للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: محمد رشيد رضا


إعطاء الزكاة والصدقة للشرفاء
ومعاملتهم

(س ٣٠) عوض بن جمعان سعيدان في (سنغافوره) ما قولكم سيدي في
إعطاء الزكوات لمن صح انتسابهم إلى الإمام الحسين بن علي عليهما السلام صحة
لا مرية فيها يعتقدها المُعْطَى والمُعْطِي اعتقادًا جازمًا مع علمهما بالنهي الوارد فيه،
وتعليل الشارع عليه الصلاة والسلام عدم حلها لآل بيته بكونها أوساخ الناس ... إلخ.
لما ذكر من غنائهم بما لهم من خمس الخمس، وللحاجة تقليدًا لقليل من متأخري
أئمة الشافعية في تحليلهم الإعطاء والأخذ (كذا كتبت العبارة والظاهر أنه يريد بيان
علة من قال بالجواز بالحاجة مع عدم استغنائهم الآن بما لهم من خمس الخمس)
فهل ما جنح إليه أولئك القليل مما يسقط به الحرج عن الآخذ، وتبرأ به ذمة المُعْطِي
أم هو اجتهاد مع وجود النص، ونسخ لما صرح الشارع بعدم حله معللاً له بأمر
ذاتي وهو مع ذلك حظ قوم لا يتعداهم، فإعطاؤه غيرهم ظلم لهم فلا يجوز.
***
(س ٣١) ومنه معطوفًا على ما سبق: وفي الأموال حقوق على أهلها غير
الزكاة فما هي؟ ولما كان القصد بيان الحكم المفهوم من النصوص الشرعية بعد
ذكرها وذكر ما فهمه سلف الأمة منها وذلك مما يتعذر على أهل هذه الديار، رفعنا هذه
السطور مستمدين من المنار تحقيق المسألة خدمة للشرع كما هو ديدنه وله الشكر منا
سلفًا والأجر من الله.
(ج) روى أحمد والشيخان من حديث أبي هريرة أنه قال: أخذ الحسن بن
علي تمرة من تمر الصدقة فجعلها في فِيهِ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم-
(كِخٍ كِخٍ، ارم بها أما علمت أنَّا لا نأكل الصدقة) .
وروى أحمد، وأبو داود والترمذي، وصححه والنسائي وابنا خزيمة وحبان
وصححاه من حديث أبي رافع مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن رسول الله
صلى الله عليه وسلم بعث رجلاً من بني مخزوم على الصدقة فقال لأبي رافع
اصحبني كيما تصيب منها فقال: لا حتى آتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسأله
وانطلق فسأله فقال (إن الصدقة لا تحل لنا وإن موالي القوم من أنفسهم) .
وجاء في شرح الحديث الأول من (نيل الأوطار) ما نصه: قال ابن قدامة
(لا نعلم خلافًا في أن بني هاشم لا تحل لهم الصدقة المفروضة) وكذا قال أبو طالب
من أهل البيت حكى ذلك عنه في البحر، وكذا حكى الإجماع ابن رسلان، وقد نقل
الطبري الجواز عن أبي حنيفة، وقيل عنه: تجوز لهم إذا حُرموا سهم ذوي القربى،
حكاه الطحاوي ونقله بعض المالكية عن الأبهري منهم. قال في الفتح وهو وجه
لبعض الشافعية، وحكى فيه أيضًا عن أبي يوسف أنها تحل من بعضهم لبعض لا
من غيرهم، وحكاه في البحر عن زيد بن علي والمرتضى وأبي العباس والإمامية
وحكاه في الشفاء عن ابني الهادي والقاسم العياني قال الحافظ: وعند المالكية في ذلك
أربعة أقوال مشهورة: الجواز، المنع، جواز التطوع دون الفرض، عكسه،
والأحاديث الدالة على التحريم على العموم ترد على الجميع، وقد قيل أنها متواترة
تواترًا معنويًّا، ويؤيد ذلك قوله تعالى: {قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ المَوَدَّةَ فِي
القُرْبَى} (الشورى: ٢٣) وقوله: {قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ} (الفرقان:
٥٧) ولو أحلها لآله أوشك أن يطعنوا فيه، ولقوله تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً
تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا} (التوبة: ١٠٣) وثبت عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه
قال: (إن الصدقة أوساخ الناس) كما رواه مسلم، وأما ما استدل به القائلون بحلها
للهاشمي من الهاشمي من حديث العباس الذي أخرجه الحاكم في النوع السابع
والثلاثين من علوم الحديث بإسناد كله من بني هاشم أن العباس بن عبد المطلب
قال: قلت: يا رسول الله إنك حرمت علينا صدقات الناس، هل تحل لنا صدقات
بعضنا لبعض؟ قال: (نعم) فهذا الحديث قد اتُّهم بعض رواته، وقد أطال صاحب
الميزان الكلام على ذلك فليس بصالح لتخصيص تلك العمومات الصحيحة. وأما
قول العلامة محمد بن إبراهيم الوزير بعد أن ساق الحديث ما لفظه: وأحسب له
متابعًا لشهرة القول به (قال) والقول به قول جماعة وافرة من أئمة العترة وأولادهم
وأتباعهم، بل ادعى بعضهم أنه إجماعهم، ولعل توارث هذا عنهم يقوي الحديث.
(انتهى) فكلام ليس على قانون الاستدلال؛ لأن مجرد الحسبان أن له متابعًا وذهاب
جماعة من أهل البيت إليه لا يدل على صحته، وأما دعوى أنهم أجمعوا عليه فباطل
باطل، ومطولات من مؤلفاتهم ومختصراتها شاهدة لذلك، وأما قول الأمير في
المنحة أنها سكنت نفسه إلى هذا الحديث بعد وجدان سنده ومعضده من دعوى الإجماع
فقد عرفت بطلان دعوى الإجماع، وكيف يصح إجماع لأهل البيت والقاسم،
والهادي، والناصر، والمؤيد بالله وجماعة من أكابرهم، بل جمهورهم خارجون
عنهم، وأما مجرد وجدان السند للحديث بدون كشف عنه فليس مما يوجد سكون
النفس.
والحاصل أن تحريم الزكاة على بني هاشم معلوم من غير الفرق بين أن
يكون المزكي هاشميًّا أو غيره؛ فلا ينفق من المعاذير عن هذا المحرم المعلوم إلا ما
صح عن الشارع لا ما لفقه الواقعون في هذه الورطة من الأعذار الواهية التي لا
تخلص، ولا ما لم يصح من الأحاديث المروية في التخصيص. ولكثرة أكلة الزكاة
من آل هاشم في بلاد اليمن خصوصًا أرباب الرياسة قام بعض العلماء منهم في الذب
عنهم، وتحليل ما حرم الله عليهم مقامًا لا يرضاه الله ولا نقاد العلماء، فألف في ذلك
رسالة هي كالسراب الذي {يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا} (النور: ٣٩) وصار يتسلى بها أرباب النباهة منهم، وقد يتعلل بعضهم بما قاله
البعض منهم أن أرض اليمن خرابية، وهو لا يشعر أن هذه المقالة مع كونها من أبطل
الباطلات ليست مما يجوز التقليد فيه على مقتضى أصولهم، فالله المستعان ما أسرع
الناس إلى متابعة الهوى، وإن خالف ما هو معلوم من الشريعة المطهرة.
واعلم أن ظاهر قوله (لا تحل لنا الصدقة) عدم حل صدقة الفرض، والتطوع
وقد نقل جماعة منهم الخطابي الإجماع على تحريمها عليه صلى الله عليه وآله وسلم
وتعقب بأنه قد حكى غير واحد عن الشافعي في التطوع قولاً، وكذا في رواية عن
أحمد وقال ابن قدامة: ليس ما نقل عنه من ذلك بواضح الدلالة، وأما آل النبي
صلى الله عليه وآله وسلم فقال أكثر الحنفية، وهو المصحح عن الشافعية
والحنابلة وكثير من الزيدية: إنها تجوز لهم صدقة التطوع دون الفرض، قالوا: لأن
المحرم عليهم إنما هو أوساخ الناس، وذلك هو الزكاة لا صدقة التطوع، وقال في
(البحر) : إنه خصص صدقة التطوع القياس على الهبة والهدية والوقف. وقال
أبو يوسف وأبو العباس تحرم عليهم كصدقة الفرض، لأن الدليل لم يفصل.
اهـ ما في (نيل الأوطار) .
فأنت ترى أن الحديث في تحريم الصدقة على الآل صحيح، وأن الخلاف في
حكمه ضعيف، ويزيد الخلاف ضعفًا عمل الناس بالحديث من الصدر الأول حتى
صار الحكم معلومًا من الدين بالضرورة. وأن علته تنزه النبي - صلى الله عليه
وآله وسلم - عن شبهة أخذ الأجر على النبوة، وكونها طريقًا له أو لآله إلى حطام
الدنيا، ثم حمل آله على التنزه عن أوساخ الناس ليتربوا على كرامة النفس وعزتها،
ويكونوا قدوة للناس في الترفع عن الدنايا والخسائس، وأي خسة أبلغ من رضا
الإنسان بأن يكون عالة على الناس يده السفلى وأيديهم هي العليا؟ ولو جاز في
أصل الشرع بذل الصدقات لآل البيت لقدمهم الناس فيها على غيرهم حتى لا يوشك
أن يعطوا منهم غير مستحق ويحرم المستحق من غيرهم؛ رجاء أن يكون ذلك أكثر
قبولاً عند الله تعالى، وذلك مما يحمله على ترك الكسب اتكالاً على ما يبذل الناس له
من صدقاتهم. على أنهم لم يسلموا من هذا في كثير من البلاد مع تحريم الصدقة
عليهم؛ فإن الناس يبذلون لفقرائهم من صدقة التطوع ما يبذلون، ويقدمون لوجهائهم
من الهدايا ما يقدمون، حتى صارت معايشهم فائضة من أنامل الناس يوطنون أنفسهم
عليها بطنًا بعد بطن، فانصرفت همتهم عن الكسب حتى ضعف استعدادهم له فنزل
بهم الناس في سلم الحياة الاجتماعية، وهم يحسبون أنهم صاعدون فهؤلاء الذين
يحتالون لتجويز إعطائهم الزكاة يحسبون أنهم يحسنون صنعًا بالقيام بمصلحتهم،
وسد خلتهم وفاتهم أن الشارع أعلم بهذه المصلحة وأحكم، حيث حرم عليهم ما حرم،
ومن الجهل أن يقال أن التحريم خاص بذلك الزمان، وأن لنا أن نقول بنسخه
الآن.
كذلك أضر المحبون بنا معشر الشرفاء بالغلوّ في التعظيم لمكان النسب؛ لأن هذا
كان سببًا لاقتناع الجماهير منا بهذه المكانة دون مكانة العلم والاستقلال الذاتي فإن
صغيرنا يرى الكهول والشيوخ يهوون إلى يده بالتقبيل؛ فلا يشعر بحاجته إلى كمال
آخر يرتفع به ذكره ويَعلو قدره فيكون سيدًا في الناس لجده في العلم والفضل، لا
بعمل أبيه وجده من قبل، والرأي عندي للأغنياء المحبين لآل البيت أن يساعدوهم
على الاستقلال بأنفسهم حتى يكون الناس بحاجة إلى علمهم ورفدهم ولا يكونوا هم
عالة على الناس، لا أن يلصقوا بهم أوساخهم فيجعلوهم كالقمل الذي لا يعيش إلا في
الوساخة والدرن. وأن يؤاخذوا الشريف الذي يخرج عما يليق بشرفه من قوامه
النفس، والاعتصام بأدب الشرع، ما لا يؤاخذون سواه وأن يعظموا فضائله،
ويجلو فواضله بأبلغ مما يكون لمن عداه، كما توعد الله نساء النبي بمضاعفة
عذابهن على الذنب ضعفين، ووعدهن بإيتائهن أجرهن على العمل الصالح مرتين،
وهو تعالى أحكم الحاكمين، وأرحم الراحمين.
وأما الحقوق التي على الإنسان في ماله غير الزكاة، فمنها الواجب كالنفقة على
من تلزمه نفقته، وكإزالة ضرورة المضطر؛ فإن من رأى معصومًا مشرفًا على
الهلاك من الجوع يجب عليه إطعامه، كما يجب عليه إنقاذ الغريق عند القدرة على
ذلك، والمراد بالمعصوم: (ما لا يباح دمه شرعًا كالمحارب) ولا يفهم من ذلك
أن غير المعصوم يحرم إغاثته مطلقًا؛ فرب إنقاذ محارب يأتي بمصلحة أو يسوق
إلى هداية. ومنها ما هو مندوب كبذل المال في وجوه الخير أيًّا كانت كالضيافة
وأنفعها في هذا الزمان إنشاء المدارس للتعليم النافع والتربية الصحيحة
والجمعيات الخيرية التي تقوم بتربية اليتامى وكفالة العاجزين ونحو ذلك من
الوجوه التي يعم نفعها حتى ترتقي بالسبق فيها أم على أمة، وتستعلي بآثارها دولة
على دولة، وناهيك بالجمعيات التي تبث الدعاة في الأقطار لهداية الخلق إلى الحق
في زمن لا يحفل ملوك المسلمين وأمراؤهم فيه بالدعوة ولا يهمهم أمر الدين. وإنك
لتجد في باب التفسير في أجزاء المنار بيانًا للآيات الكريمة التي تحض على بذل
المال في سبيل الله غير فريضة الزكاة، فلا حاجة إلى كتابة شيء من الآيات هنا
وهي كثيرة جدًّا. وكذلك الأحاديث في هذا المقام كثيرة، فإن كان يرى السائل حاجة
إلى سرد شيء منها فليكتب إلينا.