للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: محمد رشيد رضا


نصائح صحية للبنات من مجلة أبقراط

صحة الغنية وصحة الفقيرة. منفعة العمل في الدار. مضرة قراءة الروايات.
مضرة الخلوة. مضرة حكايات الخوادم والعجائز. مضرة تلوين الوجه. مضار
الزار وأمراضه وحقيقته.

جاء في باب صحة العائلات من مجلة أبقراط الطبية ما يأتي بنصه:
(أيتها الفتاة الصغيرة إن عمرك الآن لا يتجاوز الثلاثة عشر، ولكن ألا
تدرين أن هذه الثلاثة عشر ستكون عشرين، ثم ثلاثين، ثم أربعين، ثم ما شاء الله؟
إني لا أظنك إلا عارفة بذلك. وها أنت متمتعة بالصحة خالية البال مالكة لأنواع
السعادة تمرحين في بحبوحة من ثروة والديك فهل تستطيعين الصبر على ضياع
شيء من ذلك؟ إني أعيذك بالله فإن الصحة والهناء لا يعوضان غير أني أرى شيئًا
أريد أن أحدثك به لعلك تكونين على بينة منه. أرى أن الفتاة الفقيرة تقضي عمرها
في عافية لا مزيد عليها، والفتاة الغنية كل يوم عندها طبيب يعالجها، فلماذا؟ إذا
كنت لا تعرفين فأنا عارف ويمكنني أن أعرفك أن الفتاة الفقيرة خادمة أبيها وأمها
وإخوتها، وربما كانت خادمة لغيرهم أيضًا، والفتاة المتوسطة هي خادمة نفسها
وزوجها إن كانت متزوجة، أو خادمة نفسها فقط، أما الفتاة الغنية بنت (البك أو
الباشا) فليست بخادمة بل يخدمها الناس، ولا عمل لها لأنها ترى كل عمل إهانة
لنفسها وتعبًا لذاتها. تأملي أيتها الفتاة قليلاً يظهر لك سر المسألة. العمل لا بد منه
للفتاة مهما كانت مترفهة، وهو قرين الصحة. والبطالة نذير المرض عند الفتيات
فعليك بالعمل ولو بسيطًا، وأحذرك من مطالعة الروايات فإنها تضر بالصحة ولست
مكلفًا أن أبين لك السبب، ولديك في منزل والدك ألف عمل وعمل ولا أحسن من
الخياطة والتطريز.
مما يجب أن أحذرك منه أيتها الفتاة هو الجلوس وحدك لأنه مضر من جملة
أوجه متعب للفكر، ومتعب للمعدة؛ لأن الفتاة التي تجلس وحدها تكون ساكنة ساكتة
لا تتحرك وهذا موجب للإمساك وغيره.
ولا أريد أن أقول لك لا تسمعي حكايات الخدامات والعجائز؛ لأنها تضر
بالصحة إذ ربما تظنينني أمزح، مع أني لا أقول إلا حقًّا، والأسباب غير مجهولة
غير أن الوقت لا يسمح لي بشرحها لك.
ومتى صرت شابة في سن السابعة عشر مثلاً فإياك وتلك الألوان التي تستعملها
بعض الفتيات، فإنها فضلاً عن خروجها عن حد الأدب تضر أيضًا بالصحة؛ لأنها
مركبة من مواد سامة تضيع نضرة الوجه، وتجعل للجلد ثنيات كتلك التي تظهر
على وجوه العجائز.
ولا تشدي خصرك بهذه (الكورسيه) المعروف (بالبوسطو) لأنها تؤذي
الظهر، وتسبب أمراض المعدة والأمعاء، وتعطل حركة التنفس، وحركة الهضم
وكذلك لا تستعملي الأساور الزجاجية التي تدخلين يديك فيها بالعنف؛ فإنها فضلاً
عن ضررها أصبحت من زينة النساء الباغيات، وليس فيها من البهجة شيء.
ولا يخفاكِ أن لبعض الأخلاق تأثيرًا كبيرًا على الصحة؛ فالكبرياء لا تصحب
إنسانًا إلا وكانت له علة لدوام انقباض صدره، والاستبداد يجعله في كدر دائم لكثرة
المعارضين، والعوائد مثل الأخلاق أيضًا؛ فإياك والتدخين لأن الفتاة التي تشرب
الدخان يصفر وجهها وتضعف ضعفًا شديدًا، ومتى صارت كذلك تحتاج للألوان التي
تستعمل لإخفاء صفرة الوجه، وهذه الألوان قلنا: إنها تضر أيضًا.
وعندي مسألة أريد أن أتحفكِ بها أيتها الفتاة، ولكنها تحتاج إلى إمعان النظر
وعدم التعصب، وتحكيم العقل وهذه المسألة هي: هل الزار حقيقي؟ وهل هو مفيد
للصحة؟ وهل له اسم عند الأطباء؟ وهل يمكنهم أن يعالجوه كباقي الأمراض؟
ولماذا يهيج بالطبل والبخور؟ وما السر في تكلم العفريت على لسان المصابة إذا
كان هناك عفريت ... إلخ؟ وأنا الآن أبين لك هذه المسائل واحدة فواحدة.
الاعتقاد يجر إلى النفس انفعالاً والانفعال له تأثير على الجسم، ومتى عرفنا
هذه المقدمة الصغيرة تمكنا أن نبحث في تلك التفصيلات الطويلة العريضة.
أما كون الزار حقيقيًّا فهذا مما لا شك فيه وهو موجود في سائر أقطار
المسكونة غير أن حقيقته غير الحالة الظاهرة في القطر المصري لأن الشائع هنا هو
أن المصاب به مس من الجن أو الأولياء مع أن هذا الاعتقاد فاسد، ومن العجب أن
كثيرًا من الناس إذا قال لهم أحد: إن الجن أو الأولياء ليس لهم دخل في الزار،
يقولون: إنه لا يصدق الشرع. حالة كون جميع الشرائع تخدم الاعتقاد بذلك وأكبر
دليل على فساد هذا الزعم أن لهذا المرض أطباء يعالجونه وينجحون في
معالجته نجاحًا بينًا ولو كان من الجن أو الأولياء لما أمكن الطبيب مداواته وليست
مجلتنا شرعية حتى نتكلم فيها على الأولياء أو مجلة عمومية فلسفية فنتكلم على
الجن.
تسمع المرأة أو الفتاة أن في بيت إحدى قريباتها أو خليلاتها ليلة زار فلا يهدأ
بالها إلا إذا كانت ذات نصيب من تلك الليلة خصوصًا إذا كانت مدعوة إلى الحضور
فتروح سليمة متعافية أو مريضة منهوكة ولكنها لا تشعر بشيء، ومتى حضرت
مجلس الزار، وسمعت الطبل واستنشقت رائحة البخور جاءها العفريت أو الشيخ
كما يُقال، وتعود إلى منزلها في أشد التعب ثم تشعر بنشاط لا يمكث إلا قليلاً ثم تزداد
الآلام فيما بعد فيقولون: إن الشيخ قد غضب، وهكذا وهي لا تعلم بحقيقة الحال،
ولا يزال هذا دأبها حتى تكون من الهالكين مع أنها لو عرفت أن هذا من الأمراض
العصبية ويسميه الطبيب تشنجًا، ويمكنه مداواته لتخلصت من تلك المصائب.
لعلك أيتها الفتاة تقولين: إنك قد قلت أن المصابة تشعر بنشاط بعد الزار فكيف
ذلك إن كان الأمر غير حقيقي؟ فأضرب لكِ مثلا: إذا جئت بعصا رفيعة وضربت
بها ضربات خفيفات متواليات على خاصرة القدم (بطن الرجل) فإنك تجدين لذلك
لذة كما لو وضعت قطعة صغيرة من الثلج بين كتفيك، وهذه ليست لذة ولكنها ألم في
الحقيقة كاللذة التي توجد في الزار، وأما النشاط الذي يحدث بعد ذلك فلا يحتاج
لبحث؛ لأن كل مضرة تزول يحدث بعدها نشاط ثم يعقبه رد فعل أو (نكبة) وهذا
معنى ذلك.
أما النساء اللواتي يُرى عليهن هذا العارض فعلى قسمين: الأول النساء اللاتي
يصرعن عند استنشاق الروائح سواء كانت كريهة أو عطرية، أو عند الغضب أو
سماع الأصوات المزعجة كدق الطبل ورنة الموسيقى أو عند الفزع من أمر فجائي،
أو التأثر من أي شيء، مهما كانت واسطته، وهذا الفريق من المصابات، أو
المصابين عندهم مرض عصبي يمكن الطبيب أن يعالجه فعلى من شعر به أن يبادر
إلى التعالج قبل أن يستفحل الأمر.
والقسم الثاني: هو النساء اللاتي يرقصن على رنة الآلات المستعملة لهذه
الغاية رقصًا منتظمًا، ويتكلمن كلامًا يوهمن به أنهن مختلطات بالجن أو الأولياء
ويطلبن أشياء من أزواجهن، ويمسسن بأيديهن على رؤوس الأطفال لتحصل لهم
بركة الولي، أو رعاية العفريت، وهذا القسم من النساء خليعات لا دواء لهن غير
الزجر والإهانة والتكذيب؛ فإنهن مدعيات، وكلهن ذوات الثروة أو الأزواج
الأغنياء، ومن يلاحظ أن المرأة الغنية التي تحضر مجالس الزار إذا افتقرت يفارقها
الزار، وهي تعرف حقيقة الأمر) . اهـ.