للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: محمد رشيد رضا


انتشار الإسلام
جاء في جريدة (الحاضرة) الغراء تحت هذا العنوان ما نصه:
ظهر للبعثات الدينية التي ذهبت حديثًا إلى مجاهل آسيا وإفريقيا على أثر
دخول دول أوروبا إليهما أن الإسلام منشور في كثير من البلدان، وأن أهله على
غاية الرقة واللطف بخلاف بقية الطوائف من البربر والمجوس والوثنيين وغيرهم،
ممن لا يدينون بدين.
والمسلم هناك ممتاز عن غيره بالفضائل والكمالات الإنسانية وبحسن البزة
والنظافة، بخلاف بقية الأهالي الذين لا يعرفون شيئًا، والطهارة عندهم مفقودة لا
وجود لها.
ولا أحد يعلم كيف كان دخول الإسلام إلى مجاهل تلك البلاد، ولكن يُظن أنه
كان من نتائج أسفار المسلمين وتوغلهم في داخلية البلاد بقصد الكسب والاتجار،
فلما آنس الأهالي منهم الأمانة والوفاء اقتدوا بهم، فتناسلوا وتكاثروا ونما بينهم الدين
الإسلامي، فأنار أبصارهم وبصائرهم وأخرجهم من حطة البهيمية إلى خطة
الإسلامية.
قال المسيو ريمون الرحالة الشهير إنه أثناء طوافه في مجاهل إفريقيا لم يكن
ليأمن على نفسه وعلى رجاله إلا عند المسلمين، فكان يصادف منهم أنسًا ولطفًا
وحسن ضيافة، بخلاف جيرانهم من الناس الذين لا دين لهم، فكثيرًا ما غدروا
به وبرجاله، حتى كان يضطر إلى استعمال الأسلحة النارية دفاعًا عنه وعن
رجاله.
وقد كتب رسالة طويلة في الإسلام والمسلمين مدحهم بها وفضلهم على سائر
الأمم والشعوب وقال: إن نور الإسلام انتشر كثيرًا في جهات إفريقيا وآسيا، وكان
انتشاره طبيعيًّا؛ لأن المسلمين كانوا قدوة في أعمالهم الحسنة لسائر جيرانهم فلحقوا
بهم وحذوا حذوهم، وبالتدريج عرفوا ما الإسلام فاعتنقوه وصاروا مسلمين.
الإسلام مظهر الاحترام من جميع الشعوب، ولهذا أخذ يتوسع نطاقه وينتشر
نوره في جميع أطراف الدنيا، ولا محل هنا للكلام عما هو عليه في الهند والصين
واليابان وغيرها؛ لأن أمره صار معروفًا لدى الخاصة والعامة، وإنما الذي يستحق
الذكر ما ظهر للرحالات والطوافات من أن المسلمين كثيرون وهم يزيدون على
ثلاثمائة مليون، فإن الفرنسويين والبلجيكيين وجدوا عددًا وفيرًا من المسلمين في
البلاد التي فتحوها حديثًا، ووجد الألمانيون والإنكليز مثل ذلك أيضًا.
وفي بعض الروايات أنهم استخدموا كثيرين من المسلمين في معسكراتهم
فصادفوا منهم غاية الأمانة وحسن الوفاء إلى غير ذلك.
ويُظن أن أهل الجغرافية متى وقفوا على مجاهل البلاد وعلموا ما فيها من
المسلمين صححوا جغرافياتهم، وعلموا أنه يوجد في الأرض من أهل الإسلام ما
يزيد على ٤٠٠ مليون من النفوس، والله أعلم.