجن، إلى دار الكرامة والمنن، وأنقذه ممن أرادوا به كيدًا، وأمهلهم
رويدًا، ولسوف يأخذهم عذاب يوم شديد، إن ربك فعال لما يريد، وإن من أنجب
مثلك أيها السيد الكريم؛ فهو حي باق أمد الدهر، لا يموت له ذكر، ولا ينقطع له
أجر، بل طوبى له، وقرة عين، لا سيما بجوار سيد الكونين، تغمده الله برضوانه
وعظيم رحمته، وأسكنه بحبوحة جنته، وأحسن عزاءكم عنه جميعًا، وأنزل عليكم
السكينة والرحمة، وأسبغ عليكم النعمة والمنة، وضاعف لكم الأجر، وأفرغ عليكم
جميل الصبر، إنا إلى الله راغبون، ولمثل هذا المصير صائرون، أساله تعالى أن
يعوضك وأشقاءك عنه خيرًا، ويعوضنا حياتكم ... إلخ.
وكتب آخر من أهل العلم والأدب هناك معزيًا عن الأستاذ الإمام والسيد الوالد:
أعزي السيد أطال الله حياته عن رزأيه بأبويه، ومصيبته في والديه، وما أجلهما
من رزئين عظيمين، وخطبين جسيمين، فقد أصيب به الإسلام كله، وبكى له
العالم بأسره، وانطمس لأجله نور العرفان، وغيضت ينابيع الفضل، وهيضت
أجنحة النهضة، وانقطع به ما اتصل من الآمال، واختل ما انتظم من الأعمال،
وأما رزء فقد ذبل له روض الكرم، وهوى نجم الشرف، وسقط عمود المجد القديم
والحسب الصميم، فأحسن الله عزاء السيد عنهما، بما يرثه منهما، من المجد الذي
لا يضاهى، والعلم الذي لا يتناهى، إن شاء الله تعالى ... إلخ.
وكتب غيرهما من أهل الفضل والوجاهة في تلك البلاد، والكلام كله في سياق
واحد؛ فنشكر لكل واحد فضله، ونكتم خوف الظلم اسمه وبلده، أما الجرائد
السورية فلم تكتب شيئًا عن وفاة الشيخين؛ لأنها لا حرية لها فهي تخاف أن تكتب
ثم إن هي سلمت من الضر، فلا يؤذن لها في الشر. ولما بلغ هذه البلاد كتبت
الجرائد اليومية الشهيرة ما كتبت، وألقى إلينا البرق والبريد من رسائل المحبين في
التعزية ما ألقى. قالت جريدة الأهرام في العدد ٨٣٥٢:
ورد من طرابلس الشام نعي الشيخ الجليل السيد علي رضا والد حضرة العلامة
المفضال السيد رشيد رضا صاحب مجلة المنار الإسلامية.
توفي إلى رحمة الله في يوم الأحد الماضي وهو في نحو الستين من عمره تاركًا
في دنياه أحسن ذكر مقدمًا للآخرة أعمالاً طيبات؛ فعز المصاب به على آله وعارفي
فضله ونبله؛ إذ كان الرجل وجيهًا في قومه، رحب الصدر، طيب الخلق مِضْيَافًا
كريمًا ما زار القلمون زائر إلا وكان في منزل الفقيد كأنه في منزله، ولا يذكر لهذا
البيت الكريم من قديم الزمان حتى اليوم إلا كل مأثرة طيبة وفضل ونبل.
وقد شيعت جنازته في بلدته القلمون بمشهد كبير يليق بمقام هذه الأسرة
الحسيبة الشريفة؛ فنحن نعزي حضرات أنجاله الكرام وآله الأفاضل على فقده
سائلين له الرحمة والرضوان، ولهم العزاء والصبر الجميل.
وقالت جريدة الظاهر في العدد ٥٤٨:
بلغنا بمزيد الأسف انتقال فضيلة الحسيب النسيب، والعالم الفاضل السيد علي
رضا الحسيني -من أعيان طرابلس الشام وأشرافها- إلى رحمة الله - تعالى-
ورضوانه نهار الأحد ٤ رجب عن عمر يناهز الستين قضاه في البر والإفادة وعمل
الخير إثر مرض حارت فيه الأطباء في بلدته القلمون فكان لنعيه رنة أسف عظيمة
في البلاد السورية لما له من سمو المكانة، وعلو القدر وشرف الأصل، وعميم
الإحسان تغمده الله برحمته وأسكنه فسيح جنته.
وقالت جريدة المقطم في العدد ٥٠٠٢:
ورد على حضرة العالم الفاضل الشيخ رشيد رضا صاحب مجلة المنار نعي
المرحوم والده الجليل الشيخ (علي رضا) إمام القلمون وشيخ جامعها توفاه الله يوم
الأحد الماضي (٤ رجب) في القلمون عن ستين عامًا قضاها في عمل الخير
والصالحات، وهو من بيت مجد موصوف بالكرم وحسن الضيافة، ومعروف في
لبنان وولاية بيروت. وقد خلف ستة أولاد كلهم من النجباء وأكبرهم حضرة الشيخ
رشيد المشار إليه آنفًا.
وقد لقي الفقيد رحمه الله من اضطهاد الحكومة الحميدية، وظلم عمالها
وقسوتهم ما أضناه وعجل عليه بالوفاة؛ فقد كان يحتضر، والعساكر العثمانية
ملازمة باب داره ليلاً ونهارًا خوفًا من أن ينهض عن فراش الموت ويخلع السلطان
أو يثل عرش آل عثمان في حكم عقلاء هذا الزمان، وابنه المدبر أمور بيته في
غياب إخوته مطروح في سجن طرابلس الشام؛ حيث يتقلب على جمر العذاب ريثما
تمتثل المحكمة أمر الظالمين، وتحكم عليه بالعقاب. وكل هذا الجور والظلم بناء
على وشايات قوم يبغضون صاحب المنار، ويحقدون على فقيد الوطن المرحوم
الشيخ محمد عبده. فاجتمع الشيخان الجليلان الآن أمام عرش العادل الديان يدعوان
إلى قاهر العتاة ومؤدب البغاة أن يجبر الضعفاء المظلومين ويكشف شر الطغاة
الظالمين.
وقالت جريدة الإخلاص في العدد ١١٠٠:
{إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ} (البقرة: ١٥٦)
ننعي إلى حضرة رصيفنا المحبوب العالم الكامل المهذب الشيخ رشيد رضا
أفندي - صاحب مجلة المنار الغراء- والده الجليل سليل بيت المجد الأثيل الشيخ
علي رضا إمام القلمون، وشيخ جامعها في طرابلس الشام؛ فكان لنعيه رنة أسف
وحزن لا مزيد عليهما لدى كل من عرفه؛ لأنه -فضلاً عن حسبه ونسبه - كان
رحمه الله من ذوي الغيرة على الفقراء والبائسين مشهورًا بالجود والكرم ومحبًّا
للخير، والأعمال الصالحة قضى ستين عامًا من عمره، وهو في مقدمة الغيورين
على دولته ووطنه، ولكن في المدة الأخيرة وشى الواشون بحقه على إِثْر وفاة -
المغفور له فقيد الإسلام - الشيخ محمد عبده - مفتي الديار المصرية - فأهين من
رجال حكومة الدولة على ما بلغنا فكانت هذه الإهانة سببًا كبيرًا لفقد حياته العزيزة.
ولقد ساءنا ويسوءنا، وايم الله كلما سمعنا خبرًا كهذا؛ عن رجال دولتنا العلية
ومعاملتهم هذه المعاملة لرجال اشتهروا بالغيرة والإخلاص نحو سلطانهم ودولتهم
كهذا الفقيد الجليل. وهذه هي الفرص التي ينتهزها الأغيار منا فيحفظونها لنا في
سجلاتهم إلى أن يجيء اليوم الذي يحاسبوننا فيه عليها.
فيا أيها الرجال الأمناء والمخلصون للدولة وللجالس على كرسي الخلافة
العظمى اتقوا الله وفكروا في ما هو أهم لصوالح الدولة والأمة. اخدموا جلالة
السلطان بإخلاص اللسان والفؤاد، وانبذوا الوشايات واتركوا هذه الخطة الذميمة
لأنها لا تنيلكم المرام، وهب أنكم نلتموه؛ فسوف تجازون عن عملكم هذا؛ لأنه قيل:
(بالكيل الذي تكيلون به يكال لكم وأزود) تقربوا إلى جلالة المتبوع بطريقة غير
هذه الطريقة، حتى إن الله تعالى يبارك لكم في أموالكم وعيالكم، وينقذكم، وينقذهم
من شرورالزمان وغدراته، وقد كفى ما حل بنا وبدولتنا العلية، والأمة والوطن
من سوء أعمال بعض رجال الدولة الخائنين الذين يتظاهرون بصدق الخدمة نحو المتبوع الأعظم ولكنهم أولى المنافقين. والآن بما أن المجال ليس مجال وعظ وإرشاد
بل نعي فقيد تأثر لموته الكثيرون، فموعدنا بنشر شيء من هذا القيل في
أعداد قادمة إن شاء الله.
هذا وفي ختام نقدم واجبات التعزية لجناب زميلنا الفاضل المهذب الغيور الشيخ
رشيد أفندي، وجميع إخوته أنجال الفقيد، والله نسأل أن يفرغ في قلوبهم جميل
الصبر والسلوان، ويتغمد فقيدهم الجليل بواسع الرحمة والرضوان. اهـ