للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: محمد رشيد رضا


مسافة القصر

س ٥٣ من م. ب. ع في سمبس برنيو (جاوه)
حضرة فخر الأنام، سعد الملة وشيخ الإسلام، سيدي الأستاذ العلاَّمة السيد
محمد رشيد رضا صاحب مجلة المنار الغراء، أدام الله بعزيز وجوده النفع آمين.
وبعد إهداء أشرف التحية وأزكى السلام، فيا سيدي وعمدتي، أرجو منكم
الالتفات إلى ما ألقيه إليكم من الأسئلة؛ لتجيبوني عنها، وهي:
هل تُحدّ مسافة القصر بحديث (يا أهل مكة لا تَقْصروا في أدنى من أربعة
بُرْد من مكة إلى عسفان وإلى الطائف) أم لا؟ وهل أربعة البُرُد هي ثمانية
وأربعون ميلاً هاشمية؟ وعليه فكم يكون قدر المسافة المعتبرة شرعًا بحساب
كيلومتر؟ أفتونا فتوى لا نعمل إلا بها ولا نُعوّل إلا عليها، فلا زلتم مشكورين،
وكنا لكم ذاكرين.
(ج) الحديث الذي ذكره السائل رواه الطبراني عن ابن عباس، وفي إسناده
عبد الوهاب بن مجاهد بن جبير قال الإمام أحمد: ليس بشيء ضعيف، وقد نسبه
النووي إلى الكذب، وقال الأزدي: لا تحل الرواية عنه، ولكن مالكًا والشافعي
روياه موقوفًا على ابن عباس، وإذ لم يصح رفعه فلا يحتج به، وفي الباب حديث
أنس أنه قال حين سئل عن قصر الصلاة، فقال: (كان رسول الله (صلى الله عليه
وسلم) إذا خرج مسيرة ثلاثة أميال أو ثلاثة فراسخ صلى ركعتين) رواه أحمد
ومسلم وأبو داود عن طريق شعبة، وشعبة هو الشاكّ في الفراسخ والأميال، قال
بعض الفقهاء الثلاثة الأميال داخلة في الثلاثة الفراسخ فيؤخذ بالأكثر، وقد يقال
الأقل هو المتيقَّن، وفيه أن هذه حكاية حال لا تحديد فيها، والعدد لا مفهوم له في
الأقوال، فهل يعد حجة في وقائع الأحوال، وهناك وقائع أخرى فيما دون ذلك من
المسافة، فقد روى سعيد بن منصور من حديث أبي سعيد قال: (كان رسول الله
(صلى الله عليه وسلم) إذا سافر فرسخًا يقصر الصلاة) وأقره الحافظ في
التلخيص بسكوته عنه، وعليه الظاهرية، وأقل ما ورد في المسافة ميل واحد، رواه
ابن أبي شيبة عن ابن عمر بإسناد صحيح، وبه أخذ ابن حزم وظاهر إطلاق القرآن
عدم التحديد، وقد فصلنا ذلك في (ص ٤١٦و٦٤٩من المجلد السابع من المنار) .
والمشهور أن البريد أربعة فراسخ، والفرسخ ثلاثة أميال، وأصل الميل مدة
البصر؛ لأن ما بعده يميل عنه فلا يرى، وحددوه بالقياس فقالوها هو ستة آلاف
ذراع، والذراع ١٤أصبعًا معترضة متعدلة، والأصبع ست حبات من الشعير
معترضة معتدلة، وقال بعضهم: هو اثنا عشر ألف قدم بقدم الإنسان، وهو أي
الفرسخ ٥٥٤١ مترًا.