للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: محمد رشيد رضا


الأخبار والآراء

(علماء تونس ومصر وجامع الزيتونة والأزهر)
كان الأستاذ الإمام - رحمه الله تعالى- يقول: إن مسلمي تونس سبقونا (يعني
أهل الأزهر) إلى إصلاح التعليم، حتى كان ما يجرون عليه في جامع الزيتونة
خيرًا مما عليه أهل الأزهر. ولما عاد من سفره الأخير إلى تونس، كتب مذكرات
عن حال التعليم فيها، وجاء ببعض الأوراق الرسمية في ذلك، وقال لي غير مرة:
إنني سأعطيك ما عندي في ذلك؛ لأجل أن تضم إليه رأيي وما تراه، وتنشره
بالمنار في مقال يكتب في المقابلة بين جامع الزيتونة والجامع الأزهر. وكنا نرى
أن هذا مما يجب في شرعة الإصلاح على التراخي؛ ولكن أَجَل المصلح لم يكن
على التراخي، بل عاجله الأجل قبل أن يفرغ من الأهم إلى هذا المهم.
* * *
(وزراء تونس من العلماء)
ذكرنا بهذا ما رأيناه في الجرائد التونسية الأخيرة من خبر وفاة الوزير الأكبر
وجعل وزير القلم والاستشارة خلفًا له، وجعل رئيس محكمتي الاستئناف من قبل
خلفًا لهذا. فالوزير المتوفى كان نابغًا في العلوم العربية والدينية؛ إذ تلقاها في
جامع الزيتونة. حتى قيل: إنه يعد من طبقة أهل الترجيح في الفقه، وكذلك وزير
القلم الجديد وهو الشيخ يوسف جعيط فهو من أشهر المتخرجين في ذلك الجامع، وقد
درس فيه ثم اشتغل بالسياسة، وتقلب في المناصب حتى صار اليوم وزير القلم
والاستشارة، فهذان الوزيران قد دخلا باب السياسة، وهما شيخان زيتونيان بكل
معنى الكلمة كما يقول الغربيون، حتى ارتقيا إلى منصة الوزارة. فهل يخطر في
بال أحد من مدرسي الأزهر، أن يستعد لمثل ذلك حتى يكون أهلاً للوزارة، أو لما
دونها من أعمال الحكومة؟ كلا إن أحدًا منهم لا يفكر في مثل هذا الاستعداد، ولو
فعله أحد منهم لكان خيرًا لهم، وأشد تثبيتًا في العلم والدين، فإن لم يولوا من تلك
الأعمال شيئًا؛ لأن نظام الحكومة المصرية لا يسمح بذلك، فربما كانوا أنفع لأمتهم
مع البعد عن الحكومة منهم، وهم لها عاملون.
ههنا يخطر في البال أن سعد باشا زغلول ناظر المعارف العمومية بمصر
كان أزهريًّا، وقد ارتقى في الحكومة إلى أعلى مرتبة في القضاء، ومنها إلى
الوزارة، ونرى الأزهريين يفاخرون به لا سيما بعد أن رأوا الأمة مبتهجة،
والجرائد متفقة على الثناء عليه عندما ولي الوزارة، والحكومة نفسها تكاد تمن
على الأمة باختياره، ولكن سعد باشا وزير المعارف بمصر، ليس عريقًا في
الأزهرية كعراقة الشيخ يوسف حعيط وزير القلم والاستشارة بتونس بالزيتونية،
فإن الشيخ يوسف تعلم في الزيتونة على الطريقة المألوفة راضيًا بها، حتى
صار مدرسًا، وقرأ المطول فيه درسًا وهو أعلى كتب البلاغة. والأزهريون
يقرؤون مختصره لأهل النهاية، ويمتحنونهم به.
وسعد زغلول صحب الأستاذ الإمام في أول المجاورة، وأدرك السيد
جمال الدين فأخذ عنهما، واعتقد في أول نشأته العلمية أن طريقة الأزهر في
التعليم رديئة، فتبع الحكيمين المصلحين، قبل أن تطبع الطريقة الأزهرية ملكتها
في نفسه، ولم يرض أن يجري عليها إلى منتهى شوطها، ويأخذ شهادة العالمية،
ويصير من المدرسين، بل أخرجه الأستاذ الإمام من الأزهر، عندما ولي هو رياسة
تحرير الجريدة الرسمية، وجعله محررًا معه، ثم كان من أمره ما هو معروف. ومنه
أنه تعلم اللغة الفرنسية وهو قاض، ودرس علم الحقوق بها حتى أدى الامتحان في
فرنسا، وأخذ منها شهادة (الليسانس) ، وهو يَعُدُّ مثل المطول والمختصر من
الكتب، التي تبعد عن البلاغة وتحول دون ملكتها. على أننا لا نقصد الآن إلى بيان
طريقة التعليم في الجامعين والمفاضلة بينهما. وإنما غرضنا من المقابلة والتنظير أمران:
(أحدهما) بيان أن العالم الديني إذا اختبر الأحوال العامة ونظر في طرق
نظام الحكومة التي تتولى أمره، وتناول شيئًا من العلوم الدنيوية يكون أقدر على
خدمة بلاده وأمته، سواء تقلد الأحكام الدنيوية أم لم يتقلدها، وقد كان كثير من
الناس يعتقدون أن الأستاذ لو ترك خدمة الحكومة ومنصب الإفتاء؛ لأمكنه أن
يعمل للأمة الإسلامية عامة، وللشعب المصري خاصة، أضعاف ما كان يعمل وهو
في الحكومة.
(وثانيهما) التنبيه إلى شيء من الفرق بين تونس ومصر، في حال علماء
الدين، ونسبتهم إلى الحكومة. وإليك ما هو أبلغ من ذلك.
* * *
(جمعية طلاب جامع الزيتونة)
ألف بعض النبهاء من جامع الزيتونة جمعية، يعلم غرضهم منها من الخطبة
الآتية وقد ساعدهم على ذلك بعض شيوخهم الفضلاء. وقد اجتمعوا في اليوم الرابع
من هذا الشهر (المحرم) في المدرسة الخلدونية؛ للمذاكرة في قانون الجمعية،
وحضر اجتماعهم هذا كثير من كبار المدرسين، وكانوا قد اختاروا أحد العلماء،
رئيسًا لعملهم في التأسيس ووضع القانون وهو الشيخ الطاهر النيفر، فافتتح الجلسة
بخطاب بليغ في الموضوع.
فقام الشيخ الخضري بن الحسين من العلماء الحاضرين، فشكر له وللتلاميذ
الذين نهضوا بهذا العمل النافع، ثم وزعت الرقاع لانتخاب رئيس وأعضاء
للجمعية، فأجمعت الآراء على اختيار الشيخ محمد رضوان للرياسة، وهو من العلماء
الفضلاء أصحاب الرأي والروية، كما يؤخذ من بعض الجرائد التونسية، وفيها أنه
متقن للغة الفرنسية، ولما يرتق طلاب الأزهر إلى مثل هذا العمل.
ورأينا في جريدة (لسان الأمة) التي صدرت حديثًا في تونس صورة
خطبة للشيخ محمد النخلي من كبار العلماء المشهورين، كان أعدها ليلقيها في هذا
الاجتماع، فحال دون ذلك مانع من الحضور، فأحببنا أن ننشر هذه الخطبة برمتها
لما لنا من الحرص على معرفة آراء علماء الدين في الأمور الاجتماعية، ولما فيها
من بيان حقيقة الجمعية، وهي: (بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على
سيدنا محمد وعلي آله وصحبه أجمعين {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً} (آل عمران: ١٠٣) .

أيها السادة العلماء، والأفاضل الأعيان:
يحسن في هذا المقام أن أصدر هذا الخطاب الوجيز بكلمات حكمية، سارت
سير الأمثال: ليس أحد بأقل من أن يعين، ولا بأكبر من أن يعان. لا تكال الرجال
بالقفزان، المرء بأصغريه: قلبه ولسانه لا بقميصه وطيلسانه.
ليس الحداثة في سن بمانعة ... قد يوجد الحلم في الشبان والشيب
وهي أمثال إذا تأملنا معانيها، وتدبرنا مغازيها، أكسبتنا حسن الظن، وكامل
الثقة بالمشروع، الذي هيأه لنا أبناؤكم بجامع الزيتونة، وقضت علينا أن نمد لهم يد
المشاركة والمساعدة؛ لإحداث مشروع، افتكره هؤلاء التلامذة؟ ولزمنا بمقتضى
قاعدة الإنصاف، التي هي أخص حلاكم التي تحليتم بها، أن نطهر ضمائرنا من
احتقار الأفكار، وأن نلاحظ المصالح بقطع النظر عن مصدرها، بعين ملؤها
التوقير والاعتبار، هذا وإن نخبة من ناشئة تلامذة الجامع الأعظم دار العلوم
الشرعية أدام الله عمرانه، وشيد بحسن عنايتكم أركانه، انبعث فيهم شعور شريف،
نهض بعزائمهم إلى الشروع في تأسيس جمعية تحت اسم (جمعية تلامذة جامع
الزيتونة) ، واقترحوا على العبد العاجز: أن ألقي خطابًا في الموضوع ونتائجه
وألحوا، وقالوا: إن المؤمن أخو المؤمن. وحقًّا ما قالوا.
أيها السادة: لا أقصد بهذا الخطاب أن أعلمكم ما تجهلون، أو أفيدكم ما أنتم
عنه غافلون، وإنما هو ذكرى لكم ببعض ما تعلمون، والذكرى تنفع المؤمنين،
وتؤكد يقين المستيقنين.
ليست ألسنة التقليد للغير هي التي تأمرنا بلم شعثنا، ومد يد الإعانة لبعضنا،
وإقامة التعارف مقام التناكر، والتواصل مكان التفاصل، حتى نحيي رابطة العلم أو
نمي هذا الشعور،، بل لسان الدين الحنيف الذي نزاول علومه آناء الليل وأطراف
النهار في هذه المدرسة الزاهرة هو الذي يأمرنا بذلك في عمومه وخصوصه،
وتصريحه وتلويحه، لمن سبر أغواره، واستقرأ آثاره، كيف ولا يعزب عنكم ذلك
وأنتم علماء الدين وحملة الشريعة المطهرة.
ألم يكن للنبي - صلى الله عليه وسلم - مجالس يحضرها أصحابه الكرام؟
وكانت تلك المجالس مجالس هدي وإرشاد، وتعميم نفع للعباد، وكانت أحيانًا مهبط
الوحي، فيها يتلقون تعاليم الدين، وعنها يصدرون فائزين، وكذلك خلفاؤه
الراشدون من بعده، وأذكركم بنادي عمر بن الخطاب فإنه كان غاصًّا بالشيوخ،
والكهول، والشبان. وكان يقول: لا يمنع أحدكم حداثة السن أن يبدي رأيه. في
هذه النوادي يتعارفون، ويتواصون بالحق، ويتواصون بالصبر، ويتعاونون على
البر والتقوى.
أما إذا أردنا أن نثبت ما للجمعيات من الفوائد العامة والخاصة بلسان التاريخ
فإن البحث في هذا الموضوع، يستدعي حشد مجلدات عما تأسس في العالم المتمدن
من الجمعيات، وما كان لها من النتائج على اختلاف الأحزاب والمقاصد، حتى
بالحاضرة التونسية. نحن - وإن كنا يجمعنا الجامع - متفرقون، وإن وجد بيننا
رحم علم - فنحن والحق يقال - متقاطعون، ولا أكلكم إلا للمشاهدة، وربما كانت
المشاهدة تفصح لكم عن الحالة الحاضرة أكثر مما أفصح لكم عنه هذا اليراع الكليل.
هل عملنا بالآية التي توجنا بها هذا الخطاب؟ هل عملنا بقوله تعالى: {إِنَّمَا
المُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} (الحجرات: ١٠) هل عملنا بقوله صلى الله عليه وسلم: (لا
تباغضوا ولا تحاسدوا وكونوا عباد الله إخوانًا) هل عملنا بقوله صلى الله
عليه وسلم: (ألا أخبركم بأحبكم إلي وأقربكم مني مجالس يوم القيامة؟
أحاسنكم أخلاقًا، الموطؤون أكنافًا، الذين يألفون ويُؤلَفُون) ونحن أبناء العلم
الديني أحق بالعمل، هل نحن أبناء العلم نألف ونؤلف، وهو من صفات الأحبين
الأقربين؟ أظن أن المجافاة بلغت بيننا النهاية، والمنافرة من غير سبب شرعي
رمتنا إلى أبعد غاية.
فهلم بنا إلى العمل بديننا القويم. وأن يصافح أحدنا الآخر مصافحة الودود
المخلص الكريم، كما جاء ذلك في حديث صاحب الخلق العظيم.
عزم إخواننا في الدين، وأبناؤكم في تلقي علومه على إحداث هذه الجمعية
المباركة، ودعوكم للانتخاب والمشاركة في العمل. الغرض من هذه الجمعية:
أولاً - إيجاد روابط الألفة والوداد بين كل من أنبتته هذه المدرسة الإسلامية.
ثانيًا - تمكينهم من وسائل التعاون بينهم، على ما فيه مصلحتهم العامة
والخاصة.
ثالثًا - إسعاف فقراء التلامذة، وصونهم من معيشة الابتذال التي يعيشونها
اليوم بفضل الإهمال والغفلة.
وأنتم تعلمون أن قسمًا عظيمًا من تلامذة جامع الزيتونة، كادوا يتكففون،
وأنهم لا يجدون القوت الضروري إلا بطرق ممتهنة، لا ترضاها معزة العلم بل
والكرامة الإنسانية، وإن قسمًا مهمًّا منهم يسكن حيث مرابط الحيوانات المعدة لذلك؛
لأن عدد المدارس التونسية - لتكاثر التلامذة - صار غير كاف لإيوائهم أجمعين،
وسيكون هذا الموضوع أهم المواضيع التي تداول الجمعية البحث فيها، وتطرق
أبواب المساعدة من همم الرجال لنوالها.
هذا أنموذج من مقاصد هذه الجمعية، وهي - وايم الله- مقاصد سامية محتاجة
إلى همم الرجال وبذل المال؛ لأنه قوام الأعمال، فمن ساعد فقد امتثل لأوامر إنفاق
المال في سبيل الله، واستحق رضاء الله وثناء الناس.
الناس خصوصًا الجمعيات الأخر يَزِنُون هممنا، ويقدرون عزائمنا، بما يكون
من نتيجة هذا المشروع، وما يحبطه من الفشل والخيبة - لا قدر الله - وهم
ينتظرون ما يكون في مشروع هيأه أمثالكم، فهل يقارنه النشاط فالعمل فالنجاح، أو
يقذفه اليأس في مهواة السقوط؟ فإن كانت الأخرى - لا قدر الله - حققتم ما خامر
بعض الأفكار، من أن حملة العلم الديني جهال بالحياة الاجتماعية، بعداء بمراحل
عن تأسيس المشروعات الخيرية - لا قدر الله وأستغفر الله -.
أنتم أكثر من كل جمعية بتونس وأوفر عددًا، فهل أنتم أقوى عددًا، وأعلى
همة، وأقوى استعدادا، وأسمى مدارك ونظرًا للمصالح؟
منكم أهل المجلس العلي الشرعي - أيده الله - ومنكم مدرسو جامع الزيتونة
الأعلام، ومنكم قضاة الإيالة ومفاتيها، ومنكم مدرسوها، وكثير من عدولها، ومنكم
كثير من متوظفي الوزارة، وجمعية الأوقاف، وإدارة المال، فلن تفشلوا من قلة
متى كان هؤلاء الجماهير مساعدين على تحسين حال إخوانهم التلامذة متظارفين
والأمل وطيد في بقية إخوانكم التونسيين، ولا ينقصنا إلا الاجتماع والتعاضد،
والسعي والعمل، وهي نتائج الهمم السامية، والغيرة المتوقدة، والإنسانية الكاملة،
وأنتم أحق بها وأهلها، ونعوذ بالله أن يصدق علينا قول الشاعر:
ما أكثر الناس، لا بل ما أقلهم ... والله يعلم أني لم أقل فندا
إني لأفتح عيني حين أفتحها ... على كثير، ولكن لا أرى أحدا
ونرجو الله الذي لا يخيب الآمال، ولا يمنع من قرع بيد السعي أبواب
الاستكمال، أن تكون جمعيتكم مصداقًا لقول الشاعر:
ولله قوم، كلما جئت زائرًا ... وجدت قلوبًا كلها ملئت حلما
إذا اجتمعوا، جاؤوا بكل فضيلة ... ويزداد بعض القوم من بعضهم علما
(المنار)
نحيي الجمعية الزيتونية المباركة، ونحمد الله أن وجد في علمائنا مثل هذا
الخطيب، وعسى أن يكون لطلاب الأزهر جمعية مثلها.
* * *
(مشيخة الأزهر)
قد علم مما كتبناه في باب التربية والتعليم عن الأزهر وهذه المدرسة،
أن الشيخ حسونة النواوي الشهير عين شيخًا للأزهر بعد إقالة الشيخ عبد الرحمن
الشربيني من المشيخة وإننا نعتقد أنه أمثل كبراء الشيوخ الذين يرشحون لإدارة
الأزهر ولعله لم يتول هذه المشيخة أحد في هذا العصر وكان مرضيًّا عند الأزهريين
وغيرهم إلا الشيخ حسونة في هذه الكرة فنسأل الله تعالى أن يجعل التوفيق رائده
وقائده في إدارة هذا المكان، الذي صار أمره شغلاً شاغلاً للمسلمين في هذا الزمان،
وهنا نصرّح بأننا لا نريد بمدح الشيخ حسونة تعريضًا بغيره ولا نعني بما سبق عن
الأستاذين الكبيرين البشري والشربيني إلا أنهما شديدا المحافظة على القديم وهذا
يوجد في كل أمة وزمن فكلامنا بيان للواقع مع احترام الشيخين.
* * *
(مدرسة القضاة بين الأزهر والمعارف)
قد علم القراء مما كتبنا عن الأزهر وهذه المدرسة أن أهل الأزهر في أمر
مريج من هذه المدرسة، وقد رأينا بعد ذلك في جريدة الحكومة الرسمية صورة
كتاب أرسله ناظر المعارف إلى شيخ الأزهر، وصورة كتاب من شيخ الأزهر إلى
الناظر جوابًا عنه، فرأينا أن ننقلهما في المنار حاذفين كلمات الخطاب الرسمية
وهما:
الكتاب الأول: من ناظر المعارف
تبين لي من المكالمة الأخيرة مع فضيلتكم، أن هناك أوهامًا بشأن لائحة
مدرسة القضاء الشرعي؛ ولذلك أردت أن أكتب لفضيلتكم هذا الخطاب؛ إزالة لتلك
الأوهام.
إن الغرض من هذه المدرسة هو تخريج قضاة متصفين بالأوصاف الحميدة،
جامعين بين المعارف الدينية الصحيحة والمعارف الدنيوية، والقصد من ربطها
بالأزهر ليس هو التداخل في شؤونه بأي وجه من الوجوه، وإنما الغرض منه أن
تستظل هذه المدرسة بظل الأزهر الشريف، وأن يكون للمتخرجين منها بواسطة
انتسابهم إليه منزلة في قلوب العامة والخاصة، حتى لا يجد المتقاضون أمامهم حرجًا
في صدورهم من قضائهم.
إن القصد من الامتيازات التي نصت المادة الثانية على أنها تكون لطلبة هذه
المدرسة إنما هي الامتيازات المعنوية، لا الحقوق في الجرايات والمرتبات، فإن
طلبة هذه المدرسة، لا يكون لهم شيء منها بمقتضى هذه اللائحة بعد التحاقهم
بالمدرسة، وعلى فرض أن يكون لواحد منهم أو أكثر حق في شيء منها؛ بسبب
شرط واقف أو غيره. فإن نظارة المعارف لا دخل لها فيه، وإنما الشأن يرجع فيه
إلى مشيخة الأزهر دون سواها.
إنه لا صحة مطلقًا لما قيل من أن المراد بأصول القوانين الواردة في المادة
الثالثة عشرة هو القانون الروماني، وإنما المراد بها مقدمة القوانين التي تشتمل على:
تعريف القوانين، وكيفية صدورها، ووقت وجوب العمل بها، والحوادث التي
تنطبق هي عليها، وما أشبه ذلك من المبادئ الأولية للقوانين الوضعية، التي لا
يستغني واحد من القضاة الشرعيين وغيرهم عن معرفتها.
إن لسيادتكم السلطة التامة في إبطال تدريس كل علم؛ لم يكن واردًا في
اللائحة المذكورة، وكل درس يكون موضوعه القانون الروماني، ولسيادتكم الرأي
الأعلى في نشر خطابي هذا على الأزهريين، إذا وجدتم في نشره فائدة للحقيقة.
... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ناظر المعارف
الكتاب الثاني من شيخ الأزهر
وصلني مكتوب سعادتكم بتاريخ ٢٢ محرم سنة ١٣٢٥، مسفرًا عن حسن
نواياكم فيما جاء بمشروع مدرسة القضاء، مما أنف منه بعض الناظرين، وأزلتم
بما أبنتموه -لله الحمد- الشبه التي كان يظن أنها تحتك بالأزهر احتكاك العادين،
فشكر الله صنيعكم، وأحسن بيانكم، وجزاكم عن الأمة خيرًا. وعهدي وآمال الناس -
ولا سيما الأزهريين - بناظر المعارف أن يكون أول قائم بما يجب عليه، أمام
أمته وأمام أئمة الدين، وأن يسود في وقته كل معهد من معاهد العلم ولا سيما معهد
الأزهر، الذي له اليد البيضاء على الأفاضل من أكابر المسلمين. وفي الختام أسأل
الله -سبحانه- أن يوفقنا وإياكم لصالح العمل. ٢٤ محرم سنة ١٣٢٥ خادم العلم
والفقراء بالأزهر حسونة النواوي.
***
(الجريدة واللواء)
زعمت جريدة اللواء: أن (الجريدة) ترى المحاسنة المطلقة في مطالبة
الحكومة بمصلحة الأمة، وقامت تعنفها على هذا الإطلاق وتنكره عليها، محتجة بأن
حكومة مصر الآن حكومة أجنبية، تظلم الأمة وتحقرها... والجريدة ما قالت
بمحاسنة مطلقة كما زعم صاحب جريدة اللواء، وإنما قالت بمحاسنة مقيدة بكونها لا
تجرّ إلى ترك حق، أو تزيين باطل. فهل نقول: إن صاحب جريدة اللواء لا يفرق
بين المطلق والمقيد. أم نقول: إنه لا يتحامى أن يسمي المقيد مطلقًا عامدًا متعمدًا؟
وإذا كان الثاني هو الصواب، فهل يظن أن قرَّاء جريدته، لا يفهمون هذا الخطأ
الصريح؛ لأنهم من العوام الجاهلين، أم يعتقد أنه يرضيهم كل ما يقول؛ لأنهم من
المبطلين، أم هو لا يبالي باعتقادهم بخطئه وإن كانوا مصيبين؟
***
(تقريظ واقتراح من عالم شاب يحب الإصلاح)
بسم الله الرحمن الرحيم
هنيئًا لك أيها المنار الأغر، فلقد قضيت تسع سنين، أخرجت فيها الأمة من
الظلمات، وهديتها إلى سبيل الرشاد؛ الذي لا عوج فيه ولا أَمْتَا، وخدمت الملة
الحنيفية بما يخلده لك التاريخ، ويسطره قلم الثناء {وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى} (الضحى: ٥) .
والشمس وضحاها، والقمر إذا تلاها لقد وضح بك السبيل، واهتدت بك أفكار
بعد أن هامت في أودية الأضاليل، جعلت أكبر همتك البحث عما يحيي عظام أمتك
وهي رَمِيم، واعتمدت على مبدع الكائنات، حتى أنتج سعيك {وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ
فَهُوَ حَسْبُه} (الطلاق: ٣) ، ولقد جاهدت في سبيل الله حتى هزمت أعداءه،
ونصرت أولياءه، وهل {يَسْتَوِي القَاعِدُونَ مِنَ المُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُوْلِي الضَّرَرِ
وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} (النساء: ٩٥) أفلم تدفع من الشبه عن الإسلام؛ ما قد
يدع اللبيب في حيرة ما له منها من محيص، فشكرًا لك بعد شكر، وثناءً بعد ثناء،
على مديرك الرجل الوحيد الذي نصبك لتهدي الساري في الليل البهيم، ويرشده إلى
الصراط المستقيم، ورضي عن والده الذي استنار به فكره، وانشرح لتلقي المبادي
الشريفة صدره.
ولك الهناء بالعام الجديد الذي سترينا فيه - إن شاء الله - ما يذهلنا عن الماضي
ونود لو يحليك حضرة مديرك بشيء من التاريخ مما فيه عظة وعبرة، ويضمنك
بنبذ مما وعد به؛ من تخطيط فصل لمقاومة تيار البدع، والخرافات، والتقاليد،
والعادات، فإن آخر ما رأيناه في هذا الموضوع ما نشر في الجزء الثاني من المجلد
(التاسع) .
ولسنا نرجو لك من الله إلا أن يطيل عمرك، ويتم نعمته عليك - وهذا دعاء
للبَرية شامل -.
***
(المنار)
نشرنا هذا؛ لاعتقادنا بأن كاتبه عبر عن شعوره وفكره في حب الإصلاح،
وإن نشره مما يزيد في هذا الشعور قوة، والفكر رسوخًا، ولما فيه من الاقتراح،
فأما اقتراح التاريخ فقد اقترحه آخرون بالقول، ولعلنا بعد إتمام تاريخ الأستاذ الإمام
نكتب في تاريخ الإسلام، وأما باب البدع والخرافات فسنعود إليه كرة بعد أخرى.
***
(تاريخ الأستاذ الإمام)
قد تم طبع جزء التأبين والرثاء من تاريخ الأستاذ الإمام، وهو الذي كتبنا في
المجلد الثامن من المنار (ص٦٤٠) ، أننا شرعنا في طبعه قبل جزئي الترجمة
والمنشآت، وقلنا فيه: إنه متى تم طبعه، نجعل لكل مشترك في المنار الحق في
أخذ نسخة منه مجانًا، إذا كان قد أدى قيمة الاشتراك تامة. ومعنى قولنا: (له
الحق) أنه إذا طلبه يعطاه لا أنه يرسل إليه. ومعنى تأدية القيمة تامة: أن لا
يكون أداها ناقصة كعمال البريد. إذًا كل من أدى قيمة الاشتراك في المنار في هذه
السنة تامة؛ أي: (٦٠ قرشًا) ، فله الحق بأن يحضر أو يرسل من شاء؛ ليأخذ
نسخة من الجزء الذي تم.
وهذا الجزء كتاب مؤلف من ٤٢٤ صفحة من كلام أشهر الكتاب والشعراء في
مصر والشام وتونس، وغيرها من الأقطار الغربية والشرقية؛ مع تراجم
أقوال الجرائد الفارسية والتركية والإفرنجية، وكل ذلك في موضوع واحد
وسنعين ثمنه في جزء آخر، ونعلن ذلك في الجرائد.
أما جزء منشآت الإمام، فقد طبع منه نحو الجزء الذي تم وظهر لنا آثار
غير التي كنا نعرفها، وما بقي دون ما طبع، ونحن الآن شارعون في إتمامه وفي
طبع جزء الترجمة.