للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: محمد رشيد رضا


اصطلاحات كُتَّاب العصر
التعصب

مادة (عصب) تدل في أصل اللغة على الليّ والشد، يقال: عصب الشيء،
إذا لواه وشده، وعصب الشجرة: ضم ما تفرق من أغصانها، وهو مأخوذ من الشد
بالعصابة، فمعنى عصب وتعصب في الحقيقة: شد العصابة، ومنه العصبة لقوم
الرجل وقرابته، وكان جمع عاصب (اسم فاعل) ككَمَلَة جمع كامل، والعصبية
نسبة للعصبة، والتعصب: ميل أفراد العصبة بعضهم إلى بعض وتشددهم في
المدافعة عمن يتصل بهم بجامعة العصبية التي كان مناطها عند العرب القرابة
والعشيرة.
ولم يكن يطلق اسم التعصب على التشدد في الدين والغلو فيه، بل كانت
العرب تسمي هذا تحمسًا، وكُتاب العصر اشتهر بينهم إطلاق اسم التعصب على
الإفراط في التشدد في الدين إلى درجة يؤذي بها المتعصب مخالفه فيه، وأجدر بهم
أن يسموه: تحمسًا، لولا أن الناقلين له عن لغات الإفرنج إلى العربية لم يتنبهوا
للفظ التحمس. ويطلقون التعصب أيضًا على الميل للجنس والإفراط في الحماية له
والمحافظة على شرفه، واتساع سلطانه، وإن غمط حقوق سائر الأجناس، وهضم
جانبهم، ويخصون هذا الضرب من التعصب بالمدح والإطراء، والأول بالغميزة
والهجاء، ولا يخفى أن الأوروبيين سرى بينهم رأي نابليون في أن مناط الجنسية
هو اللغة، فكانت هذه الاصطلاحات وبالاً علينا نحن العثمانيين، فإذا كانت سعادة
الأمة في وحدتها، والوحدة لا بد لها من جامعة تلتف عليها عناصرها وترتبط بها
هاماتها ولَهازِمها فما هي الجامعة العامة والرابطة القوية لهذه الأمة المختلفة في
الأديان واللغات؟ ، والجواب: إن سعادتنا تتوقف على رفض مذهب الأوربيين في
الجنسية واتفاقنا على أن يكون مناط جنيستنا هو العثمانية، ولا أظن أحدًا من
العناصر المستظلة بظل الدولة العلية العثمانية يرفض هذا ويرتضِي اصطلاح أوروبا
في الجنسية، وإننا لبيان هذه المهمات ننشئ مقالة في التعصب والجامعة العثمانية
في عدد تالٍ (إن شاء الله) .
((يتبع بمقال تالٍ))