للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: محمد رشيد رضا


اقتراح صاحب المنار على المؤتمر المصري

بسم الله الرحمن الرحيم
] وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُم بِمَعْرُوفٍ [[١]
أحيي رجال هذا المؤتمر الكرام الذين هم موضع الرجاء في ترقية أهل هذا
القطر السعيد وإعلاء شأنه، وأكاشفهم بما عندي من الرأي، وإن كنت أظن أن
غيري سبقني إليه كله أو بعضه.
إن هذا المؤتمر هو الذي يمثل حياة مسلمي مصر الاجتماعية ودرجة ارتقائهم
وما يرجى لهم من المزيد، وقد سبقهم إلى مثله مسلمو الهند. وإنما نجاحه بثباته
ودوامه، ولا يثبت ويدوم إلا بما تقرر من جعله بمعزل عن السياسة، وحصر
أعماله في ترقية الأمة بالتربية والتعليم والكسب والاقتصاد والتكافل والتضامن في
المصالح والمرافق. وأما تمحيص مطالب القبط وبيان ما هو الحق في هذه المسألة،
فهو أهون أعمال المؤتمر العارضة.
فأقترح على المؤتمر أن يكون له خمس لجان دائمة، تعمل وتسعى لتحقيق
مقصده العالي:
(الأولى اللجنة الإدارية)
يناط بهذه اللجنة كل ما يتعلق بالنظام والإدارة العامة، ويكون أعضاؤها
مختارين من جميع الأحزاب والطبقات.
* * *
(الثانية لجنة التربية والتعليم)
يناط بهذه اللجنة النظر في التربية الدينية العملية والتعليم في جميع المدارس
الأهلية التي للجمعيات والأفراد، وما كان وسيكون لمجالس المديريات لتوحيد
نظامها وموادها وتوسيع دائرتها، فإنه لا شيء يضر البلاد ويفرق كلمة الأمة
كاختلاف التربية والتعليم، ويتألف أعضاء هذه اللجنة من أعضاء تلك الجمعيات
والمجالس ومن نظار المدارس الشخصية. والجمعيات التعليمية عندنا هي الجمعية
الخيرية الإسلامية، وجمعية العروة الوثقى، وجمعية المساعي المشكورة.
وأقترح أن يكون من أعمال المؤتمر التي تنظر فيها هذه اللجنة أولاًّ ثم تحوله
إلى اللجنة الإدارية، مساعدة الجمعية الخيرية الإسلامية على إنشاء مدرسة كلية
إسلامية للبنات، يتربى فيها البنات على عبادات الإسلام وآدابه وأخلاقه، ويعلم
فيها تدبير المنزل، وكل ما تحتاج إليه ربات البيوت بالعمل، وما يعلي أفكارهن
ونفوسهن من العلوم، فإن البيوت لا تصلح إلا بالتقوى والفضيلة والنظام والعلم
والأدب التي تتحلى بها النساء، ويفضن منها على أولادهن.
* * *
(الثالثة لجنة الوعظ والإرشاد)
تناط بهذه اللجنة العناية بأمر العامة في القطر كله بتعيين وعاظ في كل جهة،
يطوفون البلاد والقرى، يعلمون الناس أمر دينهم، وما لا بد منه من أمر دنياهم؛
كالمحافظة على الصحة والألفة والمودة بينهم وبين من يعيشون معهم على اختلاف
مللهم ونحلهم؛ وكالحذر من المرابين والغاشين والمقامرين والدجالين الذين يأكلون
أموالهم بالباطل، وينفرونهم من البدع والخرافات والعادات الضارة في الاحتفالات
والأفراح والأحزان وغيرها، ومن المعاصي الفاشية في الأرياف كالاعتداء على
الأموال والأعراض والنفس والثمرات والزروع وغير ذلك؛ كشرب المسكر
والحشيش، ويكون أعضاء هذه اللجنة من الأزهريين، ومتخرجي دار العلوم،
وجماعة الدعوة والإرشاد.
* * *
(الرابعة اللجنة المالية الاقتصادية)
يناط بهذه اللجنة النظر في ديون الأهالي، وبيان طرق الإرشاد والمساعدة
على وفائها بقدر الإمكان، وفي حفظ الثروة مما يغتالها بجهل أربابها وسفاهتهم؛
كالربا الفاحش الذي أهلك الفلاحين، وفي ترقية الزراعة والتجارة والصناعة في
البلاد. ويكون أعضاء هذه اللجنة من رجال النقابات الزراعية والشركات المالية
على اختلاف موضوعها، ومن كبار المزارعين والتجار. وأظن أن الكثيرين من
أعضاء المؤتمر يبينون هذه المسألة بالإيضاح الذي ليس وراءه غاية يصل إليها مثلي
* * *
(الخامسة اللجنة الخيرية)
يناط بهذه اللجنة النظر في أحوال العجزة والبائسين المستحقين للإعانة على
ضروريات المعيشة، أو على الكسب، أو التربية والتعليم. وتتألف هذه اللجنة من
بعض أعضاء الجمعية الخيرية الإسلامية، وجمعية الملاجئ العباسية، وجمعية
الإسعاف، وجمعية رعاية الأطفال، ومن غيرهم من أهل الفضيلة والفطنة.
ويكون من أهم أعمالها جمع ما يمكن من مال الزكاة وصدقات التطوع وجلود
الأضاحي وغير ذلك؛ وصرفها في مصارفها الشرعية بلا محاباة.
وإني أعرف من الناس من يحار في البحث عن المستحقين للزكاة الشرعية، فإن
أكثر المستجدين الذين يتكففون الناس في الطرق لا يوثق باستحقاقهم؛ لاتخاذهم
الشحاذة حرفة وكسبًا، فإذا وجدت في المؤتمر لجنة من أهل العدالة والتقوى والعلم
يضعون الزكاة في مصارفها الشرعية، فأهلها يسرون بدفع زكاتهم إليها وتوكيلهم
بصرفها للمستحقين لها. وبقيام المؤتمر بهذه وظهور فائدته للناس بسعيه - يقيم هذا
الركن الإسلامي الذي هدم في هذه البلاد، حتى لم يبق منه إلا أثر دارس، وهو ما
امتاز به الإسلام على جميع الأديان.
أقترح على المؤتمر تأليف هذه اللجان ووضع النظام لأعمالها، وأن يكون هو
الصلة بين الجمعيات والنقابات والشركات والمجالس التي تخدم البلاد، فيمدها
بالرأي والمال، ويستمد منها ما يساعده على توحيد المصلحة وتوجيهها إلى المقصد
من ترقي الأمة المادي والمعنوي مع محافظة كل منها على الاستقلال في العمل،
فتكون كأعضاء الجسم، كل عضو يعمل عمله لمصلحة البدن كله.
ويكون المؤتمر كالقلب الذي يمد كل عضو بالدم النقي الذي يقوى به على
عمله.
وأقترح أن يكون للمؤتمر مركز عام في القاهرة، تجتمع فيه اللجان في
الأوقات التي يعينها النظام في أثناء السنة، وتضع كل لجنة منها تقريرًا ينظر
فيه المؤتمر في وقت انعقاده كل سنة، وينفذ ما يمكن تنفيذه إن شاء الله تعالى.
((يتبع بمقال تالٍ))