للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: محمد رشيد رضا


خطبة ناظر خارجية ألمانيا
(ألقى ناظر خارجية ألمانيا خطابًا تكلم فيه عن المسائل الخارجية، فآثرنا
منه ما يتعلق بمصالحنا نقلاً عن جريدة الأخبار الغراء لما فيه من العبرة)
(المسائل الشرقية)
إن المسألة الشرقية بوجه عام واقفة في حض السلم والأمن، ولا أريد من ذلك
أن أقول: إن هذه المسألة قد حُلت حلاًّ نهائيًّا؛ لأن المسألة الشرقية كخيلة البحر إذا
اختفى منها جزء ظهر آخر، والحل النهائي لهذه المسألة لا يراه أحد منا، إذ لا بد
أن ندع لأبنائنا وأحفادنا من بعدنا بعض النوى لتكسره أسنانهم (ضجيج عظيم) أما
الآن فإن هذه المسألة ليس فيها الخطر الداهم الذي كان موجودًا منذ سنوات ماضية.
ولربما كانت في كيفيتها وفي جوهرها قد أصبحت أكثر إشكالاً وتعقيدًا مما كانت عليه
منذ عشرين سنة.
(المسألة البلقانية)
إنه منذ ذاك العهد حتى الآن أصبح الخلاف بين الشعوب البلقانية أشد من
الخلاف بين المسيحيين والمسلمين؛ لأن تلك الشعوب يزيد اختلافها كلما زادت
رغبتها في استقلالها وسلطتها ونجاحها، فإذًا يوجد في البلاد البلقانية بعض ظروف
يمكن أن تمسي ذات يوم ثمرة الخلاف والشقاء، على أنها طفيفة لا تهدد السلم العام
أما ألمانيا فإنها لا تنوي نيل نفوذ في الشرق تختص به دون سواها، وهذه الخطة
ليست فقط نتيجة أخلاقنا وطباعنا، بل هي المبدأ العام الذي يستند عليه نفوذنا في
قرن الذهب.
ونحن قد اكتسبنا ميل تركيا إلينا؛ لأن هذه الدولة ترى أن ألمانيا تود مراعاة
الحقوق الدولية معها، وأن يستتبّ في الشرق سلم دائم وأمن أكيد، وبما أنّا بذلك لا
نقف حائلاً في وجه دولة من الدول فنحن أصدقاء الدول كلها. وإني أورد هنا بكل
مسرة أن رومانيا لها اليد الكبيرة في حفظ النظام وتأييد السلم، وإنماء المدنية في
الولايات البلقانية.
(المسألة الكريدية)
أما المسألة الكريدية، فإن انسحابنا منها واستدعاءنا باخراتنا الحربية كان سببه
تغيير وجهها، ولا ننكر أبدًا أن كيفية سياق المسألة تدلنا على أن كثرة الطهاة ولا
تجيد الطعام أحسن من قلتهم (ضجيج) فنحن إذًا نسر بعمل الدول الأربع التي تولت
الحل النهائي (ليعتبر العثمانيون) .
(سفر الإمبراطور)
إن رحلة الإمبراطور إلى فلسطين وعودته منها تدل صريحًا على أن
الإشاعات التي أذيعت عن مقاصده وعن إمكان حصول الخلاف والشقاق لا صحة لها.
والذي يقول لي: كيف تتفق مطالب الأمم المختلفة الأجناس والأديان، أشكره
وأعترف له بالمهارة. والألمان والمسيحيون لا يقرون لأحد بحق منازعتهم بأن
يكون لهم كنيسة في الأراضي المقدسة.
(وهنا ذكر الوزير النواب برغبة الإمبراطور فردريك غليوم الرابع وبرحلة
ولي العهد فردريك عام ١٨٦٩ وقال) :
فرغبة الإمبراطور غليوم الثاني في أن يفتتح هو نفسه كنيسة إنجيلية كانت
ناتجة عن مبرة بوالده وجده، وعن عواطف دينية تخامر لبه، وهذه العواطف ليس
فيها شيء عدائي لدولة من الدول (برافو) .
وإمبراطور ألمانيا الذي هو إمبراطور الألمان جميعهم بدون استثناء دل
بإعطائه الأرض التي كان عليها مسكن العذراء مريم أنه يريد أن يسر جميع رعاياه
المسيحيين على السواء من رحلته، والمساعي التي بذلت لإقلاق بال السلطان من
هذه الرحلة لم تنجح.
وجلالة السلطان يرى جيدًا فلم يقدر أحد على خداعه بأن الإمبراطور غليوم
يريد من رحلته أن يفعل ما فعله الصليبيون بأخذه من تركيا سوريا وفلسطين
(ضحك) .