للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: محمد رشيد رضا


فتاوى المنار

استعمال الورق النشاف
في الاستنجاء والمقوى في الحذاء
(س ٢١ و٢٢) من ص٠م٠في كرموس (السودان) .
سيدي الفاضل
ترددت كثيرًا في كتابة هذا لحضرتكم ولكني أقدمت لعلمي أنكم تسرون لنشر
التعاليم الدينية لهداية المسلمين، ووقوفهم على خلاصة الدين الحنيف.
جمعني مجلس مع لفيف من إخواني الضباط، وقد لاحظ أحدهم أني أضع في
حذائي فرشة من الورق المقوى؛ لأن به اتساعًا، فانتقد عليَّ بقوله: إن استعمال
الورق مثل هذا الاستعمال مخالف للدين الذي تدين به. وقد تناول كل منا البحث في
هذا الموضوع، حتى استدرجنا البحث والكلام في: (١) هل الورق المخصوص
الذي يوضع في البواخر مطهر، و (٢) هل يجوز للمسلم استعماله، و (٣) إن
كان جاز للضرورة، هل تعاد الصلوات التي يكون صلاها المسلم المسافر في مثل
هذه البواخر؛ لأنه يمنع من حمل الماء لمحلات الخلاء، و (٤) هل الورق
(الذي يسمى ورق النشاف) مطهر؛ لأنه يلتقط ويمتص السوائل.
ووقف بنا البحث لهذا الحد، ولم نجد جوابًا شافيًا، وانتقلنا لمواضيع أخر،
كما هي عادتنا عند وجود عقبات لا نجتهد في إزالتها.
انفض المجلس، وأنا مشغول في إيجاد نص صريح يحل لي هذه الألغاز،
ولما لم أجد أمامي غير من أوقف نفسه لهداية العالم الاسلامي، طرقت بابكم بعد
التردد الكثير، عشمي أن أستفيد من حضرتكم لأفيد إخواني، ولكم الفضل علينا
ومن الله الأجر.
(ج) استعمال الورق الذي يوضع في مراحيض البواخر والورق النشاف
في الاستنجاء جائز، ولو مع وجود الماء وإمكان استعماله، فلا يتوقف جوازه
على الضرورة، ولا تجب إعادة صلاة من استنجى به؛ لأنه أحسن تنقية من
الحجارة التي ورد النص بالاستنجاء بها، ومن كل ما في معناها مما ذكر في كتب
الفقه، وليس هذا محل خلاف يذكر، فلا يكن في صدر أحد منكم حرج منه. ثم إن
ما قاله لكم صاحبكم في تحريم وضع المقوى في الحذاء خطأ، وفيه جرأة على
الدين بتحريم ما لم يحرمه الله، والأصل في الأشياء الإباحة، فلا تغلوا في دينكم
ولا تقولوا على الله إلا الحق.
***
لعب الشطرنج
(س ٢٣) من كورتي (السودان) لصاحب الإمضاء بنصه.
سيدي الفاضل السيد محمد رشيد رضا صاحب المنار الأغر:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، تحية المسلم لأخيه، وبعد، فراجيك التكرم
بالرد على السؤال الآتي على صفحات جريدتكم الغراء:
هل لعبة الشطرنج المعروفة محرمة أو مكروهة في عموم المذاهب الأربعة أو
بعضها يقول بالحرمة أو بالكراهة أو الإباحة، مع العلم بأن الشيخ الدرديري ذكر
في (الشرح الصغير) على أقرب المسالك في باب جمل في الجزء الثاني، قال
في (المتن) : (واللهو حرام) وذلك كاللعب بالنرد المسمى في مصر بالطاولة،
فيحرُم كان بعِوَض أو بدونه؛ لأنه يوقع العداوة، ويصد عن ذكر الله وعن
الصلاة، وكالشطرنج والشجة والطاب والمنقلة، واستظهر بعض كراهة المنقلة
والطاب، ومحله بدون عِوض وإشغال على محرم وإلا فيحرم اتفاقًا. اهـ.
ثم قال الشيخ العدوي في حاشيته على الرسالة عند قول المتن في باب جمل:
عَلَّقَ على الأفعال المحرمة (ومنه القمار) قوله: ومنه القمار ... إلخ، وقال في
المصباح: قامرته قمارًا منه باب قاتل، وقمرته من باب قتل، انتهى. أي: إذ في
لعب الشطرنج ونحوه مغالبة، فقوله: ونحوه كالنرد والطاب ونحو ذلك حرام وإلا
بدونه شيء، انتهى.
فيؤخذ منه ذلك كله: أنه هذه اللعبة محرمة في مذهب الإمام مالك، فإذا قلتم:
بالحرمة أو بالكراهة، فما هو السبب في ذلك، وإذا كان السبب كونها تورث
العداوة كما ذكر أعلاه، فالمسابقة بالخيل تورث العداوة أيضًا مع أنها جائزة في
مذهب الإمام مالك، أفيدوناعلى ذلك مأجورين، ولكم الشكر.
وفي الختام تفضل بقبول
تحياتي واحتراماتي
... ... ... ... ... ... ... ... يوزباشي مأمور كورني
... ... ... ... ... ... ... ... عثمان عارف الرفاعي
(ج) صرح الإمام مالك في بعض أجوبته بكراهة الشطرنج وأطلق، فحمل
أكثر أصحابه ذلك على كراهة التحريم، وقال الإمام الشافعي فيه: إنه لهو يشبه
الباطل أكرهه ولا يتبين لي تحريمه. فحمل أصحابه ذلك على كراهة التنزيه،
واشتهر بين الناس أن الشافعي أباح الشطرنج، والصواب ما قلنا، ولا نعرف نصًّا
عن الشارع في تحريم الشطرنج ولا غيره مما ذكر من اللعب إلا النرد (الطاولة) ،
ولنا في ذلك فتوى مفصلة في المجلد السادس (راجع ص ٣٧٣ - ٣٧٨ منه) .
****
معاوية بن أبي سفيان
(س ٢٤) من سنغافورة
سأل سائل من سنغافورة عن معاوية، هل ثبت موته على الإيمان، وهل يجوز
لعنه. وقال: إن بعض السادة الحضارمة ألف كتابًا يثبت فيه جواز لعنه، وكيت
وكيت ... إلخ، فطعن الناس فيه.
نقول: قد سأل بعض هؤلاء الحضارمة عن مسألة اللعن من قبل، فأجبنا بما
نراه. وأما مسألة موته فهي مما يفوض إلى الله - تعالى - من جهه الباطن، ونحن
لنا الظاهر؛ وهو أنه مات مسلمًا ودفن بين المسلمين , وقد علمنا أن القوم
مختلفون ومتعادون في ذلك، فنوصيهم بترك الكلام فيه؛ لأنه يخشى شره، ولا
تُرجى منه فائدة، بخلاف تحقيق بَغْيه على علي - كرم الله وجهه - فتلك من أهم
مسائل تاريخنا.