للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: محمد رشيد رضا


عبرة
المنار وجريدة طرابلس

وقفنا في جريدة طرابلس - والمنار تحت الطبع - فرأينا فيها مقالات ترد على
(الحكمة الشرعية) أو على ما نشر منه في المنار، بعضها لصاحب الجريدة
وبعضها لآخرين، بعضها بذاء وسفاهة، وبعضها اعتدال ونزاهة، والعجب أن يرد
المسلم الصادق على شيء لم يطلع عليه، وكفى بذلك دليلاً على نفاق أولئك الكاتبين
وافترائهم، وكان يمكن من عنده مسكة من الدين أن يرضي من احتاج إلى مصانعته
بعبارة نزيهة صادقة، كما فعل أحدهم، ولكن النفاق ليس له حد يقف عنده، وقد
اتخذت جريدة طرابلس هذه الحادثة فرصة لإظهار حسدها للمنار وراء هذا الستار،
فطعنت في مشرب الجريدة في أول صدورها؛ لأنها نددت بالعادات المنكرة
المذمومة، وبنت هذا الطعن على أن ذلك لا يرضي الناس!! وفاتها أن إرضاء
الحق مقدم على إرضاء الناس، وإن كانت لنفاقها تقدم الثاني على الأول، ولولا
حسدها للمنار الذي فضح ضعف كتابتها ونفاقها بعبارته العربية ونزاهته الدينية - مع
كون صاحبه من بلدة طرابلس - لما خصته بالذم على ذلك. وهذه جريدة (مصباح
الشرق) الغراء تجري مع المنار في مضمار واحد، وتنتقد العادات المصرية حتى
المتعلقة بالمنتمين للطريق بأشد مما انتقدت المنار، فلم لم تذمها على ذلك؟ ولكن
الحسد إنما يقوى حيث تكون الصلة أقوى من نحو وطنية أو قرابة أو جوار، ومن
العجيب أن جريدة طرابلس طعنت في المنار بما فيه من (تنديدات بتقصيرات على
أهل الشرق وتحذيرات من تغلب أهل الغرب بما حازوا من قصب السبق) وكأن
نفاقها يسول لها أن الأولى بنا غش أمتنا، وقولنا للمريض: أنت صحيح قوي، فكل
ما شئت وإياك والدواء؛ لأن ذلك يسره فيرضى عنا، وزعمت أن الناس كلهم نقموا
علينا وعلى المنار، وهذا كذب؛ فوالله العظيم إن أفاضل الناس كتبوا إلينا من
مشارق الأرض ومغاربها يفضلون جريدتنا على كل الجرائد الشرقية، وأما الثناء
الذي سمعناه ونقل إلينا ممن سمعه شفاهًا من علماء مصر وفضلائها فهو أكثر من أن
يذكر، ولا تزال الجريدة في نماء، ومن عجيب الإقبال عليها أن أكثر من يتجدد لنا
من المشتركين يطلب الجريدة من أول سنتها، حتى تحدثنا بإعادة ما مضى منها،
ولئن شئنا لنفضحن هذا النفاق ونبين حقيقة أهله، فنحن أعرف بهم ولكن نعفو
ونصفح. وليعلم المنافقون أن كتابنا وجريدتنا لم يوضعا للطعن في أبي الهدى أفندي
ولا لإساءته فضلاً عن الطعن بالقطبين الكبيرين الجيلاني والرفاعي - رضي الله
عنهما - وكأنهم به وقد علم بحقيقة مقصدنا الشريف، ومشربنا النقي الطاهر،
فرضي عنه، وكأنهم بالمنار يضيء فوق جبال سوريا فيعم أغوارها وأنجادها
فيخطف أبصار الشامتين وتنقطع بذلك ألسنة المنافقين وتحترق قلوب الحاسدين.
{وَأَنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ} (يوسف: ٥٢) .