للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: محمد رشيد رضا


فتاوى المنار

الصلاة بعد صلاة الجمعة
(س ٣٣) من صاحب التوقيع بالسودان
سيدي الفاضل صاحب المنار الأغر، نفعنا الله به أمين.
السلام عليكم ورحمة الله: أما بعد؛ فلما كانت مجلتكم الغراء هي المجلة
الوحيدة الدينية الإسلامية التي أخذت على عاقتها خدمة الدين والأمة واتباع منهج
الحق، والتي انتشر ذكرها في مشارق الأرض ومغاربها، حتى حازت ثقة الخاص
والعام، حماها الله وحفظكم لخدمة الملة والدين آمين؛ جئنا بالآتي:
نحن يا سيدي في بلدة حديثي العهد بالعمران، يسكنها من المسلمين ما يبلغ
ثلاثة آلاف نفس ما بين سوداني ومصري وجداوي ويماني وبعض من الهنود
والمغاربة، وليس فيها مرشد ديني إلا قاضيها الشرعي السابق الذي أرشدنا للمنار
صاحبه، وعرفنا كيف نقصده عند الشدائد، والذي بسعيه وجده وبما جمعه من
المسلمين أسس زاوية من الخشب؛ كأغلب أبنية البلدة، وهي المسجد الوحيد الذي
تقام فيه الجمعة والجماعة، ومازال - حفظه الله - يجدّ ويجتهد بإلقاء دروس الفقه والتوحيد على العامة، حتى نوَّر الله بصائرهم نوعًا، حتى رزئنا بنقله إلى
محكمة مركز سواكن عقب نقل المديرية منها إلى السودان (بلدتنا) ، وجاء قاضي
محكمة المديرية، فتأملنا خيرًا خصوصًا وأنه أكبر سنًّا ومرتبة من سابقه، ولما
أقبلت أول جمعة بعد وصوله، وحضر المصلون، وأزف وقت الخطبة والصلاة،
وصرنا في انتظار الإمام، ولم يتقدم أحد، دعي فضيلة القاضي للخطابة، فادعى
أنه لم يعل المنابر في عمره، ولم يتعود الخطابة، فخير فيمن يندبه فندب إمام
الأورطة المعسكرة هنا؛ ليخطب ويصلي بالمسلمين بالنيابة عن فضيلته، فأجاب
المذكور وصلى، وإنه وإن كان في لسانه عقدة وفي إلقائه بعض تعقيد؛ غير أنا
حمدنا الله تعالى الذي لم يحرمنا ممن يقوم بالإمامة والخطبة.
صلى الإمام الجمعة وعقبها بأربع ركعات الظهر أو نفل (لا أدري) ، فظن
بعض المالكية أن صلاة الإمام الظهر بعد الجمعة تبطل صلاة المالكية، والمسجد
واحد لا تقام الجمعة في غيره، فسئل الإمام عن ذلك، فما كان جوابه إلا أن انفعل
وحسبل، وكبُر عليه أن يسأله أحد من العوام ويخطئه في صلاته (وما كان إلا
مستفهمًا) وتخلص بقوله: أنا ما باخدشي أجرة، ومذهبي حنفي، وماليش دعوه
بمالك؛ لأني ما حضرتوشي في الأزهر، وإللي يصلي ورايه يصلي وإِللِّي ما
يصليشي عنه ما صلى! ! {أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى * عَبْداً إِذَا صَلَّى * أَرَأَيْتَ إِن كَانَ
عَلَى الهُدَى} (العلق: ٩-١١) .
لم يكتف حضرة الإمام بما أبداه من الاستياء من سؤال العامي الذي أراد أن
يذكر فتنفعه الذكرى، بل أعاد الكرة في الجمعة التالية، وأظهر عظيم استيائه،
وجعل خطبته طعنًا وذمًّا وشتمًا لمن يتجرأ على العلماء ويسألهم ويخطئهم، حيث
قال بعد الحمدلة والاستغفار والتشهد ما نصه:
(عباد الله: قال الله تعالى {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن مَّنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَن يُذْكَرَ فِيهَا
اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا أُوْلَئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَن يَدْخُلُوهَا إِلاَّ خَائِفِينَ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ
وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ} (البقرة: ١١٤) وقال تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا
لاَ تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِندَ اللَّهِ وَجِيهاً} (الأحزاب
: ٦٩) عباد الله: النبي أوذي من قبلي من المنافقين ولي في رسول الله أسوة حسنة!
عباد الله: وسوس شيطان من شياطين الإنس لبعض المصلين وما يعدهم الشيطان
إلا غرورًا أن يخطئني في صلاتي أو أن صلاتي باطلة حيث صليت أربع ركعات
نفلاً، وقالوا إني صليت الظهر، وأقسم بالله العظيم إني ما صليت الظهر ولا
تَنَفَّلْتُ وإنَّ صلاتكم صحيحة وصلاة الذين صلوا الظهر باطلة، ولم أدر كيف يتجرأ
هؤلاء الشياطين على تخطئة علماء الله هم وكلاء الله في أرضه! !
عباد الله: قال الله تعالى {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُواًّ شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ
يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ القَوْلِ غُرُوراً وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا
يَفْتَرُونَ} (الأنعام: ١١٢) ، {لَئِن لَّمْ يَنتَهِ المُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ
وَالْمُرْجِفُونَ فِي المَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لاَ يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلا قَلِيلاً * مَلْعُونِينَ أَيْنَمَا
ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلاً} (الأحزاب: ٦٠-٦١) ً عباد الله: إني سأخطب وما
اغتصبت الوظيفة من صاحبها وما خطبت إلا بعد الإذن منه، فاختاروا الخطيب
الذي يعجبكم. هذا وإن لم ينته المنافقون، فسوف يخرجهم الله من هذه البلدة
مدحورين خاسرين الدنيا والآخرة كما أخرج الذين من قبلهم، عباد الله، إن شعبان
قد مضى، هل فيكم من قدم فيه شيئًا ينفعه؟ هل فيكم من عمل صالحًا؟
هذا هو ملخص الخطبة وآياتها وألفاظها؛ والتي لم تخرج عن السب للذي
سأله ومن وافق عليه من (الشياطين) ، وياليته ما سأل.
انتهت الصلاة وقام المصلون وانصرفوا، فمنهم من قال بفساد الخطبة وعدم
جواز الصلاة خلف هذا الإمام، وآخرون قالوا بفساد الخطبة فقط، ولازال الهرج
والمرج بين الناس مع اختلاف جنسيتهم، وفيهم من عاهد نفسه بعدم الصلاة خلف
هذا الإمام.
فأغيثونا وأفيدونا عن الصواب عن كلٍّ وما يتَّبع، وعن صلاح الخطبة
وفسادها، وصلاة الظهر للإمام بعد الجمعة أو التَّنَفُّل، هل يفسدان صلاة المالكية مع
نشر هذا السؤال برمته، حتى لا يقال: تجاوزوا الحق أو كتبوا غير الحقيقة،
والمسلمون يطلبون هذه الخدمة الدينية لله وللنفع العام، ولكم منا الشكر ومن الله
الأجر.
ولما كان خير البر عاجله، فنرجوكم نشره بأول عدد، وأن تفسحوا له
صدركم الرحيب وصدر مجلتكم الغراء، ودمت يا سيدي.
ورحم الله الأستاذ الإمام؛ حيث يقول: إن طول الإقامة في الأزهر تضعف
الاستعداد للعلم، حتى قد تذهب به؛ لأن من فكر حضرة الإمام أن علم الجغرافيا
وما فيه من تغلب الفصول والبروج والعلوم الحديثة الأخرى هو من الكفر الذي جلبه
الشيخ محمد عبده.
... ... ... الفقير
... ... ... ... ... ... ... ... ... ... محمد ... بهجت
... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... بالكمارك السودانية
(ج) ليس فيما ذكرتم من الخطبة ما يقتضي عدم صحتها أو عدم صحة
صلاة الجمعة المرتبطة بها، وصلاة الإمام بعد الجمعة أربعًا أو أكثر أو أقل لا
يبطل صلاة الجمعة على نفسه ولا على المصلين من المالكية ولا غيرهم، وما
علمنا أن أحدًا من علماء المسلمين قال: إن عملاً من الأعمال يصدر من رجل
يبطل عبادة غيره أو عبادة نفسه إلا الردة أي: الكفر بعد الإيمان، فإنها تحبط
العمل وتبطل ثوابه.
فيا أيها المسلمون، لا تغلوا في دينكم ولا تقولوا على الله إلا الحق. بذلك
وصى الله من قبلكم وأعلمكم به لعلكم تتقون. نعم.. إن صلاة الظهر بعد الجمعة
ليست مطلوبة عندكم في مذهب من المذاهب، وإن من لا يقول بسنية صلاة قبل
الجمعة وبعدها كالمالكية، ليس له أن يعترض بمذهبه على مذهب غيره ممن يقول
بذلك، والنظر في التعادل والترجيح بين أدلة المذاهب شيء آخر، لكل أحد من
المشتغلين بالعلم أن يبحث فيه بشرط أن لا يجعل سببًا للتفرق بين المسلمين
باختلاف الاجتهاد الذي لا مندوحة عنه. وعندي أن مذهب المالكية في هذه المسألة
أرجح، ولكنني لا أعترض على غيرهم لمخالفة اجتهادهم لاجتهادهم.
وإذا كان ما ذكرتم عن الخطيب منصوصًا على غره، فإنني أعظه أن لا يعود
إلى مثله، وأذكره بما يجب على الواعظ من الحلم والصبر وعدم الانتصار لنفسه،
ولا سيما بمثل تلك الشدة التي هي من السب والشتم، وفي حديث الصحيحين:
(المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يحقره) وفي حديثهما أيضًا: (المسلم من سلم
المسلمون من شر يده ولسانه) ، وفي رواية لغيرهما: (من سلم الناس) ... إلخ
وليعتبر بعاقبة تلك الحدة، فإنها غيرت قلوب كثير من الناس، وأطلقت ألسنتهم
فيه، ولو عاملهم بالحلم لجمع قلوبهم عليه؛ فأفادهم واستفاد من إقبالهم عليه،
وتعلمهم منه كثرة الأجر وحسن الذكر، كما شأنهم مع القاضي السابق، ولا
شيء يعين على الحلم واللين وحسن السياسة وعدم الدعوى والانتصار للنفس
كالإخلاص، وعسى أن يوجه قاضي المديرية همته إلى إصلاح ذات البين والعناية
بإرشاد أهل هذا البلد، وقراءة درس لهم في الحلال والحرام وآداب الدين؛ وسيرة
النبي صلى الله عليه وسلم والسلف الصالحين، والله يهدي من يشاء إلى صراط
مستقيم.
***
إطلاق لفظ مولانا على الناس
(س ٣٤) من محمد علي أفندي من موظفي كمرك (يافا)
حضرة العالم العلامة السيد محمد رشيد رضا منشئ المنار الأغر
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته: أعرض أنني قد اطلعت على كتاب يدعى
(صيانة الإنسان عن وساوس ابن دحلان) فرأيته قد فسر كلمة (مولى) بما معناه:
أن كلمة مولى مشتقة من اسم الجلالة، فلا يجوز - والحالة هذه - إطلاقها على
بني الإنسان، كأن يقال مثلاً (مولانا فلان) فكل إنسان قالها لإنسان غيره يشرك
بالله! قرأت هذا وأنا بين الشك واليقين في كلامه؛ لأنني كثيرًا ما أسمع هذه الكلمة
يقولها الناس لأناس غيرهم، فلم أر أحدًا يهديني للصواب سواكم، فأتيت
برسالتي هذه مستفتيًا إياكم عن هذه الكلمة ودرجها مع الجواب بأول عدد يصدر من
مجلتكم الغراء، فلا زلتم الملجأ لحل المشكلات، والوحيد في فك المعضلات آمين.
(ج) لقد غلا صاحب ذلك الكتاب في قوله الذي نقلتموه غلوًّا كبيرًا، وأخطأ
خطأ ظاهرًا؛ فلفظ المولى ليس مشتقًّا من لفظ الجلالة الذي هو من مادة
(وله) ، بل هو مشتق من مادة الولاية أو الولاء، وقد بين الله تعالى في كتابه أن
المؤمنين بعضهم أولياء بعض، وما كل ما أطلق على الله عز وجل من الأسماء
يحرم إطلاقه على غيره، كما هو معلوم من إطلاق لفظ (رؤف رحيم) على النبي
صلى الله عليه وآله وسلم في القرآن، ومن تسمية المسلمين أبناءهم بالحكم والرشيد
وغير ذلك مما جاء في أسماء الله الحسنى.
وقد استعمل المسلمون لفظ (المولى) من عهد النبي صلى الله عليه وآله
وسلم إلى هذا العهد، وهو بمعنى السيد، وشاع عندهم إطلاقه على المعتوق، فكانوا
يقولون: زيد بن حارثة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونافع مولى ابن عمر
(رضي الله عنه) . ومن استعماله بمعنى السيد قول الخنساء رضي الله عنها في
أخيها صخر.
وإن صخرًا لمولانا وسيدنا ... وإن صخرًا إذا نشتو لنحار
***
السماء والزرقة التي نراها فوقنا
(س ٣٥) من السيد محمد حسين نصيف (بجدة - الحجاز)
حضرة العلامة الفاضل، والسيد الكامل، من طار صيته حتى ملأ الأقطار،
بأعلا المنار، مولانا السيد محمد رشيد رضا، حفظه الله وأدامه.
بعد السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أرجوكم حل هذه العقدة التي أبرمها
أمامنا أحد طلبة العلم مدعيا أن الزرقة التي نراها فوقنا ليست بالسماء المرادة بقوله
تعالى {أَفَلَمْ يَنظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِن فُرُوجٍ} (ق: ٦) وإنما تلك الزرقة هي الجو محتجًّا علينا بالحديث (ما بين كل سماء خمس
مائة عام) وأنَّ تلك المسافة لا يدركها البصر عقلاً، فهل السماء التي نراها فوقنا
زرقاء، هي السماء الحقيقية المذكورة بالقرآن والحديث؟ أم الجو كما زعم! أفيدونا
وأرونا من بحر علمكم الزاخر، زادكم الله علمًا وفهمًا والسلام.
(ج) الحديث الذي أشار إليه طالب العلم لا يصح ولا يحتج به؛ ولفظ
السماء قد أطلق في القرآن على عدة معان منها السقف في قوله تعالى من سورة
الحج {فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّمَاءِ ثُمَّ لْيَقْطَعْ} (الحج: ١٥) الآية، ومنها السحاب
في عدة آيات، وذلك أن هذا اللفظ من السمو وهو العلو، فكل ما علاك وكان فوقك
جاز لك أن تسميه سماء، هذا هو وضع اللغة التي نزل بها القرآن.
فهذا الشيء الأزرق الذي نراه فوقنا في النهار سماء، ومجموع هذه النجوم
اللامعة التي نراها فوقنا في الليل يسمى سماء، وجهة العلو فوقك تسمى سماء.
وبذلك ورد القرآن , وقد اختلف علماء الهيئة الفلكية في هذا اللون الأزرق الذي في
السماء، وينسب إليه ما يشبهه من ألوان الثياب وغيرها، فيقال: (سماوي) وفي
لون البحر، وليسوا على يقين مما يقولون فيه، وهو على كل حال وكل قول لون
لا يقوم بنفسه، وإنما يقوم بجسم أو جوهر، وما يقوم به اللون يسمى سماء، وإن
كانت الزرقة حادثة من الفصل بين النور والظلمة في هذه الجهة كما قال بعضهم.
والقرآن لم ينزله الله تعالى لشرح مسائل العلوم والفنون الكونية، كالفلك والنبات
والحيوان، وإنما تذكر فيه محاسن المخلوقات وعجائبها للتنبيه على حكمة الله في
إبداعها ونظامها، وعلمه الواسع، وقدرته العظيمة، وإن السماء التي ننظر إليها
في الليل والنهار ذات زينة بديعة، وبناء محكم لا تفاوت في خلقها، ولا فروج ولا
شقوق فيها، وهي من آياته سبحانه وتعالى الدالة على ألوهيته. وما اكتشفه علماء
الفلك من أسرار سننها لا يزيد المؤمن بالقرآن إلا إيمانًا وخشوعًا، وليس فيه
شيء ينقض كلمة منه {وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً} (النساء: ٨٢) .
***
دفع الزكاة للجمعيات الخيرية العمومية
(س ٣٦) من صاحب التوقيع في الإسكندرية
حضرة الأستاذ الفاضل والملاذ الكامل، السيد: محمد رشيد رضا نفعنا الله به
آمين.
السلام عليكم ورحمة الله: أما بعد، هل يجوز إعطاء زكاة المال للجمعيات
الخيرية كجمعية رعاية الأطفال، وهي ليست خاصة بفقراء المساكين المسلمين،
بل تقبل كل من يأتيها من فقراء اليهود والنصارى، وهل يجوز نقلها لمكتب الإدارة
إذا كان بعيدًا عن مسافة القصر؛ كالمسافة من الإسكندرية إلى مصر. ونظرًا
لأهمية الجواب، أرجو التكرم به بخطاب خصوصي، وإن لم يمكن فالرأي لكم
ودمتم.
... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... كاتبه
... ... محمود شرف
... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... بمصلحة عموم الفنارات
(ج) الزكاة المفروضة لها مصارف معينة، وهي تؤخذ من أموال المسلمين
لمصالحهم، فلا يجوز صرف شيء منها لغير المسلمين كما هو مفصل في كتب
الفقه، ومنه يعلم أن دفعها لجمعية رعاية الأطفال، لا يسقط الفريضة عن الدافع،
بل يكون ما يدفع لها من صدقة التطوع، وهي جائزة للمسلم وغير المسلم كما بينا
ذلك في تفسير قوله تعالى: {لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ} (البقرة: ٢٧٢) فراجعه في
الجزء الثاني من تفسير القرآن الحكيم.
وإذا علمت أن دفع الزكاة لتلك الجمعية غير جائز، بمعنى أنه يسقط الزكاة
المفروضة، فقد استغنيت عن جواب السؤال الثاني وهو نقلها إلى مكتب الجمعية من
مكان يبعد عنها مسافة القصر أو أكثر، والله أعلم.
***
العلم والاتحاد، أيهما المُقَدَّمُ؟
(س ٣٧) من صاحب التوقيع في سنغافورة
بسم الله الرحمن الرحيم
ما يقول حضرة الإمام السيد: محمد رشيد رضا نفع الله به آمين.
في رجلين قال أحدهما: لا اتحاد بدون علم، وقال الآخر: بل لا علم بدون
اتحاد، فمن يراه حضرة السيد المصيب؟ وليتفضل بالجواب مبسوطًا على صفحات
المنار، لا برحتم نافعين للأمة، كاشفين عنها كل غمة، آمين.
... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... السيد
... ... ... ... ... ... ... ... ... عبد الرحمن الكاف
(ج) مجال الكتابة في العلم والاتحاد وعلاقة كل منهما بالآخر مجال واسع،
يمكن أن يكتب فيه مصنف كبير، ولا يحسن أن يكون ذلك في جواب سؤال مجمل
كهذا السؤال، وبيان ترجيح رأي على آخر وكلاهما غير مبين، فما هو الاتحاد
المنفي جنسه بدون علم؟ وما هو هذا العلم المنكر؟ وما هو ذلك العلم المنفي جنسه
بدون ذلك الاتحاد المنكر؟ هل المراد اتحاد طائفة من أفراد الناس على عمل ما؟ أم
اتحاد طوائف من الناس على تكوين ملك مشترك كالاتحاد الجرماني والأمريكي؟ !
الاتحاد عمل يتعلق بالجماعة أو الجماعات، ولا عمل إلا مع العلم بكيفيته،
والعلم مما يناله الأفراد بدون اتحاد مع غيرهم، فهو المقدم دائمًا، ولكل عمل علم
خاص يكون مقدمة له ومنه الاتحاد، فقول من قدم العلم هو الصواب.