للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: محمد رشيد رضا


الأخبار والآراء

(جمعية العلم والإرشاد)
قد عرف القراء موضوع هذه الجمعية العلمية الخيرية التي رحلنا إلى دار
السلطنة لأجل السعي لتأسيسها فيها، وقد طال الأمد على منتظري خبر تأسيسها
حتى يئس أشدهم غيرةً وحرصًا، وكتبوا إلينا ينصحون لنا بترك السعي لها في هذه
العاصمة، ولو يئسنا كما يئسوا؛ لعدنا أدراجنا كما اقترحوا، ولكن اليأس مرض
صار وبائيًّا في بلادنا، ونحمد الله تعالى أن نجانا منه فلم يجد إلى قلبنا سبيلاً. نعم
إنني كدت أيأس من بعض من كنت أرجو مساعدتهم من الكبراء، ولكن رجائي في
الله وثقتي بتوفيقه لم يزد في مظنة اليأس إلا قوة ورسوخًا.
بعد السعي الطويل مدة ثمانية أشهر وقع الاتفاق من أصحاب الشأن على
تأسيس الجميعة؛ لتكون هي التي تؤسس المدرسة العالية التي نوهنا بها من قبل
ووقع الاختيار على أن يكون المؤسسون اثني عشر وهم:
١- الشريف جعفر باشا حفيد الشريف عبد المطلب أحد أمراء مكة المكرمة
السابقين.
٢- مصطفى أفندي مستشار المشيخة الإسلامية.
٣- مصطفى عاصم أفندي الرئيس الثاني لمجلس المبعوثين وأحد علماء
الآستانة.
٤- موسى كاظم أفندي من العلماء وأعضاء مجلس الأعيان.
٥- محمود أسعد أفندي من العلماء وناظر الدفتر الخاقاني.
٦- حسن فهمي أفندي مبعوث سينوب وأحد علمائها.
٧- سني الدين أفندي معاون مشاور الحقوق بنظارة الأوقاف.
٨- فؤاد بك أحد أعضاء مجلس شورى الدولة ورئيس كتابه.
٩- إسماعيل حقي بك مدير قسم الإلهيات والأدبيات في دار الفنون ومدرس
الأصول والكلام فيها.
١٠- أحمد نعيم بك بابان أحد أعضاء مجلس المعارف.
١١- تحسين بك أحد أعضاء ديوان المحاسبات.
١٢- محمد رشيد رضا صاحب المنار.
وتقرر أن يكون شيخ الإسلام رئيس شرف لهذه الجميعة دائمًا.
هذا وقد دعي الأعضاء إلى الاجتماع الرسمي الأول لانتخاب رئيس لهم في
٢٧جمادى الأولى بدار الفنون، فأما فؤاد بك وتحسين بك فهما في أوربا مع حاشية
ولي العهد، وأما الباقون فمنهم من كان له مانع فكتب ورقة بانتخابه أو وكل من
ينتخب عنه، فالذين حضروا هم الشريف جعفر باشا ومستشار المشيخة وموسى
كاظم أفندي وإسماعيل حقي بك وأحمد نعيم بك وكاتب هذه السطور. وقد اتفقنا
جميعًا على انتخاب الشريف جعفر باشا رئيسًا لهذه الجمعية. وعقدت الجلسة الأولى
برياسته فقرئ فيها النظام الرسمي الذي وضعه هذا العاجز فتقرر أن ترسل نسخ منه
إلى جميع الأعضاء ليدققوا النظر فيه وإن استحسنه كل من قرأه منهم، وأن يصدق
عليه بعد المذاكرة في الجلسة الثانية التي تنعقد يوم الأحد الآتي ثم يقدم إلى نظارة
الداخلية. وتقرر أيضًا أن يجتمع الأعضاء في ضحوة كل يوم أحد، فالحمد لله أولاً
وآخرًا، وإياه نسأل تمام التوفيق.
(تنبيه)
ما ذكر في بعض جرائد العاصمة العربية من أن الجمعية قررت أن تكون
مدرسة دار العلم والإرشاد مؤلفة من صنفين كل صنف ٢٠ طالبًا لا صحة له
فالجمعية لم تقرر في أمر المدرسة شيئًا.
(النظام الأساسي لجمعية العلم والإرشاد)
بسم الله الرحمن الرحيم
{وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً
فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا
كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ * وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ
بِالمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ المُنكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ} (آل عمران: ١٠٣-١٠٤) .
الفصل الأول
(في تأسيس الجميعة ومقصدها)
المادة الأولى: تأسست في دار السعادة جمعية باسم (جمعية العلم والإرشاد)
المادة الثانية: مقصد هذه الجمعية الجمع بين التربية الإسلامية وتعليم العلوم
الدينية والدنيوية والتصنيف فيها، وتتوسل إلى ذلك بإنشاء مدرسة كلية في دار
السعادة باسم (دار العلم والإرشاد) لتخريج العلماء والمرشدين.
المادة الثالثة: لا تشتغل الجمعية بسياسة الدولة العلية الداخلية ولا الخارجية
ولا بسياسة غيرها من الدول، ولكنها تراعي القانون الأساسي وتؤيده.
الفصل الثاني
(في أعضاء الجمعية ومجلس إدارتها)
المادة الرابعة: للجمعية رئيسان: رئيس شرف ورئيس عامل، فرئيس
الشرف هو صاحب المشيخة الإسلامية، والرئيس العامل ينتخب من أعضاء
مجلس إدارة المركز العمومي.
المادة الخامسة: أعضاء الجمعية ثلاثة أقسام: أعضاء عاملة، وأعضاء
معاونة، وأعضاء شرف. فالعاملون هم الذين يقومون بأمور الجمعية بالفعل،
والمعانون هم الذين يشتركون فيها بمبلغ معين من المال يؤدونه في كل سنة أو كل
شهر بالأطراد، وأعضاء الشرف هم عظماء الأمة الذين ينفعون الأمة بمالهم أو
مكانتهم من الفضل والكمال نفعًا عظيمًا.
المادة السادسة: مركز الجمعية العمومي دار السعادة ويكون لها في الخارج
شعب، لكل شعبة منها مجلس إدارة.
المادة السابعة: أعضاء مجلس الإدارة في المركز العمومي اثنى عشر عضوًا
وهم المؤسسون للجمعية ما داموا، فإذا استقال أحدهم أو خلا موضعه بسبب ما
فانتخاب بدله ومجازاة من يخل من الأعضاء بنظام الجمعية الأساسي كل منهما
يكون بمقتضى مواد النظام الداخلي للجمعية.
الفصل الثالث
(في الهيئة العمومية)
المادة الثامنة: تجتمع الهيئة العمومية للجمعية كل سنة مرة في وقت معين
بدار السعادة، وتتألف هذه الهيئة من أعضاء مجلس الإدارة من المركز العمومي ومن
مندوبي الشعب الخارجية.
المادة التاسعة: الهيئة العمومية رقيبة على مجلس الإدارة وهي تدقق النظر
في ميزانية الجمعية وفي أعمال مجلس الإدارة مدة السنة وتقرر ما تراه في ذلك، وما
تقرره يكون نافذًا بالأكثرية المطلقة فيما عدا ما اشترط أكثرية ثلثي الآراء.
الفصل الرابع
(في أموال الجمعية)
المادة العاشرة: تتكون أموال الجمعية من الاشتراكات الموقوتة والإعانات
والتبرعات والوصايا والهدايا والأوقاف الخيرية التي توقف عليها ومن ريع رأس
مالها ومن أجور التعليم في المدارس التي ستنشئها، والمبلغ الاحتياطي يحفظ وينمى
بحسب ما تراه الهيئة العمومية.
المادة الحادية عشرة: مجلس إدارة الجمعية ليس له أن يقرض من مال
الجمعية ولا أن يقترض لها إلا بقرار من الهيئة العمومية.
المادة الثانية عشرة: تنشر الجمعية في كل سنة كراسة في بيان ميزانيتها
ودخلها وخرجها وأسماء الباذلين ومقدار ما بذلوه لها، ومن ينهى عن التصريح
باسمه يذكر بلقب (فاعل خير) .
الخاتمة
المادة الثالثة عشر: يجوز تعديل أحكام هذا النظام عند الحاجة بقرار من
الهيئة العمومية بأكثرية ثلثي الآراء من أعضائها المرتبة.
(رأي محمد عبيد الله أفندي في صاحب المنار ومشروعه)
نشره في العدد الرابع من جريدته الذي صدر في ١٤صفر سنة ١٣٢٨،
وهو:
(المدرسة العربية)
مشروع الأستاذ الفاضل صاحب المنار
إن الأستاذ الفاضل السيد رشيد رضا صاحب المنار الأغر أشهر من أن ننوه
بفضله للقراء؛ إذ عرفه وانتفع بعلمه كل منور العقل من الأمة الإسلامية، وقد قدم
الآستانة هذا الفاضل منذ أشهر لمقصد شريف ومشروع جليل يدل على مزيد
اهتمامه بإصلاح الأمة الإسلامية وغيرته عليها، وذلك أنه ينوي فتح مدرسة عربية
في دار الخلافة يدرس فيها كل علم نافع ولا سيما العلوم العربية.
وهو لم يزل مقيمًا في العاصمة يقابل رجال الحكومة من حين إلى آخر
ويفاوضهم في هذا المشروع طلبًا للمعونة من الحكومة بما يلزم لمشروعه من المال
ونحن وإن لم نعلم بالتفصيل ما هي العلوم التي تدرس في هذه المدرسة، وكيف تكون
طريقة التعليم فيها، وكم مدة التحصيل إلا إننا نعتقد اعتقادًا جازمًا أن مدرسة عربية
يرأسها مثل الأستاذ، ويقوم بتدبيرها وترتيبها؛ لجديرة بأن تكون كثيرة المنفعة كبيرة
الجدوى، خصوصًا والعلوم العربية اليوم في أشد الحاجة إلى مجدد كهذا العربي
الصريح يسعى في نشرها وإصلاح طريقة التعليم فيها، فقد أصبحت يضرب
بصعوبة تعلمها المثل عند الناس، وعليه فنحن ننادي أولي الأمر من رجال الحكومة
بأندى صوتنا أن يلتفتوا إلى مشروعه بكل اهتمام، ونسترعيهم السمع إلى ما ينزع
إليه من الأمر النافع. وليس ذلك ببعيد من الحكومة التي هي اليوم تضرب على نغم
الإصلاح في كل أمر من أمور الأمة.
***
(المنتدى الأدبي)
أسس بعض النجباء من طلبة العرب في المدارس (المكاتب) العالية في
الآستانة ناديًا سموه (المنتدى الأدبي) وساعدهم على ذلك كثيرون من أهل الفضل
والسعة إعانة لهم على ما قصدوا من أمر التربية والتعليم.
كانوا قبل ذلك متفرقين قلما يعرف أحد منهم أحدًا أو يستفيد من علمه وأدبه أو
تجربته إلا ما يكون بين المتجاورين في مواضع الإقامة من التلاقي والاجتماع في
الملاهي العامة التي تسمى في مدن البلاد العربية بالقهاوي، ويسمى الملهى منها في
الآستانة (قراء تخانة) ؛ أي: بيت القراءة تسمية لها بخير ما يكون فيها وهو قراءة
الجرائد فقط، ولا يحسبن القارئ أنها كحجرات المطالعة أو غرف المطالعة المعهودة
في بعض البلاد التي يوجد فيه كتب كثيرة تقصد لأجلها لا لأجل اللهو بلغو الحديث
أو اللعب بالنرد وشرب المنبهات.
قام أعضاء إدارة النادي بشؤونه قيامًا يحمدون عليه فأحسنوا الإدارة ونشطوا في
تحصيل مبالغ الاشتراك، وضبطوا الدخل والخرج، واقتصدوا في النفقة بقدر
الاستطاعة، حتى كان عملهم - وهم متبدؤون فيه - موضع الإعجاب، ولكن رأى
بعض إخوانهم من أعضاء النادي أنه كان من الإمكان أن يحسنوا ويقتصدوا أكثر
مما فعلوا، واستحسن هؤلاء أن يستبدل بهم غيرهم ليجربوا كما جربوا، ورأى
الآخرون أن هذا مخالف للقانون فيجب أن يتموا مدتهم التي عينها قانون المنتدى،
فقال المعارضون: نعدل مادة القانون ونعيد الانتخاب. فاجتمعت الجمعية العمومية
للمنتدى وبعد المناقشة وأخذ الآراء تقرر برأي الأكثرين أن يبقى القانون على ما هو
عليه، وأن لا يعاد إلا انتخاب من نص فيه على انتخاب بدل عنهم أو إعادة انتخابه.
وكان صاحب هذه المجلة وكاتب هذه السطور حاضرًا تلك الجلسة وكذلك حضرها
صديقنا عبد الحميد أفندي الزهراوي فنشهد أن الخلاف بين الأعضاء فيما ذكر لم
يكن بدعًا من الخلاف في الأندية والجمعيات أو مجالس النواب، ولا كان مزلزلاً
لرجائنا في نابتتنا الجديدة في مدارس دار السلطنة.
نؤدي هذه الشهادة وقد سئلناها؛ لأن بعض الجرائد العربية نشرت مقالة بإمضاء
(سائح متلهف) أسرف بها في انتقاد المنتدى الأدبي إسرافًا لم نشك عند قراءتها في
تعمده للتحامل لغرض ليس لنا أن نفتات عليه فيه، ولا نرى فائدة في بيان ما نرى
من قوادمه وخوافيه، وقد تكون له نية حسنة، استجاز أن يتوسل إليها بتلك الوسيلة
السيئة، ومن كان حسن النية لا يصر على خطئه وهو يعلم، ولا يدافع عن نفسه إذا
ظهر له الحق وتبين، وقد أساء بعض أعضاء المنتدى الظن ببعض إخوانهم الذين
يرجى خيرهم، ولا يخشى أن تضر مثل تلك البادرة إن صح عزوها إليهم، فأنصح
لهم جميعًا أن يغفروا الهفوات، ويجذب كل منهم أخاه إليه بخير ما يراه من جاذب
الفضيلة فيه، فالكيس من استكثر من الأصدقاء، والأحمق من استكثر من الأعداء.
* * *
(خليل حمدي حمادة باشا)
فجعت المملكة العثمانية في هذه الشهر بوفاة هذا الرجل المصلح الإداري
القدير، والسياسي المحنك الخبير، نابغة البلاد السورية والمصرية والحجة
الناهضة على علو استعداد الأمة العرببة، شهد بفضله الإنكليز وغيرهم من الإفرنج
بمصر، وأذعنت له قلوب جميع العثمانيين في الآستانة، فإن كتم الشهادة له
الحاسدون والمتعصبون منهم، فقد نطق بها المنصفون والمستقلون فيهم، وناهيك
بشهادة مولانا السلطان محمد الخامس الذي كان يلقبه بالغيور، (غيرتلي) ، والصدر
الأعظم حسن حلمي باشا الذى قال عنه: إنه جاء يعلمنا كيف تدار الأمور. ثم بشهادة
صاحب جريدة (يكي غزته) وهي أقرب جرائد العاصمة إلى الاستقلال، وجريدة
(صباح) الواقفة عند نقطة الاعتدال.
ليس أكبر فضل الفقيد في رأيي أنه ما نيط به عمل إلا وأتقنه، وإن كان آية
في حسن إدارة الجمارك المصرية، وكان يأتي بالمعجزات في إصلاح نظارة
الأوقاف العثمانية، بل أكبر فضله أنه كان على حسن قيامه بأعباء الحكومة،
موجهًا فضل عنايته وهمته إلى إصلاح شأن الأمة، وكان عمله في ذلك بالقطر
المصري جمعية الحمالين في الإسكندرية وتربية أولاده وتعليمهم، وجمعية مكارم
الأخلاق، والملاجئ العباسية، وما خدم به جمعية العروة الوثقى، ولم يدع إلى
خدمة عامة إلا وكان له فيها الرأي الصحيح، والباع الطويل، فهذه هي المنقبة التي
تحيا بها الأمم وتتفاضل عظماء الرجال.
كان رحمه الله أشد من رأيت اهتمامًا بالمشروع الإصلاحي الذي سعيت له
سعيه هنا، قَدَّرَه قَدْرَه، وأدرك فكره البعيد ما فيه إصلاح الأمة وخير الدولة وكان
وهو ناظر الأوقاف يعدني بأن يرتقي في مساعدته من مال الأوقاف إلى عشرين
ألف ليرة في السنة، وكان بعد الخروج من نظارة الأوقاف أشد اهتمامًا بنجاح
المشروع وأرجى الناس في مساعدته لأنه أعلى من نعرف الآن همةً في السعي
والعمل للمصلحة العامة، فهو في هذه الفضيلة من طبقة الأستاذ الإمام وحسن باشا
عاصم رحمهم الله تعالى، وعزى هذه الأمة المبتلاة بقحط الرجال عنه وعنهما بإيجاد
من يخلفهم في ذلك، ونخص بالتعزية كبير بيت حمادة الحاج محيي الدين أفندي
وسائر الأسرة الكريمة، ونسأل الله تعالى أن يحيي ذكر فقيدنا بذريته المباركة، كما
هو حي بآثاره الحميدة.