للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: محمد رشيد رضا


النظام الجديد للجامعة الأزهرية

نفخ الأستاذ الإمام رحمه الله تعالى في الأزهر روح الإصلاح، وشوّق طلابه
إلى النظام والعلوم والفنون، وقال: يستحيل أن يبقى الأزهر على حاله بعد؛ فإما
أن يصلح وإما أن يسقط ويزول، وقد ظهر صدق رأيه بعده، فقام طلاب الأزهر
وكثير من شيوخه؛ يطالبون بإصلاح التعليم، وإدخال العلوم والفنون الطبيعية
والرياضية التي تدرس في مدرسة القضاء الشرعي في الأزهر، وهاج الأزهريون
في العامين السابقين، واعتصبوا لأجل ذلك حتى انفضت حِلَق الدروس كلها من
الأزهر، ووضعت لهم الحكومة في أثناء ذلك نظامًا جديدًا لم يقبلوه، بل طالبوا
أمورًا أخرى لم تجبهم إليها الحكومة، وسنبين ذلك في مقال آخر، بعد ذلك عهدت
الحكومة إلى أحمد فتحي باشا زغلول وكيل نظارة الحقانية، أن يضع نظامًا جديدًا
للأزهر بمساعدة إسماعيل صدقي باشا وكيل نظارة الداخلية وعبد الخالق ثروت
باشا النائب العمومي، وقد عُني رئيس هذه اللجنة أحمد فتحي باشا بالأمر واشتغل به
مدة صيف هذه السنة، وراجع لأجله جميع القوانين والنظامات التي وضعت للأزهر
من ١٢٨٨ إلى الآن؛ أي منذ أربعين سنة، وبعد وضع النظام الجديد طبعته اللجنة
وطبعت معه القوانين والنظامات التي أشرنا إليها في دفتر خاص، فكان سِفْرًا كبيرًا
قدمته للحكومة، وإننا ننشر في هذا الجزء من المنار المذكرة التي بيّن فيها ما يشتمل
عليه النظام الجديد بالإجمال، وسننشر بعدها قانون هذا النظام كله.
مذكرة
ببيان مشتملات المشروع
لما كانت المعاهد الدينية الإسلامية آخذة في النمو، وكان من الواجب أن يكون
نظامها وحالة التعليم فيها موافقًا لرقي الأمة وحاجتها، وجب الاهتمام بأمر هذه
المعاهد وتوحيد بروغراماتها، وتنظيم إدارتها بما يكفل الحصول على الفائدة
المطلوبة منها؛ ولذلك وضع مشروع القانون المرفق بهذه المذكرة شاملاً للقواعد
والأحكام التي تناسب حالة المعاهد المذكورة، وخلاصته ما يأتي:
١- اعتبرت المعاهد الدينية الإسلامية الموجودة الآن بالقطر المصري مجموعًا
تتكون منه جامعة واحدة سميت (الجامعة الأزهرية) نسبة إلى الجامع الأزهر
الذي هو أكبرها وأقدمها، وذكرت المعاهد الأخرى وهي الموجودة في الإسكندرية
وطنطا ودسوق ودمياط، وذكر على وجه الإجمال الغرض من هذه الجامعة؛ وهو
تعلم العلوم الدينية وتعليمها على وجه يفيد الأمة.
ويدخل في الجامعة كل معهد يؤسس في القطر المصري بإرادة سنية، ثم
لوحظ أن هناك معاهد أهلية يطلب منشئوها إلحاقها بالجامع الأزهر، وقد يوجد مثل
ذلك في المستقبل فتقرر أن مجلس الأزهر الأعلى يضع لائحة ببيان الشروط التي
يجوز بمقتضاها إلحاق المعاهد التي من هذا القبيل بالجامعة الأزهرية، وأن يصدق
على اللائحة المذكورة بإرادة سنية (راجع المادتين ١و٢) .
أما الرئاسة الدينية بالنسبة لأهل العلم ومن ينتمي إلى الجامعة، فقد جعلت
لشيخ الجامع الأزهر جريًا على ما كان معروفًا من قبل، كما صار بصفته رئيسًا
لمجلس الأزهر الأعلى المنفذ العام لجميع القوانين واللوائح والقرارات المختصة
بالجامعة الأزهرية (المادتين ٣و٤) .
٢- فُوضت الإدارة العليا في الجامعة الأزهرية إلى مجلس أعلى؛ يتألف
تحت رئاسة شيخ الجامع الأزهر من مفتي الديار المصرية، ورؤساء المذاهب،
ومدير عموم الأوقاف المصرية، وثلاثة يُختارون من ذوي المكانة والدراية، ممن
تستفيد منهم إدارة هذه الجامعة؛ نظرًا لخبرتهم ومعارفهم في المسائل النظامية
والإدارية.
وجُعل لكل معهد شيخ تُناط به إدارته، وشُكّل تحت رئاسته مجلس إدارة في
الجامع الأزهر ومعهدَيْ الإسكندرية وطنطا؛ للنظر في المسائل التي تقتضي
المشورة؛ وليكون ذلك ضامنًا لحسن سير المعاهد، وكفيلاً لأهلها فيما لهم من
الحقوق، وفيما عليهم أداؤه مما هو مطلوب منهم من الواجبات.
وأباح القانون تعيين وكلاء المشايخ في المعاهد، إذا اقتضت حالة الإدارة ذلك.
وأما بقية المعاهد فجعل أمر إيجاد مجالس الإدارة فيها مَوْكولاً إلى أحوالها
الخصوصية، فإذا ارتقت وأصبح ذلك لازمًا لها، فللمجلس الأعلى أن يقرره بقيود
وشروط مخصوصة.
وحددت اختصاصات كل ركن من أركان هذه الإدارة بما يناسبه على وجه
يضمن حسن سير النظام ورقي التعليم.
ولما كان التعليم في الجامع الأزهر يحتاج إلى مراقبة كبيرة نظرًا لكثرة طلابه
أنشئت فيه ثلاث إدارات للتعليم، لكل قسم من أقسامه الثلاثة إدارة خاصة به تحت
رئاسة شيخ مخصوص؛ ومعه ما يلزمه في ذلك من المراقبين والعمال
(راجع المواد ٥ إلى ٢٠) .
٤- أما العلوم التي تدرس بالجامعة؛ فهي العلوم الدينية وعلوم اللغة العربية
يضاف إليها ما يلزم من العلوم والفنون الأخرى التي تلزم لمثل هذه الجامعة، مما
يكون فيه لطلابها عَوْن على التضلُّع من علومهم الأصلية التي هي المقصد الأول من
وجودها.
وقُسّم التعليم إلى ثلاثة أقسام أولي وثانوي وعالي، وخصصت مواد كل قسم
كما حددت مدة التعليم فيه.
ووضعت البروغرامات، بحيث ينتهي تعليم العلوم التي من النوع الأخير في
نهاية القسم الثانوي، حتى بذلك يتفرغ الطلبة إلى العلوم الأساسية في الجامعة
(راجع المواد ٢٤ إلى ٣١) .
٥- تكفلت (المواد ٣٧ إلى ٣٦) ببيان مبدأ الدراسة السنوية ونهايتها؛ وأيام
العطلة في المواسم المخصوصة لكل معهد بحسب أحوال المدينة التي هو موجود
فيها.
٦- وضعت في الباب الثالث قواعد الامتحان والشهادات، وتقرر أن
الامتحانات تكون نصف سنوية وسنوية، والامتحان الأولي والامتحان الثانوي
والامتحان العالي، وفصلت طريقة إجرائه، وحددت الدرجات التي يُعتبر الطالب
التي يحوزها ناجحًا في الامتحان (راجع المواد ٣٨ إلى ٥٣) .
واعتبرت الشهادات ثلاثًا؛ شهادة للقسم الأولي وشهادة للقسم الثانوي وشهادة
للقسم العالي، وحددت الامتيازات التي تكون لحامل كل واحدة منها بحسب العلوم
التي يكون قد تلقاها.
وأهم ما في هذا القسم هو إلغاء درجات العالمية الثلاث، واعتبار الحاملين
لشاهدة العالمية الجديدة متساوين في الامتيازات المترتبة عليها، مع ترتيبهم بحسب
متوسط درجات الامتحان (راجع المواد ٥٤ إلى ٥٥) .
٧- وفي الباب الرابع بيان شروط الانتساب في الجامعة الأزهرية بالنسبة
للمصريين والغرباء، والشروط التي يمكن قبول الطلبة بها في غير السنة الأُولَى.
وذكرت واجبات الطلبة والمدرسين على وجه الإجمال مما تتكفل اللائحة
الداخلية بتفصيله (راجع المواد ٦١إلى ٧٥) .
٨- واشتمل الباب الخامس على بيان الإجازات الاعتيادية والاستثنائية
والمَرَضية التي يجوز الترخيص بها للطلبة والمدرسين وبقية الموظفين
(المواد ٧٦ إلى ٨٦) .
٩- وذُكر في الباب السادس الأحكام المختصة بتأديب الطلبة والمدرسين
والموظفين، وخُولت السلطة فيها لمجالس الإدارة بصفة ابتدائية بالنسبة لغير الطلبة
وللمجلس الأعلى بصفة مجلس استئناف.
وحُددت العقوبات، وكلها مما هو معروف عند الأزهريين وفي بقية المصالح
واختصت هيئة كبار العلماء بالنظر في أمر من يأتي من العلماء بما لا يناسب
وصف العالمية، وأجيز الحكم عليه من ثلثَيْ الهيئة بإبطال شهادة عالميته راجع
(المواد ٨٧ إلى ١١١) .
١٠- ونُصّ في الباب السابع على إيجاد هيئة من كبار العلماء، يكونون من
الاختصاصيين في الفنون الأزهرية بشروط وقيود مخصوصة (المواد ١٠٣ إلى
١١٥) .
١١- وفي الباب الثامن بيان الأحكام المختصة بميزانية الجامعة الأزهرية
واستقلالها، وفيه إبطال توزيع النقود المعبر عنها ببدل الكساوي، وكذلك مثمن
الغلال القابل للانحلال، ومرتبات أولاد العلماء على النحو الذي كان معروفًا من قبل.
وتقرر إيجاد لائحة خاصة بالتقاعد، وما يعود من ذلك على أولاد العلماء المشار
إليهم (المواد ١١٦ إلى ١٢٠) .
وشُكلت لجنة للحث على تأليف الكتب النافعة لأهل الجامعة، وجعلت لمؤلفيها
مكافآت مخصوصة، وكذلك جُعلت مراقبة الأوقاف التي للجامعة الأزهرية نصيب
فيها حالاً أو مآلاً لشيخ الجامع الأزهر ومجلس الإدارة ومجلس الأزهر الأعلى، مع
المحافظة على ما لديوان الأوقاف من الحقوق والاختصاصات في ذلك.
وشُكلت لجنة لحصر الأوقاف المذكورة، والنظر في توحيد المرتبات المأخوذة
من ريعها، وللنظر في إبدال الجرايات بنقود (المواد ١٢١إلى ١٣٣) ، وبينت
الأحكام المختصة بمنح كساوي التشريف العلمية والمظهرية المواد (١٣٤ إلى
١٣٧) .
١٢- واشتمل الباب التاسع على الأحكام العمومية؛ وهي ترجع إلى بيان مَنْ
هو العالم، وإلى وجوب مراعاة شروط الواقفين، وإلى ما يجب على مجلس الأزهر
الأعلى أن يضعه من اللوائح المختصة بالمكاتب التحضيرية واللائحة الداخلية
للجامعة الأزهرية، ونظام الأروقة والحارات وترتيب درجات المدرسين والموظفين
والتقرير السنوي العام (المواد ١٣٨ إلى ١٤٦) .
١٣- أما الباب العاشر فيشتمل على الأحكام الوقتية، وهي نوعان عامة
وخاصة، فالأولى تختص بأرباب المرتبات الحاليين وبما للأزهر من المرتبات التي
كانت خرجت من الأزهر بأحكام سابقة؛ وبأولاد العلماء من ذوي المرتبات،
وبإبطال التمييز بين المال الذي يأتي للجامعة الأزهرية من ديوان الأوقاف العمومية
وبين المال الذي يأتيها من قِبَل الحكومة وبالعلماء الغير الخصيصين بالجامعة
الأزهرية.
وأما الأحكام الوقتية الخاصة؛ فإنها تتعلق بكيفية سريان هذا النظام، وأنه
خاص بالمنتسبين للجامعة الأزهرية ما عدا طلبة الجامع الأزهر، الذين انتسبوا فيه
قبل وجوب العمل بذلك النظام.
أما هؤلاء، فوضعت لهم أحكام مخصوصة تلائم أحوالهم، وتناسب التعليم
الذي كان متبعًا في الجامع الأزهر قبل ذلك.
(المنار)
إننا لم نكن نظن أن ينال الأزهر هذه المنح الجليلة، في هذه المدة القصيرة،
ومن السنن الإلهية المطردة في الاجتماع والعمران أن الإصلاح والترقي لا ينجح
ويثبت إلا إذا تدرج أهله فيه تدرجًا، وقد قلنا في مقدمة العدد الأول من سنة المنار
الأولى فيما بيّناه من مذهبه وخطته وترشد (أي الصحيفة) العاملين إلى أن
محاولة الطفور غرور، وأن طلب الغاية في البداية عجز وحرمان، وأن مراعاة
السنن الإلهية، ومسايرة النواميس الطبيعية، كافية بفضل الله تعالى لبلوغ كل مقصد
ونيْل كل مرام، فعملا بهذه القاعدة ننصح لإخواننا الأزهريين أن يتلقوا هذا النظام
بالقبول والشكر، والعناية بتنفيذه؛ فإنني أخشى وأنا لا أراه منتهى الكمال أن نعجز
عن تنفيذه، وأن يكون ما روعي فيه من سُنة التدرج تدرجًا سريعًا.
إن المنار عني بالحث على إصلاح التعليم وتوسيع دائرته في الأزهر منذ
أنشئ منذ ١٣ سنة، وكنا ننكر تلك الحالة، فيغضب منا الكثيرون؛ إذ يسمون
الشكوى من تعليم الأزهر إهانة لعلمائه، ثم اتفق سوادهم الأعظم على الشكوى مثلنا
فاتفقنا ولله الحمد، وعسى أن يكون مما نتفق فيه قبول هذا النظام والعناية بتنفيذه،
فقد أعطاهم من السلطة الدينية الرسمية ما لم يكن لهم، ووسع عليهم الرزق الذي
يعينهم على أن يفرغوا للعلم، وأباح لهم تنقيح النظام والتصرف فيه عند الحاجة إلى
ذلك، وما أظن أنهم يغلون فيطلبون الطفرة ويدعون أن ما نراه كثيرًا قليل.
وقد كان مما طلبه الأزهريون إلغاء مدرسة القضاء الشرعي، وكان هذا أشد ما
أنكرته عليهم؛ فهذه المدرسة ستكون أم الإصلاح للجامعة الأزهرية بتخريجها
المعلمين القادرين على تدريس العلوم والفنون التي يسمونها الجديدة، وقد جعلها
النظام الجديد تابعة للأزهر دون نظارة المعارف، فكأن الأزهر ربح بها ما تنفقه
الحكومة عليها، وهو يزيد على عشرين ألف جنيه، وسيعطى الأزهر ثلاثين ألف
جنيه؛ لأجل تنفيذ النظام الجديد، فهل يعذر من لا يشكر الله على هذا النظام ثم
الأمير وحكومته، والنبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول: (لا يشكر الله من لا
يشكر الناس) رواه أحمد وأبو داود وابن حبان من حديث أبي هريرة وأحمد
والترمذي والضياء بلفظ (من لم يشكر الناس لا يشكر الله) ، وبهذا اللفظ أخرجه
السيوطي في الجامع الصغير وعلّم عليه بالصحة.