للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: محمد رشيد رضا


الباطنية وآخر فرقهم البابية البهائية
(١)

قلنا في الجزء الماضي: إن البابية البهائية فرقة من الباطنية، وإن الباطنية
قد وضعوا تعاليمهم السرية منذ القرن الأول؛ لإفساد دين الإسلام وإزالة ملكه، فهم
ما وضعوا شيئًا يعتقدون حقيته وهداية الناس بدعوتهم إليها، ونقول الآن: إنهم لما
انتشرت دعوتهم وكثر عددهم، وصار لهم قدرة على الحرب، أضرموا نيران الفتن
والحرب بخروجهم على الدول الإسلامية مرارًا، وقد خابوا، ولم ينالوا ما طلبوا
بالمكيدة ولا بالقوة، ثم صار لبعض رؤسائهم قناعة بعبادة أتباعهم لهم، وبذلهم
أموالهم في سبيلهم كأئمة الإسماعيلية المتأخرين، وضعفت دعوتهم حتى جددها
البابية في هذا العصر، وإننا ننقل لقراء المنار شيئًا مما حفظه التاريخ من أخبارهم
وطرق دعوتهم وتأويلهم للقرآن، ثم نبين حقيقة دعوة فرقة البابية منهم.
قال أبو منصور عبد القاهر بن طاهر البغدادي في كتابه (الفرْق بين الفِرَق)
وهو من علماء القرن الخامس، توفي سنة ٤٢٩ أي منذ تسعة قرون ما نصه:
الفصل السابع عشر من فصول هذا الباب أي الخامس
في ذكر الباطنية وبيان خروجهم
من جميع فِرَق الإسلام
اعلموا أسعدكم الله أن ضرر الباطنية على فرق المسلمين أعظم من ضرر
اليهود والنصارى والمجوس عليهم، بل أعظم من مضرة الدهرية وسائر أصناف
الكفرة عليهم، بل أعظم من ضرر الدجال الذي يظهر في آخر الزمان؛ لأن الذين
ضلوا عن الدين بدعوة الباطنية من وقت ظهور دعوتهم إلى يومنا هذا أكثر من الذين
يضلون في وقت ظهوره؛ لأن فتنة الدجال لا تزيد مدتها على أربعين يومًا،
وفضائح الباطنية أكثر من عدد الرمال والقطْر. وقد حكى أصحاب المقالات أن
الذين أسسوا دعوة الباطنية جماعة منهم؛ ميمون بن ديصان المعروف بالقداح، وكان
مولى لجعفر بن محمد الصادق وكان من الأهواز، ومنهم محمد بن الحسين الملقب
بذيذان، وميمون بن ديصان في سجن والي العراق أسسوا في ذلك السجن مذهب
الباطنية.
ثم ظهرت دعوتهم بعد خلاصهم من السجن من جهة المعروف بذيذان، وابتدأ
بالدعوة من ناحيته، فدخل في دينه جماعة من أكراد الجبل مع أهل الجبل المعروف
بالبدين، ثم رحل ميمون بن ديصان إلى ناحية المغرب وانتسب من تلك الناحية إلى
عقيل بن أبي طالب وزعم أنه من نسبه، فلما دخل في دعوته قوم من غلاة الرفض
والحُلولية منهم، ادعى أنه من ولد محمد بن إسماعيل بن جعفر الصادق، فقبل
الأغنياء ذلك منه، على أن أصحاب الأنساب صرحوا بأن محمد بن إسماعيل بن
جعفر مات ولم يُعْقِبْ.
ثم ظهر في دعوته إلى دين الباطنية رجل يقال له حمدان قرمط؛ لقب بذلك
لقرمَطَة في خطه أو في خطوه، وكان في ابتداء أمره أكَّارًا من أكرة سواد الكوفة
وإليه تنسب القرامطة.
ثم ظهر بعده في الدعوة إلى البدعة أبو سعيد الجنابي، وكان من مستجيبة
حمدان، وتغلب على ناحية البحرين، ودخل في دعوته بنو شنير.
ثم لما تمادت الأيام بهم؛ ظهر المعروف منهم بسعد بن الحسين أحمد بن عبد
الله بن ميمون بن ديصان القداح فغير اسم نفسه ونسبه، وقال لأتباعه: أنا عبيد الله
بن الحسن بن محمد بن إسماعيل بن جعفر الصادق. ثم ظهرت فتنته، وأولاده اليوم
مستولون على أعمال مصر.
وظهر منهم المعروف بابن كرويه بن مهرويه الدنداني من تلامذة حمدان قرمط
وظهر مأمون أخو حمدان قرمط بأرض فارس، وقرامطة فارس يقال لهم
المأمونية لأجل ذلك.
ودخل أرض الديْلم رجل من الباطنية، يعرف بأبي حاتم، فاستجاب له جماعة
من الديْلم منهم أسفار بن شرويه.
وظهر بنيسابور داعية لهم يعرف بالشعراني فقتل بها في ولاية أبي بكر بن
محتاج عليها. وكان الشعراني قد دعا الحسين بن علي المروروذي، قام بدعوته بعده
محمد بن أحمد النسفي داعية أهل ما وراء النهر، وأبو يعقوب السجزلي المعروف
ببندانه، وصنف النسفي لهم كتاب كشف الأسرار، وقُتل النسفي والمعروف ببندانه
على ضلالتهما.
وذكر أصحاب التواريخ أن دعوة الباطنية ظهرت أولاً في زمان المَأْمُون،
وانتشرت في زمان المعتصم، وذكروا أنه دخل في دعوتهم الأفشين صاحب جيش
المعتصم، وكان مراهنًا لبابك الخرْمي مستعصيًا بناحية البدين، وكان أهل جبله
خُرّمية [١] على طريقة المزدكية، فصارت الخرمية مع الباطنية يدًا واحدة. واجتمع
مع بابك من أهل البدين، وممن انضم إليهم من الديلم مقدار ثلاث مائة ألف رجل.
وأخرج الخليفة لقتالهم الأفشين، فظنه ناصحًا للمسلمين، وكان في سره مع بابك
وتَوانَى في القتال معه، ودله على عورات عساكر المسلمين وقتل الكثير منهم، ثم
لحقت الأمداد بالأفشين، ولحق به محمد بن يوسف الثغري وأبو دلف القاسم بن
عيسي العجلي، ولحق به بعد ذلك قواد عبد الله بن طاهر، واشتدت شوكة البابكية
والقرامطة على عسكر المسلمين، حتى بَنَوْا لأنفسهم البلدة المعروفة ببير زند؛ خوفًا
من بيان (كذا) البابكية، ودامت الحرب بين الفريقين سنين كثيرة إلى أن أظفر الله
المسلمين بالبابكية، فأُسر بابك وصُلِب بِسُرّ مَنْ رَأَى [٢] سنة ثلاث وعشرين ومئتين
ثم أُخذ أخوه إسحاق وصلب ببغداد مع المازيار صاحب المحمرة بطبرستان
وجرجان، ولما قتل بابك ظهر للخليفة غدر الأفشين وخيانته للمسلمين في حروبه مع
بابك، فأمر بقتله وصلبه فصلب لذلك.
وذكر أصحاب التواريخ أن الذين وضعوا أساس دين الباطنية كانوا من أولاد
المجوس، وكانوا مائلين إلى دين أسلافهم، ولم يجسروا على إظهاره خوفًا من
سيوف المسلمين، فوضع الأغْمار منهم أساسًا مَنْ قَبِلَها منهم، صار في الباطن إلى
تفضيل أديان المجوس وتأولوا القرآن وسنن النبي عليه السلام إلى موافقة
أساسهم.
وبيان ذلك أن الثنوية زعمت أن النور والظلمة صانعان قديمان، والنور منهما
فاعل الخيرات والمنافع، والظلام فاعل الشرور والمضارّ، وأن الأجسام ممتزجة
من النور والظلمة، وكل واحد منهما مشتمل على طبائع هي الحرارة والبرودة
والرطوبة واليبوسة، والأصلان الأولان من الطبائع الأربع مدبرات هذا العالم.
وشاركهم المجوس في اعتقاد صانعَيْنِ، غير أنهم زعموا أن أحد الصانعين قديم وهو
الإله الفاعل للخيرات، والأخر شيطان محدث فاعل للشرور، وذكر زعماء الباطنية
في كتبهم أن الإله خالق النفس، فالإله هو الأول والنفس هو الثاني، وهما مدبرا هذا
العالم. وسمَّوْهما الأول والثاني، وربما سموهما العقل والنفس، ثم قالوا إنهما يدبران
هذا العالم بتدبير الكواكب السبعة والطبائع الأُوَل.
وقولهم: إن الأول والثاني يدبران العالم؛ هو بعينه قول المجوس بإضافة
الحوادث إلى صانعين أحدهما قديم والآخر محدث، إلا أن الباطنية عبرت عن
الصانعين بالأول والثاني، وعبر المجوس عنهما بيزدان وأهرمن، فهذا هو الذي
يدور في قلوب الباطنية، ووضعوا أساسًا يؤدي إليه، ولم يمكنهم إظهار عبادة
النيران؛ فاحتالوا بأن قالوا للمسلمين: ينبغي أن تُجمّرَ المساجد كلها، وأن يكون في
كل مسجد مجمرة يوضع عليها الند والعود في كل حال، وكانت البرامكة قد زينوا
للرشيد أن يتخذ في جوف الكعبة مجمرة يتبخر عليها العود أبدًا، فعلم الرشيد أنهم
أرادوا من ذلك عبادة النار في الكعبة، وأن تصير الكعبة بيت نار، فكان ذلك أحد
أسباب قبض الرشيد على البرامكة.
ثم إن الباطنية لمَّا تأولت أصول الدين على الشرك، احتالت أيضًا لتأويل
أحكام الشريعة على وجوه تؤدي إلى رفع الشريعة أو إلى مثل أحكام المجوس،
والذي يدل على أن هذا مرادهم بتأويل الشريعة؛ أنهم قد أباحوا لأتباعهم نكاح
البنات والأخوات وشرب الخمر وجميع اللذات، ويؤكد ذلك أن الغلام الذي ظهر
منهم بالبحرين والأحساء بعد سليمان بن الحسين القرمطي سنَّ لأتباعه اللواط،
وأوجب قتل الغلام الذي يمتنع على من يريد الفجور به، وأمر بقطع يد من أطفأ
نارًا بيده، وبقطع لسان من أطفأها بنفخه وهذا الغلام هو المعروف بابن أبي زكريا
الطامي، وكان ظهوره في سنة تسع عشرة وثلاث مائة، وطالت فتنته إلى أن سلط
الله تعالى عليه من ذبحه على فراشه.
ويؤكد ما قلناه من ميل الباطنية إلى دين المجوس، أن لا نجد على ظهر
الأرض مجوسيًّا إلا وهو مُوَادّ لهم منتظر لظهورهم في الديار، يظنون أن الملك
يعود إليهم بذلك، وربما استدل أغمارهم على ذلك بما يرويه المجوس عن زرادشت
أنه قال لكتاسب: إن الملك يزول عن الفرس إلى الروم واليونانية ثم يعود إلى
الفرس ثم يزول عن الفرس إلى العرب ثم يعود إلى الفرس، وساعده جاماسب
المنجم على ذلك , وزعم أن الملك يعود إلى العجم لتمام ألف وخمس مئة سنة من
وقت ظهور زرادشت.
وكان في الباطنية رجل يعرف بأبي عبد الله العردي؛ يدعي علم النجوم
ويتعصب للمجوس، وصنف كتابًا ذكر فيه أن القرن الثالث عشر من مولد محمد
صلى الله عليه وسلم؛ يوافق الألف العاشر وهو نوبة المشترى والقوس، وقال:
عند ذلك يخرج إنسان يعيد الدولة المجوسية، ويستولي على الأرض كلها، وزعم
أنه يملك مدة سبع قرانات. وقالوا: قد تحقق حكم زرادشت وجاماسب في زوال
ملك العجم إلى الروم واليونان في أيام الإسكندر، ثم عاد إلى العجم بعد ثلاث مئة
سنة ثم زال بعد ملك العجم إلى العرب، وسيعود إلى العجم لتمام المدة التي ذكرها
جاماسب، وقد وافق الوقت الذي ذكره أيام المكتفي والمقتدر؛ وأخلف موعدهم وما
رجع الملك فيه إلى المجوس.
وكانت القرامطة قبل هذا الميقات يتواعدون فيما بينهم ظهور المنتظر في
القرن السابع في المثلثة النارية. وخرج منهم سليمان بن الحسين من الإحساء على
هذه الدعوى، وتعرض للحجيج وأسرف في القتل فيهم، ثم دخل مكة وقتل من كان
في الطواف، وأغار على أستار الكعبة، وطرح القتلى في بئر زمزم، وكسر
عساكر كثيرة من عساكر المسلمين، وانهزم في بعض حروبه إلى هَجَر، فكتب
للمسلمين قصيدة يقول فيها:
أغركم مني رجوعي إلى هَجَر؟ ... فعما قليل سوف يأتيكم الخبر
إذا طلع المريخ في أرض بابل ... وقارنه النجمات فالحذر الحذر
ألست أنا المذكور في الكتب كلها ... ألست أنا المبعوث في سورة الزمر
سأملك أهل الأرض شرقًا ومغربًا ... إلى قيروان الروم والترك والخزر

وأراد بالنجمين زحل والمشتري، وقد وُجد هذا القِرانُ في سني ظهوره، ولم
يملك من الأرض شيئًا غير بلدته التي خرج منها، وطمع في أن يملك سبع قرانات
وما ملك سبع سنين بل قتل بهيت، رمته امرأة من سطحها بلبنة على رأسه فدمغته
وقتيل النساء أخس قتيل وأهون فقيد.
وفي آخر سنة ألف ومئتين وأربعين للإسكندر، تم من تاريخ زرادشت ألف
وخمس مائة سنة، وما عاد فيها ملك الأرض إلى المجوس، بل اتسع بعدها نطاق
الإسلام، وفتح الله تعالى للمسلمين بعدها بلاد بلاساغون [٣] أرض التبت وأكثر نواحي
الصين، ثم فُتح لهم بعدها جميع أرض الهند من لمغان إلى قنوج، وصارت أرض
الهند إلى سيترسيقا بحرها من رقعة الإسلام في أيام أمين الدولة أمين الملة محمود
ابن سبكتكين رحمه الله. وفي هذا رغم أنوف الباطنية والمجوس الجاماسبية الذين
حكموا بعَوْدِ الملك إليهم، فذاقوا وبال أمرهم، وكان عاقبة أمانيهم بورًا بحمد الله
ومنّه.
ثم إن الباطنية خرج منه عبيد الله ابن الحسين بناحية القيروان، وخدع قومًا من
كتامة، وقومًا من المصادمة، وشرذمة من أغنام بربر بحيل ونيرنجات، أظهرها
لهم كرؤية الخيالات بالليل من خلف الرداء والإزار، وظن الأغمار أنها معجزة
فتبعوه؛ لأجلها على بدعته، فاستولى بهم على بلاد المغرب، ثم خرج المعروف
منهم بأبي سعيد الحسين بن بهرام على أهل الإحساء والقطيف والبحرين، فأتى
بأتباعه على أعدائه وسبى نساءهم وذراريهم وأحرق المصاحف والمساجد، ثم
استولى على هَجَر وقتل رجالها، واستعبد ذراريهم ونساءهم.
ثم ظهر المعروف منهم بالصناديقي باليمن وقتل الكثير من أهلها، حتى قتل
الأطفال والنساء، وانضم إليه المعروف منهم بابن الفضل وأتباعه، ثم إن الله تعالى
سلط عليهما وعلى أتباعهما الآكلة والطاعون فماتوا بهما.
ثم خرج بالشام حفيد لميمون بن ديصان، يقال له: أبو القاسم بن مهرويه،
وقالا لمن اتبعهما: هذا وقت ملكنا، وكان ذلك سنة تسع وثمانين ومئتين، فقصدهم
سبك صاحب المعتضد فقتلوا سبكًا في الحرب، ودخلوا مدينة الرصافة، وأحرقوا
مسجدها الجامع، وقصدوا بعد ذلك دمشق، فاستقبلهم الحمامي غلام بن طيلون
وهزمهم إلى الرَّقة، فخرج إليهم محمد بن سليمان كاتب المكتفي في جند من أجناد
المكتفي فهزمهم، وقتل منهم الألوف، فانهزم الحسن بن زكريا بن مهرويه إلى
الرملة، فقبض عليه والي الرملة، فبعث به وبجماعة من أتباعه إلى المكتفي،
فقتلهم ببغداد في الشارع بأشد عذاب، ثم انقطعت بقتلهم شوكة القرامطة إلى سنة
عشر وثلاث مائة.
وظهرت بعده فتنة سليمان بن الحسن في سنة إحدى عشرة وثلاثة مائة، فإنه
كبس فيها البصرة وقتل أميرها المقلحي، ونقل أموال البصرة إلى البحرين، وفي
سنة اثنتي عشرة وثلاثة مائة وقع على الحجيج في المتهيبر لعشر بقيت من المحرم،
وقتل أكثر الحجيج وسبى الحرم والذراري. ثم دخل الكوفة في سنة ثلاث عشرة
وثلاث مائة فقتل الناس وانتهب الأموال، وفي سنة خمس عشرة وثلاث مئة حارب
ابن أبي الساج وأسره وهزم أصحابه، وفي سنة سبع عشرة وثلاثة مائة دخل مكة،
وقتل من وجده في الطواف، وقيل: إنه كان بها ثلاثة آلاف، وأخرج منها سبع مائة
بَكْر، واقتلع الحجر الأسود وحمله إلى البحرين، ثم رد منها إلى الكوفة، ورد بعد
ذلك من الكوفة إلى مكة على يد أبي إسحاق بن إبراهيم محمد بن أبي يحيَى مزكي
نيسابور في سنة تسع وعشرين وثلاثة مائة.
وقصد سليمان بن الحسن بغداد في سنة ثماني عشرة وثلاثة مئة، فلما ورد
هيت رمته امرأة من سطحها بلبنة فقتلته، وانقطعت شوكت القرامطة، وصاروا بعد
قتل سليمان بن الحسن مبدرقين [٤] للحجيج من الكوفة والبصرة إلى مكة فخصاة،
ومال مضمون لهم إلى أن غلبهم الأصفر العقيلي على بعض ديارهم.
وكانت ولاية مصر وأعمالها للإخشيدية، وانضم بعضهم إلى عبيد الله الباطني
الذي كان قد استولى على قيروان، ودخلوا مصر في سنه ثلاث وستين وثلاث مائة
وابتنوا فيها مدينة سموها القاهرة يسكنها أهل بدعته، وأهل مصر ثابتون على
السنة إلى يومنا وإن أطاعوا صاحب القاهرة في أداء خراجهم إليه.
وكان أبو شجاع فناخسرو بن بويه قد تأهب لقصد مصر وانتزاعها من أيدي
الباطنية، وكتب على أعلامه بالسواد: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد الله رب
العالمين، {ادْخُلُوا مِصْرَ إِن شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ} (يوسف: ٩٩) ، وقال قصيدة
أولها:
أما ترى الأقدار لي طوائعًا ... قواضيًا لي بالعيان كالخَبَر
ويشهد الأنام لي بأنني ... ذاك الذي يُرجى وذاك المنتظر
لنصرة الإسلام والداعي إلى ... خليفة الله الإمام المفتخر

فلما خرج مضاربه للخروج إلى مصر غامضه [٥] الأجَل، فمضى لسبيله،
فلما قضى فناخسرو نحْبه، طمع زعيم مصر في ملوك نواحي الشرق، فكاتبهم
يدعوهم إلى البيعة له، فأجاب قابوس بن وشمكير عن كتابه بقوله: إني لا أذكرك
إلا على المتسراح، وأجابه ناصر الدولة أبو الحسين محمد بن إبراهيم بن سيمجور:
بأن كتب على ظهر كتابه إليه {قُلْ يَا أَيُّهَا الكَافِرُونَ * لاَ أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ} (الكافرون: ١-٢) إلى آخر السورة وأجابه نوح بن منصور والي خراسان بقتل
دعاته إلى بدعته.
ودخل في دعوته بعض ولاة الجرجانية من أرض خوارزم فكان دخوله في
دينه شؤمًا عليه في ذهاب ملكه وقتله وأصحابه، ثم استولى يمين الدولة وأمين الملة
محمود ابن سبكتكين على أرضهم، وقتل من كان بها من دعاة الباطنية.
وكان أبو علي بن سيمجور قد وافقهم في السر، فذاق وبال أمره في ذلك،
وقَبض عليه والي خراسان نوح بن منصور، وبعث به إلى سبكتكين فقتل بناحية
غَزْنة، وكان أبو القاسم الحسن بن علي الملقب بن الشمتد داعية أبي علي ابن
سيمجور إلى مذهب الباطنية، وظفر به بكتورون صاحب جيش السامانية بنيسابور
فقتله، ودفن في مكان لا يعرف، وكان أميرك الطوسي والي ناحية ثارويه، قد
دخل في دعوة الباطنية فأسر وحمل إلى غزنة وقتل بها في الليلة التي قتل فيها
أبو علي بن سيمجور، وباد بذلك نصراء الباطنية من تلك البلاد، ومن هذا يَبان
شؤم الباطنية على منتحلها، فلْيعتبر بذلك المعتبرون.
(لها بقية)
((يتبع بمقال تالٍ))