للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: محمد رشيد رضا


فتاوى المنار

الزكاة في القراطيس المالية
الأنواط
(س٥) من الشيخ محمد بسيوني في (سمبس برنيو) .
حضرة الأستاذ الحكيم، الشيخ العظيم، سيدي السيد محمد رشيد رضا
صاحب مجلة المنار الغراء، متعني بوجوده، آمين.
وبعد، أهديكم أزكى التحية والاحترام، أرجو من فضيلة -سيدي- الجواب عن
هذا السؤال. لا زلتم مشكورين.
ما قولكم في الأنواط هل تجب فيها الزكاة أو لا؟ وما العلة في وجوبها أو
عدمه، أفتوني سيدي بالقول الصحيح المعتمد مأجورين.
(ج) بينَّا في الفتوى ٢٨ من المجلد العاشر (ص٥٣٩) أن القراطيس
المالية التي تسمى (بنك نوت وأنواط) من قبيل النقود الذهبية. وفي الفتوى الأولى
من المجلد الخامس كلام في الخلاف فيها، واعتماد كونها من قبيل النقد لا
عروض التجارة، وكون الزكاة تجب فيها، والربا يحصل بها، فليرجع إلى ذلك.
ولو قلنا: إن الزكاة لا تجب في هذه القراطيس؛ لأمكن للغني الذي يملك ألوف
الألوف من الذهب أن لا يؤدي زكاة قط؛ ولأبيح الربا بسهولة في أكثر معاملات
المصارف (البنوك) .
***
حديث من آذى ذميًّا

(س٦) من محمد أفندي أحمد شمس الإسكندرية.
ملخص السؤال أنه اطلع على خطبة للشيخ بشير الغزي العالم الحلبي الشهير
فرأى حديثًا لم يطرق سمعه وهو (من آذى ذميًّا فأنا خصمه، ومن كنت خصمه
خصمته يوم القيامة) وسأل عن تخريجه؛ ليباهي بتساهل الإسلام فيه.
(ج) الحديث أورده السيوطي في الجامع الصغير، وعزاه إلى معجم
الطبراني الأوسط، وأشار إلى أنه حديث حسن. وفي معناه أحاديث أخرى في
الوصية بالذميين والمعاهدين، منها حديث عبد الله بن عمرو عند أحمد والبخاري
والنسائي وابن ماجه (من قتل معاهدًا لم يرح رائحة الجنة، وإن ريحها ليوجد من
ميسرة أربعين عامًا) وحديث علي عند الحاكم (منعني ربي أن أظلم معاهدًا ولا
غيره) والإسلام يأمر بأكثر من ذلك، فقد قالوا: إنه يجب على المسلمين إطعام
الذمي عند الضرورة، ويستحب مع غير الضرورة، كما تجب حمايتهم والدفاع
عنهم ولو بمحاربة المعتدي عليهم.
***
شرب الدخان في مجلس القرآن

(س٧) من الشيخ إبراهيم حسين بهوارة عدلان (الفيوم) .
حضرة العلامة الكامل، والأستاذ الفاضل، صاحب مجلة المنار الغراء،
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، سيدي ومولاي: جرى الخلاف بين طائفة
من أهل العلم في حكم التدخين - أي شرب الدخان- في مجلس تلاوة القرآن الشريف
فمنهم من حرَّمَه، ومنهم من جوَّزه مع الكراهية؛ مراعاة للآداب، ولم يذعن أحد
الطرفين لقول الآخر؛ وحيث إن سيدي ممن يُرجع إليه في فصل الخلاف، فقد
حررت هذا لفضيلتكم؛ راجيًا التفضل بالجواب مبسوطًا في العدد الآتي في مجلتكم
مؤيدًا بالحجج الإقناعية بدون إحالة على ما نشرتموه سابقًا في المجلة؛ لإجماله
ولصعوبة العثور عليه الآن على مثلنا، ولفضيلتكم جزيل الشكر.
(ج) قد بسطنا الكلام في هذه المسألة في الفتوى ٧١ من المجلد السابع
(ص ٥٣٧) ، وحاصل رأينا أن شرب الدخان في مجلس القرآن يعد محظورًا،
إذا كان العرف العام يعده من إساءة الأدب، والأوجب على كل امرئ مراعاة ما
يعتقده، وتطمئن إليه نفسه مع الاحتياط في التزام الأدب. وإن الجرأة على التحريم
من أكبر الجنايات على الدين، إذا لم يكن الدليل عن الشارع واضحًا نصًّا أو دلالة،
ولا نص في مسألتنا ولا دليل، إلا ما يقال في مسألة الأدب، وهو شيء يتعلق إما
بالعرف، وإما باعتقاد الشخص، وهو ما اعتمدنا عليه من قبل، وما نقوله الآن.
والله أعلم.
***
استعمال ساعة الذهب
ولبس خاتمه
(س٨) من كتاب الشيخ عبد اللطيف أبي عوف بدنقلة (السودان) .
أرجو إفادتي بوجه السرعة على صفحات مجلتكم الغراء؛ عن حكم لبس
الساعة التي داخلها شيء من الذهب، وكذا الخاتم، ومقدار ذلك الذهب أعني عيار
١٢ أو أقل، ولكم الشكر.
(ج) في الفتوى ٥٧ من فتاوى المجلد السابع (ص٤١٩) تفصيل لمسألة
التحلي بالذهب واستعماله، ومنه بعد ذكر الأحاديث الواردة في المسألة والبحث فيها
(وجملة القول أنه ثبت في الصحيح النهي عن الأكل والشرب في أواني الذهب
والفضة، مع الوعيد والنهي عن التختم بالذهب، وفي حديث مسلم أنه شبهه بجمرة
من نار، ولم أره في المنتقى. وأما مذاهب العلماء فيها: فقد حمل الأقلون النهي
على التنزيه دون التحريم، وذهب داود إلى تحريم الشرب في أواني النقدين،
وإباحة ما عداه من أنواع الاستعمال، وقاس كثير من الفقهاء غير الأكل والشرب
عليهما، حتى حرّم الشافعية اتخاذ الأواني وإن لم تُستعمل) ثم بحثنا في علة ذلك
واختلافها باختلاف الزمان. وذكرنا في آخر الفتوى أن الاحتياط أن يتجنب المسلم
ما ورد به النهي الصريح، ويراعي المصلحة فيما وراء ذلك بحسب اجتهاده مع
الإخلاص، وراجع التفصيل إن شئت (في ص ٤٢١ - ٤٢٤م٧) . والظاهر أن
المراد بالذهب في النهي ما يعم التبر الخالص، والمزيج من الذهب وغيره ما سُمِّي
ذهبًا، ويحتمل أن يقاس الذهب على الحريرعند من يقولون: إن الثوب المحرم منه
هو ما كان إبريسمًا خالصًا، أو ما كان الإبريسم هو الغالب فيه وزنًا أو نسيجًا.
وإنني أعتقد أن استعمال الساعة الذهبية إنما تحرم إذا كان فيها إسراف أو مخيلة،
وكذا غيرها مما لا نص في النهي عنه، وإلا فهو مباح أو مكروه في الأكثر،
والله أعلم.
***
رابطة النقشبندية
(س٩) من ع٠ب٠ح في سنغافورة.
حضرة الفاضل صاحب المنار بمصر:
نحن معاشر أهل الطريقة بهذه الجهات، قد عثرنا على فتواكم في رابطة
أهل الطريقة، فحمدنا الله على صنيعكم، وما أيدتم طريقتنا بقولكم: (يمكن للمريد
العارف بعقيدة الإسلام أن يجمع بين التوحيد وبين تخيل شيخه، إلى أن قلتم:
فمثل هذا لا يعد مشركًا لشيخه مع ربه) ، ونحن ولله الحمد عرفنا بعقيدة الإسلام،
وأن إحضارنا صورة شيوخنا عند ذكر الله؛ لأنه من آكد الآداب، والاستمداد منه
هو استمداد من النبي صلى الله عليه وسلم، وقلبه يحازي قلوبنا إلى صاحب الطرق
نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وقلبه صلى الله عليه وسلم دائم التوجه إلى
الحضرة الإلهية، كما هو مقرر في كتب الطريقة، وقد عمل بالرابطة أولياء الله
الصالحين، ونحن من متبعيهم ومتبعي النبي صلى الله عليه وسلم، وسلسلة طريقتنا
متصلة إليهم وإلى حضرة النبي صلى الله عليه وسلم، فكيف يقول محرر الإمام
بسنغافورة: إن الرابطة بدعة لم يعمل بها النبي، ولا أصحابه، ولا التابعون، بل
قال الرجل: إن اختراع الرابطة لم يكن في عهد الإمام الغزالي، وعبد الوهاب
الشعراني، وعبد القادر الجيلاني، فهل يتصور أن كبار العلماء القائلين بالرابطة
أخطأوا فيها. وهذا المدعي وأضرابه مصيبون فيتركهم الناس ويتبعون المدعي
وأضرابه كلا ثم كلا، وقد تجرأ المدعي على أهل الطريقة، قال ما معناه: من قال
إن الدين الإسلامي يأمر بالرابطة فهو أكذب من خطيب سمبس؛ لأن ذلك الخطيب
وغيره قد نشروا ردودًا على مجلة الإمام بالجرائد، ومن قول ذلك الخطيب ما معناه
حيث إن الإمام قد أنكر الرابطة وقال: إنها بدعة لم يأمر بها الدين، بل هي
ممنوعة وجبت عليه التوبة، ووجب عليه إعلان توبته بمجلته وبالجرائد التي كتب
فيها مسألة الرابطة؛ لئلا يغتر الناس بقوله في الدين. اهـ أرجو من المنار بسط
الجواب، هل هي بدعة ممنوعة أم لا؟
(ج) قد علم من جوابنا السابق أن الرابطة لم يرد فيها شيء من كتاب ولا
سنة نبوية، وإنها ليست من أعمال الدين، فيطالب كل مسلم بها، ويعد مقصرًا في دينه إذا تركها، وينكر عليه إذا أنكرها، كما يعد مبتدعًا إذا فعلها. وإنما هي طريقة
في تربية النفس كغيرها من الطرق التي استخدمها الناس في التربية والتعليم،
واستفادوا منها بالتجربة ما كان عونًا لهم على مقصدهم، فمن قال: إن الدين يثبتها
أو ينفيها لذاتها فهو مخطئ؛ لأنه ليس فيها نص ديني، ومثله كمثل من يقول: إن
طريقة كذا في التعليم مطلوبة أو ممنوعة دينًا. نعم إن ما يستحدثه الناس من طرق
التربية والتعليم قد يخل عرضًا بأمر من أمور الدين، فيكون محظورًا دينًا لذلك
العارض، كما إذا اعتقد المريد أن شيخه يملك بالرابطة نفعه أو ضره، وهدايته أو
غوايته وضلاله.
واعلم يا أخي في الدين والطريقة، أنك لا تستطيع أن تدافع عن الرابطة إلا
إذا قلت: إننا لا نتخذها دينًا، وحينئذ لا يسرك كونها بدعة؛ لأن البدعة إنما تكون
ضلالاً إذا كانت في الدين. وأما البدعة في غير الدين فمنها الحسن ومنها القبيح،
كما يؤخذ من حديث مسلم (من سن سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى
يوم القيامة، ومن سن سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة)
ومن البديهي أنه ليس لأحد بعد انقطاع الوحي أن يسن في الدين شيئًا، وإنما هي
السنن المتعلقة بأمور الناس في تربيتهم وتعليمهم وسياستهم، وسائر مصالحهم
التي تنفعهم في دينهم ودنياهم. ولكن ما ينفعهم منها في دينهم لا يعد حكمًا دينيًّا
يطالب به الناس على أنه دين؛ لأن شارع الدين هو الله تعالى على لسان رسله -
عليهم الصلاة والسلام -، ولا شرع بعد انقطاع الوحي وختم الرسالة.
ثم اعلم أن عمل بعض الصالحين بالرابطة لا يدل على أنها من الدين؛ لأنه
لم يقل أحد من أئمة المسلمين وعلمائهم أن عمل الصالحين حجة في الدين، وقد وقع
كثير من الصالحين في البدع أو المعاصي عن جهل بالحكم الشرعي، ويجوز عقلاً
أن يخطئ بعض أولئك الصالحين في مسألة، ويصيب فيها مثل صاحب مجلة الإمام
من المعاصرين. ولو شئت لأفشيت سر الطريقة وزدت بيانًا. ولكن لا محل لذلك
هنا ولا حاجة إليه.
وجملة القول: أن صاحب مجلة الإمام قد أصاب في قوله: إن الرابطة ليست
من الدين. ولكن يظهر لي أنه بالغ في الإنكار، حتى جعل الدين محرِّمًا لها لذاتها
وإن لم يترتب عليها محظورًا أو تجعل شرعًا ودينًا، كما بالغ المنتسبون إلى
الطريقة فجعلوها دينًا؛ كأنه وقع بها التكليف من رب العالمين على جميع المسلمين
حتى صار المنكر لها كالمنكر بعض ما ورد في الكتاب والسنة من أمور الدين.
وهذا مما ننكره على الفريقين. وأوصي أهل الطريقة بترك المراء والجدل
والنبز بالألقاب، وأن يجعلوا ذلك سببًا للتفريق والخلاف في الدين، فإن ذلك
يخرج صاحبه من حضرة الدين {وَلاَ تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا
جَاءَهُمُ البَيِّنَاتُ وَأُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} (آل عمران: ١٠٥) .