للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: محمد رشيد رضا


المنار في بلاد البرازيل
نقدم خالص الشكر لرفيقتنا جريدة الأصمعي الغراء على تنويهها بشأن جريدتنا
وتكرار الثناء عليها، مما يزيد النزالة السورية في بلاد البرازيل رغبة فيها، كما
نشكر أبناء وطننا السوريين في تلك البلاد على مؤازرتنا، فلقد أقبلوا على الجريدة
مع أنهم مسيحيون ومشرب الجريدة إسلامي، لكنها تحترم الدين المطلق، وتقرر أنه
مبعث أشعة الفضائل والكمالات، وأن الرجوع إلى تعاليمه الصحيحة، لا سيما
مواعظ القرآن والإنجيل هو الذي يجمع القلوب على الاتفاق والائتلاف المؤدي إلى
سعادة الأوطان، والانحراف عن ذلك ميلاً مع ريح السياسات الأوروبية هو الذي
يلقي العداوة والبغضاء في النفوس بحجة الدين، كما هو مشاهد في كل مكان ثبتت
فيه أقدامهم وانبثت فيه تعاليمهم. ويسرنا أن نرى العقلاء من العثمانيين وعلى
الخصوص المسلمين والمسيحيين قد تنبهوا لهذا الأمر، وقد قام الكتاب يسعون في
نشره بين الناس وتقريره في عقولهم، وقد امتازت جريدتنا بكثرة الخوض في هذا
الموضوع والاجتهاد في إقناع الأمة العثمانية به واعترف لها بهذه المزية المسلمون
والنصارى، فقد قالت جريدة المقتطف الشهيرة: إن الجرائد العربية النافعة للأمة
قليلة جدًّا والمنار منها. وقد قرأنا في العدد ١٥ من جريدة الأصمعي الغراء التي
ذكرناها في صدر هذه النبذة ما نصه:
(المنار أحسن جريدة في جرائد الإسلام، كنا نطالع أعدادها منذ صدورها
بإمعان فلا نجد إلا كل مقالة بليغة مملوءة بالأقوال الحكيمة الفلسفية، مما يدل على
اقتدار صاحبها وتمكنه من العلم، وقد حمل على عاتقه - وفقه الله - أن يبث في
صدور أهل الشرق من الإسلام روح التهذيب الحقيقي، وأن ينسخ من عقولهم
الخرافات والأضاليل، وربما أنشأنا مقالة عن قريب عنوانها (جرائد الإسلام
والمنار) .
(وفي العدد الأخير منها (يعني ١٧) مقالة عنوانها: (الجيوش الغربية
المعنوية في الفتوحات الشرقية) بالغة منتهى الإعجاز من منطق العقل وحسن
السبك، ذهب فيها إلى أن الجيوش المعنوية هي الخمر والميسر والربا والبغاء
والتجارة، خمسة فيالق أدخلها الغرب إلى الشرق ففاز عليه الفوز المبين، وقد شرح
مفصلاً عن كل فيلق منها فوفاه حقه، ويا ليت أن دولتنا العلية أيدها الله تصم أذنها
عن أقوال الوشاة، وتسمح لهذه الجريدة النادرة المثال أن يدوم دخولها إلى بلادها،
فقد قرأنا فيها أنهم يسعون في منعها) اهـ.
فتأملوا رعاكم الله أيها القراء هذا الإنصاف والبعد عن التعصب، فهكذا ينبغي
الاتفاق والائتلاف والتعاون على خدمة الأوطان، لا سيما من أرباب الجرائد الذين
نصبوا أنفسهم للخدمة العامة، فحسبنا ما رأيناه من العبر في الخلاف والخصام.