للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: محمد رشيد رضا


بقية الكلام على
تقرير مشيخة العلماء في الإسكندرية
(المراقبة العامة على الطلاب)
ذكر في هذا الفصل أنه عهد إلى تسعة نفر من العلماء في مراقبة الطلاب في
مسجد أبي العباس المرسي يتناوبونها فيفصلون في المنازعة أو الإساءة العادية التي
يكفي التأديب عليها والزجر والنصيحة والموعظة الحسنة ويرفعون الأمر فيما
يستحق فاعله العقوبة إلى المشيخة ويأمرون بالصلاة مع الجماعة، ويكونون مرجعًا
للطلاب في تصحيح المتون التي يحفظونها وحل المشكلات التي تعرض لهم. وقد
كان من عقوبة بعض فاسدي الأخلاق من الطلاب طردهم من معاهد العلم، وعهد
إلى فريق من العلماء في زيارة الطلاب في مساكنهم يراقبون شؤونهم في معيشتهم
ويسألون الجيران عن أحوالهم، ووعد بأن سيُعنى بهذه المراقبة في القابل بأكثر مما
عني بها في هذا العام. وهذا مما يمتاز به التعليم في الإسكندرية على التعليم في
الأزهر، فنثني على الشيخ محمد شاكر الثناء الحسن، ونرجو له زيادة التوفيق.
***
(الامتحان ونتائجه)
ذكر في هذا الفصل أن مشيخة الإسكندرية رأت أن تمتحن جميع طلاب العلم
الخاضعين لنظامها في كل عام. وأن تستعين في عملها هذا ببعض المتخرجين في
مدرسة دار العلوم. وكذلك فعلت وتم الامتحان قولاً وكتابة فكان أن تقدم للامتحان
من طلاب السنة الأولى ٣٠٣ من مجموعهم وهو ٣١٢ نجح منهم ١٩١ نقلوا إلى
دروس السنة الثانية. وتقدم من طلاب الثانية ٥٠ من ٥٤، فنجح ٤٨ نقلوا إلى
دروس الثالثة. وتقدم من الثالثة ٣٨ من ٤٢ نجح منهم ٣٥ وتقدم من طلاب
الرابعة ٢١ من ٢٤ نجح منهم ١٨ قال:
(وقد ألحقنا بناجحي هذه السنة من نجح من طلاب السنة الخامسة ورغب في
الاستمرار على طلب العلم الشريف والانقطاع له، وهم ثمانية أشخاص مختلفو
المذاهب لا يمكن أن تنشئ المشيخة لأجلهم سنة مخصوصة) .
ثم قال: كان الامتحان الشفهي وسطًا في الشدة واللين والتحريري غاية في
النظام والترتيب، وهذه أول مرة يجلس فيها طلاب العلوم الدينية مجلس الامتحان
المهيب أمام الأساتذة بين يدي المحبرة والقرطاس يستعملون قواهم العقلية للإجابة
عما سئلوا عنه، ولكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه عن النظر إلى ما يفعله غيره.
اهـ وهو من دواعي السرور والثناء على مشيخة الإسكندرية.
***
(مكافأة الناجحين)
ذكر في هذا الفصل أن الأمير وضع مائة جنيه مصري (تحت تصرف
المشيخة من مخصصاتها في الميزانية لمكافأة جميع الناجحين في هذا الامتحان)
وهذه الجنيهات من مال الأوقاف. ثم ذكر أن الذين استحقوا الجائزة ٣٠٠ طالب
ونقول: إن الناس هنا لم ينسوا أنه قد كان قد خصص للمكافأة في الأزهر ٤٠٠
جنيه من مال الأوقاف، فما زال الشيوخ الجامدون يتوسلون إلى الأمير حتى ألغاها،
وهذا ما تفضل به مشيخة الإسكندرية مشيخة الأزهر.
***
النظام الدراسي
ذكر في أول هذا الفصل أن نظام التدريس في هذه السنة (التي وضع التقرير
لها) كان تجربة واختبارًا وأن المهم الآن هو النظام للسنين المقبلة. ثم وضع لكل
سنة جدولاً ذكر فيه الكتب التي تقرأ فيها وأوقاتها. والبحث في ذلك وفي الكتب التي
اختارها يطول. ومن قرأ كلامه فيها علم أنه في حيرة من فقد الكتب التي تصلح
لتعليم المبتدئين، وله العذر في ذلك فإن الكتب الأزهرية لا يوجد فيها ما يصلح
للمبتدئ والاستغناء عنها بمثل كتب نظارة المعارف في الفنون العربية وبعض
المصنفات الجديدة في غيرها كسر لقيود التقليد، وهو مما يتعذر أو يتعسر لا سيما
على المبتدئ في العمل، ولكن الإصلاح يتوقف على تدريس بعض الكتب الجديدة
كما توقف الامتحان والنظام على مساعدة بعض من عرف الطرق الحديثة
في التعليم.
إذا كان ثمَّ ما يمنع من تدريس كتب المعارف في النحو والصرف والبلاغة، فما
أظن أن شيئًا يمنع من تدريس كتاب (نور اليقين في سيرة سيد المرسلين) الذي
ألفه الشيخ محمد الخضري الأزهري الداري؛ إذ لا يوجد في الأيدي مختصر للسيرة
النبوية يصلح للتدريس سواه، وله كتاب آخر في تاريخ الخلفاء الراشدين لم أره وأظن
أنه يصلح للتدريس أيضًا. فهذا جواب ما طلبه في الكلام على دروس السنة الأولى
من الإرشاد إلى مختصر وجيز في السيرة النبوية وتاريخ الراشدين. وإذا أراد
التوسع في تاريخ الإسلام في غير هذه السنة فلا أراه يستغني عن كتاب أشهر
مشاهير الإسلام.
ثم إن الاكتفاء بمختصر البخاري يقرأ في عدة سنين تقصير في الحديث، فهذا
المختصر يقرأ في سنة واحدة، ثم لا بد من قراءة غيره ومن العناية بعلم المصطلح
ونقد الرجال. ونكتفي بالتنبيه إلى هذين الأمرين في هذا المقام، ونحن نعلم عذر
المشيخة في كل تقصير، ونسأل الله تعالى أن يسهل لها كل عسير.
وفي التقرير فصول أخرى في المدرسين وفي المساجد المعدة للتدريس فيها
وفي مساكن طلاب العلم، وفي كل فصل منها دلائل واضحة على همة شيخ العلماء
وعنايته بإتقان عمله.
***
(عبارة التقرير)
نكتفي بما تقدم من القول الوجيز في موضوع التقرير، ونختم التقريظ والانتقاد
ببعض الشواهد على ما لاح لنا من التساهل في عبارته؛ لأن في تساهل العلماء
بإيراد المفردات والأساليب العامية ووضع الكلم في غير مواضعه جناية على اللغة؛
لأن الناس يقلدونهم فيما يكتبون. وإنني أورد هنا ما يقبل التأويل بتكلف، وما لا
يقبله ولو مع التعسف. وأرى أن صاحب التقرير لو شاء أن ينقحه حتى يسلم من
الخطأ إلا ما لا يسلم منه المولدون لفعل، وعسى أن يفعل في تقرير آخر وهو أهل
لذلك.
(١) قال في الصفحة الثانية: ولا شية في الخطأ إذا صحبه حسن النية،
والشية: هي اللون في الشيء يخالف لونه الأصلي، ومنه قوله تعالى في وصف
البقرة {لاَّ شِيَةَ فِيهَا} (البقرة: ٧١) أي لا لون آخر في جلدها. وقد استعمل
الشية هنا بمعنى العار والعيب، بدليل قوله بعد ذلك: بل العيب كل العيب أن يخطئ
المرء ثم يصر على خطأه وقد نبه إلى موضعه من عمله عنادًا واستكبارًا.
(٢) وقال فيها: وترغيبًا في تربية الشبيبة المصرية.. إلخ. الشبيبة
مصدر وقد جعلها هنا وفي مواضع أخرى جمع شاب. وقد سرى إليه هذا من
الجرائد.
(٣) قال (في ص ٣) : وبالتالي تكون كل الوظائف الدينية: كذا ولفظ
التالي لا معنى له هنا والمقام مقام الإضراب.
(٤) وجمع النظام في أول الصفحة الرابعة بالنظامات، وكرر هذا الجمع في
مواضع أخرى، وهو جمع مؤنث للمصدر غير صحيح إذا أريد به النوع.
(٥، ٦) وقال فيها: وأيدينا مبسوطة بالدعاء لسموه على هذه النعم المتتابعة
التي أحسن بها على الأمة الإسلامية: علل الدعاء بعلى وعدى به الإحسان، وهو
غير معروف، وهذه الصفحة لا تزيد على أربعة أسطر.
(٧) قال في (ص٥) أقبل الطلاب إقبالاً كليًّا: وهذا الوصف من استعمال
الدواوين والجرائد ولا يظهر له وجه عربي وجيه.
(٨) وقال فيها: ولكن هذا الظن لم يثبت زمنًا طويلاً حتى تبدد: يريد لم
يلبث أن زال، ولا تفيد هذا المعنى كلمة تبدد؛ إذ معناها تفرق فكان بددًا أي حصصًا
وقالوا: تبدد الحلي على صدر الجارية أي أخذه كله.
(٩) وقال فيها: أسلفنا إن عدد الطلاب ... إلخ. أي بينا ذلك فيما سلف
ومضى ولم ترد في اللغة بهذا المعنى. وقد يقال إنه: كقوله تعالى: {بِمَا أَسْلَفْتُمْ
فِي الأَيَّامِ الخَالِيَةِ} (الحاقة: ٢٤) والصواب أن الأسلاف في الآية، وإن فسروه بما
قدمتم من الأعمال الصالحة هو بمعنى السلم ودين السلف، فقد سمى الله
تعالى الإنفاق في سبيله (قرضًا حسنًا) في عدة آيات وسماه عند ما ذكر الجزاء
عليه إسلافًا، وهذا هو معنى تفسيرهم له بتقديم الأعمال، أي جعلها قدامهم وأمامهم
ولا يسمى الكلام الماضي إسلافًا، ولا كل شيء فعل في الماضي إسلافًا. هذا ما أجزم
به، فمن لم يقبله فأنا أترك له هذا الانتقاد جدلاً إلا أن يأتي بشاهد عربي، فإنني
أتبعه فيه اتباعًا.
(١٠) وقال فيها: ومن مطالعة الجدول المرفق بهذا يتضح كذا. أقول: إن
لفظ المرفق بكذا يستعمل في عرف الدواوين بمعنى المرسل مع الشيء، يقولون:
ورقة الحساب مرفقة بورقة الخطاب (مثلاً) وهذا خطأ، فإن أرفق في اللغة لم يرد
بهذا المعنى، ولكنه ورد بمعنى رفق به ونفعه. على أن استعمال التقرير ليس
بمعنى ما تقدم بيانه من استعمال الدواوين، وإنما يعني بقوله (الجدول المرفق بهذا)
الجدول المسطور في هذا الفصل من التقرير كما قال بعد ذلك (جداول الإحصاء
المرفقة بهذا الفصل) وما كان أغناه عن لفظ المرفق. ولعله يجعل بعد لهذه الجداول
عددًا يشير إليه بالأرقام أو بأسماء العدد فيقول: ويعلم من الجدول الأول كذا ومن
الجدول الثاني كذا.
(١١) وقال فيها: ولكنه على العموم يبشر بكذا. وكتاب الجرائد تستعمل
هذه العبارة بمعنى قولهم (في الجملة) والعموم مصدر عمَّ ومعناه الشمول ويستعمل
في اصطلاح الأصوليين بمعنى استغراق اللفظ لأفراد غير محصورين وعند أهل
المنطق بنحو هذا ويقابل بالخصوص ولا محل لشرح ذلك هنا وعبارة التقرير ليست
من هذا في شيء.
(١٢) قال (في ص٦) وقد يستلفت أنظار الباحث ... إلخ. وصيغة
الاستلفات لم ترد في اللغة، وقد سبق لنا ولكثير من الكتاب المدققين استعمالها تبعًا
للجرائد، وكان أول من نبهنا إليها المرحوم الشيخ محمد محمود الشنقيطي، فذكرنا
ذلك في المنار يومئذ. وقد ورد لفته وألفته.
(١٣) واستعمل فيها وفي غيرها لفظ (الأحناف) جمعًا لحنفي وهو غير
صحيح.
(١٤، ١٥) وقال فيها: وقد يلاحظ المطلع على إحصائية العام المقبل، يعني
بالإحصائية الجدول الذي أحصى فيه عدد التلاميذ، ولا يظهر لي وجه وجيه لتسميته
إحصائية. ولاحظ لا يتعدى بعلى، وهو يكثر من قول لاحظ عليه فهو خطأ. والعرب
تستعمل لفظ (عام قابل) للعام الذي بعد عام المتكلم، وورد في الحديث فلا أدري لماذا
يستبدل به صاحب التقرير لفظ المقبل، ولم أعده عليه؟ ومعنى أقبل في اللغة جاء
من قبل، أي من جهة الأمام فلفظ مقبل ليس نصًّا في العام الذي بعد عامك كلفظ
(قابل) وليس في الصفحة السابعة واللتين بعدها إلا الجداول.
(١٦) كتب فوق الجدول الذي في (ص ٩) ما نصه: (إحصائية طلاب
العلم الشريف بثغر الإسكندرية والجهات التابعين لها) فوصف الجهات بوصف
المذكر العاقل، ولعل هذا سبق قلم أو تحريف من المطبعة.
(١٧) وفي هذا الجدول كلمة (أصوان) والصواب أسوان بالسين المهملة
ولكن هذا من الخطأ الرسمي الذي عليه الحكومة، وبلغنا أن نظارة المعارف
صححته لها.
(١٨) وفي (ص١٠) وصف النتائج بالحقة وهي تأنيث للحق وهو لا
يؤنث وقد أكثرت الجرائد استعمال الحقة، فترى فيها الوطنية الحقة، الشريعة الحقة،
الديانة الحقة، وهو خطأ.
(١٩) وقال فيها استعملوها بإفراط: يعني الطريقة والطريقة لا تستعمل
استعمالا وكان يحسن أن يقول أفرطوا فيها.
(٢٠) وقال فيها: تكليف الطلاب بحفظ ... إلخ. ولم يرد كلف متعديًا
بالباء، بل ورد كلفه الأمر، ولكن الفقهاء قد عدوا كلف بالباء فلِمُزاول كلامهم العذر
بتعديته بها، ولا نكاد نسلم منه على علمنا به.
(٢١) وقال فيها: (حتى يبلغوا الحد الذي يقتدرون فيه على الاشتغال بإقامة
الأدلة والبراهين على الذين كانوا يعلمون) وحسب القارئ لهذه الجملة قراءتها فلا
حاجة إلى بيان ضعفها.
عبارة هذا التقرير الذي يبلغ زهاء ٩٠ صفحة وهذه الأغلاط مستخرجة من
أربع صفحات منه قد عدت عشرًا؛ لأن منها الأولى وليس فيها إلا عنوان التقرير
والثانية نصف صفحة. والرابعة أربعة أسطر، والسابعة والثامنة والتاسعة ليس فيها
غير الجداول. وفي هذه الصفحات غير ما ذكرنا ولكنه يحتمل التأويل فتركناه.
هذا وإننا نعتقد أن الشيخ شاكرًا هو من أكتب العلماء، ونكتفي بهذا النموذج من
انتقاد الرسميين، ولكنه يكثر قراءة الجرائد فأثرت في نفسه أساليب أكثرها حظوة
عنده، وهو لكثرة شغله لم يدقق في تحرير عبارة تقريره فجاءت كعبارة بعض
الجرائد، وإننا لم نقدم على انتقاد التقرير إلا لعلمنا بسعة صدره وعرفانه لقيمة
الانتقاد، وقد أشار إلى ذلك في المقدمة، فله الشكر على هذا الإرشاد وعلى خدمته
للعلم والتعليم {وَاللَّهُ يَهْدِي مَن يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} (البقرة: ٢١٣) .