للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: محمد رشيد رضا


العرب والترك [*]
] وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُوا [[**]

(٤)
قد انشق ليل الاستبداد عن صبح الدستور، والعثمانيون الذين في بلادهم نيام
يَغُطّون: بعضهم يرى أحلامًا مخيفة، وبعضهم يرى أحلامًا سخيفة. والذين في
بلاد الحرية قيام يرقبون: بعضهم يتعلل بالآمال القوية، وبعضهم يلهو بالأماني
الضعيفة، فاستيقظ بصوت مؤذنه النائمون، وحمد غِبّ سُراهم المجدون، وعاود
الرجاء نفوس اليائسين، وغادر العداء قلوب المتدابرين، وأقبل المسلم بوجهه على
النصراني، والتركي على الأرمني، وعانق الشيوخ القسوس، وصافحت الشعوب
الشعوب، وأذن مؤذن بينهم {عَفَا اللَّهُ عَمَّا سَلَفَ وَمَنْ عَادَ فَيَنتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ وَاللَّهُ
عَزِيزٌ ذُو انتِقَامٍ} (المائدة: ٩٥) .
هكذا كان العثمانيون في نشوة من السرور العام، الذي كاد يكون من أضغاث
الأحلام، أو من خوارق العادات، بعد انقضاء زمن المعجزات، لتأليف الدستور
بين الشعوب الكثيرة المختلفة في الأديان والمذاهب والمشارب والعادات واللغات
والبقاع والتربية والتعليم، وهي ضروب من الاختلاف لم تعهد في أمة ولا مملكة،
وبعضها كاف لاستمرار الاختلاف والافتراق، ومنع الاتحاد والاتفاق، وإنهم لكذلك
وإذا بنبأة من بعض الترك بمصر، ونبئات من كتابهم بالآستانة، قد أجفلت الوادعين
الساكنين، وروعت الآمنين المستبشرين.
كتب أحد شبان الترك المقيمين في القطر المصري مقالات في جريدة الأهرام
يفاخر فيها العرب بقومه وجنسه معبرًا عنهم بالملة المالكة، متبجحًا بزعمه أنهم هم
وحدهم الذين أزالوا الحكومة الاستبدادية، وأدالوا منها الدستور والحرية، وأنهم هم
وحدهم الذين لهم الحق بالتمتع بثمرات الدستور الكاملة، وليس للعرب ولا لغيرهم
من الأجناس أن يطمعوا في مساواتهم في مناصب الدولة وأعمالها؛ لأن ولاياتهم
مستعمرات أو مستملكات للترك! فيجب أن يكون قصارى حظ العرب من الدستور
أن يستريحوا من أعباء الظلم، ويتذوقوا طعم العدل، فيكونوا من الترك كأهل
الجزائر من فرنسا، أو أهل الهند من إنكلترا.
هذه المعاني العالية كانت تصخ مسامع العرب أحيانًا في عصر الاستبداد،
وقلما كانت تكتب، ولا سيما في مثل مصر التي هي أرقى من جميع الولايات
التركية علمًا وعملاً وثروة وحرية، وفيها الأقلام المرهفة والألسنة الذلقة، والقلوب
الجريئة، نعم.. كانت كتبت منذ بضع سنين في جريدة (ترك) التي كانت تصدر
في القاهرة، محررة بأقلام نفر من أذكياء الترك؛ كعلي كمال بك وجلال الدين بك
عارف أسرفت تلك الجريد في الفخر بجنس الترك معبرة عنهم بالملة المالكة،
وحقرت العرب في سياق الكلام عن مراكش، ونصبت الميزان للترجيح بين الترك
والعرب والخلافة العربية، فجعلت العرب كلهم بمنزلة قبائل المغرب الأقصى،
وفاخرتهم بالترك في مدارسهم ودواوينهم وقصورهم وجيوشهم، وملأت مواضعها
بالفخر والتبجح، ناسية ما يكتب فيها وفي غيرها من الجرائد العثمانية في البلاد
الحرة في وصف مظالم خليفتهم عبد الحميد خان وإفساده للمملكة، وتخريبه للولايات
التركية والعربية والكردية والألبانية والرومية، ومنعه للعلم، وعيثه حتى في
الجيش، وفرار كتاب جريدة: (ترك) وغيرهم من ظلمه إلى مصر العربية.
ولا أقول: إن كاتب تلك التبجحات الغثة الباردة، نسي عدل الخلفاء الراشدين
وعلوم العباسيين في الشرق، والأمويين في الغرب، بل أقول: إنه عمي عن
البلاد التي أوى إليها، والمدينة التي يطبع جريدته فيها، وهو يرى العرب فيها
أرقى من قومه علمًا وثروة ومدنية، ولكنني ذكرت تلك الجريدة يومئذ بخطئها:
في تحريك العصبية الجنسية التي أماتها الإسلام، وبوجوب اتحاد العرب
والترك وضرر تفرقهم باختلاف الجنس، وبأن العرب إذا فاخروا أي جنس
بجنسهم فإنهم يفخرونه ويبذونه:
هم الأولى إن فاخروا قال العلا ... بفي امرئ فاخركم عفر الثرى
هم الأولى جوهرهم إذا اعتزوا ... من جوهر منه النبي المصطفى
وإنما كتبت ذلك الرد في المنار على جريدة ترك؛ لئلا يغريها السكوت عنها
بالتمادي في ذلك التبجح، الذي يولد الأضغان، ويؤرّث الأحقاد، وينفر المصريين
وغيرهم من الدولة العلية، ويفتح في المسلمين باب الشقاق باختلاف الجنسية،
ولكن كتاب تلك الجريدة صاحوا بعد ردي صيحة أخرى، ثم خفت صوتهم لأنني لم
أشأ أنْ تستمر المناظرة في ذلك.
ثم قام أحدهم جلال الدين بك عارف يوم احتفالنا بإعلان الدستور خطيبًا،
فقال: إننا اليوم قد تنازلنا عن كلمة (ترك) وهي محبوبة لنا، فكلنا عثمانيون لا
فرق عندنا بين الترك والعرب والروم والأرمن وغيرهم، فصفقت الجماهير المختلفة
لقوله هذا تصفيقًا، وكذلك قال غيره من سائر الخطباء العثمانيين، ونادى لسان
الحال والمقال؛ الدستور يجبُّ ما قبله كما ورد في الحديث الشريف: (الإسلام يجبُّ
ما قبله) .
فلما انبرى ذلك الكاتب التركي بعد ذلك لكتابة ما ذكرنا، تذكر الناس ما كان
كتب من قبل وما كان يقال، وأقبل العثمانيون بعضهم على بعض يتساءلون: قال
أكثر من واحد منهم: إن القوم لا يتركون ما يألفون، وإنهم سيستبدون مجتمعين كما
استبد آحادهم (كعبد الحميد) منفردين، وربما كان استبداد الجماعة أشد وأبقى من
استبداد الواحد. وقال الأكثرون: إن هذا إلا شاب مغرور، لا يزال جذعًا في
السياسة، وإن القرّح والبزَّل من ساسة الترك المحنكين لا يقولون بقوله، ولا
يدينون برأيه، ولكن لم يلبثوا أن سمعوا تلك النبئات الأخرى من جرائد العاصمة
(الآستانة) ورأوا أعمالاً من الحكومة الجديدة، استدلوا بها على التحامل على
العرب، وهضم حق العربية، فنفرت القلوب، وساءت الظنون.
قامت بعض جرائد الآستانة تضرب على نغمة التغاير بين الترك والعرب،
وتلغط بتلك الكلمات المنفرة (ملة مالكة، مستملكات، استقلال العرب، الخلافة
العربية، بُغْض العرب للترك، فَضْل الترك على العرب، عَجْز العرب عن تدوين
لغتهم، ونشر الإسلام خارج جزيرتهم) إلى غير ذلك من الكلم الدال على الجهل
بالتاريخ، أو تعمد العبث به فيما يضر ولا ينفع.
وكان من أشهر هذه المباحث التي حركت التغاير، وأحدثت التنافر، ما نشر في
جريدة (إقدام) من اقتراح تنقية اللغة التركية من الألفاظ العربية، وما أودعه
بعض الكتاب في مقالات نشرت فيها عن السنوسية، ومنها طعن بعض الجرائد في
المصريين وفي الدمشقيين خاصة، أهل هذين المصرين هم أعظم العرب حضارة،
وأوسعهم مدنية وفيهما السراة والأباة والعلماء والكتاب.
رب قول يصدر عن حسن نية، ويكون جديرًا بأن يحترم وإن كان خطأ،
يحدث من الأثر السيء ما لم يكن يراد به، ويتفاقم ذلك بمقتضى الحال وطبيعة
الزمان، وطريقة الأداء والتعبير، وكذلك كان حظ اقتراح صاحب (إقدام) بدعواه
في تنقية التركية من الألفاظ العربية - يقول هو: إنَّ هذا بحث فني محض، وإن
الغرض منه الاستغناء عن الألفاظ العربية التي يوجد في التركية ما يقوم مقامها.
ولكن لماذا طلب هذا المصلح اللغوي تطهير لغته من العربية دون الفارسية والفرنسية،
ونقول: إن هذه الفلسفة مبتسرة، كان يجب عدم الخوض فيها الآن، وإن الكلام
عندما ينقل من لغة إلى أخرى، ويتحدث به الخاص والعام، يعرض له التحريف
والتبديل، ويفسر بحسب الحال الغالبة، فقد شاع في بلاد سورية ومصر وغيرهما
من البلاد أن بعض كتاب الترك يدعون قومهم إلى الابتعاد عن العرب، حتى في
ترك الألفاظ العربية المستعملة في لغتهم، وإنهم يعبرون عن ذلك بلفظ التطهير،
كأنهم يرون اللغة العربية نجسة، قد تدنست بها التركية! ! وانتقل بعض الناس من
الملزوم إلى اللازم، فقالوا: إن هذا الكلام يعد طعنًا في كتاب الله عز وجل
وأحاديث رسوله صلى الله عليه وسلم، وإن هذه الدعوى قد تكون مقدمة لدعوة
أخرى تترتب عليها، إذا أجيبت وعمل بها، وهي الدعوة إلى الارتداد عن دين
الإسلام؛ لأن أصله وأساسه من الكتاب العزيز والسنة السُّنِّيَّة، وإنما هما باللغة
العربية، والرسول الذي جاء به عربي صلى الله عليه وسلم.
إلى هذا الحد البعيد وصل سوء تأثير ذلك الاقتراح الفني؛ لنشره في هذا
الوقت النحيف (أو النازك كما تقول الترك) الذي يجرحه مر النسيم، ويدميه لمس
الحرير، وقد ردت بعض الجرائد العربية على هذا الرأي، فعرفه الناس وعدوه
ذنبًا للترك، ولم يعلم السواد الأعظم منهم أن من كتاب الترك أنفسهم من رد على
مقترحه، بأوسع مما رد به كتاب العرب.
وقد سمع أيضًا من جريدة طنين كلام في غمط العرب، لم يكن كطنين الذباب
فيناسب اسم الجريدة، بل كان كدوي المدافع وقصف الرعود؛ لاشتهار هذه الجريدة
بأنها لسان جمعية الاتحاد والترقي ومظهر سياستها، ومكان الجمعية من سياسة
الدولة معروف، ولا سيما في أوائل العهد بالانقلاب، فهذا من الأسباب القولية في
سوء التفاهم والتنافر بين الترك والعرب، الذي نجم قرنه بعد الدستور، فزلزل
الآمال الجميلة، وأساء تعبير الأحلام اللذيذة، وقد سمع شيء منها من بعض رجال
الحكومة الدستورية؛ كطعن سليمان بك نظيف والي البصرة في الحزب الوطني
المصري، وهو في مصر أثناء مروره بها في سفره إلى البصرة، وقد اشتهر هذا
لرد جريدة الواء عليه، ولكنه قال قولاً آخر شرًّا منه وأسوأ تأويلاً؛ قال في سياق
الكلام على الفتن التي تحدث في جزيرة العرب ما مآله: إن الدولة مستعدة لسحق
أولئك العرب بالقوة القاهرة، فإن عندها سبعة فيالق من الأبطال! ! ! فهل يصح أن
يقال مثل هذا القول بمصر أو بغير مصر؟ وهل تدرب الدولة الجند من أبناء الأمة
لأجل سحقها وتدميرها! ؟ أم لأجل حمايتها وتعزيزها؟ أما كان ينبغي له أن يقول:
إن أولئك العربان وغيرهم كانوا مرهقين بالظلم وسوء الإدارة، وسنريهم العدل
والنظام، فنجعلهم بذلك يتفانون في حب الدولة وطاعة الحكومة.
ومن أسباب سوء التفاهم أن كثيرًا من أحرار العرب الذين جاهدوا في سبيل
الدستور حق الجهاد؛ (ومنهم من هو معروف الاسم أو الشخص عند أكثر أحرار
الترك) وكثيرًا من الفضلاء والكتاب الذين أظهروا الاحتفال بالدستور بخطبهم
ومقالاتهم، جاءوا الآستانة زائرين ومختبرين، وأكثرهم كانوا ممنوعين منها
ومحرومين، فلم يعبأ بهم أحرار الترك، ولا رأوا منهم عواطف الإخاء، كما رأى
الأرمن مثلاً!
وأما الأسباب المتعلقة بحكومة العاصمة؛ فمنها إسرافها في عزل أبناء العرب
من وظائفهم، حتى إنها عزلت في وقت قصير زهاء بضعة عشر متصرفًا منهم،
ومنها بخلها بالوظائف على طلابها منهم، وجودها بها على غيرهم من العناصر
الأخرى، ومنها تعجلها بأمور تشعر بتعمد إضعاف اللغة العربية؛ كجعل المرافعات
في محاكم الولايات العربية باللغة التركية، مع علمها بأن الناس يجهلونها في الغالب،
حتى وكلاء الدعاوي (المحامين) ، وكجعل الكشوف (البياننامه) التي يقدمها
التجار من أبناء العرب في بلادهم إلى إدارة المكس (الجمرك) باللغة التركية أو
الفرنسية، مع تعسر ذلك أو تعذره عليهم، واقتضائه نفقات كانوا في غنى عن بذلها؛
وكعدم قبول عرائض الشكوى بالعربية، حتى في مجلس الأمة مع أن المشتكين
من الأمة، وهي ذات لغات متعددة، للعربية منها مكانة خاصة من حيث هي لغة
الدين الرسمي الذي يكفله مقام الخلافة، كما سنبين ذلك بعد.
ومنها ما يتعلق بنظارة المعارف خاصة؛ كإلغاء الدروس العربية من المكتب
الملكي في العام الماضي (ولكنهم أعادوها في هذا العام) ، وكجعل العربية في
المدارس الإعدادية اختيارية كاللغة الأرمنية واللغة الرومية، وعدد دروسها كعدد
دروسهما، مع كون العربية أصلاً من أصول اللغة الرسمية، يحتاج إليها في إتقانها
أكثر مما يحتاج إلى اللغة اللاتينية لإتقان الفرنسية، وكونها ينطق بها أكثر العناصر
العثمانية عددًا وأقلهم لها معرفة، وكونها لغة الدين الإسلامي الذي هو الدين الرسمي
للدولة؛ وكإرسال النظارة خمسة وسبعين تلميذًا من مكاتبها إلى أوربا؛ لتحصيل
العلوم العالية، ليس فيهم غير اثنين من أبناء العرب، وكإرسالها معلمين من الترك
إلى مدارس البلاد العربية؛ لأجل تعليم العربية نفسها وهم يجهلونها، وكتعصب
بعض المعلمين في المكاتب العالية على أبناء العرب بسماعهم ما يجرح عواطفهم،
حتى في الدروس.
ومنها ما يتعلق بنظارة الحربية، كاستحضارها الضباط ولا سيما أركان
الحرب منهم من الولايات العربية إلى سلانيك والآستانة، ثم تفريقهم في البلاد
التركية، وكإخراجها بعض التلاميذ العرب من المكتب الحربي حتى بصورة إدارية
كما أشيع في مصر وغيرها.
ولعل الشبهة أو الشبه المتعلقة بنظارة الحربية أضعف من الشبه المتعلقة
بغيرها، ولا أرى شيطان التفريق بين العنصرين يقبل وسواسه فيها؛ فالحربية في
دولتنا هي أرقى ما فيها. فنسأل الله تعالى لها ولسائر النظارات أكمل التوفيق وأتم
النظام.
ومنها ما يتعلق بمجلس الأعيان، فقد كان ينتظر أن يكون فيه أعضاء من
العرب، ولو بعدد ولاياتهم إن لم نقل بحسب عدد نفوسهم، ولكن ذلك لم يكن.
ومنها ما يتعلق بمجلس المبعوثين، وهو المظهر الأكمل للمساواة والإخاء،
ولكن أخباره في السنة الماضية لم تكن تدل على ما تحب من توثيق الرابطة بين
العرب والترك كسائر العناصر، بل وجد العرب أمورًا منتقدة، ووجوهًا متجهمة،
وسمعوا من بعض إخوانهم كلامًا لا نحب أن يكتب ويطبع، ونرجو أن يكون هذا
العام خيرًا من سابقه، وأن يكون مجلسنا وسائر أمورنا العامة في ارتقاء دائم
بالإخاء الصحيح والمساواة مع الإخلاص بسعي الفضلاء؛ محبي الوفاق من
العنصرين وسائر العناصر.
تلك كليات من أسباب ما سميناه سوء التفاهم بين الترك والعرب، وفي ضمن
تلك الكليات جزئيات كثيرة.
لا أقول: إن كل ما روي من ذلك صحيح المتن والسند، ولا أقول: إن ما
صح منها كان بسوء النية وتعمد هضم حقوق العرب، ولكنني لا أستطيع أن أنكر
قول من يقول: إنها في مجموعها تفيد التواتر المعنوي، الدال على أنه يوجد في
رجال الدولة ورجال الصحافة التركية أناس يسيئون الظن بالعرب، ولا يعطونهم
حقوقهم، ولا يعرفون قيمة اتحادهم بالترك واتحاد الترك بهم، وإنه تتوقف عليه
حياة الدولة العثمانية وبقاؤها، وإنَّ هذا الاتحاد تقتضيه طبيعة العنصرين الاجتماعية
وإن دار الخلافة والسلطنة هي الآلة التي يكون بها التركيب والتحليل، وإن
الكيماويين الاجتماعيين الذين يحركون هذه الآله هم رجال الحكومة ورجال الصحافة
وإنه يجب في هذا الدور؛ دور الانقلاب والتحول من الاستبداد إلى الدستور؛ أن
يؤخذ على أيدي المحللين بسوء القصد أو بسوء الفهم، حتى لا ينقل عن العاصمة
إلا ما يدل على إرادة المزج والتركيب والاعتصام والتأليف.
ولكن وجود هؤلاء الجاهلين بهذه الحقائق، والمسيئين إلى العرب بأقوالهم
وأفعالهم، لا ينافي كون العنصر التركي أخًا للعنصر العربي ومحبًّا له كما يحبه
هو، ولذلك قلنا فيما سبق من نُبذ مقالنا هذا: إن التغاير والتنافر محصور بين
المتزاحمين على أعمال الدولة ومناصبها وبين رجال الصحافة وحملة الأقلام،
وسأبين طريقة تداركه مع حفظ حرية الصحافة، وتنفيذ قوانين الحكومة، ولو
بترجيح الترك في المناصب ترجيحًا مقرونًا بالحكمة والذوق.
إن ما أشرت إليه من أسباب سوء التفاهم، قد سرى في أكثر البلاد العربية،
ولا سيما أرقاها وهي المصرية والسورية بسرعة الكهرباء، وكثر حديث الناس فيه
وخاضت فيه الجرائد ولها العذر، وتبارت فيه أقلام الكتاب والشعراء، فيجب
تداركه قبل أن يعم نشره، فيصل إلى سائر البلاد والبوادي، وقبل أن تضعف حجة
أمثالنا من محبي الوفاق والساعين في الاتحاد، الذين اجتهدوا ولا يزالون يجتهدون
في الاعتذار عن الحكومة، وما كل عذر يقبل، ولا سبيل إلى إيصال الأعذار إلى
الملايين.
إذا قلنا: إن الحكومة عزلت الجم الغفير من عمالها العرب؛ لأنها تظن أنهم
من صنائع أبي الهدى وعزت العابد، يقال لنا: ولماذا لم تعزل جميع رجال الدور
السابق وهم صنائع عبد الحميد، وبقية رجاله من الترك، وقد ثبت بالعيان
والبرهان أنهم خربوا المملكة؛ لأن العمل كان في أيديهم! ؟ وكم سألنا وسأل غيرنا
من الناس: ماذا ثبت على أبي الهدى وعزت العابد على الخيانات والأعمال
المخربة للدولة؟ أما أنا فلا أعرف لهما ذنبًا خاصًّا وراء ثقة عبد الحميد بهما، وما
نالا بها من مال وجاه؛ إلا أن الأول آذاني وآذى أهل بيتي بسعيه أو سعايته.
والثاني: إذا كان لم يوافق على ذلك، فإنه لم يعارض فيه، فأنا على عدم حمدي
لأحد منهما، وعدم دفاعي عنهما، لا أرى من العدل عزل كل من نال عملاً في
الحكومة بجاههما، وأعلم أن كثيرًا ممن عزل من العرب، لم يكن له صلة بأحد
منهما، وأنَّ بعض المنتمين إليهما لا يزالون في أعمالهم. وإنما أعذر الحكومة
بعض العذر بأن إكثارها من عزل العرب وغيرهم؛ كان من بعض الاضطراب،
الذي جاءت به طبيعة الانقلاب، وقد آن أن أبين شيئًا من ضرر التنافر، وطريقة
إزالة سوء التفاهم، وقطع عروق التقاطع والتدابر، وهو موضوع النبذتين
التاليتين.
***
(٥)
ما كاد ليل الاستبداد ينجلي بصبح الدستور، وتنقضي أيام الاحتفال بعيده في
فرح وسرور، إلا وبادر كاتب هذا المقال إلى زيارة القطر السوري زائرًا ومختبرًا
للبلاد التي نشأ فيها، وحجبه الظلم الحميدي عنها إحدى عشرة سنة، فطفت المعاهد،
وبلوت الأفكار والسرائر، فما رأيت فيما رأيت للنزعة الجنسية العربية حركة،
ولا سمعت فيما سمعت لها دعوة، اللهم إلا نئيمًا لداعية الجمعية العربية العثمانية،
منعكسًا عن الآستانة العلية، لم يفهم منه معنى التفرقة، ولم تشتد من الجمهور فيه
الرغبة، وكنت مع هذا أنفر الناس عن هذه الجمعية، وأتشاءم من تسميتها بالعربية
لئلا يفهم منها إخواننا الترك معنى العصبية الجنسية، بل أقول طالبًا السماح والعفو
من مؤسسيها: إنني لم أكن أحسن الظن فيهم، ولا أبرئهم من الأغراض الشخصية -
دون الجنسية - في عملهم.
وكنت أقول في خطبي ودروسي في البلاد: إنه يجب على كل بلد أو ولاية
عثمانية أنْ تعنى بترقية نفسها بالعلم والثروة؛ لتكون عضوًا قويًّا عاملاً في بنية
الأمة، ومددًا عظيمًا لتعزيز الدولة، ولأجل انفراد أهلها بنفسهم، أو اعتصامهم
بأبناء جنسهم، (أي الجنسية اللغوية لا السياسية) فإن الأمم المستقلة في أحكامها
المختلفة في لغاتها ومذاهبها ومواقعها، يتحد بعضها ببعض ليقوى الجميع بالمحالفة
فكيف تضعف الشعوب العثمانية نفسها وهي أمة واحدة - بالتفرق والمخالفة؟ نعم،
إن على العرب أن يحبوا لغتهم، وأن يطالبوا الدولة بمساعدتهم؛ لأن لغتهم في
الدرجة العليا من الارتقاء، ولها في العلوم والآداب أفضل تراث، وهي لغة الإسلام
التي يتدارسها المسلمون من جميع الشعوب والأقوام، فهي رابطة الإخاء والمودة
المعنوية، بين الملايين المذعنين للديانة والخلافة الإسلامية، فترقية هذه اللغة خدمة
للدولة العلية وترقية لها؛ فكنت أرى الجماهير يتقبلون كلامي بقبول حسن، وما
كنت أرى أحدًا يعارضني بتوهم الفصل بين الترك والعرب.
هذا ما كانت عليه البلاد في العام الماضي، وكانت قد نجمت قرون الخلاف
ولكن لم يشعر بها الجمهور، فلما كثرت وكبرت كما بينا في النبذة الرابعة، تنكر
الناس في سورية ومصر، وخاضت في المسألة الجرائد العربية حتى في أمريكا،
وتبارت فيها قرائح الشعراء وتجاوبت فيها الأصوات، حتى عمت البلاد والجهات،
فاهتزت بذلك النعرة العربية اهتزازًا شديدًا، وصبغها بعضهم بصبغة الدين فكان
تأثيرها عظيمًا، ومن المعاني التي نظمها الشعراء وخطب بها الخطباء ونشرت في
الجرائد المصرية؛ أن الترك جاروا على لغة القرآن وعدوها من النجاسات! !
فانفطرت القلوب، وفاضت العيون، وضج البيت والحرم، وكاد الركن يتحطم،
وشكا القبر المعظم، وغضب الرب عز وجل.
فهل تظن حكوماتنا العليا وأصحاب الجرائد التركية في عاصمتنا أن هذه
الغارة الشعواء هين أمرها، خفيف وزرها، مأمون عواقبها، إذا ألقي حبلها على
غاربها؟ ؟ كلا، إن من عرف حقيقتها، وتفكر في عواقبها، يعلم أن الأمر إدّ،
والخطب جد، وأنه يجب أخذه بربَّانه، وتداركه في إبانه، قبل أن يستقر في نفوس
العامة، وتقتنع به الحاضرة والبادية.
إن لهذا العاجز على ضعفه صوتًا مسموعًا في البلاد العربية، وفي غيرها من
البلاد الإسلامية، وقد دافع بقدر طاقته عن الدستور والقائمين به، حتى أزال كثيرًا
من شبهات المشتبهين، ومكن الثقة في نفوس الجماهير من المتزلزلين، وهو على
ذلك وعلى حرصه على الاتحاد والاعتصام بين جميع العناصر العثمانية، لم يستطع
أن يقف في مجرى التيار الذي حركته تلك الأقوال والأفعال التي أشرنا إليها في
نفوس العرب، كما وقف في مجرى التيار الذي حركه خلع عبد الحميد في بلاد
الهند وفي غيرها من البلاد، بل رأيت أن هذا التيار قد تدفق من الدردنيل، فلابد
من السعي إلى قطعه من هناك، فكان أحد باعثين بعثاني على ترك عملي بمصر
في مثل هذا الوقت، وتيممي عاصمة الملك كما سبق القول، (وأما الباعث الآخر،
فسأبينه في مقال آخر أنشره في بعض الصحف التركية إن شاء الله تعالى) .
أحمد الله أن كانت هذه الحركة محصورة في دائرة الغيرة على اللغة العربية
والمزاحمة في الوظائف والمناصب، وصفوف المدارس والمكاتب، وأنها لم تتعد
إلى مقام الخلافة، ولا إلى أساس الحكم والسلطة، ولم يجر على لسان منتقد، ولا
خطيب، ولا من قلم كاتب، ولا شاعر دعوة إلى الانفصال من الترك، أو
الاستقلال في الحكم، ولهذا كان التدارك سهلاً، وحسن التفاهم ميسورًا.
ما رأيت خطأ بعيدًا عن السياسة المثلى خارجًا عن قواعد علم الاجتماع؛ مثل
خطأ رجال السياسة في الآستانة، الذين يلغطون في الجرائد بذكر (استقلال العرب
والدولة العربية، والخلافة العربية) يتهمون العرب بطلب ذلك، ويعدونه جهلاً
منهم؛ لأنه محال لتوقفه على المحال، وهو اتفاق زعماء جزيرة العرب وشرفائها
من جهة، وعلى مساعدة أوروبا من جهة أخرى، وما كان خطأ الحكومة في
الإصغاء إلى الواشي، والتحقيق في مسألة الشام في هذا العام، إلا كخطأ الجرائد
أو أشد.
ذلك بأن هذه الأقوال والأعمال هي التي تشغل الأفكار بما كانت خالية منه،
ويخشى أن توجه النفوس إلى ما كانت غافلة عنه، وتعدها لما لم تكن مستعدة له،
ألم تر أن علماء التربية يحرمون ذكر الألفاظ التي تدل على الرذائل، وتثير كوامن
الشهوات؛ لئلا يدعو التفكر فيها إلى الإقدام عليها، حتى إن بعض الأوربيين
حذفوا من معاجم اللغة ولا سيما التي يراجع فيها التلاميذ مثل؛ لفظ الخيانة والسرقة
كما أجمعوا على حذف ألفاظ الرَّفث، وعلى هذه القاعدة جرى عبد الحميد في منع
الجرائد من كثير من الألفاظ التي توجه النفوس إلى ما يراه مخالفًا لسياسته، ولا
نجيز للحكومة الدستورية أن تحذو وحذوه، ولكن يجب عليها أن لا تكون هي
المثيرة لتلك الأفكار الضارة، كما يجب مثل ذلك على الجرائد من غير أن يمنعها
منه القانون؛ فهذا هو مدرك قولي في النبذة الأولى من هذا المقال: إنني لم أذكر
مسألة اقتراح شيخ لحج على أمراء العرب في المنار، ولا في غيره من الصحف
(لاعتقادي أنه لا ضرر فيها، وإنما الضرر في نشرها، وخوض العامة بذكرها؛
لما سأبينه بعد) وهذا بيانه:
إن عظمة الدولة العثمانية وعزتها وسائر ما يرجى لها في مستقبلها الدستوري
يتوقف على العنصر العربي؛ ما لا يتوقف على عنصر آخر من العناصر التي
نطلب اتحادها كلها حتى التركي منها، فإن البلاد العربية المحضة أوسع من البلاد
التركية المحضة مساحة، وأغزر ثروة، وأحسن موقعًا، وأشرف بقعة؛ من حيث
هي مهبط الوحي، ومثابة الأمم الإسلامية والنصرانية تهوي إلى زيارتها من كل فج
عميق.
وأهلها أقدر على الزراعة والصناعة والتجارة، فمن تجارهم في الصين
والهند وجاوة وأستراليا وأمريكا من يملكون الملايين. وأما ذكاؤهم واستعدادهم
للعلم فهو أشهر من أن يوصف، وأما القوة الحربية فيمكن للدولة أن تجند منهم
مليونًا أو أكثر من أشجع خلق الله، وأصبرهم على القتال. ناهيك بفرسان العرب
وخيولهم إذا تدربوا على الفنون العسكرية الحديثة، وهل تكون الدولة بمأمن من
مطامع أوربا في العراق إذا أصلحت أرض الجزيرة (بين النهرين) إلا بتجنيد
أولئك الأسود، الذين يهابهم الموت ولا يهابونه. ولا تحتاج الدولة إلى نفقة كبيرة
في تجهيزهم عند الحاجة.
إن قوام الدول وعظمتها في هذا العصر على مقدار ثروتها، وإنما ثروتها
مستمدة من الأمة، وإن أرجى عناصر الأمة العثمانية لثروتها هو العنصر العربي،
وإن ما بين النهرين (دجلة والفرات) من بلاده هو أخصب البقاع تربة، أوفرها
غلة، حتى قال هيرودتس شيخ المؤرخين: إنها كانت تؤتي غلاتها مضاعفة من
مائة ضعف إلى مائتي ضعف، ثم كانت بعده هي ينبوع ثروة الدولة العباسية، ولا
يكون اشتغالها وحفظها للدولة في هذا العصر إلا بالعرب، وإن شاركهم غيرهم في
إصلاحها وثمرتها.
مركز الدولة في أوربا محفوف بالمشاكل والقلاقل، مضطرب بالمطامع
والفتن، ومركزها في الأناضول عرضة للفتن أيضًا، فليس في ولاياتها أهدأ من
الولايات العربية الحضرية؛ كبيروت وفلسطين والشام وحلب , وأما ما كان
يجري في الولايات التي تغلب عليها البداوة كاليمن؛ فسببه سوء الإدارة، وفساد
السياسة التي كانت عليها الدولة إلى آخر يوم من أيام الاستبداد ولما تصلح الحكومة
الدستورية من ذلك الفساد شيئًا، بل لم تتق أسباب سوء التفاهم الذي ننشر أسبابه
في ظل الحرية بسرعة البرق، فعليها أن تتدبر، وتعلم علم اليقين أنه لم يجر إلى
هذا اليوم شيء من السعي، ولا من التدبير لانفصال العرب من الترك، ولم يمل
إلى ذلك أحد من المشتغلين بالسياسة العامة من العرب، وأنه لا يوجد سبب من
الأسباب يوجههم إلى هذا إلا هضم إخوانهم في العاصمة لحقوقهم وأهمها التعالي
عليهم بالجنسية التركية، والتقصير في حفظ لغتهم العربية.
سوء التفاهم محصور الآن في هذين الأمرين: تعالي التركي على العربي
بجنسه، وإيثار نفسه عليه بأعمال الدولة ومكاتبها، والتقصير في نشر اللغة العربية
فأما الأول فإنني أعذر الترك فيه من جهة، وأعذل المتعصبين منهم على غيرهم من
جهة أخرى: أعذرهم من حيث إن المتعلمين منهم قد جروا على اتخاذ أعمال
الحكومة معاشًا وموردًا للرزق، وهم قلما يحسنون عملاً آخر، كما جروا على
حسبان ذلك حقًا خالصًا لهم من دون سائر العثمانيين، الذين إذا نالوا منه شيئًا
فإنما يكون من إيثار الترك لهم على أنفسهم؛ درءًا لمفسدة أو جلبًا لمصلحة، فإن
كان الدستور قد ساوى بينهم وبين سائر العناصر في كل شيء، فلا ننسى أن
تطبيق الدستور على الأمة يجب أن تراعى فيه الحكمة، ومنها أن يكون بالتدريج
ولا سيما فيما يتعلق بتغيير العرف والمعاملات المتبعة والعادات المألوفة، ومن هذا
الباب نلوم الحكومة في بعض المعاملات المخالفة للعرف، التي يمكن تطبيقها على
القانون إذا أسرعت فيها قبل إعداد الأمة لها.
فإذا نحن طالبنا الحكومة أن تجعل أعمال الحكومة مشتركة بين العناصر
العثمانية، على نسبة عدد كل عنصر منها، نكون قد طلبنا الطفرة في التغيير،
وقطعنا على متعلمي الترك أوسع أبواب الرزق التي ألفوا الدخول فيها،
وجعلناهم دون سائر الشعوب العثمانية، بعد أن كانوا فوقها من هذه الجهة التي
هي أشرف الجهات في نظرهم، فهل من الحكمة أن يكون أول حظهم من الدستور
خسران أعظم شيء عندهم؟ كلا، إنني أرى جميع عقلاء العرب يفهمون هذا
ويقدرونه قدره، وإنما ينكره ويتألم منه من هم مثل الترك في قصر همهم على
خدمة الحكومة، واتخاذ ذلك وسيلة للمعيشة، وهذه هي الجهة التي أعذل الحكومة
على عدم مراعاتها، وأطالبها بأن تعدل في هؤلاء المنتظمين في سلكها،
والمرشحين أنفسهم لذلك. وأنْ لا تشعر أحدًا منهم بأن جنسه علة للتحامل عليه؛
رفقًا بهم، وإقناعًا لهم ولغيرهم بأنها تنفذ الدستور بالعدل والمساواة بقدر الاستطاعة؛
وتفاديًا من سوء التفاهم في هذا الدور الخطر دور التحول والانقلاب.
وليعلم الفريقان أن الحكومة الدستورية، لا تكون موردًا واسعًا للرزق، ولا
ينبغي أن تطلب وظائفها لأجل المعيشة؛ لأن المرتبات الكبيرة فيها قليلة جدًّا، وما
عداها لا يكاد يصل إلى درجة الكفاف، ولا سيما مع نفقات الأسفار في هذه المملكة
البعيدة الأرجاء إذا بطلت الرشوة، كما هو المنتظر من الإصلاح في عهد الدستور،
وإنما كانت الحكومة بابًا من أبواب الثروة؛ أيام كان الحاكم مستبدًّا نهابًا مستبيحًا
لجميع ما تصل إليه يده من أموال الأمة، لا يخاف في ذلك دركًا ولا يخشى.
وإنني لأشفق على إخواننا من الترك، وأخشى أن يكونوا في عهد الدستور
وراء الروم والأرمن المزاحمين لهم في عقر دارهم وفي عاصمة الملك، إذا لم
ينزعوا من أذهان نبتتهم فكرة الارتزاق من الحكومة، وقد كان المتعلمون من
المصريين على رأي المتعلمين من الترك في أيام الاستبداد المحض والظلم،
وفي أوائل العهد بالحرية والعدل، ثم لما عمرت البلاد، صرنا نرى بعض
عمال الحكومة الذين يأخذون في كل شهر عدة ألوف من القروش راتبًا معينًا، لا
يتخلف قبضه عن اليوم الأول من الشهر، يستقيلون راغبين عن خدمة الحكومة إلى
الأعمال الحرة التي هي أوفر كسبًا، وأوسع بابًا لتحصيل الثروة، ونرى الذي
يتقاضى من الحكومة في كل شهر ثمانية آلاف وعشرة آلاف قرش يعد فقيرًا؛
إذا لم يكن له مورد آخر من الزراعة مثلاً.
وأما التقصير في نشر اللغة العربية، فلا أرى للحكومة فيه عذرًا معقولاً، فإن
قيل: إن اللغة التركية هي اللغة الرسمية، فما عداها من اللغات تجب فيه المساواة،
فإذا رجحت الحكومة اللغة العربية على غيرها، قام سائر العناصر يطالبونها
بمساواة لغتهم لها، ويعدونها مقصرة معهم غير عادلة فيهم! فالجواب عنه، يعلم
مما أشرنا إلى بعضه قبل من مزايا العربية وخصائصها التي يمكن للحكومة أن
تحتج بها على أي عنصر، يطلب مساواة لغته بها في المكاتب الرسمية ونزيده
إيضاحًا بالتفصيل بخمسة أمور:
(١) إن العربية هي لغة القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة، وهما أصل
الدين الإسلامي الذي هو الدين الرسمي للملكة، الذي يجب على خليفة المسلمين أن
ينشره ويحميه.
(٢) إن السواد الأعظم من أهل المملكة مسلمون، يحتاجون إلى العربية في
فهم دينهم، وطاعة ربهم فيما حث عليه من تدبر القرآن، وليس لهم جمعيات دينية
تنشئ لهم المدارس كالنصارى، فالحكومة الوارثة لهم هي المطالبة بتعليمهم.
(٣) إن الشريعة الإسلامية هي الينبوع الذي تستمد منه الأحكام التي يحكم
بها في الأحوال الشخصية والمدنية، وتطبق عليها القوانين، ومعظم كتبها التي
عليها الاعتماد في ذلك، والتي يرجع إليها عند المشكلات هي باللغة العربية،
فالدولة محتاجة في ذلك إلى تعليم هذه اللغة.
(٤) إن العنصر العثماني العربي هو أكبر العناصر، وأبعدها عن معرفة
اللغة الرسمية للدولة، ولا يتيسر تعميم هذه اللغة فيهم إلا بعد اتساع مالية الدولة
بعشرات من السنين. فإذا لم تعلم الحكومة اللغة العربية لمن تعدهم في مكاتبها
للوظائف، كان نتيجة ذلك أن أكثر عمال الدولة في أوسع ولاياتها، لا يعرفون لغة
الأهالي فيتعذر عليهم إقامة العدل والنظام.
ولا يقال: إنهم يستعينون على ذلك بالمترجمين؛ لأنها لا تجد الذين يحسنون
الترجمة في كل مكان، وإن وجدتهم كانت في حاجة إلى نفقات كثيرة لهم، لا تحتاج
إلى أكثر منها لتعليم العربية ولا مندوحة عن أحد هذين الأمرين إلا بإبقاء الحكومة،
كما كانت في شر أيام الاستبداد جمعيات نهب وسلب لا يهمها إلا ملء الجيوب،
وأما الروم والأرمن وغيرهما من العناصر فاللغة الرسمية منتشرة بينهم، لا تحتاج
الحكومة إلى المترجمين إلا في القليل من بلادهم، وما ذلك بالأمر الشاق ولا
المتوقف على النفقات الكثيرة.
(٥) إن اللغة العربية أصل من أصول اللغة التركية الرسمية، يقرب أن
يكون ثلث مفرداتها أو نصفها مستمدًّا منها، ولا سيما المفردات في علوم الطب
والتشريح والنبات والحيوان، فتعليم العربية في مكاتب الدولة يقوي تعليم اللغة
الرسمية ويمدها، فالتركية أحوج إلى العربية من اللغة الفرنسية إلى اللغة اللاتينية،
وإننا نرى الإفرنج يعلمون اللغة اللاتينية التي لا يوجد عندهم شعب يتكلم بها؛ لأنها
من أصول لغاتهم، فإعراض الترك عن تعليم العربية على كونهم أحوج إليها من
هذه الجهة، وعلى ما لهم فيها من الفوائد الدينية والمدنية، لا يظهر تعليله إلا بتعمد
إضعاف العربية، وهذا شيء لا يرضى به جمهورهم، وإن نزع إليه بعض
المتفرنجين المتعصبين، الذين ليس لهم رأي ولا دين.
***
(٦)
زبدة المقال وخاتمته
(١) إن الجواذب التي تجذب الترك إلى العرب والعرب إلى الترك وتمزج
أحدهما بالآخر، فيكونان عنصرًا واحدًا قويًّا نافعًا؛ كالماء والهواء في كونه علة
للحياة والبقاء هي قوية جدًّا؛ لأنها جامعة بين الأخوة الدينية والمصالح المدنية
والسياسية التي لا قوام للدولة بدونها.
(٢) إن الحوادث السابقة واللاحقة أعدت المشتغلين بالسياسة والبحث في
الأمور العامة، والمتزاحمين في المكاتب والمناصب، إلى شيء من سوء الفهم
والارتياب والظنة، قواها في نفوس بعض الترك شبهات أوهمتهم أن العرب
يريدون الانفصال من الدولة العثمانية والاستقلال بأنفسهم، وقواها في نفوس بعض
العرب أقوال منكرة، قالها وكتبها بعض المشهورين من الترك، وأعمال مستنكرة
من الحكومة لا يصح أن تعد أصلاً راسخًا في الدولة؛ لأنها حدثت في عهد الانقلاب
والفتن التي اضطرت الدولة إلى الأحكام العرفية، مع تبدل الوزارات وعدم انتظام
الأحزاب في مجلس المبعوثين الذي يرجع إليه الأمر كله.
(٣) إنه يمكن أن تنهض حجة قيمة على التباغض بين الترك والعرب، إذا
وقع الشقاق بين المبعوثين في مسألة تعليم اللغة العربية أو مسألة المساواة بين
العنصرين المحتمة في القانون الأساسي، ولكن هذا الشقاق ما وقع ولن يقع إن شاء
الله تعالى.
وقد حضرت مذاكرة بين فاضلين من المبعوثين أحدهما عربي والآخر تركي،
فقال هذا: إنني أحب العرب أكثر من الترك؛ لأن الذي يحبب إلى الترك هو
النزعة الجنسية الدنيوية، وأما الذي يحبب إلى العرب فهو ديني، الذي عليه مدار
سعادتي الأبدية، أو ما هذا مؤداه.
(٤) إن الذين قد بدت البغضاء من أفواههم للعرب في معاهد السياسة
والحكومة ومكاتب التعليم، هم على قلتهم ليسوا من العنصر التركي باليقين، وإنما
أكثرهم أوشاب وأوزاع من عناصر شتى، قد تتركوا وأسلموا من زمن بعيد أو
قريب؛ لأجل مناصب الدولة، فهم لا حظ لهم من الحياة إلا فيها، فلا عجب إذا
أبغضوا كل من يزاحمهم عليها.
(٥) يجب على العقلاء السعي في إزالة سوء التفاهم وسد منافذه، مهما كان
سببه؛ لئلا يتمكن في نفوس العامة فيتعذر نزعه، وتسوء مغبته.
***
ما به يكون التأليف بين العنصرين
يجب أن يتعاون على هذا التأليف الذي تتوقف عليه حياة الدولة كل من عقلاء
الأمة وعقلاء الحكومة، ويجب أن تكون العاصمة هي البادئة بذلك، صحافتها
وحكومتها العليا.
فأما الصحافة فيجب عليها أن تترك الخوض في مسألة الجنسية النسبية
واللغوية إلى الجنسية السياسية المعبر عنها بالعثمانية، فتجعل هذه هِجّيرها بكرة
وعشيا، وتجعل تلك نسيا منسيا، ولا تذكر لفظ الترك والعرب، ولا اسم غيرهما
من العناصر الأُخَر بكلمة تشعر بالترجيح أو التفضيل، أو عصبية العنصر والقبيل،
ولعمري، إن أولئك الرجال الذين تبدلوا كلمة العثمانية (بكلمة تركية) ، فصاروا
يقولون ويكتبون (لغة عثمانية ولايات عثمانية) لهم أعلى في السياسة رأيًا،
وأصح في علم الاجتماع حكمًا، من هؤلاء الذين يقرعون الأسماع كل يوم بكلمة
(تركلر تركلر) [١] ، متوهمين أنه يمكن تحويل العناصر العثمانية إلى التركية،
أو أنهم يمكن أن يتحدوا بشعوب التتار الروسية، وتركستان الصينية، ومن
الذين يريدون إزالة الألفاظ العربية من هذه اللغة الرسمية، قال كمال بك
زعيم النهضة الحديثة: إننا اخترنا أحاسن الكلم من أرقى اللغات الشرقية،
وهي العربية والفارسية والتركية فألفنا منها لغتنا العثمانية، فهذه اللغة هي لغة
العثمانيين المشتركة، ليس للترك حق الاختصاص بها والأثرة، كما أن العربية
هي اللغة الإسلامية المشتركة بين العرب وبين الترك والفرس وأهل الهند والصين
والملاو وغيرهم من المسلمين، فنحن العثمانيين لا نسمح لأحد أن يعبث بلغتنا
العثمانية، ومن شاء أن يتعلم لغة تركستان فليتعلمها، وهي غير لغتنا الرسمية،
والأمة كلها تطالب مبعوثيها بصيانتها وحفظها؛ لسهولة نشرها، وكون أكثر كتبنا
ودفاترنا بها.
ومما يجب التنبيه عليه في هذا المقام؛ اتقاء عزو ذنب بعض الأفراد إلى
الشعب أو العنصر على الإطلاق، فإذا رأينا بعض الترك أو العرب أو الأرمن مثلاً
يعيب عنصرًا آخر، أو يدعو إلى استقلال قومه، فعلى الجرائد أن تنسب الذنب
إليه لا إلى جميع قومه وعلى هذه الطريقة جرينا في مقالنا هذا، فقد برأنا العنصر
التركي الإسلامي من بغض العرب والتحامل عليهم، وحصرنا ذلك في فئة من
الترك المشتركين في الغالب لا الخلّص.
كذلك يجب على الجرائد أن تتخول قراءها بالمقالات الداعية إلى اتحاد
العناصر العثمانية، مع بيان فوائدها للجميع. وإذا اهتدت جرائد الآستانة إلى هذا
الصراط المستقيم، تبعتها الجرائد السورية والمصرية، وكان تأثير ذلك عظيمًا،
وأحكم على العكس بحكم الطرد، وينبغى لأصحاب الجرائد التركية أن يعنوا
بالاطلاع على الجرائد العربية المنتشرة، ويترجموا المهم من مقالاتها في سياسة
الدولة العلية وإدارتها، ويعلقون عليها ما يرون فيه المصلحة للتأليف، وكذلك المهم
من أخبارها، فمن العار على جرائد العاصمة أن لا يذكر فيها شيء عن الولايات
العربية، إلا ما يكون من صُبابة الشركات البرقية، أو الأخبار الرسمية، وكل من
هذا وذاك رموز لا تعرف حقائق الأحوال، ولا تبنى على مثلها الأحكام، ولو قامت
هذه الجرائد بوظيفتها حق القيام، لجعلت لها مراسلين في تلك الولايات، فوق تتبع
الجرائد العربية وترجمة أخبارها.
وأما ما يجب على الحكومة فأهونه وأقربه أن تنصف الواقفين على أبوابها من
العرب طلاب الوظائف - وقليل ما هم - فتساوي بينهم وبين إخوانهم الكثيرين من
الترك، وترقي بعضهم من رتبة القائمقام إلى رتبة المتصرف، ومن هذه إلى رتبة
الولاية، وأنْ تزيد أعضاءهم في مجلس الأعيان. وأهمه وأعظمه ينحصر في أمور:
(أحدها) قطع عروق العصبية الجنسية من مكاتب الحكومة واستئصال
جذورها، فإنني أسمع كل يوم من أخبار هذه المكاتب ما يشعر بأن فيها كيماويين
معنويين، يحللون عناصر الوحدة العثمانية، ويفرقون بعضها من بعض، حتى بلغ
ببعض المعلمين الجهل أو سوء القصد أن قال بعضهم في الدرس: إن العرب كانوا
يجهلون علم الفلك، وإن الترك هم الذين علموهم ذلك، وهم الذين بنوا لهم المراصد!
وقال بعضهم: إنهم كانوا يجهلون فن الإحصاء، حتى علمهم الترك إياه في زمن
المأمون! وقال بعضهم: إنهم كانوا يجهلون الفلسفة، وجل ما كتب بالعربية في
الفلسفة فهو من الترك، فصار بعض الطلاب من العرب يترحمون على فيلسوفهم
المعري، ويتناشدون لاميته المشهورة بل سمعت عن معلمي بعض المكاتب ما هو
شر من ذلك وأضر، وأدهى وأمر، فيجب على نظارة المعارف أن تختار لمكاتبها
من المفتشين المنصفين المهذبين، من يكشف لها الحقيقة في ذلك، وأن تعنى أشد
العناية بتطهير معاهد العلم من هذه المفسدة، التي لا أرى شيئًا أضر على الدولة
منها.
إنه يسهل تقرير كل حقيقة فيها فضيلة لفرد أو أفراد من عنصر من العناصر،
مع تحامي إهانة غيره، لا سيما إذا كانت تلك العناصر قد وحدت بينها جنسية
أخرى أوسع من جنسية النسب واللغة، كما جمع الإسلام العرب والفرس والترك
وغيرهم فجعلهم أمة واحدة. فهل جهل أولئك المعلمون المفرقون المحللون أنهم
يجنون بتلك النزعات على دولتهم المؤلفة من عدة أجناس أكبرها وأعظمها عنصر
العرب والترك، فإذا هما انحلا تنحل والعياذ بالله، ويجنون أيضًا على ملتهم
الإسلامية، أم هم يرمون إلى ذلك؟ وكذلك يجب أن تتيقظ سائر النظارات لمثل
ذلك، فقلما يخلو شيء منها من أفراد متعصبين إلا باب المشيخة الإسلامية.
(ثانيها) العناية بتعليم اللغة العربية في مكاتبها وفي المدارس الدينية في
العاصمة وغيرها، فإن هذا يرضي العرب عامة، ويسر جميع المسلمين، ولا
يضر الترك ولا يضعف جنسيتهم، كما أنه لم يضر الفرس ولم يضعف جنسيتهم
وهم أكثر عناية من الترك بهذه اللغة من حيث إنها لغة الدين، وليسوا بمحتاجين
إليها لأجل الإدارة والسياسة؛ إذ ليس في مملكتهم ولايات عربية.
ألا إن من المحال في هذا العصر تحويل عنصر إلى عنصر أصغر منه أو
أكبر، فالحريص على جنسيته النسبية أو اللغوية في هذه الأمة العثمانية، يجب أن
يكون أمينًا مطمئنًّا عليها، والطامع من الترك في تحويل أضعف عنصر من
العثمانيين إلى العنصر التركي وإدغامه فيها، إنما هو طامع في المحال.
والمتوسل إلى مطمعه بتعظيم قومه وتحقير غيرهم، والتعصب لهم على
سواهم، إنما يطلب الشيء من ضده أو من نقيضه. ولولا أن كلاًّ من أمتنا ودولتنا
لا يقوى على مثل هذه التجارب الاجتماعية، لما كنت شديد الخوف من هذه
النزعة الجنسية فيها، فإن من يكون له ولد عزيز هو محل رجائه في إرث مجده
وماله، لا يسمح باختياره أن تجرب في جسمه الأدوية التي تجهل عاقبتها، بَلْهَ
الأدوية التي يترجح خطرها، وسوف يعلم المجربون أنهم هم الخاسرون، إذا ظلوا
في طريقهم يهرعون وأخشى أن لا يظهر خطأهم إلا حيث يعز تلافيه وتداركه.
(ثالثها) العناية بنشر العلوم والمعارف وأسباب العمران في الولايات
العربية، كغيرها من الولايات من غير أدنى فرق يمكن أن يفسر بالتعصب الجنسي
وأرى أن تكثر الدولة من المدارس الصناعية والزراعية، وتكتفي من المدارس التي
يتخرج فيها عمال الحكومة بقدر الحاجة.
(رابعها) الإخلاص التام في تنفيذ القانون الأساسي. والقيام بهذا يجمع كل
ما يراد من إعطاء كل عنصر حقه، فإن لم تفعل الحكومة هذا، فإنها تهيج عصبية
جميع العناصر عليها، حتى العرب الذين هم أشد ارتباطًا بالترك وإخلاصًا لهم ممن
سواهم، وذلك هو البلاء المبين.
قد استخف الدستور أهل البلاد العربية، فقاموا يطرون الترك، ويحثون
الناس على تعظيم شأنهم، والاتحاد بهم، وتهافتوا على جمعية الاتحاد والترقي في
كل مكان، حتى إن أهل لبنان أخذوا يتحدثون بالسعي إلى إلغاء امتيازهم، بل كتب
أدباؤهم كثيرًا من المقالات في وجوب اتحادهم بسائر العثمانيين ومشاركتهم في
مجلس المبعوثين، على أن بعض الاتحاديين قد شوهوا بعض تلك الاحتفالات بعيد
الدستور؛ إذ نفثوا فيها بشيء من سموم التعصب، كذلك الضابط الذي خطب في
حلب خطبة حقر بها العرب تحقيرًا، وشهر بهم تشهيرًا، ولكن أكثر الناس لم
يفهمها حق الفهم، ولو ألقاها في بيروت أو الشام لكان ما لا خير فيه.
ظهرت أريحية العرب بسورية ومصر وغيرتهم في مقاطعة النمسا في
تجارتها وفي الاحتفالات بالدستور، وقد ألفنا بمصر لجنة لأجل جمع الإعانات
الكبيرة للأسطول العثماني، وضعت لذلك قانونًا ليكون جمع المال عامًّا، ولكن تلك
النبئات التعصبية التي سمعت من دار السلطنة أضعفت الهمم. فإذا طال العهد على
هذا التنافر، فإن خسارته المالية والمعنوية تكون أول بوادر شؤمه، ونعوذ بالله من
أواخره.
ويسرني أن أبشر العرب بأنني رأيت من كبراء العاصمة ارتياحًا إلى حسن
التفاهم، وإزالة أسباب التنافر، ولا سيما من الصدر الأعظم حسين حلمي باشا
والعلماء الأعلام، فأنصح لهم أن يكونوا عونًا لإخوانهم على هذا الزمان كما
نصحت للآخرين {إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الإِصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللَّهِ عَلَيْهِ
تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ} (هود: ٨٨) .