للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: محمد روحي الخالدي المقدسي


الانقلاب العثماني وتركيا الفتاة [*]
(١)

(الفرق بين الانقلاب والثورة)
الانقلاب في اصطلاح المؤرخين تغيير مهم في حكومة الدولة، وقلب في
قوانينها، وهو غير الثورة، التي بمعنى العصيان والخروج عن الطاعة، والقيام
على الحكومة المشروعة، والفرق بين الانقلاب والثورة كبير، فإن الثورة كثيرًا ما
تضر بمنافع الأمة ومصالحها، وتصدها عن السير في طريق النجاح، بخلاف
الانقلاب، فإنه مهما آلم الأمة ورضرضها، فهو يخطو بها خطوة في التقدم،
ويصعد بها درجة في سلم النجاح، وأكثر كُتَّاب العربية لا يفرقون بين الكلمتين،
ويطلقون اسم الثورة على الانقلاب، فيقولون الثورة الفرنساوية مثلاً، بدل الانقلاب
الفرنساوي، ولم يلتفتوا إلى ما روي عن لويس السادس عشر، ملك فرنسا، لما
أُخْبِرَ بهدم قلعة الباستيل (Bastille la) وإطلاق المسجونين فيها فقال: إذًا هذه
ثورة (Révolte) فأجابه المخبر: عفوًا يا مولاي، بل هذا انقلاب
(Révolution) .
فمراد ملك فرنسا أن فعل الثائرين غير مشروع، ولا حق لخروجهم عن
الطاعة، وجواب المخبر ينافيه، وبيَّن أن الانقلاب غير الثورة والعصيان، فنحن
اليوم أحوج إلى تعيين معاني الكلمات، وإلى سكب قوالب الألفاظ على قدر المعاني؛
لأن الانقلاب السياسي من شأنه أن يحدث انقلابًا في اللغة والأدب، فضلاً عن
انقلاب الأخلاق والعادات والأفكار، ألا ترى الجرائد العثمانية على اختلاف لغاتها
من تركية وعربية ورومية وأرمنية ويهودية (أسبانية وعبرانية) وبلغارية
وفرنساوية والجرائد الألبانية والكردية على وشك الظهور - كيف بدلت لهجاتها بعد
حدوث الانقلاب، وهجرت تلك الألفاظ الفخمة والتعبيرات السقيمة، التي تغطي
المعاني بستار المهابة حتى تستبهم على القارئ، وتقيد فكره بسلاسل التذليل
والاستعباد.
* * *
(الاستبداد يولد الانقلاب)
فالذي يولد الانقلاب هو الاستبداد، ومقتضاه التغلب والقهر اللذان هما من آثار
الغضب والحيوانية، لا من قواعد الدين الإسلامي، كما يتوهم البعض منا، وأكثر
الأوربيين الذين يصفون الحكومات الإسلامية بكونها ثيوقراطية، أي أنها جامعة بين
الديانة والسياسة، وأحكام المستبد أو المستبدين في الغالب جائرة عن الحق، مجحفة
بمن تحت يدهم من الخلق، لحملهم إياهم على ما ليس في طوقهم من أغراض
المستبد أو المستبدين وشهواتهم، ولذا ورد في الخط الشريف السلطاني الذي منح به
القانون الأساسي (إن قوة الحكومة تحافظ على حقوقها المقبولة والمشروعة، وعلى
منع الحركات غير المشروعة، أعني بها منع ومحو الخطيئات وسوء الاستعمالات
المتولدة من الحكم الاستبدادي الفردي أو الأفراد القلائل، ليستفيد جميع الأقوام
المركبة هيئتنا منهم نعمة الحرية والعدالة والمساواة بلا استثناء وذلك حق ومنفعة
حَرِيَّان بالهيئة الاجتماعية المدنية، إلخ) .
* * *
(الاستبداد والإسلام)
فالاستبداد هو منبع الشرور، وسبب التأخر والانحطاط، وقد ورث ملوك
الإسلام هذا الاستبداد عن أكاسرة الفرس وقياصرة الرومان، عن نماردة بابل
وفراعنة مصر، عن جنكيز خان وتيمور لنك. والإسلام أول شريعة اعترضت
على الاستبداد، وقاومته أشد المقاومة، وساوت بين أفراد الأمة، وحافظت عن
الحقوق والحرية الشخصية، وأمنت الأجانب المعاهدين، فضلاً عن أفراد الأمة -
على أموالهم ودمائهم وأعراضهم، ومهدت السبيل للحكومة الديموقراطية، ووضعت
حق الحاكمية في الأمة، ولم تكتف بإعطائها الحرية في القول والعمل والكتابة
والاجتماع، بل فرضت على كل فرد من أفرادها الأمر بالمعروف والنهي عن
المنكر، فجعلت الأمة مسيطرة على الحقوق العامة، ولم تفرق في الحقوق الخاصة
بين المسلمين وخليفتهم، ولا أولي الأمر منهم. ورد في الدرر، وهو من أهم الكتب
الشرعية: (إن الخليفة يقتص منه ويؤخذ بالمال، لأنهما من حقوق العبد،
ويستوفيه ولي الحق، إما بتمكينه أو بالاستعانة بمنعة المسلمين) ، ولذا حكمت
القضاة على أكثر من واحد من الخلفاء وسلاطين الإسلام برد المال وضمانه،
وأنزلتهم عن المنصة، وأقعدتهم مع الخصم في مجلس الحكم.
* * *
(الاستبداد آسيوي لا إسلامي)
كان الحال على ما ذكر مدة الخلفاء الراشدين، ومن اقتفى أثرهم، كعمر بن
عبد العزيز، من بني أمية، ثم تغلب الاستبداد الآسيوي على أحكام الدين الإسلامي،
وانقلبت الخلافة إلى سلطنة، وأصبح خليفة الإسلام (مقدسًا وغير مسئول) ،
كملوك الإفرنج ليومنا هذا، لا يقتص منهم، ولا يؤخذون بالأموال، ولا تستطيع
المحاكم إحضارهم، ولا إصدار الحكم عليهم، ويرثون الملكَ كما يرث أحدنا مال أبيه
فاستبدوا بالأمر استبداد لويس الرابع عشر، الذي كان يقول: (الدولة هي أنا) ,
و (أموال الرعية إنما هي ملك لملكها، فإذا أخذ شيئًا منها، فقد أخذ حقه! !) ،
واستباحوا التصرف في نفوس الرعية وأموالهم وأعراضهم، وفي خزائن الدولة
وبيت المال وأوقاف المساجد والمؤسسات الخيرية. وصار الوزراء والمصاحبون
يقولون: (خسرو بكند شيرينست) , أي: ما أعجب كِسْرَى فهو حسن، فالحسن
هو ما استحسنه السلطان، والقبيح ما استقبحه السلطان، ولا دخل في ذلك للعقل
والذوق، ولا للحكمة والشرع، لأنهم أولوا الشرع على حَسَب غاياتهم وأغراضهم.
فإذا تصفحت تواريخ الأمم الإسلامية في الشرق والغرب، تراها مؤسسة على
هذا الاستبداد الآسيوي، وعلى جانب من الاستعباد الأفريقي، وليس فيها شيء من
الحرية الإسلامية ولا المشورة المأمور بها في الآيات القرآنية والأحاديث النبوية،
كما قال الله لنبيه: {وَلَوْ كُنتَ فَظاًّ غَلِيظَ القَلْبِ لانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ
وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ المُتَوَكِّلِينَ} (آل عمران: ١٥٩) , وقوله تعالى: {وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ} (الشورى:
٣٨) ، وحديث: (أنتم أعلم بأمور دنياكم) وأمثاله كثيرة كحديث حلف الفضول
المشهورة في التواريخ: وذلك أن قبائل من قريش تداعت إلى حلف الفضول الذي
عقدته قديمًا قبائل العرب، واشتهر باسم رؤسائهم الفضيل والمفضل، فاجتمعت
وجوه قريش في دار عبد الله بن جدعان لشرفه ونسبه، فتحالفوا وتعاقدوا أن لا
يجدوا بمكة مظلومًا من أهلها أو من غيرهم من سائر الناس إلا قاموا معه، وكانوا
على ظلمه حتى ترد عليه مظلمته، وكان ذلك قبل الإسلام، قال النبي صلى الله
عليه وسلم: (لقد شهدت مع عمومتي حلفًا في دار عبد الله بن جدعان، ما أحب أن
لي به حُمْرَ النَّعَم، ولو دعيت به في الإسلام لأجبت) فأي شيء أشبه بهذا الاجتماع
والتعاقد من البرلمان والمبعوثان؟ لا , بل من جمعية الاتحاد والترقي؟ ولقد أحسن
جِدًّا العلامة المقري في جوابه المذكور في نفح الطيب حيث قال:
سألني بعض الفقهاء عن السبب في سوء بخت المسلمين في ملوكهم، إذ لم
يَلِ أمرهم من يسلك بهم الجادَّةَ، ويحملهم على الواضحة، بل من يغتر في مصلحة
دنياه، غافلاً عن عاقبة أخراه، فلا يرقب في مؤمن إلاَّ ولا ذمة، ولا يراعي عهدًا
ولا حرمة!
فأجبته: بأن ذلك لأن الملك ليس في شريعتنا، وذلك أنه كان فيمن قبلنا
شرعًا، قال الله تعالى ممتنًّا على بني إسرائيل: {وَجَعَلَكُم مُّلُوكاً} (المائدة:
٢٠) ولم يكن ذلك في هذه الأمة، بل جعل لهم خلافة، قال الله تعالى: {وَعَدَ اللَّهُ
الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأَرْضِ} (النور: ٥٥) الآية،
وقال تعالى: {وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا} (البقرة:
٢٤٧) وقال سليمان: {رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا} (ص: ٣٥) , فجعلهم
الله تعالى ملوكًا ولم يجعل في شرعنا إلا الخلفاء، فكان أبو بكر خليفة رسول الله -
صلى الله عليه وسلم - وإن لم يستخلفه نصًّا، لكنْ فَهِمَ الناس ذلك فهمًا، وأجمعوا
على تسميته بذلك، ثم استخلف أبو بكر عمر، فخرج بها على سبيل الملك الذي
يرثه الولد عن الوالد إلى سبيل الخلافة الذي هو النظر والاختيار، ونص في عهده
على ذلك، ثم اتفق أهل الشورى على عثمان. فإخراج عمر لها عن بنيه إلى
الشورى دليل على أنها ليست ملكًا، ثم تعين علي بعد ذلك، إذ لم يبق مثله، فبايعه
مَنْ آثر الحق على الهوى، واصطفى الآخرة على الدنيا، ثم الحسن كذلك، ثم كان
معاوية أول من حوَّل الخلافة ملكًا، والخشونة لينًا، ثم إن ربك من بعدها لغفور
رحيم، فجعلها ميراثًا، فلما خرج بها عن وضعها لم يستقم ملك فيها. ألا ترى أن
عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه كان خليفة لا ملكًا، لأن سليمان رحمه الله رغب
عن بني أبيه إيثارًا لحق المسلمين، ولئلا يتقلدها حيًّا وميتًا، وكان يعلم اجتماع
الناس عليه، فلم يسلك طريق الاستقامة بالناس قط إلا خليفة، وأما الملوك فعلى ما
ذكرت إلا مَنْ قلّ، وغالب أفعاله غير مرضية. اهـ
فيظهر لنا من هذا الكلام الفرق بين الخلافة والملك، والسبب الذي جعل ملوك
الإفرنج مقدسين وغير مسئولين.
* * *
(منبع الاستبداد قصر الملك والخلافة)
ومنبع استبداد الدول الإسلامية في قديم الزمان وحديثه، هو قصر الخلافة،
ودار الملك والإمارة، حيث تكثر دسائس المقربين، ويشتد حرصهم على الجاه
وطمعهم في جمع الأموال وادخارها، وفي إنفاذ الكلمة، ولذا ابتعد عنهم أهل التقوى
والورع في جميع البلدان والأزمان. فالمقرب منهم لا يكاد يتم له الأمر إلا ويظهر له
رقباء يشون به، وينصبون له أشراك المكيدة، ويتهمونه بأنواع التهم، وينسبون
إليه كل خلل في الدولة، حتى يبعدوه عن مركز الدولة، وربما تسببوا في مصادرته
وقتله مع أولاده وعياله، كما جرى للبرامكة مع هارون الرشيد. فتاريخ الدول
والإمارات الإسلامية كلها وقائع برمكية. وقد ينصر الوزير على الخليفة أو الأمير،
ويحجر عليه، ويصير هو المستبد بالأمر، ونتيجة القضيتين واحدة، وهي
الاستبداد، وتغلب القوة على الحق. والأمة في جميع هذه الأحوال شاخصة ببصرها
لا تطلع على خفايا السياسية وتدبير الملك، ولا على دسائس المقربين وحيلهم
لإخفائهم جميع ذلك عنها، واستبدادهم بالأمر عليها. ولقد أجاد لسان الدين بن
الخطيب وزير بني الأحمر في الرسالة التي خاطب بها الوزير ابن مرزوق،
ووصف بها أحوال خدمة الدولة ومصايرهم، وعبر فيها عن ذوق ووجدان، وهي
أبلغ ما حرر في هذا الصدد، وقد ذكرها المقري في الجزء الثالث من نفح الطيب
في غصن الأندلس الرطيب. فالمصلحون لم يتخلصوا من هذه الغوائل ولا وجدوا
وقتًا لإصلاح داخل الممالك وتحكيم سياستها الخارجية، ولذا انصرفت هممهم لجمع
الأموال وادخارها، واغتنام فرصة التقرب ونيل التوجه واكتساب السعادة، لأن
الواحد منهم لا يدري إلى متى يدوم له التوجه والإقبال، فيسارع إلى الاستفادة من
الحال التي أسعده الحظ بنيلها.
* * *
(قصر السلطنة العثمانية وتربية ولي العهد والكامريلا)
كان قصر السلطنة في الممالك العثمانية مرتبًا على الأصول والتقاليد الموروثة
عن المغول، حيث كانت الدولة عبارة عن خيمة كبيرة حكومتها بابها العالي. وأول
وظيفة على هذه الحكومة إنزال الخان المعظم على الرحب والسَّعَة، وإسكان من معه
من الحريم والأسرة والأقارب والحاشية، واستكمال أسباب راحتهم وسعادتهم،
واستحضار النفقات اللازمة لهم ولرؤساء (العرضي) . فالعمود الأوسط القائمة
عليه هذه الخيمة هو (الصدر الأعظم) القائم مقام الخان المعظم، أي السلطان ,
والحامل لختمه الذاتي , والوكيل المطلق عنه في جميع مسائل الدولة الداخلية
والخارجية، وبجانبه (قاضي عسكر) لفصل الدعاوى وتقسيم مواريث الجند ,
والمحافظة على حقوق السلطنة، وشيخ الإسلام إنما هو (قاضي عسكر) وظيفته
أحدث عهدًا. فقضاء العسكر قديم في الدولة ومتقدم فيها على قضاء المدن، مما يدل
على حياتها العسكرية المتنقلة، ثم (الدفتر دار) الذي يقيد الأموال ويحرر الحساب،
وهو اليوم ناظر المالية، ثم (النيشانجي) الذي يكتب الإرادات والفرمانات
وغيرها، فهؤلاء أعمدة ثانوية حوالي العمود الأعظم الذي في وسط الخيمة، وأما
حبال الخيمة فهي الأغوات.
ويقسم الأغوات بحسب خدمتهم، في الداخل أو في الخارج، إلى قسمين:
فالقسم الأول هم خدمة الداخل المسمى (اندرون) من مماليك البيضان وطواشية
السودان المحافظين على الحريم، وكبيرهم آغة دار السعادة، ويسمى أيضًا آغة
البنات (قيزلر آغاسي) ، ثم آغة البستانيين (بستانجي باشي) المكلفين بزرع
البساتين والجنان، وآغة الرسل الموصلين للأخبار، وآغة المحافظين على الأثواب
والألبسة (أثوابجي باشي) و (القهوه جي باشي) و (الإبريقدار) و (السجاده
جي باشي) , إلخ، والقسم الثاني هم خدمة الخارج وأغوات (العرضي) مثل آغة
الإنكشارية (يكيجري آغاسي) وآغة الصباهية (سباهي) وآغة الطوبجية، وهو
(الطوبجي باشي) , إلخ، فهؤلاء الأغوات من خدمة الداخل وخدمة الخارج , كلُّهم
في درجة واحدة بمثابة حبال الخيمة، ولا فرق بينهم في التشريفات الرسمية
والمعاشات والتعيينات، ولا في الاعتبار والمكانة عند الدولة، فالجاهل والعالم،
والعبد المملوك والحر، ووضيع النسب وشريفه، ومجهول الأصل ومعروفه،
والأبتر الخصي وكامل الأعضاء - كلهم متساوون لا تمييز بين (القهوه جي باشي)
الذي لا تحتاج صناعته إلا معرفة طبخ القهوة وتقديمها، وبين (الطوبجي باشي)
المتوقفة صناعته على معرفة الفنون العسكرية والمعارف الكثيرة، وهذا الذي حَمَلَ
الشاعرَ المفلقَ الأميرَ شكيبًا على أن يقول أبياته المشهورة ومنها:
وألفيت فيها أمة عربية ... يرى الترك منهم أمة الزنج أكرما
ولذا امتزجت الحياة البيتية بالحياة الدولية، والمسائل النسائية بالمسائل
السياسية، وأشغال السراي السلطانية بأشغال الباب العالي، وبين السراي والباب
العالي وسط يقال له المابين، لأنه بين (الأندرون) أي الداخل وبين (البيرون)
أي الخارج. ويشتمل المابين على الكتاب والقرناء والمصاحبين , وهم (المابينجية)
ويعدون كلهم من أهل السراي وخدمتها.
فامتلأت السراي السلطانية بالأسرى من السراري الجركسيات والمماليك
والطواشية، مع أن الشرع الإسلامي لا يبيح هذه العادة المستكرهة، قال شارح الدر:
(وفي قطع الذَّكَر من الأصل عمدًا قصاص) ويندر فيهم وفي جميع خدمة الداخل
من يتعلم القراءة، فضلاً عن الكتابة؛ لأن فضيلة الواحد منهم أن يكون على الفطرة
الأصلية، فارغًا من العلوم والمعارف، لئلا يسوّل له الشيطان أمرًا أو دسيسة
سياسية، توجب انقلاب الملك، ولذا اختاروا الخدمة من قرى الأناضول البعيدة،
ومن ذوي السذاجة والغرارة، فإذا ولد لأحد السلاطين العظام مولود، تربى في
حجر والدته الجركسية على دلال السراري والأغوات إلى تمام السنة الثانية عشرة
من عمره، ثم تبدل تلك السراري بالحظايا، فيتخذ منهن حرمًا ينزوي بهن في أحد
القصور، وتبقى الأغوات والمماليك على ما كانت عليه أيام صباه، وربما جاءوه
بحافظ يحفظه القرآن، ومعلم يعلمه مبادئ العلوم، ولكن أكبر معلم للإنسان هو
البيئة التي يكون فيها، وكيف يتعلم المرء بدون أن يخرج من بيته ويحتكّ بالعلماء
ورجال الدولة. فيبقى ولي العهد على هذه الحال ينتظر دوره في الملك، وهو
محبوس في قصره، وعليه العيون والجواسيس لا يمكنون أحدًا من الدنوّ إليه، ولا
المرور بجانب قصره، فضلاً عن محادثته في المسائل العلمية والسياسية.
ومتى جاء دوره وجلس على سرير الملك، سعى طواشية السودان ومماليك
البيضان في وضعه تحت نفوذهم، وحرصوا على أن لا يفلت من أيديهم، وفتشوا
على أضعف نقطة في قلبه وأخلاقه، فلا يمضي عليهم كثير حتى يكتشفوها،
فيستميلون قلبه إليهم من تلك النقطة، ويستفيدون منها لإنفاذ كلمتهم وجر المنافع
إليهم وإلى أصحابهم ومن كان من حزبهم وشيعتهم. فيتألف من خدمة القصر
الملوكي حزب قوي يسمى كامريلا (Camarilla) وهي كلمة أسبانية، معناها
جماعة المنفذين في قصر الملك، فيتداخلون في المسائل، ويعارضون في السياسة
ويستولون على الأمور، وإذا رأوا السلطان مال لصدر أعظم أو وزير انقضوا عليه
وسلقوه بألسنتهم وافتروا عليه بإفكهم، ونسبوه للعجز والتقصير، وسعوا في تنزيل
قدره وترذيله، لأجل وضعه تحت سيطرتهم، ولذا كان في الغالب للقهوة جي باشي
والأثوابجي باشي والإبريقدار والسجادة جي باشي والبستانجي باشي حتى البلطه جي
باشي، وهو الحطاب - نفوذ كلمة ومكانة أكثر من الصدر وبقية الوزراء ورجال
الدولة، ولا سِيَّمَا في المسائل المالية وجر المنافع وتوظيف المنتسبين إليهم، ولم
تزل رتبة آغا دار السعادة معادلة لرتبة الصدر الأعظم والخديوي المعظم، ولهم
بالفرنساوية لقب سون التس (Son Altesse) كأمراء الإفرنج وأبناء ملوكها
العظام، ولم يزل أكثرنا متذكرًا نفوذ بهرام آغا وأمثاله.
* * *
(شروع الدولة العلية بالإصلاح)
لو استمرت أوربا نائمة في ظلام القرون الوسطى لبقيت الدولة العلية سائرة
في هذه الطريق العوجاء سير مملكة الصين، أو سلطنة المغرب الأقصى التي
انحطت إلى درجة البداوة، بعد أن كان لها في العمران قدم راسخة، بسبب مهاجرة
الأندلسيين إليها ومتاجرتهم في إفريقيا الغربية، ولكن أوربا استيقظت من غفلتها في
القرون الجديدة، وأوجدت هذه المدنية العجيبة التي بهرت العالم، وغيرت وجه
الأرض باكتشافاتها واختراعاتها وعلومها وفنونها وآدابها، وتجاوزت دول أوستريا
(النمسا) وروسيا والبندقية إلى ممتلكات الدولة العلية، فأحست بالضعف
والانحطاط والتقهقر، وبدأت في الإصلاحات الجديدة من عهد السلطان مصطفى
خان الثالث، فأحدثت الطوبخانة، وأنشأت معملاً لسكب المدافع، وأقبل السلطان
سليم الثالث بهمة عالية وإقدام على القيام بالإصلاح، ورتب إدارة الطوبجية
والبحرية، وجلب المعلمين والمهندسين من أوربا، وأحدث النظام الجديد، فاغتالته
أيدي المنون بسبب هيجان الإنكشارية الذين فسدت أخلاقهم، وأصبحوا بلاء مبرمًا
على الأمة والدولة، بعد أن كان لهم في الفتوحات العثمانية شأن عظيم، ومفاخر
كثيرة مسطورة في تاريخ أوربا العسكري.
ثم جلس السلطان محمود الثاني وأزال غائلة الإنكشارية، ونظم العساكر
الجديدة، وأجرى من الإصلاحات ما هو مفصل في التاريخ العثماني. وأصاب
الدولة العلية من الحوادث المهمة ما حملها على الاحتكاك بالدول الأوربية، والدخول
في ميدان سياستها، مثل حروبها مع روسيا، واحتلال نابليون بونابرت لمصر
وسوريا، وخروج محمد علي باشا، وتبه دلنلي علي باشا، وحرب المورة،
واستقلال اليونان، وحوادث جبل لبنان. وتداخلت أوربا في شئون الدولة العلية
بداعي المحاماة عن المسيحيين: فروسيا تحامي عن الأمم السلافية وجميع المتدينين
بالمذهب الأرثوذكسي، وفرنسا على الكاثوليك، وإنكلترا عن مبشري البروتستانت،
وجميعهن يحرضن المسيحيين من رعية الدولة على مقاومة الاستبداد، ويطالبن
الباب العالي بإجراء الإصلاحات، ووضع القوانين والنظامات لمنع التعدي على
النصارى، ولمساواتهم في الحقوق مع المسلمين. والباب العالي يجد الاستفادة من
العداوة القديمة التي غرستها الحروب الصليبية بين المسلمين والنصارى أهون عليه
من سوق العساكر وتكبد المصاريف الحربية لتسكين الفتن وإخماد الثورات. وهكذا
جرت المذابح وارتكبت الفظائع التي تقشعر الجلود من سماع وصفها، وعادت على
الوطن بالويل والخراب كمذابح الروم في حرب المورة، ومذابح لبنان في حادثة
الشام، ومذابح البلغار في حرب روسيا الأخيرة، وهي التي قام لها غلادستون وقعد،
وأرغى وأزبد، على منبر الخطابة في مجلس العموم الإنكليزي، وآخرها الفظائع
الأرمنية المعروفة، وهي نقطة سوداء في صحيفة التاريخ.
* * *
(صدارة مصطفى رشيد باشا)
فالحوادث التي جرت قبل معاهدة باريس ساقت بعض رجال الدولة إلى تعلم
اللغات الأوربية ولا سِيَّمَا الفرنساوية للوقوف على سياسة أوربا، ولتنظيم العساكر
البرية والبحرية، وكان لأكثر المتعلمين نسبة وتردد على مصر التي شرعت
بالإصلاحات على عهد محمد علي باشا. ونبغ من رجال الدولة مصطفى رشيد باشا،
السياسي الشهير، ابن مصطفى أفندي متولي وقف السلطان بايزيد، وكان مولده
في الآستانة (١٢١٤هـ) ، فقرأ القرآن ومبادئ العلوم الإسلامية , وأجاد الخط ,
وتعلم شيئًا من مبادئ اللغة الفرنساوية، ودخل في مَعِيّة نسيبه الصدر الأسبق
إسبارطه لي علي باشا، وذهب إلى مصر مرارًا وخالط رجالها , وتقلب في مناصب
الدولة العلية، وفي سفارة باريس ولوندره، فأكمل تحصيل اللغة الفرنساوية،
واطلع على دقائق السياسة وخوافيها، وكانت المسألة الشرقية شاغلة وزارات أوربا
بسبب اجتهاد روسيا في جمع كلمة الأمم السلافية وطمعها في الاستيلاء على
القسطنطينية، وروسيا أكبر الدول الأوربية وأكثرها نفوسًا، وأشدها خطرًا على
الموازنة السياسية، فكانت الدول الأوربية، وفي مقدمتهن إنكلترا، التي هي
أحرص الدول على مقاومة السياسة الروسية، تشوق الدولة العلية إلى القيام
بالإصلاحات الجديدة لتستعيد قوتها السابقة، فتحمي نفسها وتكون لبقية الدول سدًّا
منيعًا أمام هجوم روسيا.
فلما جلس السلطان عبد المجيد خان (تموز " يوليو " سنة ١٨٣٩) كان
مصطفى رشيد باشا سفيرًا في لوندره، فتعين ناظرًا للخارجية، وحضر للآستانة،
وكان له رأي ودخل كبير في التنظيمات، وفي تشرين الثاني (نوفمبر) من السنة
المذكورة قرأ بحضور رجال الدولة وأعيانها والسفراء الأجنبية الخط الشريف
السلطاني المعروف بالتنظيمات، وكانت قراءته في كلخانة (أي دار الورد) ، وهي
من دوائر السراي القديمة (طوب قبو) التي بجانب جامع أيا صوفيا؛ ولذا اشتهر
بخط شريف كلخانة، واشتمل على تأمين الرعية على أرواحهم وأموالهم
وأعراضهم، وعلى قاعدة مطردة في استيفاء الأموال الأميرية، وعلى أخذ
العسكر بالقرعة وتعيين مدة الخدمة، وإلغاء الامتيازات، وطرح التكاليف
بنسبة ما لكل واحد من الثروة، ومساواة الرعية أمام القانون، وإلغاء المصادرة
والانغارية، وهي الإجبار على العمل بلا أجرة، وتعرف بالسخرة، ونحو ذلك
مما هو مدرج في هذا الفرمان المعروف بالتنظيمات جَمْع كلمة تنظيم العربية.
فالدولة العلية إنما أصدرت هذه التنظيمات إرضاءً لأوربا، ولا سِيَّمَا إنكلترا،
والأمة الإسلامية لم تفهم معنى هذه التنظيمات، ولا معنى تأمين الناس على الأرواح
والأموال والأعراض، كأن الشريعة التي كانت دستور العمل تبيح التجاوز والتعدّي
على الأرواح والأموال والأعراض، وحاشاها من ذلك. فالبلاء لم يكن سببه فقدان
القانون والشريعة حتى يزول بإصدار هذه التنظيمات، وإنما سببه الاستبداد المتسلط
على كل قانون وشريعة. فالحرية التي منحتها التنظيمات لم تكن شيئًا مذكورًا
بجانب الحرية التي منحها القرآن لو زال عنه الاستبداد والجهل المسْتَوْلِيَانِ على
المسلمين، فيجتهدون في فهمه وتأويله على مقتضى نواميس المدنية الحاضرة، كما
فعل أحرار العلماء، كالشيخ محمد عبده وغيره.
فشرعت الدولة العلية في إجراء الأحكام المشار إليها في التنظيمات، وسنت
قانونًا لأخذ العساكر، جرى تطبيقه في بعض الأيالات وأحدث في بعضها ثورة
وعصيانًا كعصيان الأرناؤوط (١٨٤٤) الذي سكَّنه رشيد باشا نفسه. ثم باشرت
في تنظيم المعارف وفتح المكاتب في الآستانة ونظمت محاكم التجارة المختلطة
(١٨٤٦) كما نظمت بعض دوائر الدولة وأقلامها. فكان مصطفى رشيد باشا الذي
تولى مسند الصدارة العظمى ست مرات، وتُوُفِّيَ سنة ١٢٧٤هـ - ١٨٥٨م -
مصدر هذه الإصلاحات، بسبب وقوفه على الأفكار الجديدة ومعرفته اللغة
الفرنساوية والأدبيات العثمانية؛ فسعى في إفراغ الكتابة التركية في قالب سهل
سلس، بعد أن كادت تكون غير مفهومة عند العموم، لكثرة ما فيها من التعقيد
والتشابيه الغامضة، والألفاظ والتراكيب اللغوية من فارسية وعربية. ونشأ في
عهده وتحت ظله الشاعر الشهير إبراهيم شناسي أفندي، موجد الأدب الجديد
العثماني، حصَّل العلوم العربية واللغة الفرنساوية، وذهب لباريس فاطلع فيها
على آداب الطريقة المدرسية، ونسج على منوال راسين ولافونتين، وأدخل في
الأدب التركي التعقل المشروط في الطريقة المدرسية، كما فصلنا ذلك في كتابنا
(تاريخ علم الأدب) .
وكان الأدب التركي كله خيالات ومبالغات أعجمية، قلما يجد الإنسان فيه
حكمة وتعقلاً، وديوان شناسي صغير الحجم، لكنه نموذج للأدب الجديد، وأكثر
قصائده في مدح مصطفى رشيد باشا. وأنشأ شناسي جريدة تركية سماها (تصوير
أفكار) وحرر فيها المقالات السياسية والتاريخية والأدبية بقلم سهل سلس مفهوم،
وطبع ديوانه مع منتخبات (تصوير أفكار) ثانيةً في مطبعة أبي الضيا توفيق بك،
وكانت وفاة شناسي في سنة ١٢٨٨هـ قبل بلوغه سن الشيخوخة والوظائف العالية.
* * *
(عالي باشا وفؤاد باشا)
ظهرت فئة قليلة من المتعلمين على النسق الجديد واقتفوا أثر مصطفى رشيد
باشا، ونبغ منهم اثنان شهيران خلّد التاريخ ذكرهما وهما، السيد أمين عالي باشا،
وفؤاد باشا، ومولدهما في سنة ١٢٣٠هـ، الأول ابن مصر جارشيلي علي رضا
أفندي، أي المنسوب لسوق مصر، وهو سوق العطارين. والثاني ابن الشاعر
الشهير كجه جي زاده عزت ملا، الذي نفي للأناضول في زمن السلطان محمود
خان، ومات في منفاه. فتعلم أمين مبادئ العلم، وإجادة الخط، وقرأ الفرنساوية
على معلم مخصوص، ودخل قلم الديوان الهمايوني في الخامسةَ عَشْرَةَ مِن عمره.
ومن عادة رؤساء القلم تسمية كل داخل باسم يتميز به عن سميه، ولم
يصطلحوا كالعرب والإفرنج بتسمية الولد باسم أبيه أو أسرته. وكان أمين قصير
القامة، فسمي (عالي) تسمية بالضد، تفاؤلاً بعلو همته. فذهب إلى أوربا في
كتابة السفارات، وأتقن الفرنساوية، وانتسب لرشيد باشا، وامتاز في فنون السياسة
والمعارف المصرية، وعين عضوًا في (اتجمن دانش) أي مجلس المعارف،
المؤسس على نسق أكادميات أوربا. وكان عالي باشا يحسن الفرنساوية والتركية
كتابة وإنشاءً، وتقلب في وظائف كثيرة مهمة مثل السفارات والوزارات ومسند
الصدارة العظمى. وأما فؤاد، فدخل المكتب الطبي العسكري وخرج جراحًا في
العسكرية، ثم دخل قلم الترجمة في الباب العالي وتقلب في الوظائف السياسية
والخارجية، وترأس مجلس التنظيمات، ومجلس الأحكام العدلية، وحضر إلى
سوريا أيام الحادثة، وكان إذ ذاك ناظرًا للخارجية، ثم ذهب بمعية السلطان عبد
العزيز إلى معرض باريس سنة ١٨٦٧ ومرض فيها، وتوفي في نيس من فرنسا،
وله من العمر ٥٥ سنة فقط، وكان في اللغة التركية أديبًا شاعرًا، وضع مع جودت
باشا (القواعد العثمانية) التي لم يؤلف للآن أحسن منها، وخلف الفريق كجه جي
زاده عزت فؤاد باشا الكاتب الشهير.
فرشيد باشا وعالي باشا وفؤاد باشا هم نوابغ السياسة العثمانية، وواضِعُو
الإصلاحات الجديدة بدلالة السفراء الأجانب إرضاءً لدول أوربا، ولا سِيَّمَا إنكلترا،
ومماشاة لها لحرصها على تقوية الممالك العثمانية لتتقي بها شر روسيا، فأمر هؤلاء
النوابغ بترجمة القوانين والنظامات والتعليمات والأوامر المدرجة في الدستور ترجمة
حرفية، ولم يجدوا لهم وقتًا لدرس احتياجات البلاد الداخلية والمدنية الإسلامية حق
درسها، ولا لنشر الأفكار الجديدة بين المسلمين المفاخرين بسابق مجدهم ومتانة
شرعهم، ولذا لاموا هؤلاء المصلحين ولم يرضوا عن أعمالهم زاعمين أنها تئول إلى
قلب البلاد، وجعلها إفرنجية محضة. ولذا كانت الأكثرية لحزب تركيا القديمة، ولم
يكن من حزب تركيا الفتاة إلا فئة قليلة، درسوا العلوم الجديدة درسًا سطحيًّا،
وبعضهم زار أوربا مرةً أو مرتين. ومع هذا وفق حزب تركيا الفتاة لاستمالة أوربا
إليه، وأفلح في الحصول على اتفاق إنكلترا وفرنسا وساردينيا، أي إيطاليا،
فحاربن روسيا، وانتصرن عليها في حرب القرم وعقدن معاهدة باريس (٣٠
مارس سنة ١٨٥٦) واعترفت أوربا بمقتضاها بتمام ملكية الدولة العثمانية
واستقلالها، ومنع أية دولة من المداخلة في أمورها الداخلية، وصدر خط شريف
ثان في ذلك التاريخ أيضًا مؤيد لخط كلخانه، ويشتمل على حرية الأهالي ومساواتهم
في الحقوق والمعاملات. ثم جلس السلطان عبد العزيز خان سنة ١٨٦١ وأصدر
فرمان الإصلاحات، ولكن هذه الفرمانات والخطوط الشريفة السلطانية لم تمنع تمامًا
سوء الاستعمال والاستبداد الذي في إدارة الدولة، وبقي الارتكاب والظلم والاستبداد
على ما كان عليه سابقًا، لعدم إصلاحهم السراي السلطانية، كما أصلحوا وجاق
الإنكشارية والصباهية، وقلبوهما إلى النظام الجديد.
* * *
(حزب تركيا الفتاة)
أول مؤسس لحزب تركيا الفتاة هو مصطفى فاضل باشا بن إبراهيم باشا
المصري ثم صهره خليل شريف باشا. ولد مصطفى فاضل في القاهرة سنة ١٨٣٠م،
وحصل العلوم الجديدة، حتى صار على جانب من العرفان والاضطلاع والوقوف
على دقائق الأمور، فخدم في مصر، وبعد جلوس السلطان عبد العزيز بسنة، تعين
ناظرًا للمعارف في الآستانة، ثم ناظرًا للمالية، وأجرى فيها عدة إصلاحات، وكان
ميكروب الاقتراض قد تفشى في هذه النظارة، وأحدث بلاء القوائم النقدية، حتى
بلغت الديون ما بلغته، فأثقلت كاهل الأمة، وكان الصدر الأعظم إذ ذاك يوسف
كامل باشا، صهر والي مصر محمد علي باشا، ومترجم تليماك للتركية، الترجمة
الأولى العويصة، وكان عالي باشا في نظارة الخارجية، وفؤاد باشا في رياسة
مجلس الأحكام العدلية، ثم في نظارة الحربية، وأدخل فيها حسين عوني باشا العدو
الألد لعمر باشا المجري. وكان فؤاد باشا تعين حكمًا لفصل الخلاف الحادث بين
مصطفى فاضل باشا وإخوته على تقسيم ميراث أبيهم، فحصل بينهما رقابة وعداوة،
فلما تولى فؤاد باشا الصدارة تسبب في عزل مصطفى فاضل من نظارة المالية،
مع ما له من الخدم والإصلاحات المفيدة، فشق ذلك على مصطفى فاضل، وقدم
للسلطان عبد العزيز خان لائحته الشهيرة التي شدد فيها النكير على الاستبداد،
وكشف الغطاء عن عورات الدولة، وبيّن أسباب الضعف والانحطاط وسوء
الاستعمال بحرية لم يعتدها رجال المابين، ولا سمعوا بمثلها قبل ذلك، ثم هاجر إلى
باريس سنة ١٨٦٥، ولحقت به فئة من الشبان، فأكرم مثواهم، وأنفق على تعليمهم
ونبغ منهم كثيرون في الأدب والكتابة والسياسة. حدثني أحدهم قال: كنا في
باريس في عيشة راضية، لا يهتم الواحد منا بأمر معايشه، فإذا فرغ من الدرس
والتحقيق والمشاهدة، عاد إلى منزله، فوجد ما يحتاج إليه من الطعام والمنام،
بخلاف أحرار هذا الزمان، الذين قاسوا أشد العذاب في أمر معايشهم.
فاشتغلت النابتة الجديدة بفنون الأدب وعلوم التاريخ والسياسة والصناعات
النفيسة، فنظموا الشعر، وألفوا القصص، ونشروا المقالات في الجرائد، ونبغ
منهم نامق كمال بك، شاعر النشأة الجديدة وأديبها، وموجد الأدب الجديد العثماني،
ولد في الآستانة سنة ١٢٥٠هـ وقرأ في المكاتب وتعلم الفرنساوية، وصارت له
مهارة زائدة في الإنشاء، الذي نشر به مقالاته السياسية في الجرائد بأسلوب
مستحدث طريف، هو من السهل الممتنع، وأشعاره على نسق أشعار فيكتور هوجو
في طلب الحرية وتدبير المملكة وإصلاح شئون الحكومة، وله مؤلفات كثيرة منها
التاريخ العثماني، الذي لم يطبع، وقصة وطن أو سليستره، التي تمثل اليوم في
الآستانة وسلانيك بعد حدوث الانقلاب، وتوفي نامق كمال بك وهو متصرف في
جزيرة ساقز سنة ١٣٠٥هـ. ومنهم ضيا باشا الأديب الشاعر، وسعد الله باشا
سفير فينا الأسبق، مترجم قصيدة لامارتين التي عنوانها (البحيرة) ، وله أشعار
عصرية رائقة.
ومنهم أبو الضيا توفيق بك، الذي أصلح حروف الطبع وكتب الخط الكوفي،
وطبع الكتب والرسائل والمجموعات بصنعة بديعة عجيبة لم تبلغها إلى الآن مطابع
الشرق ولا مطابع أوربا الشرقية. وعبد الحق حامد بك، سفير بروكسل، وصاحب
قصة طارق بن زياد، وكثير غيرهم من الكتاب والأدباء أنصار حزب تركيا
الفتاة، الذي أسسه مصطفى فاضل باشا، ثم صهره خليل شريف باشا، الذي
جاء من مصر إلى الآستانة، وتوظف في نظارة الخارجية بسبب معرفته الفرنساوية،
وصار سفيرًا لباريس وغيرها وناظرًا للخارجية، وتزوج بأكبر بنات مصطفى
فاضل باشا، وهي الأميرة الشهيرة نازلي خانم، التي اقتفت أثر والدها وزوجها
الأول في تعضيد حزب تركيا الفتاة، وساعدته بالمال والجاه، هي وشقيقها الأمير
محمد علي باشا.
* * *
(لائحة فاضل باشا للسلطان عبد العزيز)
لخص مصطفى فاضل باشا سياسة تركيا الفتاة في اللائحة المذكورة التي قدمها
إلى السلطان عبد العزيز خان، وقال فيها:
(تتصور أوربا أن المسيحيين وحدهم في تركيا خاضعون للمعاملات
الاستبدادية، ولاحتمال أنواع الأذى والتحقير المتولد من الظلم، وليس الأمر كذلك،
فإن المسلمين ربما كان الظلم والعسف أشد وطأة عليهم، وهم أكثر انحناء تحت نير
العبودية من المسيحيين، لأن المسلمين ليس وراءهم دولة أجنبية تتحيز لهم وتحامي
عنهم، فرعايا جلالتكم من جميع المذاهب مقسومون إلى صنفين: الظالمين ظلمًا لا
حد له، والمظلومين بلا شفقة ولا مرحمة، والأولون يجدون في الحكومة المطلقة
غير المقيدة التي تستعملها جلالتكم، والتي اغتصبوها - إغراء وتشويقًا إلى جميع
الرذائل، وأما الآخرون فتفسد أخلاقهم أيضًا بعلاقاتهم الضارة مع سادتهم، وبما أنهم
مجبرون على الخضوع دائمًا للشهوات الرذيلة، ولا يستطيعون إيصال شكاياتهم
الصحيحة إلى أعتاب سدتكم الملوكية؛ لأن ظلاَّمهم يرون هذه الاستغاثة - مع
الاحترام - بحكومة جلالتكم من أكبر المفاسد، فاعتادوا على دناءة الأخلاق التي لا
يمكن تصورها) .
وإنما الأمم الأخلاق ما بقيت ... فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا
فهذه الأصول الاستبدادية التي كان أعداء الإصلاح من حزب تركيا القديمة
يريدون المحافظة عليها، ويعدون التمسك بها من الغيرة الدينية والحمية الوطنية،
والإسلام والوطنية بريئان منها للأسباب المشروحة فيما مر. فحزب تركيا الفتاة
يمكننا أن نعتبر وجوده منذ تولي مصطفى فاضل باشا نظارة المعارف (١٨٦٢م) ،
وهاجر إلى باريس (١٨٦٥ - ١٨٦٧م) وأنصار هذا الحزب هم جميع المطلعين
على الكتب الفرنساوية وأدب الطريقة المدرسية، أو على ما ترجم منها بالتركية،
والذي أطلق عليه هذا الاسم هم الفرنساويون الذين قالوا: (جون تركي) كما
يقولون (جون فرانس - جون ألمانيا - جون إيتالي) ، فترجم بتركيا الفتاة وقيل
بالتركية (كنج تركار) ، ولذا قال هانوتو: إن تركيا الفتاة من اللغة الفرنساوية.
وقد جوزي مصطفى فاضل باشا على جرأته بمصادرة أمواله، ثم أعيدت إليه
بوساطة بعض الأجانب، ثم حرم من ميراث الخديوية، هو وحليم باشا بسبب
صدور الفرمان السلطاني بانتقالها إلى أكبر أولاد المالك، وهو إذ ذاك إسماعيل باشا،
وصار مسند الخديوية ينتقل من الوالد إلى ولده، بعد أن كان ينتقل إلى الأكبر
فالأكبر من الأسرة، كما هي القاعدة في جميع الممالك الإسلامية، لما علمت من أن
الإسلام ليس فيه ملك موروث.
وفي سنة ١٢٧٨هـ و١٨٧١م أصيبت المملكة العثمانية بوفاة أشهر قوادها
عمر باشا، وأشهر سواسها الصدر الأعظم عالي باشا، صاحب الأعمال الكثيرة في
تنظيم إدارة الحكومة، ووضع ميزانية للمالية، وتأسيس نظارة الداخلية والأوقاف،
ومجالس الدعاوى والتمييز وتنظيم أصول المحاكمات واستعمال الأصول
الأعشارية، وغير ذلك من الإصلاحات الداخلية والسياسية الخارجية، وترجمت
القوانين والنظامات عن الفرنساوية بلا نظر ولا معرفة بصالح البلاد
واحتياجاتها، فترجموا مثلاً قانون التجارة الفرنساوي القديم، وأبقوا فيه مسائل
النكاح و (الدوتة) واشتراك الزوجين بالأموال وعدمه، كما هو مختص
بالأوربيين ولا وجود له في الشرق، لا عند المسلمين ولا عند المسيحيين. وبعد
وفاة عالي باشا تولى مسند الصدارة محمود نديم باشا، ومال إلى روسيا حتى سمي
(نديموف) ، وبذر أموال الخزينة، وأصبح آلة في يد الجنرال اغناتيف سفير
روسيا في الآستانة.
* * *
(صدارة نديم باشا الأولى)
محمود نديم باشا كان أبوه واليًا، فتربى في داره على الاستبداد والارتكاب،
وتعين واليًا كأبيه ثم ناظرًا للبحرية، وكان شديد التعصب للإدارة القديمة المستبدة،
كثير البغض للإصلاحات الجديدة والحرية. تقرب إلى السلطان عبد العزيز خان
بالتملق، واستولى عليه من أضعف نقطة فيه، وهي العظمة، فدس له بأنه تحت
وصاية فؤاد باشا وعالي باشا، مع أنه خليفة الله في الأرض، والقابض على رقاب
خمسين مليونًا من الرعية، الذين هم عبيد جلالته! وأن بيت المال هو حق من
حقوقه، له أن يتصرف فيه حسبما شاء وأراد! وكانت الميزانية المالية وضعت في
أيام عالي باشا وفؤاد باشا، وحدد فيها مصاريف المابين، فانقلبت أحوال السلطان
عبد العزيز خان في صدارة محمود نديم، واستبد بالأمر، وأبعد عن الوظائف
الملكية والعسكرية الرجال الذين تخيرهم عالي باشا ودربهم وعلمهم حتى كانوا من
خيرة الموظفين، فاستبدل بهم المرتكبون وكثر تحويل الوظائف والعزل والنصب
والترقي في جميع الوظائف الملكية والعسكرية، حتى كان الضابط يرتقي إلى
المراتب العلى في أقرب، ويصبح مشيرًا، بعد أن كان من قبل أَشْهَرٍ ضابطًا
صغيرًا. وزاد الإسراف والتبذير ببناء السرايات التي لا لزوم لها، وإنشاء
الأسطول الذي صار أثرًا بعد عين، كما زاد الانهماك في الملذات والشهوات،
وكانت أوربا وصيارفة الآستانة تقرض الأموال بالربا الفاحش والديون تتراكم على
خزينة الدولة، والمكلفون بها هم فقراء الرعية، من أصحاب الأعشار والأغنام،
يؤدونها من كد اليمين، وعرق الجبين.
ومن الغلطات السياسية في صدارة محمود نديم باشا إصدار الفرمان بفصل
الكنيسة البلغارية عن الكنيسة الرومية، وتعيين إكسارخوس للبلغار مستقل عن
بطريرك الروم في القسطنطينية، وكان ذلك بمساعي الجنرال إغناتيف، حبيب
محمود نديموف باشا، للتوصل إلى إحداث دولة للبلغار، مع أن الباب العالي كان
يعتبر جميع هؤلاء الأمم الصغيرة، كالبلغار والصرب والأفلاخ والبغدان والجبل
الأسود والهرسك روما تابعين لبطريركية القسطنطينية، لاشتراكهم جميعًا في الدين
الأرثوذكسي. ومن الغلطات المالية أيضًا إعطاء المثري النمساوي اليهودي الشهير،
وهو البارون هرش، امتياز سكة حديد الروم أيلي المعروفة بسكك الحديد الشرقية،
وإضرار الخزينة والأمة من وراء ذلك ضررًا كبيرًا، وفي أثناء ذلك ظهر مدحت
باشا في مسند الصدارة.
* * *
(صدارة مدحت باشا الأولى)
ولد مدحت باشا في القسطنطينية سنة ١٨٢٢م، ووالده حاج علي أفندي،
أصله من روسجق، التي كانت مركز ولاية الطونة (بلغارستان) على ضفة نهر
الطونة (الدانوب) اليُمْنَى، ولما كان من صغار الموظفين لم يستطع تعليم ابنه غير
مبادئ العلوم وحسن الخط المعدود في ذاك الدور من أكبر العلوم وأهمها للدخول في
الوظائف والترقي فيها، وأدخله على حداثة سنه قلم الصدارة، فتخرج في أقلام
الباب العالي، وتعلم بالمشاهدة والتجربة والاختبار، وتعين مأمورًا في الولايات،
ومكث سنتين في دمشق الشام، وترقى إلى أن صار باشكاتب في مجلس (والا) ،
وهو شورى الدولة، وذهب مرّة ثانية إلى دمشق وحلب للتحقيق عن القبر صلي
محمد باشا، وألفت باستعداده واجتهاده نظر رشيد باشا وعالي باشا وفؤاد باشا
ورفعت باشا ناظر الخارجية إليه، فأجلسه معه رفعت باشا ليسمع المحاورة التي
دارت بينه وبين البرنس منجيكوف، مندوب دولة روسيا، وذلك قبل حرب القرم،
فاطلع مدحت باشا حينئذ على السياسة الخارجية، وبعد وفاة رشيد باشا سنة ١٨٥٨م
تولى الصدارة عالي باشا، فأذن لمدحت بالذهاب إلى أوربا مدة ستة أشهر، فذهب
إلى باريس ولوندره وبروكسل وفينا، وشاهد انتظام الإدارة ومحاسن المدنية
والترقيات العصرية. وما زال يرتقي في الوظائف حتى صار والي ولاية الطونة
(بلغارستان الحالية) ، فأجرى فيها إصلاحات كثيرة، وفتح مجلس الأيالة، وهو
المجلس العمومي، الذي فتحه راشد باشا في سوريا، ثم عين واليًا لولاية بغداد
ومشيرًا لعساكرها، فسكن عصيان نجد، وأهداه السلطان عبد العزيز خان سيفًا
مكافأة له على خدمه، وإذ كان الصدر الأعظم محمود نديم باشا كثير العزل والنصب
والتبديل، نقل مدحت باشا من ولاية بغداد إلى ولاية أدرنه، فمر بكرسي السلطنة
وطلب مقابلة الحضرة السلطانية، وأراها طرق الخلل وسوء الإدارة وعاقبة الأمر،
فعزل محمود نديم من الصدارة وتولاها مدحت باشا، لكنه لم يبق فيها إلا ثلاثة
أشهر، وكان سبب عزله على ما روي أن إحدى سراري القصر بعثت إليه مع
الطواشي طالبة تعيين أحد خدامها قائمقام في أحد الأقضية، فأجابه مدحت:
(سلِّمْ على الخانم , وقل لها: أن تلتمس هي بنفسها من أفندينا ذلك) , واشتد
غضبه من مداخلة السراري وتتابع رجائهم.
* * *
(صدارة نديم باشا الثانية)
كثر تبديل الصدور بعد عزل مدحت، حتى بلغوا نحو العشرة في خلال سنة
أو خمسة عشر شهرًا، ثم عاد إلى الصدارة محمود نديم باشا، وكان العود غير أحمد،
فزاد الارتكاب، وبيعت الرتب والنياشين، كما بيعت الوظائف بالمزاودة، بحيث
أصبح يَحْتَجِنُهَا الذي يزيد في الثمن، واختلت الموازنة المالية، حتى قضت بإعلان
الإفلاس في ٥ تشرين الأول (أكتوبر) سنة ١٨٧٥، وطمع العدو في البلاد،
فأوجب ذلك هيجان تركيا الفتاة وعقلاء الأمة، وكان التجسس غير معروف في ذلك
الوقت، وكان للجرائد حرية في الكتابة والانتقاد، فشرعت جريدة (وقت) التركية
في نشر الحكايات والأساطير عن ملوك الصين، واستنتاج الأمثال والمواعظ من
انقراض ملكهم، والتعريض بذلك لوزارة محمود نديم باشا، وأخذ فريق من الناس
يطوفون على المجالس والدواوين والأندية العامة، ويقصون أنواع المظالم
والارتكاب وسوء الإدارة، فهاجت الأفكار العمومية، ولا سِيَّمَا الصوفتاوات، وهم
طلاب العلوم الدينية، البالغ عددهم في جوامع الآستانة نحو خمسةَ عَشَرَ إلى
عشرين ألف طالب.
* * *
(هياج الصوفتاوات وصدارة رشدي باشا)
اجتمع من هؤلاء الطلاب زهاء خمسة أو ستة آلاف طالب، وهجموا على
الباب العالي في ٢٢ مايس (مايو) سنة ١٨٧٦، وذهب آلاف منهم إلى سراي
طولمه باغجه، مقر السلطان عبد العزيز، فشكوا إليه طالبين عزل محمود نديم،
وتولية محمد رشدي باشا، فأجيبوا إلى ذلك، وصدرت الإرادة السنية بتشكيل
الوزارة، وتولية محمد رشدي باشا الصدارة، وحسين عوني السر عسكرية،
وقيصر لي أحمد باشا نظارة البحرية، وراشد باشا، الذي كان واليًا على سوريا،
نظارة الخارجية، وخير الله أفندي مشيخة الإسلام.
* * *
(خلع السلطان عبد العزيز)
كان حزب مدحت باشا من الأحرار، مؤلفًا من نامق كمال بك، وضيا بك،
ورؤوف بك، وإسماعيل بك، وهؤلاء لم يرتقوا إلى رتبة الباشاوية، وأما الذين
ارتقوا منهم إلى هذه الرتبة بعد ذلك، فهم حسن فهمي باشا وشاكر باشا وسعد الله
باشا ورائف باشا ورفعت باشا، وكانوا من الوزراء، فلما تولى حزب تركيا الفتاة
زمام الأمر، واستولى على المالية، والقوة البرية والبحرية والشرعية، خلعوا
السلطان عبد العزيز في ١٧ جمادى الأولى سنة ١٢٩٣ و٣٠ مايس (مايو) سنة
١٨٧٦ بفتوى من شيخ الإسلام، واجلسوا ابن أخيه السلطان مراد خان، ففرح به
الناس واستبشروا، وكان السير هنري إليوت، سفير إنكلترا أشد السفراء سرورًا،
والجنرال اغناتيف، سفير روسيا، أكثرهم غمًّا، وهو حبيب محمود نديم باشا،
والمشير عليه بتلك السياسة العوجاء، ونقل السلطان عبد العزيز من سراي طولمه
باغجه إلى سراي طوب قبو المقابلة لها على ساحل البحر. ثم نقل بناء على طلبه
إلى سراي جراغان المجاورة لطولمه باغجه على ساحل المضيق (البوغاز) ، وبعد
خمسة أيام وقع الاغتيال، واختلف فيه، هل كان بطريق الانتحار، أو القتل عمدًا،
فإن الذين كشفوا على الجثة وجدوها في الطبقة السفلى من السراي، على سجادة
بقرب الباب، ففي إنزالها من الطبقة العليا المعدة للسكنى إلى الطبقة السفلى شبهة،
وعلى فرض ثبوت الجناية، فمن عساه يكون المتهم بها! هل حريم السراي
وطواشيتها، الذين تكثر بينهم الدسائس، ويصعب التحقيق؟ أو مدحت باشا وحزبه،
الذين لا مأرب لهم بذلك؟ وقد توصلوا إلى مأربهم بدون إراقة دم، واستحقوا
إجلال العالم لهم من عثمانيين وأوربيين، وهم أعقل وأدهى من أن يلوثوا عملهم
العظيم بدم جناية ودسيسة مثل هذه.
* * *
(حادثة الجركس حسن بك وخلع السلطان مراد)
ثم حدثت مسألة الجركس حسن بك ياور السلطان عبد العزيز، فإنه دخل دار
مدحت باشا والوزراء مجتمعون فيها، وقتل السرعسكر، وراشد باشا ناظر
الخارجية، ووالي سوريا قبلاً، وأحمد آغا الخادم، وجرح ناظر البحرية، وبعض
الياورية الحاضرين، فأثرت هذه الحوادث في السلطان مراد، وأدت إلى اختلال
شعوره، فخلع بعد ثلاثة أشهر وثلاثة أيام من جلوسه.
جلوس السلطان عبد الحميد:
جلس على سرير الملك جلالة مولانا السلطان عبد الحميد خان الثاني بعد أن
اشترط مدحت باشا وحزبه ثلاثة شروط:
(١) إعلان القانون الأساسي.
(٢) استشارة الوزراء وجعلهم مسئولين وحدهم في أمور الدولة.
(٣) تعيين ضيا بك وكمال بك كاتبين خاصين للمابين، وسعد الله بك
باشكاتب، لأنهم من الأحرار الحريصين على تنفيذ أحكام القانون الأساسي،
والأولون ممن قاموا بتسويده وتنميقه. فلم يعمل بهذه الشروط، وتعين الداماد محمود
جلال الدين باشا، مشيرًا للمابين، وإنكليز سعيد باشا، رئيسًا للياورية، وكجوك
سعيد باشا، الصدر الأسبق في هذه الآونة، وكان سعيد بك باشكاتب للمابين.
* * *
(مؤتمر الآستانة وإعلان القانون الأساسي وصدارة مدحت باشا الثانية)
كانت بلاد البلقان في اختلال وهيجان بسبب قيام الهرسك والصرب والجبل
الأسود والبلغار وتأففهم من الظلم والاستعباد، ومطالبتهم بالاستقلال، وتمسك كل
منهم بقوميته وأدب لغته، بعد أن كان الدين المسيحي الأرثوذكسي يجمعهم تحت
سلطة بطريرك القسطنطينية. وكانت أوربا تطالب الدولة العلية بإجراء الإصلاحات،
والعناية بالمسيحيين التابعين لها ووقايتهم من الظلم والاعتساف، فتقرر عقد مؤتمر
(قونفرانس) في الآستانة العلية لاتخاذ التدابير اللازمة لتسكين البلاد وإصلاحها،
وكان المؤتمر مؤلفًا من أحد عشر مندوبًا، اثنين من إنكلتره، وهما سفيرها السير
هنري إليوت، واللورد سالسبوري، واثنين من فرنسا، واثنين من أوستريا
(النمسا) ، وواحد من روسيا، وهو الجنرال إغناتيف، وواحد من إيطاليا،
وواحد من ألمانيا، واثنين من قبل الدولة العلية، وهما صفوت باشا، وأدهم
باشا، فعقدوا جلستهم الأولى في ٢٣ كانون الأول (ديسمبر) سنة ١٨٧٦ في دائرة
الترسانة التي على خليج دار السعادة من جهة غلطه. ولم يكد يتم افتتاح المؤتمر إلا
وقد سمعوا أصوات المدافع، فوقف صفوت باشا قائلاً: أيها السادة , إن أصوات
المدافع التي تسمعونها هي دلالة على إعلان القانون الأساسي من قِبَل جلالة سلطاننا
الأعظم، وهذا القانون متكفل الحقوق والحرية لجميع رعايا المملكة العثمانية بلا
استثناء، وقد حصل بذلك المقصود من عقد المؤتمر، فأصبح انعقاده وعمله من قبيل
العبثيات.
فبُهِتَ القومُ وانفضت الجلسة. وقد أعلن القانون الأساسي حقيقة في ذلك اليوم،
وأطلق لدى إعلانه مائة مدفع ومدفع في جميع المدن والممالك العثمانية ذات
القلاع. وكان مدحت باشا هو روح هذا الانقلاب العظيم، وهو القابض على زمام
الأمر في الحقيقة منذ خلع السلطان عبد العزيز، وإن لم يكن (صدرًا أعظم) وكان
الصدر الأعظم إذ ذاك محمد رشدي باشا، شيخًا مسنًّا منقادًا له ولحزب تركيا الفتاة،
وبعد جلوس السلطان عبد الحميد خان الثاني، استعفى محمد رشدي باشا لشيخوخته،
وتولى الصدارة العظمى مدحت باشا، وهي صدارته الثانية.
لم يرض الجنرال إغناتيف بهذه الإصلاحات، بل أصر على بقاء المؤتمر،
فداوم أعماله، وقدم لائحة إلى الباب العالي في ١٥ كانون الثاني (يناير) سنة
١٨٧٧، وطلب الجواب عنها في خلال ثمانية أيام، فكانت من قبيل (الأولتيماتوم)
* * *
(عقد المجلس العالي ورفضه لائحة مؤتمر الآستانة)
عقد الصدر الأعظم مدحت باشا مجلسًا عاليًا مؤلفًا من الوزراء والمشيرين
ورجال الدولة والرؤساء الروحيين وأعيان المسلمين والمسيحيين واليهود، وعرض
عليهم لائحة المؤتمر، وأفهمهم مطالب الدول الأوربية، وأن ردها يؤدي إلى الحرب،
فتشاوروا بكامل الحرية، وأبدى كل منهم رأيه، فقال رءوف بك، ابن رفعت
باشا ناظر الخارجية الأسبق إذ ذاك: الحرب كداء الحمى، يمكن أن ننجو منه،
ولكن لائحة المؤتمر كداء السل الرئوي، عاقبته القبر لا محالة. وقال صاوا باشا،
من خطبة طويلة: إننا نختار الموت على إهانة شرفنا، وألقى وكيل بطريرك
الأرمن الكاثوليك مقالة طويلة في ردّ اقتراحات المؤتمر، فرفض المجلس قَبولها
بالاتفاق، وظهر من هذا الاجتماع ائتلاف المسلمين والمسيحيين واليهود، واتفاقهم
واتحادهم على محبّة الوطن وترقيه، والغيرة على منافعه، وكان الروم والأرمن
الكاثوليك أشدهم حماسة، حتى إن الروم عزموا على تشكيل فرقة متطوعة لمحاربة
الصرب مع العساكر العثمانية، لأن استقلال الأمم البلقانية من الصرب والجبل
الأسود والبلغار مُضِرّ بصالح الروم، لانفصالهم عن الكنيسة الأرثوذكسية، التي هي
تحت رياسة بطريرك الروم القسطنطينية، ورفضهم استعمال اللغة والأدبيات
اليونانية، فَبِنَاءً على جميع ذلك أجاب الباب العالي في ٢٠ كانون الثاني (يناير)
برفض مطالب الدول المذكورة في لائحتهن، فانفض مؤتمر الآستانة، وغادرها
المندوبون والسفراء، دلالةً على قطع العلاقات بين أوربا والباب العالي.
* * *
(تغلب حزب التقهقر وكتاب مدحت للسلطان)
كان الحزب المخالف للقانون الأساسي يسعى في التخلص من هذا القانون،
فبعد تعيين مدحت باشا في الصدارة انعقد مجلس الوكلاء برياسته في دار الداماد
محمود جلال الدين باشا، وتذاكروا في القانون الأساسي، فارتأى أحمد جودت باشا،
ناظر العدلية (الحقانية) تأجيل هذا القانون لعدم الحاجة إليه (؟) بسبب جلوس
السلطان الحالي! وكان أحمد جودت باشا من المنتسبين إلى الداماد محمود جلال
الدين، ومن كبار العلماء والمؤرخين، ولكن ارتشاءه مشهور في الآستانة والولايات،
وإعلان القانون يسد على المرتكبين أمثاله باب الارتكاب، فبإصرار مدحت باشا
وحزبه، مثل ضيا بك وكمال بك وغيرهم من الأحرار الذين مر ذكرهم، وبجريدتي
(وقت) و (استقبال) والمقالات الشائقة المحررة فيهما - صدر الخط الشريف
السلطاني إلى مدحت باشا بإعلان القانون الأساسي، وحمله الباشكاتب سعيد بك إلى
الباب العالي، وتُلِيَ في الميدان الواسع الذي أمام الباب، بحضور جماهير الناس،
وبعد تلاوته، خطب مدحت باشا في الموضوع، وتلا الدعاء فوزي أفندي، مفتي
أورفه وأمن الناس، ومازال مدحت باشا يلحّ في طلب اجتماع المبعوثان، ويجتهد
في تأليفه من الأحرار، والمابين يؤخر ذلك، ويفرق جميع الأحرار، حتى إنه أراد
تعيين ضيا بك، مسود القانون الأساسي، سفيرًا في برلين لئلا ينتخب مبعوثًا عن
أهل الآستانة. فضاق صدر مدحت باشا من التأخير والمحاولة، وكتب إلى الذات
الشاهانية مباشرة: (لم يكن غرضنا من إعلان القانون الأساسي إلا محو الاستبداد،
وتعيين ما لجلالتكم من الحقوق، وما عليها من الواجبات، وتعيين وظائف الوكلاء
ومسئوليتهم، وتأمين جميع الناس على حريتهم، حتى ترتقي البلاد في معارج
الارتقاء - إلى أن قال: وإني لكثير الاحترام لشخص جلالتكم، ولكن الشرع
الشريف يوجب علي أن لا أطيع أموركم (أوامركم) ، إذا لم تكن موافقة لمنافع
الأمة) ، ونحو ذلك مما لم يسمع بمثله إلا من مصطفى فاضل باشا، كما تقدم،
وبالحقيقة إن أحكام الشريعة الإسلامية وفتاوى الفقهاء في هذا الصدد لا تترك أدنى
شك ولا ريب؛ لأن السلطان بحكم الشرع ليس مطلق الحرية، ولا مطلق التصرف
في أموال الناس ومنافعهم، وإنما هو في جميع ذلك مقيد بالأحكام الشرعية، ولا
طاعة لمخلوق في معصية الخالق. فالحكومة المطلقة التي درجت عليها الدول
والإمارات الإسلامية وتوارثتها من عهد معاوية، لا وجود لها على التحقيق في الدين
الإسلامي.
* * *
(عزل مدحت باشا ونفيه وصدارة أدهم باشا)
فعزل مدحت باشا، ونفي على الباخرة (عز الدين) إلى إيطاليا، ووجهت
الصدارة العظمى إلى أدهم باشا، والد حمود بك وخليل بك مديري دار العاديات
(الموزه خانه) ، وعيّن جودت باشا للداخلية، وأحمد وفيق أفندي لرياسة مجلس
المبعوثان مؤقتًا، لأن انتخاب الرئيس مبين في المادة السابعة والسبعين من القانون
الأساسي.
* * *
(انتخاب أعضاء مجلس المبعوثان)
رأت الدولة العلية إصرار أوربا على إصلاح الروم أيلي، فسارعت إلى
انتخاب المبعوثين، وتطبيق أحكام القانون الأساسي، الذي نالت به الأمة العثمانية
الحرية وحق الحكم، فلم يفقه الناس إذ ذاك معنى هذه الحرية، ولا قَدَرُوها حقَّ
قدرها، فظنوا أن المبعوثين كبقية الموظفين، يشتغلون بمصالح الأمة تحت سيطرة
الوزراء والنظار، ليستفيدوا من الرواتب التي ينقدونها، فلم يهتموا بأمر الانتخاب
كما يجب، حدثني بعض أحرار الآستانة، قال كنا نحرّض الناس على الانتخاب
ونسوقهم إليه سوقًا، وهم يقولون: ألم يكفنا ما لدينا من المجالس والدوائر المشحونة
بالموظفين حتى نزيد عليها مجلسًا جديدًا، ونتكبد القيام برواتب موظفيه؟ فإن لم
يصلح حالنا وتنتظم إدارتنا بجميع ما نراه أمام أعيننا من النظارات والدوائر العظيمة
المشتملة على الألوف من الموظفين، أتراه يصلح بمجلس المبعوثان؟
هذا ما كان يقال في قاعدة السلطنة ومقر الخلافة، فما بالك في مراكز الولايات
والألوية، إذ كان المنتخبون لا يوصون مبعوثيهم إلا بطلب الرتب والأوسمة
والألقاب والمناصب والمخصصات والرواتب لهم ولأقاربهم وذويهم! ! ولمن لاذ بهم
وحام حول حماهم، أو بإعفائهم من التكاليف الأميرية والخدمة العسكرية وتخفيف
الضرائب والمكوس عنهم، ونحو ذلك! مما يعود على الوطن بالخراب لا بالعمران،
كأن خزينة الدولة كنز لا يفنى، تمطر عليه الأموال من رحمة الله بغير عدّ ولا
حساب.
* * *
(افتتاح مجلس المبعوثان وخطاب السلطان)
افتتح المجلس العمومي، المؤلف من الأعيان والمبعوثان في ٤ ربيع الأول
سنة ١٢٩٤ و١٩ مارت (مارس) سنة ١٨٧٧ في بهو الاستقبال الكبير في سراي
طولمه باغجه بمحلة بشكطاش، وتُلِيَ النطق السلطاني أمام الحضرة السلطانية،
وهو:
أيها الأعيان والمبعوثان:
إنني أبدي الامتنان بافتتاح المجلس العمومي، الذي اجتمع للمرة الأولى في
دولتنا العلية، وجميعكم تعلمون أن ترقي عظمة واقتدار الدول والملل، إنما هو قائم
بالعدل، حتى إن ما انتشر في العالم من قوة دولتنا العلية وقدرتها في أوائل ظهورها
كان من مراعاة العدل في سير الحكومة، ومراعاة حق ومنفعة كل صنف من
صنوف الرعية، وقد عرف العالم أجمع تلك المساعدات التي قام بها أحد أجدادنا
العظام المرحوم السلطان محمد خان الفاتح في مطلب حرية الدين والمذهب، وجميع
أسلافنا العظام أيضًا، قد سلكوا على هذا الأثر، فلم يقع في هذا المطلب خلل في
وقت من الأوقات، ولا ينكر أن المحافظة على ألسنة صنوف رعيتنا ومليتهم
ومذاهبهم منذ ست مائة عام كانت النتيجة الطبيعية لهذه القضية العادلة. والحاصل
بينما كانت ثروة الدولة والملة (الأمة) وسعادتها صاعدتين في مدارج الترقي في
تلك الأعصار والأزمان بفضل حماية العدالة ووقاية القوانين - أخذنا بالانحطاط
تدريجًا بسبب قلة الانقياد للشرع الشريف، وللقوانين الموضوعة، وتبدلت تلك القوة
بالضعف ...) , إلخ.
ثم ذكر إزالة السلطان محمود غائلة الإنكشارية، وسبقه لفتح باب إدخال مدنية
أوربا الحاضرة إلى الممالك العثمانية، واقتفاء السلطان عبد المجيد خان أثره،
وإعلانه أساس التنظيمات الخيرية ... , إلخ النطق السلطاني المعروف.
قابل الجميع هذا النطق بالخضوع والركوع (! ! !) وخصص لاجتماع
المبعوثين بهو كبير في سراي العدلية، بالقرب من أيا صوفيا تحت رياسة أحمد
وفيق أفندي، الذي صار بعد ذلك باشا، وعين للرياسة بإدارة سنية لا بالانتخاب!
ولذا كان رقيبًا على مدحت باشا، وقد اتهمه حزب تركيا الفتاة بالاستبداد؛ لأن
رياسة مجلس المبعوثان شبيهة بوظيفة رئيس المويسيقي المركبة من آلات كثيرة
مختلفة، لكل آلة توقيع خاص، فعلى الرئيس أن يلاحظ موازنة الأنغام وائتلاف
بعضها ببعض، لتخرج جميعها بصورة مفيدة مطربة، وليس له أن يأخذ آلة من
الآلات المويسيقية ويضرب عليها ليوازن ما بينها.
* * *
(مذكرات مجلس المبعوثان)
كانت الجلسة الأولى مخصصة للمذاكرة في العريضة التي ينبغي تقديمها من
مجلس المبعوثان، جوابًا عن النطق السلطاني، فحررت مسودة الجواب، وأسقط
الكاتب منه كلمة (ألسنة) في الجواب عن فقرة (المحافظة منذ ست مائة عام على
ألسنة...) المذكورة في النطق السلطاني، فقام أحد مبعوثي الروم من الآستانة ,
وقال ما محصله: (لا يمكننا أن نقبل إسقاط كلمة تدل على أثمن امتياز نِلْناه؛ لأن
لساننا - نحن معشرَ الرومِ - هو ثروتنا، فمن سوء الفهم وقلة الأدب نحو جلالة
سلطاننا الأعظم أن نمحو كلمة أثبتها جلالته بنفسها وكرَّرْت مَنْحَنا ذلك من جديد)
فقال الرئيس: ليس بحثنا في ذلك، لأنا لا نعرف في هذا المجلس لسانًا غير اللسان
العثماني الرسمي. فقال جمهور العثمانيين: (بك أعلى! بك أعلى! !) أي حسن
كثيرًا، حسن كثيرًا، فقام مبعوث أرمني، وأيد كلام المبعوث الرومي، فقال
الرئيس ثانية: ليس بحثنا في ذلك، ومع هذا فإني أسأل أعضاء المجلس عَمّا إذا
كانت آراؤهم موافقة لرأيي؟ فقال جمهور المبعوثين: (أوت أفندم! أوت أفندم!)
أي: نعم , يا سيدي! نعم , يا سيدي!
((يتبع بمقال تالٍ))