للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: محمد رشيد رضا


المؤتمر الإسلامي

نشرنا في هذا الجزء خطبة إسماعيل بك غصبرنسكي صاحب جريدة
(ترجمان) التي اقترح فيها على مسلمي مصر الدعوة إلى مؤتمر إسلامي.
جاء الرجل مصر لهذا الغرض فبدأ بزيارة أصحاب الجرائد اليومية وكاشف
المسلمين منهم بما جاء لأجله فوعده صاحب جريدة (المؤيد) منهم بالمساعدة ودعوا
الناس إلى سماع خطبته التي أعدها لذلك. وقد طبع أوراقًا للدعوة ووزعها على نحو
٦٠٠ ممن اختار من الوجهاء والفضلاء، وكان موعدهم ليلة السبت لخمس بقين من
رمضان فأجاب كثيرون وحضر كثيرون لم يُدعوا فازدحموا على باب فندق
الكونتننتال وتعذر تقديم المدعوين على غيرهم فكان السابق هو المقدم كأن كل واحد
منهم كان يرى أن الداعي والمدعوين وغيرهم من المسلمين سواء في حضور هذا
الاجتماع الذي يبحث فيه عن أحوال المسلمين كافة.
كان عدد المجتمعين زهاء ثلاث مائة رجل فقرئت عليهم الخطبة التركية ثم
ترجمتها العربية، وبعد ذلك قام صاحب (المؤيد) فذكر بعد تمهيد وجيز - في
كون فكرة المؤتمر ناضجة قد استعدت لها النفوس - أسماء طائفة من شيوخ الأزهر
ووجهاء العاصمة قال: إنهم أذنوا له بأن يذكر عنهم أنهم أجابوا الدعوة وهم
الأستاذة المشهورون الشيخ سليم البشري والشيخ توفيق البكري والشيخ محمد شاكر
والشيخ محمد بخيت والشيخ محمد حسنين العدوي والشيح حسين والي، والباشوات
حسين واصف وإسماعيل أباظة والدكتور حسن رفقي وعلي شعراوي والدكتور
علوي وموسى غالب، والبكوات أحمد تيمور وعبد العزيز فهمي المحامي ورفيق
العظم وطلعت حرب وحقي العظم وإبراهيم الهلباوي المحامي وأحمد زكي ويوسف
صديق وعمر لطفي المحامي ومحمد فريد وعلي بهجت وإسماعيل رأفت وحسن
بكري المقاول ومحمد أحمد الشريف ثم ذكر من الصحافيين نفسه وحافظ أفندي
عوض، وقد علمنا أنه كان كلم أكثر الشيوخ والباشوات من هؤلاء قبل ليلة الاحتفال
ودعاهم إلى ذلك دعوة خاصة فرضوا وأذنوا له بذكر أسمائهم وقد انتقد بعض الناس
هذا وقالوا: إنه عبارة عن إجابة الدعوة قبل سماعها وظنوا أنه لا يخلو من تواطؤ
خاص.
ثم أشيع في البلد أن وراء الستار إرادة تدير أمر المؤتمر وتصرف كبراء
المشتغلين به في عملهم، ورأيت غير واحد ممن ذكرنا أسماءهم آنفًا يظن هذا في
بعضهم واقترح بعض الوجهاء على صاحب (المؤيد) أن يدعو كثيرا من الفضلاء
إلى حضور أول اجتماع يعقده للبحث في المؤتمر، فدعا بعض من سمي له وأفرادًا
من غيرهم إلى الاجتماع في دار الشيخ البكري في الساعة التاسعة من ليلة ٩ شوال
فأجاب الدعوة زهاء خمسين رجلاً.
اجتمعوا في ردهة الدار وكان صاحب (المؤيد) قد دعا من حضر ممن
ذكر أسماءهم من قبل وسماهم (اللجنة التحضيرية) إلى مخدع بجانب الردهة
يأتمرون ويختصمون في اقتراح عرضه عليهم وهو أن يخرج من اللجنة أناس منهم
بعد اختيار من يرضاه ويرضونه ليكون مكانهم فلم يتفقوا على ذلك إذ رأى بعضهم
أنه لا حق لهم أن يستبدوا بالعمل هم ومن يختارونه.
ولما طال الانتظار وملَّ الحضار ظهر الغضب على بعض الحاضرين، وقال
بصوت جهوري: ما معنى لأن ندعى إلى مشروع عام ويتركنا الداعي ويخلو بنفر من
دوننا في مخدع يأتمرون بينهم سرًّا؟ ما هذا إلا إهانة وعمل غير معقول، فرأى من
القوم ارتياحًا لقوله وموافقة له عليه، وصاروا يتناجون بينهم: إن البكري وصاحب
المؤيد قد استبدا بالمشروع لأمر ما ويريدان أن يختارا للمؤتمر من يرضيان ليتم ذلك
الأمر.
وكان ذلك الغاضب قد مر على النفر المؤتمرين في مخدعهم وأعاد عليهم ما قال
آنفًا فخرجوا وقام فيهم صاحب المؤيد فقال: إنه قد شاع بين الناس أن إرادة
خاصة تدبر أمر مشروع المؤتمر وهذا غير صحيح وإنما خلونا لنتذاكر فيما نعرضه
عليكم وهو أننا رأينا من مصلحة المشروع أن أخرج أنا وحافظ أفندي عوض منه
وحسن باشا رفقي وإسماعيل باشا أباظة وفلان وفلان فالمرجو منكم أن تنتخبوا بدلهم
من الحاضرين لإتمام اللجنة التحضيرية للمؤتمر أو ما هذه خلاصته، فبرأ نفسه
بخروجه مما ظن فيه الظانون.
فقام كاتب هذه السطور وقال: إن بقية من سميتموهم اللجنة التحضيرية لم
ينتخبوا فالعدل أن ينتخب جميع الأعضاء ابتداءً، فحاول صاحب المؤيد والسيد
البكري أن يثبتا عدم الحاجة إلى جعل أحد ممن ذكرت أسماؤهم ليلة الاحتفال
بالخطبة موضعًا للانتخاب؛ لأنهم ذكروا أمام مقترح المؤتمر وجمهور من حضر
خطبته ولم يعارض في أحد منهم أحد، والسيد البكري سمى ذلك انتخابًا، وقال
صاحب المؤيد وإننا نعرض أسماءهم الآن على الحاضرين ونأخذ رأيهم فيهم. فقال
كاتب هذه السطور: إنه ما كان لأحد أن يطعن في كفاءة أحد في وجهه ولا على مسمع
الملأ ولذلك اتفقت الأمم كلها جعل الانتخاب في مثل هذا الأمر سريًّا فنحن
نجل ونحترم كل واحد من أولئك المذكورين ولكننا ربما نرى أناسًا آخرين أولى بهذا
العمل من بعضهم، فكل واحد ينتخب سرًّا من يعتقد كفاءته لهذا الأمر مع حفظ كرامة
الآخرين. وأما من ذكر صاحب المؤيد أسماءهم ليلة الاحتفال وسكوت السامعين
فلا يسمى انتخابا؛ إذ لم يخطر في بال أحد من السامعين أن تلك الأسماء ذكرت لأخذ
رأيه فيها ولا أن له الحق في جرح أحد ممن ذكر.
ثم اقترح بعض الحاضرين أن يكون البحث قبل كل شيء إمكان المؤتمر
وعدمه، وإذا ظهر أنه ممكن فهل الأولى أن يكون عامًّا أو خاصًّا بمصر، وطال
الجدال في ذلك واقترح بعضهم بيان موضوع المؤتمر أولاً، فكان السيد البكري أحسن
من أجاب؛ إذ قال ما مثاله موضحًا أن السيد جمال الدين قال: إنه لا فرق بين المسلمين
وبين سائر الشعوب إلا في الدين ولا يمكن أن يكون دين الإسلام في حقيقته هو
السبب في تأخرهم؛ لأنه هو الذي كان السبب أولاً، في جمع كلمة العرب ونقلهم من
الجهل والأمية إلى العلم، ومن البداوة إلى المدنية، ومن الفقر والضعف إلى الغنى
والسيادة فالشيء الواحد لا يكون سببًا للشيء ولضده معًا فلابد أن يكون فهم الدين قد
تغير ودخل فيه ما ليس منه فكان أثره في الآخرين ضد أثره في الأولين، ولا يصلح
حال المسلمين إلا بالرجوع إلى حقيقة الدين (قال) هذا ما سمعناه من السيد جمال
الدين وهذا ما سمعناه من الشيخ محمد عبده وعليه جميع العارفين من الكتاب
والباحثين ومنه يعرف موضوع المؤتمر. وعند هذا قال بعض الحاضرين لبعض
ومنهم أحمد بك زكي الأمين الثاني لأسرار مجلس النظار أن هذا عمل قامت به مجلة
المنار. وقام الشيخ إسماعيل خليل فقال قولاً جاء فيه إشارة إلى ما صرح به غيره
من جواب هذا القول وهو أن ما يكتب في المنار وكذا في بعض الجرائد أحيانًا من
البحث في أسباب ضعف المسلمين وطرق علاجه يكون محلاًّ لانتقاد بعض الناس،
فإذا كان مثل ذلك معزوا إلى طائفة كبيرة من علماء المسلمين وفضلائهم وأهل الرأي
فيهم - يرجى أن يكون مقبولاً نافعًا، وقد أشرنا إلى ذلك في مقالتنا عن المؤتمر في
هذا الجزء.
وبعد كثرة الجدال انفض القوم ولم يتفقوا على شيء، فعزم من حضر ممن
سماهم صاحب المؤيد اللجنة التحضيرية على أن يسموا أنفسهم اللجنة التأسيسية أو
لجنة التأسيس للمؤتمر وأن يضموا إليهم من يختارونه للعمل معهم.
ثم إنهم بعد ذلك اجتمعوا واختاروا الشيخ سليمًا البشريّ رئيسًا للمؤتمر وعمر
بك لطفي المحامي كاتبًا للسر وناطوا تحديد موضوع المؤتمر ونظامه بلجنة مؤلفة
من الشيخ توفيق البكري وصاحب المؤيد وإبراهيم بك الهلباوي وحسن باشا رفقي
ورفيق بك العظم.
((يتبع بمقال تالٍ))