للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: محمد رشيد رضا


قانون المطبوعات وتقييد الصحافة بمصر

لم تكد تستقر قدمنا بمصر بعد عودتنا من سورية (في الأسبوع الأخير من
هذا الشهر) ، حتى صخ سمعنا نبأ عزم الحكومة على العمل بقانون المطبوعات
الذي وضع عقب الثورة العرابية؛ لئلا تعيد الجرائد ذلك التهييج سيرته الأولى، ثم
سمعنا أن هذا كان عن اتفاق بين الإمارة المصرية والحكومة الإنكليزية، وأن نظار
الحكومة المصرية لم يكن لهم به من علم إلا أن يكون رئيسهم الجديد بطرس باشا
غالي، وأنهم عندما فوجئوا بطلب تقرير ذلك القانون أَبَوا، وفضلوا الاستقالة على
ذلك، وروت بعض الجرائد الإفرنجية أن سعد باشا زغلول ناظر المعارف، ومحمد
سعيد باشا ناظر الداخلية، هما اللذان عارضا وكادا يستقيلان، ثم أُقنعا فلم
يستقيلا، وأن الوزارة لم ترض أخيرًا بتنفيذ ذلك القانون إلا بعد تعديل ما واتفاق
على عدم التضييق به على المطبوعات، ولا المراقبة على الكتب التي تطبع، ولا
المطابع التي تطبعها، وإنما نخص المراقبة بالجرائد؛ لتمنعها من الإسراف في
الطعن والهجاء الذي لم يسلم منه الأمير ولا رجال الحكومة فضلاً عن غيرهم، ومن
تهييج الناس على الأعمال التي قد تحدث الاضطراب، وتثير السخط العام على
الحكومة. لقد كان وقع نبأ هذا القانون أليمًا شديدًا على رجال الصحافة وغيرهم،
ويخشون أن يكون مبدأ لشر أعظم منه إلا من هم على رأي السلطة التي أعادته.
كان للإدارة الإنكليزية في مصر مزيتان عظيمتان لا نزاع فيهما، ويقول
الكثيرون: إنه لم يكن لها من مزية سواهما، ألا وهما يسر البلاد المالي وحرية
الطباعة، وقد ذهبت العسرة المالية منذ سنتين بالمزية الأولى، وكانت إنكلترا قادرة
على تفريجها كما فرجت عسرة أمريكا التي هي أعظم منها بكثير من الأضعاف،
فإذا زالت المزية الثانية بقانون المطبوعات القديم الجديد، فأية مزية تبقى لهم في
مصر، يمنون بها على البلاد، ويفاخرون بها الأمم، وكلا الأمرين حدث بعد
مغادرة لورد كرومر لمصر وهو الذي كان صاحب المزيتين، على أن الحزب
الوطني وجرائده وأكثر الجرائد الأخرى ومنها المؤيد، كادوا يحصرون شكواهم من
الاحتلال في شخصه، فصار أكثرهم اليوم يتمثل بقول الشاعر:
رب يوم بكيت منه فلما ... صرت في غيره بكيت عليه