للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: محمد رشيد رضا


إصلاح الأزهر

يرى أصحاب العقول الكبيرة من مصالح الأمم ما لا يراه غيرهم من العقلاء إلا
بعد زمن طويل من دعوتهم إليه، فقد رأى الأستاذ الإمام في أواخر مدة طلبه للعلم
من حاجة الأزهر إلى الإصلاح ما لم يكن يراه غيره من قومه، وكان يدعو إلى ذلك
في كل وقت بما تقتضيه حاله، حتى كان في أول ولاية العباس ما كان من سعيه
لديه في الإصلاح المعروف وكان من قواعد الإصلاح المتبعة عند الأستاذ الإمام؛ أن
يكون إصلاح الأزهر بشيوخه وأن لا يكون للحكومة سلطان عليه في ذلك، حتى
قال لي غير مرة: إنني ما دمت في الأزهر لا أدع سبيلاً لتداخل الحكومة فيه.
وكان للأمير رأي في الأزهر، ذكره في خطابه الذي ألقاه على العلماء يوم
خلع على الشيخ عبد الرحمن الشربيني خلعة مشيخة الجامع، وهو أن يبقى على
حاله وأن لا يكون للحكومة شأن فيه إلا حفظ النظام، وتستعيض عن تربيته
وتعليمه لقضاة الشرع بإنشاء مدرسة خاصة يتخرجون فيها.
وبعد أن أنشئت مدرسة القضاء الشرعي على أحسن وضع ممكن بدا للأمير
في إصلاح الأزهر، فأمر بتأليف لجنة رئيسها ناظر الحقانية ومن أعضائها مدير
الأوقاف ورئيس الديوان الخديوي؛ للنظر في طرق الإصلاح ووضع تقرير فيه.
وقد بلغنا أن هذه اللجنة تستمد من تقرير ملخص من تقريرين للأستاذ الإمام
رحمه الله تعالى، قدم أحدهما إلى المعية، وموضوعه إصلاح التعليم في الأزهر،
والآخر إلى ديوان الأوقاف وموضوعه زيادة المرتبات الشهرية للعلماء على طريقة
تساعد الإصلاح.
وقد شاع أن أساس الإصلاح الجديد هو أن يكون للأزهر مجلس أعلى فوق
مجلس إدارته من أعضائه رئيس الديوان الخديوي ومدير الأوقاف، وعضو من
أعضاء مجلس شورى القوانين، وعضوان من المشتغلين بالتعليم بالمعارف. وباقي
أعضائه شيخ الأزهر وهو الرئيس والمفتي وأحد أعضاء مجلس إدارته وأحد
مشايخ الأروقة فيه، وهذان يختارهما الأمير. ومن الإصلاح الجديد أن يكون لشيخ
الأزهر وكيل من حقوقه أن يقوم مقام شيخ الأزهر عند غيبته في كل شيء، وقد
اضطرب شيوخ الأزهر لهذا النبأ، وطفقوا يكتبون عرائض الشكوى، وربما استقال
شيخ الجامع.