للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: محمد رشيد رضا


الأخبار والآراء

(المسألة المراكشية وحرب الدار البيضاء)
كتبنا في السنة الأولى للمنار نصيحة فيه لسلطان مراكش؛ أنذرناه فيها بأن
طوفان أوربا لابد أن يفيض على بلاده، فيغمرها إن لم يبادر هو إلى إصلاح شأنها
بما تقتضيه حال العصر من التربية والتعليم، لا سيما تعليم الفنون العسكرية والمالية.
ثم كنا نعيد النصائح والنذر مرة بعد أخرى، وآخر عهدنا بها ما كتبناه في أيام
انعقاد مؤتمر الجزيرة من العام الماضي {وَمَا تُغْنِي الآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لاَّ
يُؤْمِنُونَ} (يونس: ١٠١) بالأسباب والمسببات وسنن الله تعالى في الأمم، وإنما
يعتمدون في دفع الضر، وحفظ المصالح على الخوارق، وكرامات الأولياء مع
ما درجوا عليه من التقاليد والعادات، لا يقبلون وراء ذلك إصلاحًا، ولا يبتغون
بدونه فلاحًا، وقد سبق لنا بيان التجائهم إلى قبر مولاي إدريس، وجؤار أهل العلم
الديني عنده بكلمة يا لطيف؛ ليدفعوا بذلك ما طلبته فرنسا من السلطان يومئذ
فليرجع إلى ذلك في المجلد الثامن من أراد.
مرت الأيام والسنون، وأهل هذه البلاد {يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عَامٍ مَّرَّةً أَوْ مَرَّتَيْن} (التوبة: ١٢٦) أو مرات {ثُمَّ لاَ يَتُوبُونَ} (التوبة: ١٢٦) من تفريطهم
وغرورهم {ولا هم يذكرون} (التوبة: ١٢٦) ، ما حل بأمثالهم من الأمم
والشعوب الجاهلية بحال هذا العصر ورقي أممه، وما يجب من إعداد القوة
لمدافعتها إذا عدت بحسب الاستطاعة، وعلى قدر ما هي عليه من الاستعداد،
وكل ذلك مما يرشد إليه الإسلام، ويفرضه بنص القرآن.
ولكن أين أولئك الجاهلون من الإسلام والقرآن، وهم يعتقدون أن قراءة تفسيره
تميت السلطان، وحياته عندهم أولى من إحياء القرآن، ثم ماذا تفيدهم قراءته إذا
كانوا يعتقدون أن الاهتداء به من الاجتهاد الممنوع بحكم شيوخ التقليد الجامدين، وأنَّ
الدِّين لا يؤخذ إلا من كتب الفقهاء الميتين، كما يفهمها أصحاب الجاه من الشيوخ
الحاضرين، وهم يرون أن العلوم والفنون والصنائع التي تصنع آلات القوة، كالبنادق
(ويسمونها المكاحل) والمدافع والبوارج الحربية كلها محرمة، لا يجوز للمسلمين
الاشتغال بها، كما يرى ويعتقد ذلك أشباههم من أصحاب العمائم في أكثر بلاد
المسلمين، وبذلك أضاعوا الدنيا والدين وكانوا سبب هلاك المسلمين.
مرت الأيام والسنون، فدخلت (مسألة مراكش) ؛ أي: مسألة محاولة أوربا
استعمارها والاستيلاء عليها في طور جديد، فقد اعتدى بعض المغاربة على العُمَلة
الأوربيين في مرفأ الدار البيضاء، وهي من حواضر مملكة مراكش، ففتح بذلك
لفرنسا باب استعمال القوة في هذا الثغر، فدخلت منه، وذلك ما كانت تبغي.
أصبحت فرنسا مع قبائل المغرب في حرب تعددت وقائعها، فالقبائل تهاجم
الدار البيضاء، فتلاقيها العساكر الفرنسية بمدافعها، ومن ورائها البوارج تساعدها
بمدفعها، فتمزق شمل القبائل، وتنسفهم في الهواء نسفًا. ولكن الفرنسيين قد دهشوا
من شجاعة المغاربة واستبسالهم، فسلطوا عليهم عسكرهم من مسلمي الجزائر؛
لعلمهم بأنه لا يفل الحديد إلا الحديد، وقد ترك المغاربة الهجوم إلى حيث تنالهم مدافع
البحر.
مهما عظمت شجاعة المغاربة، فإنها - والجهل قائدها - لا تكفي لحفظ
استقلال البلاد، ولا تدفع عنها ما تريد فرنسا منها، فإن الجهل لا يغلب العلم،
والاختلال لا يعلو النظام، فإذا كان أهل المغرب الأقصى أسودًا، فإن العقلاء من
البشر قد عهد منهم التصرف في الأسود وحبسها في بلاد ما هي مواطنها، وما
عهد أن تعيش فيها وجعلها مع ذلك في مواضع النزهة، يأنس برؤيتها حتى
النساء والولدان.
نعم، ينتظر أن تتعب فرنسا في تذليلهم، كما تعبت في الجزائر، ولكن العاقبة
للمتقين كما قال الله تعالى، والتقوى تفسر في كل مقام بحسبه، فهي تفسر في باب
الحرب والصدام باتقاء أسباب الانكسار والخذلان، ولا شك أن فرنسا هي المتقية ما
يجب اتقاؤه في هذا المقام، بالتدبير التام، وإعداد ما تستطيع من قوة، كما أمر الله
تعالى.
ومن التدبير الذي يتخذه العقلاء ولا يدري به الجهلاء - وهو من قبيل السيل
يضرب جلمودًا بجلمود - إيقاع الشقاق بين الزعماء في المغرب. وما وقف ذلك عند
حد الخارجين على السلطان والمحاربين له، بل قامت طائفة عظيمة من الأمة فبايعت
بالملك مولاي حفيظًا (أو عبد الحفيظ) أخا السلطان عبد العزيز بفتوى من العلماء،
فصار في البلاد سلطانان سيحارب كل منهما الآخر، فيكفون فرنسا شر قوة البلاد.
يظن كثير من الناس أن السلطان عبد العزيز سيلجأ إلى فرنسا؛ لتحفظ له
سلطانه، وتكفيه شر أخيه، كما لجأ توفيق باشا إلى إنكلترا في إبان الثورة العرابية،
وبذلك تحتل فرنسا بلاد مراكش احتلالاً رسميًّا يسمى موقتًا، وتعمل عملها فيها باسم
السلطان، كما تحكم تونس باسم الباي، وهذه هي الطريقة التي استقر عليها رأي
ساسة أوربا في استعمار بلاد المسلمين؛ لأن حكمهم باسم أمرائهم وملوكهم أقرب إلى
السلام، وأبعد عن النزاع والخصام.
إنه ليحزننا؛ أن نرى مملكة إسلامية في الشقاء الذي أحاط بمملكة مراكش،
ولا يسرنا أن تبقى على ما هي عليه، أو على ما كانت عليه، إذا كان ما انتابها
الآن مبدأ للانتقال من حال إلى حال.
وإنه ليحزننا؛ أن يكون انتقالها بقوة الأجانب، لا بتدبير رجالها وحكمتهم.
ولكننا لا نرى منفذًا لخيط من خيوط أشعة الرجاء في أولئك الرجال الجهلاء، فيا
طالما نصحنا لهم، وأنذرناهم البطشة الكبرى {فَتَمَارَوْا بِالنُّذُرِ} (القمر: ٣٦) ،
بل كان مثلنا ومثل سائر الناصحين معهم {كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لاَ يَسْمَعُ إِلاَّ دُعَاءً
وَنِدَاءً صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ} (البقرة: ١٧١) .
إن أهل العقل والعلم من طلاب الإصلاح للمسلمين، تتمنى قلوبهم لو يدوم
لسلطنة مراكش استقلالها، ويتحول طوفان أوربا عنها، حتى يكون إصلاح حالها
من نفسها ولو بعد حين. ولكن عقولهم تحكم بأن هذا شيء لا مطمع فيه، وتدرك أن
من العدالة العامة في الأكوان، ومن سنن المبدع في اجتماع الإنسان أن يقذف بالحق
على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق. (راجع سورة الأنبياء من ١٨: ٢١) وأن
الأرض يرثها عباد الله الصالحون؛ أي: لعمارتها. (راجع آية ١٠٥ من السورة
المذكورة) ولا شك أن العلم بالنظام، وبطرق العمران، وتأمين السكان من الحق،
وهو مما يقوم به الأوربيون، وأن ما عليه المغاربة من ضد ذلك هو من الباطل،
وأن الأوربيين يعدون بالنسبة إلى المغاربة من الصالحين لاستعمار الأرض الذي
امتَنَّ الله علينا به، كما قال - تعالى - {هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا} (هود: ٦١) ، فكان الكتاب العزيز مؤيدًا لحكم العقل في وجوب زوال استقلال
المغاربة، وكل دولة لا تحسن الاستعمار ولا تقيم النظام، إلا أن تتوب وتقيم
الميزان بعد الاستعداد له بما تقتضيه حال الزمان. ولا يظهر صدق الآية الكريمة في
إرث الأرض إلا بهذا التفسير، ولنا فيه سلف صالح فهو منقول لا مخترع.
إن حُكم الفرقان والقرآن بأن دول العلم والنظام والاستعمار هي التي تسود على
دول الجهل والخلل والإفساد في الأرض، هو الذي يخفف من ألم حسرة العقلاء على
زوال استقلال دول المسلمين، ولا أقول: دول الإسلام، فإن من يقضي القرآن
بزوال دولته لا تكون دولته إسلامية. ولكن قد تكون مسلمية، وبهذا نبرئ الإسلام
بحق من مناقضة أصول العمران العلمي، ونجعل ذلك على أعناق المسلمين.
* * *
(غرور متعلمي اللغات الأوربية)
إن أصحاب العقول الصغيرة من متعلمي اللغات الأوربية، يتخيلون أن كل من
تلقف لغة منها، صار من العلماء الأعلام والحكماء المرشدين للأنام. ولكن هؤلاء
المتعلمين يعدون بالألوف، ولا نكاد نجد واحدًا منهم في الألف يفيد أمته بكتاب
يفضل به غير العارفين بهذه اللغات، وإننا نرى أكثر ما يكتب كاتبوهم في الجرائد
أو غيرها، في منتهى السخف وضعف الفكر؛ والسبب في هذا أن اللغة الأوربية
وسيلة للعلم، وليست هي عين العلم، ولا عين العقل الذي لا علم بدونه ولا فهم.
إذا وجد في متعلمي هذه اللغات أفراد كفتحي باشا زغلول وقاسم بك أمين لهم
آثار في الترجمة والتصنيف؛ تدل على أنهم استفادوا من اللغة الأوربية علمًا
وبصيرة، فإنه يوجد فيهم ألوف ما يستفيدوا إلا الغرور والتبجح والدعوى، ومنهم
من أضاع ثروته الموروثة، وأهان نفسه وذوي قرابته بسوء سيرته، وما كانت
اللغة الأجنبية التي يعرفها إلا عونًا له على إضاعة ماله وشرفه، ثم هو يفاخر باللغة
وعلومها، ويحتقر علوم العربية من دينية وغيرها، ويحط من قدر أهلها.
للأستاذ الإمام آثار جليلة كتبها قبل أن يتعلم اللغة الفرنسية كمقالات
الوقائع المصرية ومقالات العروة الوثقى، وقد كان ما يكتبه بعد تعلم هذه اللغة
أدل على كثرة الاطلاع والسعة في العلم، ولكن هل يوجد في هؤلاء الألوف من
المتعلمين من يستطيع أن يكتب مثل تلك المقالات التي كان العالم يهتز لها حتى
أن إنكلترا ذات الحرية الواسعة منعت العروة الوثقى من مصر والهند. ولا
غرو فإن العقول التي وسعت دائرة العلوم باللغات الأوربية حتى صارت هذه اللغات
تتعلم لأجل ذلك يوجد مثلها في الأمة العربية وفي غيرها من الأمم. وقد كان
السيد الكواكبي غير عارف باللغات الأوربية ولكن ما كتبه في الاستبداد لا يوجد في
فلاسفة أوربا كثيرون يكتبون أحسن منه أو مثله بل الذين يعرفون لغات أوربا
وليس لهم من علومها سهم يعتد به.
وما لي لا أضرب لهؤلاء المغرورين الأمثال إلا بمن ماتوا، فهذا رفيق بك
العظم فليأتونا بكثير من مثله من متعلمي اللغات الأوربية، وهذا صاحب جريدة
المؤيد، لا يختلف عاقلان في تفضيل ما يكتبه وهو لا يعرف لغة أجنبية، على ما
يكتب صاحب جريدة اللواء العارف باللغة الفرنسية.
فليخفض المغرورون برطانة اللغة الأجنبية من غرورهم، فإن الناس تتفاضل
بالعقول لا باللغات، فذو العقل الكبير قد يقتبس العلم من الوجود، كما اقتبسه جميع
الفلاسفة، وإن للعاقل الشرقي من موارد العلم الغربي كتبًا كثيرة ومجالات مترجمة،
يستفيد منها ما لا يستطيع صاحب العقل الصغير أن يستفيده من ينابيعها وأصولها.
نعم. إن صاحب العقل الكبير إذا اطلع على تلك الأصول يكون أوسع علمًا منه
قبل الاطلاع عليها، وإن الأمم الشرقية لا تستغني عن طائفة من الأذكياء يَنْفرون؛
لاقتباس تلك العلوم من لغاتها ونقلها إلى قومهم، كما أنها لا تستغني عن طائفة يحيون
لغتها وعلومها الدينية والأدبية والتاريخية، ولا يجوز تفضيل أفراد إحدى الطائفتين
على الأخرى؛ لأن كلاًّ منهما يخدم الأمة بما لابد لها منه، فإن جاز التفاضل، كان
تفضيل من يشتغل لإحياء الأمة بمقوماتها الأصلية من اللغة والدين والعلوم، على من
يجلب لها علومًا من غيرها أظهر؛ لأن فقد العلوم الأجنبية عنها نقص، وفقد مقوماتها
الذاتية موت وفناء.
فهل بقي بعد هذا البيان من عذر لبعض الأغرار المفتونين بما لقفوا من العلم
الناقص بلغة أجنبية، في تنقيص العلماء بدينهم ولغتهم وتاريخهم، إذا كانوا لا
يرطنون معهم بتلك اللغة.
على أن وراء العلم الذي تعد اللغات وسائل له أمرًا آخر؛ هو مناط الإفادة
بالعلم لمن يحصله، وهو مكارم الأخلاق؛ كالصدق والإخلاص والاستقلال والعزيمة
والشجاعة والعفة، وغير ذلك من الفضائل، فإذا أغضينا عن الذين يتعلمون بعض
لغات العلم، ولا يستفيدون من العلم نفسه إلا حثالة من قشوره، ونظرنا في حال
الذين يقال: إنهم أوتوا نصيبًا من العلوم، نجد الكثيرين منهم قد شغلتهم شهواتهم
وأهواؤهم، عن بث ما استفادوا في قومهم، وعن الاستزادة منه، وعن العمل به
على الوجه النافع. فالعلم لأمثال هؤلاء كالسيف في يد المجنون يخشى ضره، ولا
يرجى نفعه للأمة.
***
(حياة المعارف في مصر)
دخلت المعارف بمصر في حياة جديدة على عهد سعد باشا زغلول، فأسس
مدرسة القضاء الشرعي التي وضع مشروعها الأستاذ الإمام، وستفتح أبوابها
للطالبين الذين نجحوا في الامتحان في الشهر الآتي، وهذه أعظم خدمة للإسلام في
هذا العصر، وأعاد التعليم المجاني وجعل من المزايا لمن يتعلمون فن التعليم ما
يرغبهم فيه؛ ككونهم يتعلمون مجانًا، ويتغدون في المدرسة، ومنهم من يأخذ مرتبًا
شهريًّا؛ وهم أصحاب القسم الثاني من تلاميذ مدرسة المعلمين الخديوية، وأرسل
البعوث إلى أوربا؛ لتلقي العلوم العالية في إنكلترا، وبثها في البلاد بعد عودتهم
فائزين- إن شاء الله تعالى - وهذه البعوث أكثرها من الذكور وبعضها من الإناث،
وقد انتقد إرسال بعض البنات إلى أوربا من اتخذوا تقبيح أعمال الحكومة؛ دلائل
على حبهم للوطن وأهله؛ لعلمهم أن السواد الأعظم لا يزال من الجهلة الذين يعدون
تعليم البنات من المنكرات، فهم يحتجون على قبح إرسال البنات إلى أوربا؛ بكونه
مخالفًا لرأي الأمة، ولو أن الحكومة اتبعت رأي الأمة من عهد محمد علي إلى اليوم
لما تعلم أحد من أبنائها ولا بناتها كلمة في غير تلك الكتاتيب القديمة والأزهر.
إن جميع عقلاء الأمة العارفين بما ينفعها ويضرها متفقون على أن تعليم البنات
ركن من أركان الحياة، أو شرط لحصولها أو كمالها. نعم إنهم يختلفون في قدر ما
ينبغي أن تتعلمه البنات، ورأي كثير من المعتدلين أن التعليم الابتدائي كاف لهن،
وأنه لا حاجة أو لا ضرورة إلى تعليمهن لغة أجنبية.
ولكن هذا الرأي خاص بالتعليم العام، وهو لا يعارض وجوب تمييز من تتعلم؛
لتكون معلمة في المدارس على سائر المتعلمات، فإن من لا يتجاوز علمها ما يلقى في
المدارس الابتدائية، لا تصلح أن تكون معلمة فيها. ثم إننا مادمنا عالة على الإفرنج
في علومنا ومدنيتنا، وما دام أمر حكومتنا ومنها إدارة معارفنا في أيديهم أو تحت
إشرافهم، فلابد لنا من معلمين ومعلمات من أهل العلم الأوربي الذين يتلقونه من
معدنه عن أهله بلغته، حتى لا تقوم علينا حجة القوم بأنه ليس فينا أكفاء يتولون
التعليم لا سيما تعليم البنات. فإرسال بعض البنات اللواتي يرغبن هن وأولياؤهن بأن
يكن معلمات في المدارس إلى أوربا؛ لتلقي العلوم فيها هو الوسيلة إلى إغناء نظارة
المعارف عن المعلمات الأوربيات لا وسيلة سواها، وينبغي أن يخترن من البيوت
التي حسنت تربيتها بالدين والأدب.
على أن الأمة إذا صارت فيها الحياة المعنوية سريانًا تامًّا، فإنه لابد أن يوجد
فيها من البنات، من ينهض بهن استعدادهن إلى تلقي العلوم العالية، وليس من
اعتدال المعتدلين أن يُمنع هؤلاء من ذلك، بعد العلم بصدق الرغبة وقوة الاستعداد،
فقد كان في الأمة الإسلامية أيام حياتها الأولى كثيرات من المشتغلات بالعلوم الكمالية
التي هي من فروض الكفايات، التي لا يقوم بها إلا بعض الرجال، حتى رواية
الحديث بالأسانيد والتصدي للتحديث.
***
(خطبة الشيخ محمد شاكر وتنديده بلورد كرومر)
أرسل إلينا الشيخ محمد شاكر شيخ علماء الإسكندرية خطبته؛ التي قرأها في
مجمع الاحتفال بتوزيع المكافآت على نجباء الطلبة، فإذا هو قد اقتبس في فاتحتها
معنى بعض آيات الجهاد، وإذلال الله الجبابرة للمجاهدين، وإيراثهم أرضهم
وديارهم، حتى كأنها خطبة قائد جيش، فتح أو يحاول فتح الممالك، وقد بيَّنا
رأينا في الخطبة من خمس جهات - كونها من عالم رسمي، وكونها من رجل يعد
من بطانة الأمير والمقربين منه، وكون التنديد بكلام لورد كرومر تأخر عن وقت
الحاجة، وكونه جاء بعد تصريح اللورد بأنه لم يرد فيما كتبه عن مبادئ الجامعة
الإسلامية الدين الإسلامي نفسه، فهذه أربع، والخامسة قيمة كلام الخطبة في نفسه
وهل يصلح دفعًا للشبهات التي تضمنها كلام اللورد على الفقه الإسلامي كما قال،
أو على الإسلام كما يريد الشيخ شاكر وأمثاله؟ ولكن هذا الجزء لم يتسع لما كتبناه،
فأشرنا إليه بهذه الكلمات.