للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: حسين وصفي رضا


تقريظ المطبوعات الجديدة
(فلسفة النشوء والارتقاء)
وهو الجزء الأول من مجموعة الدكتور شبلي شميل الشهير، صفحاته ٣٦٧
بقطع المنار وحروفه، طبع بمطبعة المقتطف بمصر سنة ١٩١٠ ويطلب من مؤلفه
بمصر.
أهدى إلينا صديقنا الدكتور شبلي شميل هذا الكتاب الذي أعاد طبعه مرة ثانية
في هذه الأيام لنفاد الطبعة الأولى ولرغبة الكثيرين من أصدقائه في ذلك وقد أثبت
على صفحته الأولى هذه الفقرة: (طالع هذه الكتاب بكل تمعن ولا تطالعه إلا بعد أن
تطلق نفسك من أسر الأغراض لئلا تغم عليك وأنت واقف تطل على العالم من شرفة
عقلك تتلمس الحقيقة من وراء أستارها) ونحن لم نتمكن من التوفر على مطالعته
لنبدي رأينا فيه بحرية وإخلاص، ولكن هذا لا يمنعنا أن نقول: إن فلسفة
النشوء والارتقاء لا تنافي الإسلام بجملتها كما أنها لا تلتئم معه ومع العقل في
تفصيلاتها، ولم يكن لصديقنا الدكتور ولا لواضعيها؛ إذ وضعوها مطمع في أن تكون
قضية مسلمة بكلياتها وجزئياتها.
ولو أن الدكتور شميل اقتصر في كتابه هذا على شرح فلسفة دارون وهكسلي
وآرائهما في أصل الأنواع وأدلتهما على تحولها وارتقائها وتأييد مذهبهما بآرائه
الخاصة دون التعرض للشرائع الإلهية والأديان المتبعة؛ لتقبله أهل الاستعداد له
بقبول حسن، أما محاولة الدكتور لإرادة القراء على الأمرين فطمع في غير مطمع،
وهذه الحكومة الفرنسية على تشددها في محاربة زعماء الدين بقوتي الدليل
والإكراه لم تتمكن من نزع الدين من النفوس على كونه دينًا تسليميًّا بحتًا لا يسوغ
للعقل أن ينكر منه شيئًا، وإن كان غير معقول فما بالك بدين الإسلام الذي ينبذ كل
منكور عقلاً، بل هو الدين الذي فك العقول من عُقلها، وأشرع سبيل استقلال الفكر،
وأرشد إلى النظر في أسرار الكون والحكم على الأشياء بالعقل دون الهوى؛ لا جرم
أن دينًا هذا مكانه من أفئدة أهله لا يقوى على زلزاله منها شبهات مرجعها آراء
ومرويات لرجال الدين ربما يكون الدين بريئًا منها.
لو أتيح للدكتور شميل أن ينظر في الإسلام نظرة تنفذ إلى صميمه على الشرط
الذي وضعه لقراء كتابه؛ لآب اليوم وهو مسلم قلبًا ولسانًا، وهاهو اليوم على كونه لم
يعن بفهم فلسفة الإسلام بعض عنايته بحل طلسمات مذهب دارون نراه وهو
المنصف المستقل الفكر يقول: إن القرآن هو أحكم الشرائع التي يتبعها البشر، وإن
محمدًا أعظم رجل في التأريخ. حتى إنني قلت له مرة: إذًا أنت مسلم. فقال: بل
محمدي. بل هذه كلمته في خاتمته الحفيلة التي هي صورة مصغرة للكتاب قال:
(ص٣٥٢) .
(خذ مثالاً شريعة القرآن فإنها بين الشرائع الدينية الشريعة الوحيدة الاجتماعية
المستوفاة [١] التي ترمي إلى أغراض دنيوية حقيقية بمعنى أنها لم تقتصر على
الأصول الكلية الشائعة بين جميع الشرائع، بل اهتمت اهتمامًا خاصًّا بالأحكام الجزئية
فوضعت أحكام المعاملات حتى فروض العبادات أيضًا، وهي من هذه الجهة شريعة
عملية مادية حتى إن الجنة نفسها لم تخرج فيها من هذا الحكم من أشجار وأثمار وأنهار
إلى آخر ما هنالك، وطالما جرى أتباعها عليها صلحت أمور دنياهم على سواهم ...
إلخ) ثم ذكر بعد ذلك مزج علماء المسلمين لنظريات الفلسفة اليونانية في كلامهم
حتى صرفوا بذلك الدين عن حقيقته وحولوه عن غايته (إلى المرامي المجردة
والمنازع النظرية وسائر علوم الجدل الأدبية المقامة عليه حتى إلى ما لا علاقة له
بالدين مطلقًا [٢] ) .
إلى غير ذلك من الأقوال التي تدل على أن الدكتور الفاضل إنما هو منكر
للغواشي التي علقت بالدين ساخطًا على تقاليده وخلط كثير من أهله بين جوهره
ونظرياتهم. ونحن نقر الدكتور على هذا الرأي بل نحن إنما نكتب ونخطب سعيًا
وراء هدم تلك التقاليد التي تتبرأ منها ومن المصرين عليها.
والكتاب مطبوع طبعًا متقنًا على ورق جيد ويطلب من مؤلفه بميدان توفيق
بمصر.
***
(إرشاد الأريب، إلى معرفة الأديب)
وهو القسم الأول من الجزء الثالث من الكتاب، تأليف ياقوت الرومي الشهير
المتوفى في القرن السابع وعني بنسخه وتصحيحه الدكتور مرجليوث الأستاذ بجامعة
أكسفورد، صفحاته ٢١٥ بقطع المنار، طبع بمطبعة هندية بمصر سنة ١٩١٠.
أهدى إلينا الدكتور مرجيلوث الجزء الذي أصدره في هذا الشهر من هذا
المعجم الجامع النافع وهو يتضمن تراجم اثنين وأربعين واحدًا من أعلام الأدب أولهم
حبشي بن محمد بن شعيب الشيباني، من أهل واسط المتوفى في منتصف القرن
السادس وآخرهم الحسن بن ميمون النصري، ولبعضهم تراجم مطولة تحتوي على
عشرات الصفحات كترجمة السيرافي النحوي المعروف، فهي زيادة على أربعين
صفحة، ولآخرين منهم تراجم مختصرة جدًّا لا تبلغ إلا أسطر قليلة كترجمة الحسن
بن علي المدائني النحوي، والتراجم مرتبة على حروف المعجم ومن يلاحظ أن هذا
الجزء أو القسم لم يتم به حرف الحاء يعلم أن هذا الكتاب من أحفل موسوعات الأدب
في تراجم مشهوري أدباء العرب.
وأحفل مترجمي هذا الجزء سيرةً هم من أعلام النحاة وربما يتعجب أدباء هذا
العصر؛ إذ يسمعون هذا؛ لأنهم يرون نحاتهم صارفين أيام حياتهم في تتبع المناقشات
العقيمة، وتفهم الاختلافات السقيمة، وإن واحدهم ليحار حيرة الضب؛ إذ عرض له
أن يكتب كتابًا إلى أحد خلطائه أو رهطه ولو اطلع مطلع على ما يكتبون لسخر منهم
واستهزأ بهم ولأخذته الحيرة؛ إذ يرى كثرة اللحن والتراكيب السخيفة والخروج فيما
يكتبون عن الحدود والرسوم التي أفنوا أعمارهم في تفهمها وتفهيمها ولكن لا عجب في
ذلك فإن أئمة النحاة في الماضي كانوا يعدون النحو أداة أو مرقاة تتوقل فهومهم بها إلى
الوقوف على (أسرار البلاغة) و (دلائل الإعجاز) حتى تصير البلاغة ذوقًا لهم
فيتمكنون من فهم كلام الله فما دونه في البلاغة ويتمرنون على احتذاء الكلام البليغ في
المكتوبات والخطب، ولكن نحاة هذا العصر حسبوا أن النحو غاية لا وسيلة على
تمحلهم في الكلام على الغايات والوسائل فصرفوا الأشياء عن أوضاعها وحرفوا الكلم
عن مواضعه فأصبحوا لا قيمة لهم ولا احترام وقد كانوا أجلاء مكرمين وصناعتهم من
أشرف الصناعات.
وقد أعجبتني طريقة المؤلف في التراجم فهو يذكر اسم الرجل ونسبه وموطنه
وتحصيله، وما تفرد به، وما نقم الناس منه، وما وقع له مع أدباء عصره، ويثبت
له ما يؤثر من شعره، كل ذلك بأسلوب سهل حسن الإنشاء. ولعلنا ننشر في
المنار المناظرة التي جرت بين متّى بن يونس القنائي الفليسوف وبين أبي سعيد
السيرافي النحوي في تفضيل النحو على المنطق. وهي مثبتة في هذا الجزء عسى أن
يكون في نشرها عظة بالغة لنحاة عصرنا.
وياقوت الرومي هذا أعرف من أن يعرف وهو مؤلف هذا المعجم، ومعجم
الشعراء وغير ذلك من الموسوعات التي تعجز عن تأليفها الجماعات، وهو من
الشعراء المجيدين، ومن أحسن ما يروى له قوله:
تنكر لي مذ شبت دهري فأصبحت ... معارفه عندي من النكرات
إذا ذكرتها النفس حنت صبابة ... وجادت شؤون العين بالعبرات
إلى أن أتى دهر يُحَسِّنُ ما مضى ... ويوسعني من ذكره حسرات
فكيف ولما يبق من كأس مشربي ... سوى جُرَعٍ في قعرها كدرات
وكل إناء صفوه في ابتدائه ... ويرسب في عقباه كل قذاة
والكتاب مطبوع طبعًا نظيفًا على أجود ورق، ومجلد تجليدًا متقنًا وكنا نتمنى
أن يضع الناشر أرقامًا للمترجمين تدل على عددهم في كل جزء فإن ذلك من
المحسنات، وأن يعنى بوضع فهارس لجميع الأعلام والبلدان التي في الكتاب، ولعله
يفعل بعد طبع جميع ما لديه من الأجزاء، وإننا نشكر له عنايته بنشر هذا السفر
العظيم فلقد خدم بذلك لغتنا الشريفة أجل خدمة.
***
(النظرات)
كان الشيخ مصطفى لطفي المنفلوطي كتب قطعًا ومقالات في جريدة المؤيد
عُني بانتقاء ألفاظها وجملها ومعانيها مما يحفظ ويقرأ فاستحسنها فريق من الناس
الذين يحبون التنميق والتزويق وتبهرهم زخرفة اللفظ، وغر الكاتب تلك النعوت التي
كانت تنعته بها جريدة المؤيد فسارع إلى جمع تلك القطع وطبعها في كتاب مصدر
برسمه وبترجمة له ملأت قسمًا كبيرًا من الكتاب!!
قرأنا لهذا الكاتب الجديد والشاعر القديم بعض قصائده وبضع مقالات فلم
نعرف له منحًى خاصًّا يتوخى القصد إليه فيما يكتب وينظم، وظهر لنا أن هذا الشاعر
أو الكاتب أو الجامع للصنعتين ليس من سراق الشعر فقط بل هو من سراق النثر
أيضًا، ومن قرأ مقالته (مدينة السعادة: ص٣٨) التي يدل بها ويفخر وكان قارئًا
قصة (الكوخ الهندي) لفرح أفندي أنطون؛ علم أن بضاعة الكاتب مزجاة، وآراءه
قد اغتصبها من سواه، وأنه ليس له في مثل هذه المقالة إلا التغيير والتبديل في نسق
الكتابة وأسلوب الكاتب، وكذلك مقالته (غرفة الأحزان: ص ١٤٣) فإنها ملخصة
من قصة (حواء الجديدة) لنقولا أفندي الحداد، ومقالته (أين الفضيلة: ص ١٥)
مأخوذة من قصة الكوخ الهندي لفرح أفندي أنطون أيضًا ومقالته (الكأس الأولى: ص
٥) أخذ موضوعها من قصيدة للشيخ نجيب الحداد عنوانها: (في الجرعة الأولى
البلاء: ص ٥٧ج١) من القسم الشعري من كتاب (مجالي الغرر) وغير ذلك من
القطع الكثيرة التي سرق بعضها معنى، وبعضها معنًى ولفظًا كما سيأتي بيانه. مثال
ذلك سرقته لكلمة زوج صخر أخي الخنساء: (إني أصبحت لا حيًّا فأرجى ولا ميتًا
فأنسى) ص ٢٨، وسرقته لبيت البكري المعروف:
أشعرة في الرأس أم ... أول خيط الكفن
أخذه فقال عن الشعرة البيضاء في رأسه: (أو خيط من خيوط الكفن ص
١١٥) . ولقد كنت نصحت للمنفلوطي يوم كان شاعرًا أن يتجنب السرقة في شعره،
وذلك في مقالة في (ص ٨٥٩م٣١) من المقتطف بعنوان (نقد الشعر) بعد أن نشر
فيه المنفلوطي قصيدة عنوانها (من القصر إلى القبر) (ص٢٥) من مقدمة النظرات
أغار بها على أربعة أبيات من قصيدة المعري التي مطلعها (أحسن بالواجد من
وجده) وحشرها بين بيوت قصيدته، ولكنه لم يستطع أن يعمل بنصحي؛ لأنه لو
عمل به لكان اليوم فقرًا من النعوت التي جاد بها عليه المؤيد فهو شاعر وكاتب ولكن
بأفكار غيره وأساليب سواه.
وأريد أن أنبه هنا إلى أمر ربما خفي على أولئك المخدوعين بلفظ المنفلوطي:
وهو أن كتابة المنفلوطي خالية من كل فكر للكاتب. خذ مثلاً مقالة (الغد) ص١ وهي
من أشهر مقالاته فإنك تجده جال فيها في دائرة ضيقة لم يخرج بها عن قول زهير:
وأعلم ما في اليوم والأمس قبله ... ولكنني عن علم ما في غد عمي
وأية فائدة يجني القارئ من حكاية أقوال في الغد خلاصتها أنه أمر غيبي لا
يعلم ما سيكون به إلا الله تعالى، على أنه قد سرق أكثر معانيها من مقالة
لفيكتور هوجو في نابليون الثاني راجع ص١٠، من كتاب بلاغة الغرب، ومقالة
(المستقبل لله) ص ٩٨ من منتخبات الشيخ نجيب الحداد، وإن مقالة (العلماء
والجهلاء) ص ٣٢٣ التي يفضل فيها خلط السوقة الذي يسميه علمًا على تحقيق
العلماء الفلاسفة دليل على أنه لا يعرف من العلم إلا تمحلات الأزهر اللفظية التي
عرفها فألفها ومن ذا الذي يستسهل الزعم بأن اختراع التلغراف واكتشاف الكهرباء
والراديوم وغير ذلك مما لا محل لذكره هو دون ما يقع من الكلمات الصحيحة في
هذيان الدهماء ولغطهم.
وكذلك مقالته (يوم الحساب: ص ١٠٦) فإنها لا تخرج عن فحوى قصة من
كتاب قصص الأنبياء وغيره من الإسرائيليات المدسوسة على الإسلام وأئمته من
حكاية العجائب عن يوم الحساب ونجاة كثير ممن ران على قلوبهم لحسنة فذة مع أن
الله يتوعد هؤلاء بأشد العقوبات، ويقول في شأنهم: {كَلاَّ إِنَّهُمْ عَن رَّبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ
لَّمَحْجُوبُونَ * ثُمَّ إِنَّهُمْ لَصَالُوا الجَحِيمِ} (المطففين: ١٥-١٦) ولكن المنفلوطي
يصادم هذا النص الصريح بزعمه وهل يكون ذو الرين ممرطلاً في حياض المآثم
أكثر ممن وصفه المنفلوطي بقوله: (لا يتقي مأثمًا ولا يهاب منكرًا ولا يخرج من
حان إلا إلى حان ولا يودع مجمعًا من مجامع الفسق إلا على موعد اللقاء) ص ١٠٧
ويقول عن موصوفه هذا: إن الله غفر له؛ لأنه كان يجود على رب أسرة معدمة.
كأن أعمال الله تعالى فوضى لا نظام لها جلت حكمته وتعالى عن وهم الواهمين علوًّا
كبيرًا.
ومما دلنا على أن آداب المنفلوطي ليست على حال من الكمال يغبط عليها
وأن علمه بأحوال زمانه ناقص - قوله: إنه بصر بالشيخ محمد عبده وقاسم بك أمين
يتناجيان ويقول أولهما لآخرهما: إنك أفسدت المرأة بكتابك، ويقول الآخر: إنك
أردت أن تحيي الإسلام فقتلته. وليس هذا القول مما يلتئم مع الأدب أو يتفق مع الواقع
وإنما يدل على أن المنفلوطي لم يفهم مرامي (قاسم) ومناحي (الإمام) ، وما كان
لتأثير دروس هذا في إصلاح أهل الإسلام.
وكم من عائب قولاً صحيحًا ... وآفته من الفهم السقيم
ومن القطع السخيفة الخالية من الفائدة والمعنى قطعة (الشعر البارد: ص
١١) وهي لا معنى فيها سوى أنه يقول: إنه يقرأ شعرًا في الجرائد لا يستحسنه على
شغفه الزائد بالشعر وأنه يسمي الشعر الذي لا يستحسنه (الشعر البارد) . فهل يصح
أن ينشر مثل هذا القول في الجرائد ثم يطبع في كتاب على حدته ويسمى
(المختارات) وإذا كان هذا شأن مختارات المنفلوطي من تافه الموضوع وسخيف
المعنى فماذا عسى أن يكون شأن غير مختاراته؟
وأريد أن أنبه الظانين أن المنفلوطي لا يقع الغلط في كلامه بأنه يخطئ كثيرًا
في الاستعمال، وإني ذاكر كلمات وقعت عليها عيناي عرضًا وأنا أقلب صفحات
الكتاب فمن ذلك كلمة (الميِّت: ص٧) أراد بها المَيت وهذا غير ذاك، واستعماله
كلمة (بسيطة: ص ١٢و٣٠٣) بمعنى ساذجة، و (البسطاء: ص ٨٩ و٩٠
و٤٠١) يريد الأغرار، و (البساطة: ص ٣٩٩) بمعنى الغرارة وهو استعمال
غير صحيح، وإيراده كلمة (فخيم: ص ٢٥، وص٢٥ مقدمة) والصواب فخم من
دون ياء، وتذكيره للكأس (ص٢٧ مقدمة) و (ص ٣٠٧) ، والكأس لا يجوز
تذكيرها ألبتة، وإيراده مصدر جثا يائيًّا (ص ٣١٥) وإنما هو واوي، واستعماله
كلمة الرِياسة أو الرِآسة مكسورة الراء تليها همزة (ص١٣و١٥) وهذا خطأ محض،
وجمعه لبائس على بؤساء (ص٨٧، ٣٩٧) ، والصواب أن يجمع جمع المذكر
السالم فيقال: بائسون وبائسين، وقوله: (غفوت إغفاءة: ص ١٦٤)
والصواب أغفوت إغفاءة وقوله: (جهل مشين: ١٠٣) والصواب شائن؛ لأن
الفعل ثلاثي لا رباعي، وتذكيره للسن (ص١٥٥) وإنما هي مؤنثة قال ابن سيده في
(ج١٦ ص ١٩٠) من المخصص ما نصه: (والسن مؤنثة والأسنان كلها مؤنثة
وكذلك السن من الكبر) وتأنيثه للرأس ص٨٤ والرأس مجمع على تذكيره (راجع تاج
العروس: ج٤م١٥٦) وإدخاله (الـ على كل) (ص ١٥٦) وقد قال في اللسان:
(إنه لم يجئ عن العرب) ولا ينفي هذا إجازة بعض المتوسعين لذلك.
ومن فقراته الركيكة التي ليست من الأسلوب العربي الفصيح قوله: (لتحققت
أنه أبله إلى النهاية من البلاهة: ص ٨) وهويريد أن يقول: إنه جم البلاهة.
وقوله: (وكما أن في الأغنياء الجيوب فقراء الرؤوس ص ٢٩٧) وهواستعمال ركيك
غير عربي وقد سرق بذلك كلمة الأستاذ الإمام الفصيحة الماثورة: (لأني في شغل
شاغل من هؤلاء المرزوئين في عقولهم أولا وفي بيوتهم ثانيًا) ص ٥٥٩ج٢ من
تاريخ الأستاذ الإمام، وقوله: (كان كل ما في المسألة: ص٧٨) وهذا من استعمال
العامة وما هو من الأسلوب العربي في شيء، وقوله: (فما خلَّصت من بينهم: ص
٨٤) وهو من استعمال العامة وما هو من الأسلوب العربي في شيء، وقوله:
(فما خلصت من بينهم: ص ٨٤) وهو من استعمال العامة أيضًا وكلمة (خلّصت)
لا معنى لها هنا؛ لأن معناها نجيت وإنما يريد أن يقول: نجوت لأنه هو الذي نجا
ولم يكن منجيًا لسواه.
هذا ما رأينا أن ننبه إليه من خطأ المنفلوطي وهو ما عثرنا عليه ونحن ننظر
في الكتاب نظرة إجمالية مما يدل على أن الكتاب مملوء بالأساليب الركيكة والخطأ
في الاستعمال؛ دع أن أكثر موضوعاته سخيفة تافهة عقيمة من الأفكار إلا ما كان منها
مسروقًا. وقد تذكرت الآن كلمة لعزيز مصر عباس الثاني يحسن إيرادها هنا فإنها
كلمة حكيمة؛ ذلك أنه كان في موسم من المواسم الرسمية خلا إلى الأستاذ الإمام في
حجرة خاصة يفاوضه في شؤون هامة فجاءه واحد من رجال حاشيته وقال: إن
الشيخ فلانًا ينتظر سموكم ليتلو أبيات التهنئة فقال له الأمير: (إننا في حاجة إلى
الأفكار لا إلى الأشعار) هذه هي الكلمة الحكيمة التي يجب أن يكون المنفلوطي
وأشياعه كثيري الإصغاء إليها؛ ليعلموا أن الأمة في حاجة إلى الأفكار لا إلى زخرفة
الألفاظ.
أما الحكم على أخلاق هذا الكاتب فلا يستطيعه مثلي، وقد ذكرت آنفًا أنه نشر
لنفسه ترجمة طويلة عليها توقيع (أحمد حافظ عوض) وفيها شؤون خاصة لا
يعرفها إلا المترجم نفسه، أضف إلى هذا أن أسلوبها وأسلوب النظرات واحد.
على أننا نترك ما يمكن أن يكون فيه مجال للقال والقيل والتمحل والتأويل
ونرجع بالقارئ إلى مقالة المنفلوطي (طبقات الشعراء) التي نشرها في ص٢٧١
من السنة الثانية لمجلة سركيس من دون إمضاء تلك المقالة التي كتب فيها عن نفسه
ما يأتي بنصه وفصه: (المنفلوطي: شعره كالعقود الذهبية إلا أن حبات اللؤلؤ فيها
قليلة فهو يخلب بروائعه وهو أزهري وحسبه أنه نابغة قومه ... إلخ) .
وقد نشر هذه المقالة في النظرات ص٣٢٦ ولكنه حذف منها ترجمة نفسه
فكيف يكون الحكم على مثل هذا مستطاعًا وهو الذي وضع نفسه بتمداح نفسه فوق
الشيخ محمد عبده والشيخ عبد الكريم سلمان وسعد باشا زغلول؛ لأنه سمى نفسه
نابغة قومه الأزهريين، وهؤلاء من مصاص الأزهريين) .
(اللهم عرفنا بأقدار أنفسنا فذلك اللهم أنفس ما تعطي وأفضل ما تهب) [*]
وعسى أن يتاح لنا تصفح الكتاب برمته لنكتب لمؤلفه عظة بالغة.
***
(الإنسانية)
(مجلة علمية أدبية أخلاقية اجتماعية انتقادية عمرانية نصف شهرية) .
أصدرها في مدينة حَماة الشيخ حسن الرزق المشهور باستقلال الفكر واستنارة
الذهن وحب العلم وقد انتدب لخدمة أمته بهذا المجلة بسائق الرغبة في إعلاء شأنها
بقدر المستطاع، وهي ذات اثنتين وثلاثين صفحة بالقطع الصغير، وقيمة اشتراكها
في البلاد العثمانية ريال وربع، كتب الله لها النجاح.
***
(العلم)
(مجلة تخدم العلم والدين وتبحث عن أصول الترقي ماديًّا وأدبيًّا) .
لمنشئها السيد محمد علي هبة الدين الشهرستاني من أعلام علماء النجف
(العراق) ومشهوري كتاب العصر هنالك وهي تصدر بثماني وأربعين صفحة
بالقطع الصغير حاوية لكثير من الموضوعات الدينية والعلمية والأدبية وقد
أعجبنا من منشئها قوله في مقدمتها: (ولدينا الانتقاد الصحيح خير من الإطراء في
المديح) وهذا القول لا يصدر إلا من أرباب النفوس المهذبة بالعلم الصحيح. وقيمة
اشتراكها ريال وربع فنرجو لها الانتشار.
***
(التلميذ)
(مجلة مدرسية أخلاقية شهرية تصدرها الجمعية العلمية في المدرسة العثمانية
ببيروت) ولقد سررنا كثيرًا بصدور هذا المجلة التي ستكون خير سبيل لتمرين
التلاميذ على قرض الشعر والإنشاء وقوة البحث والمناقشة، أولئك التلاميذ المرجون
لنهضة وطنهم وإعلاء شأن أمتهم، فإن مدرستهم تلك هي من أحسن مدارس بيروت
التي تخرج فيها فريق من خيرة نابتة سورية وعسى أن يتولى رئيس المدرسة
تصحيح المجلة فقد آلمنا ما رأيناه فيها من الخطأ في الإملاء والخروج عن قواعد
النحو، وقيمة اشتراكها ريال وربع فعسى أن ينمي قارئوها ويكثر مشتركوها.
***
(الذكرى)
جاءتنا نشرة من بيروت بتوقيع محمد طاهر أفندي التنير من مهذبي نابتة
بيروت يقول فيها: إن والده السيد عبد الوهاب سليم التنير قد عزم على إصدار مجلة
اسمها الذكرى غرضها إرشاد المسلمين إلى انتهاج الطريقة المثلى، وإنه سيساعده في
كتابتها فريق من علية القوم، ونحن نعرف التنير غيورًا فاضلاً مطلعًا فنرحب بمجلته
ونرجو أن يوفق للخدمة الصحيحة.
حسين وصفي رضا