للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: محمد رشيد رضا


اعتصام الفئتين الكبريين من المسلمين

جاء في بعض جرائد العراق ما نصه:
بسم الله الرحمن الرحيم
بعد الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد خاتم النبيين وآله
وصحبه المنتخبين، قد رأينا أن اختلاف الخمسة الفرق الإسلامية في بعض ما لا
يتعلق بأصول الديانة، والشقاق بين طبقات المسلمين؛ هو السبب الموجب
لانحطاط دول الإسلام واستيلاء الأجانب على معظم ممالكها، فلأجل المحافظة على
كلمة الجامعة الدينية والمدافعة عن الشرعة الشريفة المحمدية، قد اتفقت الفتاوى من
المجتهدين العظام الذين هم رؤساء الشيعة الجعفرية، ومن علماء أهل السنة
المقيمين بدار السلام على وجوب الاعتصام بحبل الإسلام، كما أمر الله به، فقال
عز وجل: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُوا} (آل عمران: ١٠٣)
وعلى وجوب اتحاد كافة المسلمين في حفظ بيضة الإسلام وصون جميع الممالك
الإسلامية من العثمانية والإيرانية عن تشبثات الدول الأجنبية، وهجمات السلطة
الخارجية، وقد اتحد الرأي منا جميعًا تحفظًا على الحوزة الإسلامية أن نبذل تمام
قوانا ونفوذنا في ذلك، ولا نكف عن كل إقدام يقتضيه المقام، واثقين بكمال اتحاد
الدولتين العليتين الإسلاميتين، وعناية كل منها بحفظ استقلال الأخرى وحقوقها،
وقد أعلن لعموم الملة الإسلامية وجوب السكون والتعاون في حفظ استقلال دولتها
العلية، وحماية مملكتها وصيانة ثغورها عن مداخلة الأجانب، فيكونوا كما قال الله
تعالى: {أَشِدَّاءُ عَلَى الكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ} (الفتح: ٢٩) ونذكر عامة المسلمين
الأخوة التي عقدها الله تعالى بين المؤمنين، ونعلن لهم وجوب التحرز والتجنب عما
يوجب الشقاق والنفاق، وأن يبذلوا جهدهم في نواميس الأمة، والتعاون والتعاضد
وحسن المواظبة على اتفاق الكلمة، حتى تصان الراية الشريفة المحمدية ويحفظ
مقام الدولتين العثمانية والإيرانية - أدام الله تعالى شوكتهما بمحمد وآله وصحبه خير
البرية.
... ... ... ... ... ... الأحقر شيخ الشريعة الأصفهاني
... ... ... ... ... الراجي إسماعيل بن الصدر العاملي
(المنار)
لكل عمل وحال أجل، ولكل أجل كتاب، وقد طال الأمد على التفرق
والتدابر بين المسلمين، وقد بح صوتنا وحفيت أقلامنا من كثرة الدعوة إلى
الاعتصام. ولكن كان المفرقون يهدمون ما نبني، حتى قام يوهم الناس بعض
المفتونين بالرياسة أننا غيرنا طريقتنا؛ لأننا نشرنا تلك الرسالة المعهودة لسائح في
العراق، وما كنا مغيرين، ولكن كانوا هم المفرقين، ولم ينس القراء خطابنا في
العام الماضي لعلماء الطائفتين، بالقيام بما يجب من جمع الكلمة في الدولتين،
ونحمد الله أن أجاب دعاءنا، وهذا أول صوت من الفريقين في تلبية طلبنا، وإنا
لنرجو فوق ذلك اعتصامًا واتحادًا.