للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: كاتب من البحرين


البدع والخرافات
والتقاليد والعادات عند الشيعة

رسالة من البحرين
بسم الله الرحمن الرحيم
أستاذنا ووالدنا حضرة فيلسوف الإسلام جعلني الله فداك، ورزقني بِرَّكَ
ولقاك، بينما أطوف في البلاد وأنظر ما حل بالمسلمين من عالم سوء يضلُّهم بالبدع
والخرافات، أومتفرنج يقول انبذوا الدين فليس إلا تُرَّهاتٍ، أسائل عن منار الإسلام
كل غاد ورائح، كأني أمّ الحَوَار على فصيلتها تحن، أوالهيماء على ندى الماء تئن،
فلم أجد له أثرًا في مشرق خليج فارس وجزائره حتى عرجت على مغربه
ونزلت البحرين فوجدت ضالتي فوالذي فلق الحبة إني لأشد فرحًا به من الغواص حين
يجد الدر، تشرفت بقراءة الجزء الأول فاتحة السنة الحادية عشرة حتى وقفت على
كلمة عن العراق وأهله لعالم غيور (ص٤٥) .
ولما كنت جُبْت العراق وعرفت أهله سُنِّيهم وشيعيهم، حاضرهم وباديهم،
أحببت أني أُطْلِعُ والدي على شيء عرفته منهم حتى يعلم الوالد - جعلني الله فداه -
إنما عده الكاتب بلاء نازلاً من مذهب الشيعة ووعاظهم هو كما ذكر الكاتب حفظه
الله بلاء نازل وصاعقة محرقة ليس على مذهب السنة فقط، بل على مذهب الشيعة
نفسه، وأنا أذكر ما يبثه الوعاظ في أهل القرى والأكواخ وما يعلمونهم من تقرير
علمائهم حالا وتأليفاتهم.
حتى يعلم فليسوف الإسلام أن الوعاظ لا يعلمونهم الفرائض وأحكام الحلال
والحرام أو مسألة الخلافة التي هي عند أهل السنة من فروع الدين وعند الشيعة من
أصوله، ثم أذكر اعتقادات الشيعة في القرن الرابع نقلاً من كتبهم المؤلفة في ذلك
العصر لعل أحد قراء المنار من علماء الشيعة يقف على هذا الفصل فيتنبه ويسعى
في إصلاح ملته وإن كان من المظنون أنه لا يوجد في إيران والعراق من علماء
الشيعة من له إلمام بالإصلاح الديني.
***
سبب اجتماع علماء العجم
في النجف وكربلاء
كان محل ومأوى علماء الشيعة أواخر سلطة بني العباس الحلة في العراق
وفيها يتخرج مجتهدوهم ثم ينتشرون في بلاد العجم إما للدعوة أو لالتماس دولة
تأويهم وتنصرهم، لا لرفع التقييد عنهم فقط بل لحصد أهل السنة، يدل على ذلك
حين قدم هلاكو خان إلى قومسين قاصدًا بغداد وفد عليه يوسف الحلي والد ابن
المطهر الشهير عندهم بالعلامة، وكربلاء إذ ذاك قرية صغيرة والنجف لا يبلغ
سكنته عدد الأصابع وإنما هو عبارة عن رباط يسكنه الزوار أو يلجأ إليه الدراويش
والزهاد كما فعل الطوسي، والغالب في بلاد إيران ذلك الوقت مذهب أهل السنة إلا
مدينة قم وكاشان وبعض بلاد طبرستان فإنها كانت تسكنها الشيعة.
ظهرت دولة الصفوية في القرن التاسع وأبادت السنيين من إيران إلا بقايا
منهم بعيدين عن مقر السلطنة مثل كوهستان جيلان المسماة بطالش وفيها من
السنيين حالا زهاء ١٥ألف نسمة، وبرفارس وبنادره مثل لنجة وبندرعباس فيها
من السنيين ٥٠ ألف نسمة وأيالة كردستان الإيرانية أجمع ومقر حكومتها (سنندج)
وأهلها كلهم سنيون وكذلك بلوجستان أهلها كلهم سُنيَّون، وبادية ججان من التركمان
كلهم سنيون، فكان علماء الشيعة من سائر الأقطار ينتقلون إلى مقر السلطنة
أصفهان وفيها يتخرج مجتهدوهم كما فعل بهاء الدين العاملي والكركي وأضرابهم،
وقد تلقاهم الصفوية بالاحتفاء والترحيب فشيدوا لهم المدارس العظيمة والمساجد
الفخمة وآثارهم باقية إلى الآن مع أن أكثرها قد خربه ظل السلطان نجل ناصر
الدين شاه حين كان واليًا على أصفهان، حدثني بعض علمائهم أنه كان يوجد في
أصفهان في ذلك العصر أربعمائة مدرسة.
لعل القارئ إذا رأى قولي مقر السلطنة أصفهان يظن أني جاهل بتاريخ
الصفوية لِما يعلم من أن أوائل دولة الصفوية كان مقر سلطنتهم قزوين فإنهم حين
إقامتهم في قزوين كانوا لا هَمَّ لهم إلا الفتح أو بناء التكايا ليتخرج فيها الدروايش
ويبقونهم في البلاد لمدح علي وأولاده، وسب ...
ضعفت الدولة الصفوية فاستولى عليها العلماء بحيث لم يكن يقدر أحدهم أن
يتصرف في شيء بدون إجازة العلماء فَقلَّ وثوق عامة الإيرانيين بعلمائهم لما عهدوا
من العلماء الأُول من التقشف والزهد ورأوا من هؤلاء الترف والبذخ واستدرار
الدراهم والدنانير بأي وجه كان، فمن ذلك الحين شرع طلابهم بالمهاجرة إلى
كربلاء لا للتحصيل، ثم الرجوع كما يفعل علماؤهم حالا بل لتحصيل الدرس
والمجاورة هناك ومن رؤسائهم الأردبيلي.
قدم الأفغان وفعلوا ما فعلوا، ثم ظهر نادر شاه ونفى العلماء والطلاب
وتصرف في الأوقاف أجمع فهاجروا إلى كربلاء فصار يجمع كبير له شهرة عند
أهل إيران في ذلك الوقت ورئيسهم الآغا البهبهاني الشهير في أوائل سلطة القاجار
ثم انتقل إلى النجف ثم إلى (سر من رأى) (سامرًا) في أوائل هذا القرن ثم عاد
إلى النجف فكان هؤلاء يكتبون لهم الرسائل التقليدية ويبعثون تلاميذهم بها إلى
إيران لرواجها والشيعة يبعثون إلى علمائهم ومقلدتهم الدراهم بقصد الخمس والزكاة
وشيء يسمونه رد المظالم؟ وما هو ردُّ إذا ذهب حاكم مثلاً إلى ولاية ومص دم أهلها
ثم عزل وأراد أن يذهب لزيارة أحد أئمتهم أو إلى مكة أعطى للمجتهد جزءًا من ألف
جزء وطهر له ماله، وقد شاهدت علاء الدولة في كرمان شاه بقومسين أهدى لابن
الحاج ميرازا حسين خليل ما يبلغ ألف ريال مجيدي فأحل له ما يملك وهو يملك
أربعة ملايين من الفرنكات وأمثال ذلك كثير فإذا وصلت هذه الدنانير إلى المجتهد فلا
بد من تفريق بعضها على طلبته والمتخرجين عليه حتى إذا ذهبوا إلى إيران روجوا
رسالته.
قد قلت إن عامة أهل إيران قلَّ وثوقهم بعلماء إيران أجمع فانحصر تقليدهم
في علماء العراق وكانت الرسائل تخرج إليهم منه فكان علماء العجم بعد تحصيلهم
العلوم العقلية يذهبون إليه أفواجًا إما للمجاورة أو لطلب الرزق أو للإقامة مدة ثم
الرجوع إلى إيران بالإجازة [١] وهو يتعهد بترويج رسالة الشيخ وإيصال الحقوق إليه،
والشيخ يتعهد بالكتابة إلى الشاه والحكام في التوصية به، وهؤلاء الذين تخرجوا
في العراق واختاروا الرجوع إلى إيران لا هم لهم إلا معارضة الدولة وأخذ الرشى من
الحكام والولاة أوتكفيرهم وشكواهم على مجتهدي العراق، ولما لم يكن للناس
اعتقادهم فيهم لما يرونه من أفعالهم فهم لا يبالون بجمع الدنيا من أي وجه أتت، وهذا
الشيخ تقي الأصفهاني هو وأخوته وأنجاله تبلغ غلتهم في كل يوم عشرة آلاف فرنك
أو ما يقرب منه، وطغام أهل إيران إذا ذهبوا إلى العراق لزيارة مشهدي علي
والحسين وأولادهم، ورأوا من علماء هذه البلاد الانزواء وعدم التردد إلا لصلاة
الجماعة والزيارة والدرس وإذا خرجوا من بيوتهم متلثمين جاعلا واحدهم عباءته على
رأسه وسبحته في يده وقد شاهدوا من علماء إيران ركوب العربات واتخاذ
الحدائق والجنات وكثرة التزوج حتى إن أحدهم ليبلغ زواجه حد المئة من النساء
ازدادوا محبة لهم ورغبوا في حمل الدراهم إليهم وحسبوا أفعالهم من الزهد والتدين،
ولم يعلموا المساكين أن هؤلاء مثل أولئك إلا أن عادات وأخلاق أهل البلاد تختلف ولو
انتقل علماء العراق إلى إيران لفعلوا كما شاهدنا.
وقد شاهدت علماء العراق يبعثون خدام قبر علي وأولاده إلى خان قين
لاستقبال الزوار من العجم والترك والالقاء إليهم بأن فلانا هو الأعلم الأتقى،
وبالجملة فظن الكاتب حفظه الله لم يخالط الشيعة في العراق ولم يعاشرهم فظن أن
هذا المجمع العلمي يُرسل منه رسلا للدعوة، أو رأى أن أكثر قرى العراق شيعة
فظن أنه من فضل علمائهم وأنهم يرسلون الدعاة حالا ولو قال من سنين خلت لأمكن
تسليمه مع أن التأريخ يأبى ذلك فإنه قبل إرغام الرعية عبد الحميد على المساواة لم
يتمكن الشيعة من بناء المساجد والنداء فيها بولاية علي، يعلم ذلك كل عراقي دع
إرسال دعاة منهم إلى البادية، وأظن أن الفضل في ذلك عائد إلى الصفوية ومن في
زمنهم من العلماء كالاردبيلي، وهجمات دولة الصفوية على العراق وقتلهم علماء
أهل السنة وإلزام العامة بالتشيع أو القتل معروف مشهور، لذلك فإنك لا تجد من أهل
بادية العراق أعني بادية غربي الفرات من فيه رائحة التشيع اللهم إلا قليلا من
العرب لا يبلغ عدد فرسانهم المئتين يدعون بالخراعل وأناسا من الشطين يدعون
بشمر الجرباء، وأريد بقولي بادية أهل العراق أهل الخف والحافر الذين لهم قدرة
على النجعة ولهذا سلموا من ضغط الصفوية وإلزامهم لهم بالتشيع.
تأتي منحدرًا من الشام على ضفاف الفرات قاصدًا العراق فترى عرب عنزة
كالجراد المنتشر إلى أواسط العراق ثم ترى شمَّر على أفخاذهم عبده فسنجاره حتى
تنتهي إلى نصف الفرات الآخر فترى عرب المنتفك وعرب الظفر إلى قرب البصرة،
ثم تنحدر فترى مطير الدوشان فعريب دار، ثم تنحدر من الكويت فتري العجمان
المناصير آلا مرة بني هاجر وعربًا لاحصيهم إلا خالقهم، فهذه القبائل من العرب
الذين عددتهم معاملتهم مع أهل النجف وكربلاء فزبالاء سوق الشيخ والسماوة
الخميسية فبغداد منحدرًا إلى البصرة ثم الزبر والكويت فالحساء والقطيف وقطر
وليس يوجد فيهم شيعي ولا قدرة له على إظهار مذهبه عندهم مع أن أكثر بيعهم
وشرائهم مع الشيعة وأكثر أهل البلاد التي يقتاتون منها شيعة ولاسيما العراق.
وقد قلت الوعاظ ولم أقل الدعاة لأن هؤلاء لا يذهبون للدعوة وليسوا أهلاً لذلك
لأنهم لا يعرفون معنى دينهم فضلا عن أن يدعو إليه ولم يذهبوا إلى بادية السنة أبدًا
اللهم إلا للبيع والشراء كما ذكرت، وعند ذكر الوعاظ لا بأس بالإشارة إلى شيء
من ذكر عزاء الحسين عند الشيعة.
مستند الشيعة على استحباب إقامة عزاء الحسين خبر يروونه عن دعبل
الشاعر أنه وفد على علي بن موسى فصادف وفوده أيام المحرم فقال له اتل علينا
من مراثيك لجدنا وأحضر نساءه وراء الستر.. . ولا يوجد في كتب الشيعة المروية
عن أئمتهم ما يدل على إقامة العزاء المعروف عندهم وفي كتب متأخريهم بل لم
يذكروا عن علمائهم الأقدمين شيئًا من ذلك حتى في زمن آلا بويه زمن حريتهم ولا
يوجد لهم تأليف في ذلك سوى مصادر عربية موضوعة يعلم من تصفحها ذلك،
وأول من ألف في ذلك ملا حسين الكاشفي ألف كتابًا سماه روضة المحبين بالفارسية
والعربية في القرن التاسع فكان ملا العجمي يقرأ منه فصلاً فيبكي الحاضرون ولا
يعرف أنهم يقرؤنه بعد الصلاة أو في سائر السنة مثل الشيعة حالاً اللهم إلا في سابع
المحرم إلى العاشر، والعجم يسمون قراء عزاء الحسين (روضة خان) ومعناه قارئ
الروضة وشيعة العراق يدعونه قارئًا نسبة إلى الكتاب المعروف.
ويظهر أن عزاء الحسين المعروف حالاً عند الشيعة لم يكن يعرف قبل
الصفوية اللهم إلا جلسات خفيفة، فدولة الصفوية رتبت الجلوس في العشر المحرم
كلها كما أحدثت دولة آل بويه قبلهم الديالمة الجلوس في اليوم العاشر، والشيعة
حالاً زادوا في الطنبور نغمة المحرم صفر جمادي الأولى رمضان لا يبعد أن يقال
ثلث السنة أسواقهم مغلقة، وبيوتهم بالشمع محرقة، لا بسين السواد وأظنه حدث في
أواخر أيام دولة الصفوية على زمن عالمهم المجلسي.
ذكرت قبلاً أن أهل الخف والحافر من بادية العراق لا يوجد فيهم رائحة
التشيع، نعم إن الشاوية، والبقارة أهل بيوت القصب والأكواخ الذين لا قدرة لهم
على النجعة كلهم شيعيون إلا القليل، يذهب إلى هؤلاء القارئ أو الواعظ، أو
الروضه خان لطلب الرزق لا للدعوة كما يظن الكاتب ثم يجمعهم وينصب منبرًا أو
يعلو فوقه وذلك في أيام المحرم وصفر ويعلمهم معالم دينهم الحالي وهو ذكر فضل
أهل البيت عليهم السلام، وأن الدنيا خلقت لأجلهم، وأن كربلاء أفضل من مكة
وأن زيارة الحسين أفضل من الحج، وأن القرآن الذي في أيدينا ليس بالقرآن الذي
أنزل على محمد وإنما أمرنا بقراءة هذا تعبدًا وإلا فقرآتنا عند صاحب الزمان إذا
ظهر يخرج به ويحرق هذا، ثم يعلمونهم هذا الرجز المشهور عند الشيعة بـ (ناد
علي) .
نادِ عليًّا مظهر العجائب ... تجده عونًا لك في الرغائب
ويذكرون لهم في فضل هذه الاستغاثة أحاديث عن أهل البيت حاشاهم عن ذلك
وإنها تدفع الهم والغم وتجلب الرزق، ووعاظ العجم يقولون على المنابر: (نادِ
علي بدرنماز [٢] ثم يعلمونهم قذف الصحابة والبراءة منهم وأنهم ارتدوا إلا
أربعة وأنهم ضربوا فاطمة حتى أسقطت حملا يدعى بمحسن وأن موتها من ضرب
الصحابة برأهم الله ممن قالوا، وأن أم كلثوم التي تزوجها الخليفة عمر ليست بنت
علي وإنما هي بنت من الجن، وشيء يتعب القراء ويضحك العجائز، ثم يعرجون
على قتل الحسين وأنهم ذهبوا بنسائه حاسرات، وأن من بكى على الحسين لا
تصيبه النار أبدًا ولو فعل ما فعل، وأن من دفن عند الحسين يحشر معه ولهذا
ترى هؤلاء المساكين ينقلون موتاهم من مسيرة أيام منتنة والعجم ينقلون موتاهم من
مسيرة ٤٠٠ فرسخ ويذكرون لهم في ذلك كله أخبارًا أغلبها منقول من كتاب قيس
ابن سليم الهلالي [٣] .
وأما الصلاة وأحكام الدين فلا أثر لها عند هؤلاء المساكين أصلا، نعم الشرك
بالله والغلو في أهل البيت فإنك لو حلفت لأحدهم بالله ألف مرة لم يرض وإذا حلفت
بالعباس بن علي ارتعدت فرائصه بعد الرضى والتسليم، ولعل القارئ يحملني في
كلامي على المغالاة فإن شاء فليذهب أو ليسأل عما يفعل عند قبر الحسين في يوم
عرفة فإنه لا يسمع إلا: ارزقني احملني أغثني، أو ليطلب كتاب تحفة الزائر أو
زاد المعاد [٤] وهما تأليف عالمهم الشهير بالمجلسي فإنه يرى العجب العجاب.
أما أهل الخف والحافر ففيهم من الأخلاق الحسنة ما يطرب العرب والعربية
مثل الإخلاص لله بالتوحيد وصدق اللهجة والأمانة والعفاف وكرم النفس والأخلاق
الحسنة، أما الصلاة والصوم فلا يُجبِرون عليهما أحدًا كما يفعل في بادية نجد
ولكنهم إذا نزلوا خطوا مسجدًا عند بيت الشيخ، والشيخ لا بد أن يكون عنده كاتب
له من أهل الحاضرة يقرئ أولاده القرآن ويعلمهم الكتابة ويقيم صلاة الجماعة
ويجري عقود الزواج، وأهل البادية يسمونه الخطيب ويسمونه في بادية أهل نجد
مطوِّع أو بالفتح وأظن الفضل في ذلك كله عليهم لأهل جزيرة العرب.
***
اعتقاد الفرقة الإمامية في القرن الرابع
نقلاً من كتب علماء ذلك العصر [٥]
قال الشيخ محمد بن بابويه القمي الشهير عندهم بالصدوق صاحب كتاب (من
لا يحضره الفقيه) في رسالته المطبوعة في طهران (باب الاعتقاد في القرآن: إنه
كلام الله ووحيه وتنزيله وقوله وكتابه وإنه لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه
تنزيل من حكيم عليم، وإنه القصص الحق وما هو بالهزل، وإن الله تبارك وتعالى
محدثه ومنزله وربه وحافظه والمتكلم به.
باب الاعتقاد في مبلغ القرآن: اعتقادنا أن القرآن الذي أنزل على محمد صلى
الله عليه وسلم هو ما بن الدفتين وهو بأيدي الناس ليس بأكثر من ذلك ومبلغ سوره
عند الناس مئة وأربعة عشر سورة، وعندنا الضحى وألم نشرح سورة واحدة، وألم
تر ولإيلاف سورة واحدة، ومن نسب إلينا أنَّا نقول أكثر من ذلك فهو كاذب - إلى
أن قال: باب الاعتقاد في نفي الغلو والتفويض - اعتقادنا في الغلاة والمفوضة
أنهم كفار بالله جل اسمه، وأنهم شر من اليهود والنصارى والمجوس والقدرية
والحرورية ومن جميع أهل البدع والأهواء المضلة وإنه ما صغر الله جل جلاله
تصغيرهم بشيء كما قال تعالى ? {مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ
ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَاداً لِّي مِن دُونِ اللَّهِ وَلَكِن كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنتُمْ تُعَلِّمُونَ
الكِتَابَ وَبِمَا كُنتُمْ تَدْرُسُونَ * وَلاَ يَأْمُرَكُمْ أَن تَتَّخِذُوا المَلائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْبَاباً أَيَأْمُرُكُم
بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنتُم مُّسْلِمُونَ} (آل عمران: ٧٩-٨٠) إلى أن قال:
وكان الرضا يقول في دعائه: اللهم إني أبرأ إليك من الحول والقوة، ولا
حول ولا قوة إلا بك، اللهم إني أبرأ إليك من الذين قالوا فينا ما لم نعلمه في أنفسنا،
اللهم لك الخلق ومنك الأمر وإياك نعبد وإياك نستعين اللهم لا تليق الربوبية إلا بك
ولا تصلح الآلهية إلا لك فالعن النصارى الذين صغروا عظمتك والعن المضاهين
لقولهم من بريتك، اللهم إنا عبيدك وأبناء عبيدك لا نملك لأنفسنا نفعًا ولا موتًا ولا
حياتًا ولا نشورًا، اللهم من زعم أن لنا الخلق وعلينا الرزق فنحن إليك منه برآء،
رب لا تذر على الأرض منهم ديَّارًا، إنك إن تذرهم يضلوا عبادك ولا يلدوا إلا
فاجرًا كفارًا.
يقول الكاتب: فيا ليت علي بن موسى الرضا صاحب هذا الكلام يخرج ويرى
ما يفعل عند قبره في طوس من الوثنية التي بعث جده صلى الله عليه وسلم لإزالتها
والعجب من علمائهم كيف أنه لا يوجد كتاب من فقههم إلا وفيه: لا يجوز البناء
على القبور والسرج عليها وتجديدها وبناء مساجد عليها، ثم لا ترى منهم منكرًا
لذلك بل يعدونه من أفضل القربات استدلالاً بما قال الشيخ محمد حسن النجفي
صاحب كتاب الجواهر المتوفى في أواسط القرن الثالث عشر على عدم جواز البناء
على القبور عند ذكر صاحب المتن أنه لا يجوز.
وقال أمير المؤمنين لبعض أصحابه ألا أبعثك على ما بعثني رسول الله صلى
الله عليه وسلم في هدم القبور وكسر الصور، وقال أيضًا: كل ما جعل على القبر
من غير تراب القبر فهو ثقل على الميت، وقال الكاظم لا يصلح البناء على القبر.
انتهى بعض ما استدل به صاحب الكتاب.
وفي كتاب محمد بن يعقوب الكليني عن سماعه قال سألت الصادق عن زيارة
القبور وبناء المساجد عليها فقال: (أما زيارة القبور فلا بأس ولا يبنى عليها مساجد)
قال النبي صلى الله عليه وسلم (لا تتخذوا قبري قبلة ولا مسجدًا فإن الله لعن
اليهود حيث اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد) , واستدل صاحب الجواهر على أنه لا
يجوز حمل الجنائز بقوله وفي دعائم الإسلام عن علي أنه رُفِعَ إليه أن رجلا
مات بالرستاق فحُمل إلى الكوفة فأنهكهم عقوتة وقال ادفنوا الأجسام في
مصارعها، وفي السرائر أنه بدعة في شريعة الإسلام، والعجب من فقهائهم
المتأخرين فإنهم حين يذكرون في كتبهم عدم جواز البناء على القبور وإيقاد السرج
عليها يقولون: (وينبغي أن يستثنى من ذلك الأئمة لأن قبورهم من البيوت التي
أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه، هذا هو دليلهم على عبادة القبور وجعلها أوثانًا
تعبد من دون الله.
وأخبار أهل البيت مروية في كتبهم يضربون بها عرض الحائط.
(المنار)
يعلم القراء أن من مقاصدنا التأليف بين المسلمين المفترقين في المذاهب
والآراء بعضهم مع بعض وكذا بينهم وبين غيرهم من أهل الملل الذين يعيشون
معهم، وقد بينا هذا المقصد في فاتحة العدد الأول من السنة الأولى واستقمنا على
ذلك إلى هذا اليوم وسنستقيم عليه فيما بقي من عمرنا إن شاء الله تعالى، ومن رأينا
في هذا التأليف أن يتفق المتعاونون عليه والساعون إليه على أن ينتقد كل منهم أهل
الدين أوالمذهب الذي ينتسب إليه فما ينافي هذا التأليف دون المخالفين له إلا أن
يضطر إلى انتقاد المخالف اضطرارًا فحينئذ ينتقد مع التلطف، واتقاء ما يثير رواكد
التعصب وقد صرحنا بهذا الرأي عند الكلام فيما شجر بين أهل بيروت من الخصام
والصدام منذ بعض سنين.
ومن سيرتنا العملية في ذلك أننا أكثرنا من انتقاد البدع والخرافات التي فشت
بين المنتسبين إلى السُّنة والمذاهب التي تعزى إليها ولاسيما بدع الموالد والقبور
لأننا من أهل السنة وإن كنا لا نتعصب لمذهب من مذاهب أهلها، بل ندعو إلى
الاجتماع على ما اتفقوا مع سائر المسلمين الذين يعتد بإسلامهم عليه، وتُحَكِّم فيما
اختلفوا فيه كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم، عملاً بقوله عز
وجل {فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ
الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً} (النساء: ٥٩) ولم أنتقد بدع الشيعة التي يأتونها
في يوم عاشوراء أو غيره من الأيام بل كنت أجيب دعوة جمعيتهم بمصر كل سنة
إلى المأتم الذي يقيمونه في تكيتهم بالحمزاوي لأجل التأليف، وأعد هذا من إزالة
الضرر الأشد وهو التفرق والنزاع بالضررالأخف وهو حضور مجتمع ترى فيه
البدع كالذين يأتون مضرجين بالدماء مما يضربون رؤوسهم بالسيوف ...
ولما نشرت منذ سنتين رسالة ذلك العالم الغيور عن العراق لما فيها من التنديد
بسوء إدارة الحكومة الحميدية التي كنا نحاربها قفيت على الرسالة بما يزيل ما فيها
من سوء التأثير الذي يخشى أن يزيد في الخلاف فقلت إن نشر دعاة الشيعة مذهبهم
بين أعراب العراق ينفع من الجهة الدينية إذا كانوا يعلمونهم الفرائض وأحكام
الحلال والحرام وحصرت ضرره الذي خشيه الكاتب في الجهة السياسية لما ذكرت
آنفًا من بيان مفاسد الحكومة الحميدية، ولوكتب إلينا أي كاتب من الشيعة انتقادًا
على تلك الرسالة لنَشرناه في المنار كما هي عادتنا في نشر الانتقاد علينا بله الانتقاد
على ما ننشره لغيرنا، ولكن بعض غلاة متعصبي الشيعة في الديار الشامية ألف
رسالةً في الرد على المنار لنشره تلك الرسالة وجعل معظم كلامه فيها البحث في
مسألة المتعة التي لم يسبق لنا قول في المنار بحرمتها، بل سبق لنا قول يشبه أن
يكون ترجيحًا لقول الشيعة فيها أودعناه (محاورات المصلح والمقلد) وأنكر عليها
الناس وهو الذي أشرنا إليه في تفسير قول تعالى: {فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ} (النساء: ٢٤) الآية ومع هذا قام الشيخ المتعصب يشنع علينا بأننا أنكرنا
حِلَّ المتعة وخالفنا بذلك الكتاب والسنة والإجماع، وطفق يحرِّف الآية ويفسرها
بالهوى والرأي، ويتحكم في الأحاديث لإثبات ذلك بالسفسطة كما هي عادة المقلدين
المتعصبين، وقد كذَب صاحب الرسالة العراقية فيما كتبه في مسألة نشر مذهب
الشيعة بين الأعراب المنتسبين إلى السنة، وما يؤيد ذلك مما كنا نشرناه في المجلد
الثاني نقلاً عن بعض المختبرين ونصرح باسمه الآن فنقول: هو سليمان أفندي
البستاني مبعوث بيروت الذي أقام في العراق عدة سنين وهو لا يتعصب لأهل
السنة على الشيعة ولا للشيعة على أهل السنة لأنه نصراني لا يفرق بين
أحد منهم.
أطْلعنا بعض الأصدقاء على رسالة الشيعي المتعصب فقرأنا منها جملاً متفرقة
أحزنتنا لأن وجود مثل مؤلفها بين المسلمين من أصعب العقبات في طريقنا الذي
نسير فيه للتأليف بينهم، وتذكرنا رسالة وردت علينا من البحرين في الشيعة ونشر
مذهبهم أرسلها سائح آخر مختبر عندما قرأ رسالة ذلك العالم الغيور المختصرة فلم
ننشرها بل لم نقرأها لأننا خشينا أن تكون مخالفة لمشربنا ثم رأينا الآن أن تُنْشر
ليتبن الأمر على حقيقته في هذه المسألة مع الوعد بنشر ما يمكن أن يرد من الرد
عليها من الأدباء المنصفين، ومهما يكن من الأمر فإننا نطلب الاتحاد ونسعى إليه
والله الموفق.