للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: محمد رشيد رضا


تقرير اللجنة التحضيرية للمؤتمر المصري
المنعقد في القاهرة في ٢٩ أبريل سنة ١٩١١

أيها السادة:
تحييكم لجنة المؤتمر المصري تحية الإخوان المتضامنين، وتشكركم على
أنكم لبيتم نداءها لعقد هذا المؤتمر، واجتمعتم من أطراف البلاد المصرية؛ لخدمة
المصلحة العمومية والنظر في التوفيق بين العناصر المؤلفة للوحدة المصرية التي
كاد يتصدع بناؤها، من جراء مؤتمر الأقباط.
إن الأقباط قد اشتغلوا فيما يشبه الخفاء بتحضير ما سموه جمعيتهم العمومية،
حتى لم يكن بين خبر انعقادها وبين انعقادها بالفعل إلا أيام. ولا شك في أن العمل
على هذه الطريقة مريب، حتى إذا كان الغرض من جمع الجمعية العمومية؛ النظر
في المقاصد القبطية الصرفة التي تتعلق بأحوالهم الشخصية، فكيف به وقد ظهر في
الجمعية العمومية.
إن الأقباط يستقلون ما في أيديهم من السلطة التي مظهرها الوظائف،
ويستكثرون ما في أيدي المسلمين منها، يستظهرون بما سموه كفاءتهم الذاتية،
ويشكون من عدم تقرير أولي الأمر لهذه الكفاءة، يتناسون التقاليد القومية ويطلبون
عطلة يوم الأحد بجانب عطلة يوم الجمعة، يعتبرون أن بين مصلحة
المسلم وبين مصلحة القبطي منافاة، ويريدون أن يحصلوا على امتياز خاص،
يجعل لهم في الهيئات النيابية في بلدنا أعضاء من الأقباط، يدافعون عن مصلحة
الأقلية، كأن الأكثرية والأقلية في الأمم مترتبة على العقائد الدينية، لا على
المذاهب السياسية، يرسلون مبعوثيهم إلى الأمة الإنجليزية؛ لبث شكاوى لا
تشف إلا عن تعصب المسلمين على المسيحيين في مصر.
ذلك كان شكل حركتهم، وتلك كانت مطالبهم، ولا شك في أن الشكل الذي
أخذته هذه الحركة القبطية مريب في ذاته، مفض إلى الظن بأن الأقباط عولوا على
أن يكونوا وحدهم أمة مستقلة، وتذرعوا بهذه المطالب، حتى يصلوا بمعونة إنكلترا
المسيحية إلى أن يكون لهم في مصر؛ وهم الأقلية الضعيفة حق السيادة على
الأكثرية الإسلامية العظمى، ومن البديهي أن عملاً هكذا لا بد أن يؤثر في نفوس
المسلمين أسوأ تأثير، وينتج نتائجه الطبيعية؛ وهي استحكام البغضاء بين الأقلية
الصغيرة وبين الأكثرية الكبيرة، وذلك ليس من مصلحة الأقلية نفسها ولا من
مصلحة الجامعة القومية.
لهذا الاعتبار وإشفاقًا عن الوطن من أن يكون مرسحًا لمظاهر العداوات الدينية
قامت هذه اللجنة بدعوة المؤتمر المصري العام؛ ليبحث في عمل الأقباط وتقديره،
وليزن مطالبهم بميزان العدل، وليبين النافع منها والضار، والممكن وغير الممكن،
ويقرر لهم ما يراه حقًّا من غير أن يحوجهم إلى السعي بإخوانهم وشكايتهم إلى
غيرهم، فإن المصريين أولى بإنصاف المصريين.
إلى ذلك دعت اللجنة بانعقاد المؤتمر أولاً وبالذات، ولكنه لما أن مؤتمرًا
عظيمًا كهذا يجب أن يأتي بأكمل ما يمكن أن يأتي به من الفائدة، رأت اللجنة أن
يتناول المؤتمر البحث أيضًا في المسائل الاجتماعية والاقتصادية، وكل ما له علاقة
بسعادة الأمة ما عدا المسائل السياسية داخلية كانت أو خارجية؛ لأن الظروف التي
فيها مصر الآن من الجهة السياسية لا تسمح بدخول هذا المؤتمر في السياسة من
غير أن يضحي تضحية تامة كل الأغراض التي اجتمع لأجلها، وأن اللجنة لا تشك
في أن كل مؤتمِر من المؤتمِرين، قد حضر إلى هذا المؤتمر عالمًا يقينًا بأن جميع
التقارير التي لها علاقة بالسياسة عن قرب قد أهملت؛ لخروجها عن برنامج
المؤتمر، كما أنها لا تسمح بأي وجه ما لأي مقترح أن يبدي اقتراحًا خارجًا عن
البرنامج المنشور.
* * *
(الأكثرية والأقلية)
لا شيء أضر على البلاد من نتائج ذلك الخطأ الذي يتسرب إلى عقول بعض
المصريين على العموم وكثير من الأقباط على الخصوص. ذلك الخطأ الفاضح هو
تقسيم الأمة المصرية باعتبارها نظامًا سياسيًّا إلى عنصرين دينيين: أكثرية
إسلامية، وأقلية قبطية؛ لأن مثل هذا التقسيم يستتبع تقسم الوحدة السياسية
إلى أجزاء دينية أي تقسيم الشيء إلى أقسام تخالفه في الجوهر. الأمة باعتبارها
كائنًا سياسيًّا ونظامًا سياسيًّا إنما تتألف من عناصر سياسية، كذلك فأيما مذهب
من المذاهب السياسية اعتنقه أفراد أكثر عددًا وأثرًا كان أكثرية وكان الآخر أقلية،
وعلى هذا يمكن فهم الأكثرية والأقليات في كل أمة، وليس للدين في ذلك دخل
غير أن لكل أمة دينًا رسميًّا، وذلك ضروري بل مشخص من مشخصاتها، ودين
كل أمة هو دين حكومتها أو دين الأكثرية فيها، على ذلك يكون من السهل فيهم انقسام
الأمة باعتبار المذاهب السياسية إلى أكثرية وأقليات كلها غير ثابتة، بل متغيرة
بتغير المذاهب السياسية وانتشارها قلة أو كثرة، ولكن من غير المفهوم بالمرة أن
يكون في الأمة أكثر من دين رسمي واحد، وعليه فلا معنى للاعتراف بأقليات
دينية تعمل في السياسة بهذه الصفة، أو تكسب حقوقًا عامة أكثر من أن
يخلى بينها ويبن القيام بواجباتها الدينية عملاً بحرية الاعتقاد.
دين الأمة المصرية هو الإسلام وحده؛ لأنه دين الحكومة ودين الأكثرية في
آن واحد. ذلك أمر بعيد بطبعه عن المناقشات في المصالح الدنيوية العامة التي
تكون بين الأكثرية وبين الأقليات السياسية. ولا شك في أن العمل في السياسة
بالنسبة للأفراد وبالنسبة للمجاميع لا يصح أن تكون قاعدته المنفعة. ويسرنا أن
الأحزاب السياسية في مصر قد سارت على هذا النحو، ولم تلحظ في هيئة تأليفها
ولا في برنامج أعمالها اختلاف المعتقدات الدينية.
بعد ذلك، كيف يمكن الاعتراف بأن أقلية دينية تباشر بهذه الصفة الأعمال
العمومية، ويكون لها مطالب خاصة كأنما هي أقلية سياسية. لا يمكن الاعتراف
بذلك إلا إذا أمكن أن يكون للأمة دينان في آن واحد، وأن يكون أساس الأعمال في
المصالح العامة هو الدين. ذلك غير ميسور التحقق ولا مسلم به في النظر. فمن
الخطأ أن يكون من الأشياء المسلم بها اعتبار أن الأمة السياسية تتألف من عناصر
دينية.
الحقوق والمرافق في مصر، إنما هي على الشيوع بين جميع المصريين على
السواء، لا امتياز لأحد منهم على أحد بسبب كونه مسلمًا أو مسيحيًّا أو يهوديًّا،
ومن الظلم الصارخ أن يقع هذا الامتياز لفرد من الأفراد أو لمجموع من المجاميع؛
بسبب أنه على دين المصريين (الإسلام) أو على دين غيرهم. حسب العالم ما
كان من جراء الانقسامات الدينية، فلا نأتي في القرن العشرين لنجعل الاعتقادات
الدينية أساسًا للامتيازات بين الأفراد في الحقوق الوطنية.
لا نغفل أن نصرح هنا بأن الأحوال في مصر كانت متمشية على هذه القاعدة
من زمن غير قريب، ولكن الحكومة وبعض الصحف قد تركت الناس تفهم أن حفظ
بعض المراكز للأقباط في مجلس الشورى إنما هو للدفاع عن الأقلية، فكان من
نتائج ذلك أن اعتقد بعض الناس هنا أن الأقباط بصفتهم أقلية مسيحية يصح أن
يكونوا بهذه الصفة أقلية سياسية لها مصالح قد تنافي مصالح الأكثرية. وكان هذا
هو الأساس الذي بنى عليه كثير من الأقباط شكاواهم ومدعياتهم. تجسم هذا الفهم
في العقول، واختلط بشيء غير قليل من الطمع في أن يجعل الأقباط لأنفسهم
مركزًا خاصًّا، وتضامنًا خاصًّا، وأندية خصوصية، وجرائد سياسية خاصة للدفاع
عن مصالحهم السياسية، وسمتهم جرائدهم الأخيرة بالأمة القبطية. وقد دل كل ذلك
على أن الخطأ الذي وقعت فيه الحكومة بادئ الأمر قد غذى أطماعهم وقوى شهوتهم
في أن يؤلفوا بصفتهم مسيحيين جامعة قبطية، تندرج في أطماعها من سلم إلى سلم،
حتى تحوز بين يديها السلطة في مصر؛ اعتمادًا على هذا الاحتلال المسيحي،
وعلى أن المصريين أخوف ما يكون من أن يرموا بالتعصب الديني. ولقد ظهرت
هذه المقاصد بارزة في صحفهم بادئ الأمر ثم في مؤتمرهم الأخير.
ولكن علاقتهم بالمبشرين من الأمريكان ورجال الكنائس الإنكليزية والجرائد
الإنكليزية قد خدعتهم كثيرًا؛ إذ جعلتهم يظنون أن في طاقة الاحتلال أن يجعل
مصر مرسحًا للعداوات الدينية، وأن يجعل للأقليات الدينية امتيازات خصوصية
بوصف أنها أقليات دينية، وإلا فإن أولي الرأي من الأقباط كانوا يكرهون إلى عهد
قريب أن يطالبوا بحق من الحقوق السياسية بصفتهم أقباطًا، بل كانوا في مقدمة
الذين يقولون: إنهم مصريون قبل كل شيء، ولا شك في أن المصري قبل كل
شيء لا يطالب بحق إلا بوصف كونه مصريًّا فقط، والمجموع المصري لا يطالب
بحق إلا بوصف أنه مجموع مصري فقط، دون أن يصف نفسه بالمسيحية أو
بالإسلامية.
على أن وصف الأقباط مجموعهم بالأقلية القبطية أو بالجمعية العمومية للأقباط
ومطالبتهم بحقوق أو شكواهم من عدم تنفيذ القوانين بهذا الوصف، واستنادهم على
إخوانهم في الدين من الأمريكان والإنكليز، وبعثهم المبعوثين في إنكلترا؛ لبث
شكواهم.
كل ذلك لا يدل إلا على أنهم يرمون المسلمين بالتعصب الديني. ذلك صريح جدًّا
على الرغم من تلطف خطبائهم في العبارات إلى حد أكثر من التلطف، بل تصريحهم
في مؤتمرهم بأنهم عائشون مع المسلمين على غاية الوفاق، وليس من البعيد أن
التوفيق بين تصريحاتهم في المؤتمر من محاسنة المسلمين لهم (وهذا الواقع) وبين
الأشكال التي اتخذوها لأعمالهم، والوسائل التي اختاروها لإنجاح مقاصدهم، ينتج
في عمومه أنهم وضعوا المسلمين في جانب، وأخذوا يساومون الإدارة الإنكليزية في
مصر على الوظائف التي في يد المسلمين، وهم يظنون أن المسلمين يكفيهم في كل
هذه المساومة أن لا يرموا بالتعصب الديني؛ أو أن يشهد لهم بأنهم حسنوا
السلوك مع إخوانهم الأقباط.
كل ذلك إنما كانت نتيجة اعتبار أن الأقلية الدينية يصح اعتبارها أقلية سياسية
ويصح لها بذلك أن تقوى فتحوز السلطة ومظاهرها باسم الدين، فيجب علينا أن
نصرح بأننا لا نعرف أقلية دينية بين مصالحها وبين مصالح المصريين منافاة، أو
أن مصالحها في حاجة لرعاية خاصة واستثناء في القوانين العامة المطبقة في مصر
على جميع المصريين على السواء. وليس لمجموع ديني أن يكون له من المطالب
السياسية بهذا الوصف إلا فيما يتعلق بالأمور الدينية، وما يتبعها كتنظيم
البطركخانات الملية ... إلخ. وإلا فكل مطلب سياسي من مجموع ديني لا تكون
نتيجته إلا التفريق بين المصريين في المعاملة.
ومع اعتبار أن الشكل الذي تمت عليه مطالب الأقباط ليس مقبولاً؛ لما فيه
من جعل الدين أساسًا للتفريق في المعاملة، فإن اللجنة تقدم للمؤتمر نتيجة بحثها في
تلك المطالب.
(١)
(مطالب الأقباط)
١- عطلة يوم الأحد:
كما أن لكل حكومة دينًا رسميًّا واحدًا، كذلك لها يوم عطلة واحد في الأسبوع،
سواء كان الدين يوجب عطلة ذلك اليوم أو لا يوجبها، وليس لنا أن نبحث في
نصوص الأصول الدينية في هذا الموضوع، بل الذي نراه بين ظهرانينا؛ أن
الإنكليز والفرنساويين والطليان وغيرهم من الموظفين في الحكومة المصرية،
يشتغلون يوم الأحد ويبطلون يوم الجمعة، ولم نسمع إلى اليوم أنهم تركوا دينهم ولا
أنهم طلبوا إلى الحكومة - وهم قادرون عليه - إعفاءهم من العمل يوم الأحد،
ولقد أعفت الحكومة الموظفين المسيحيين من التبكير إلى مصالحهم يوم الأحد، حتى
تؤدى الصلاة، ولا شك في أن المسيحيين الموظفين فيها من المذاهب المختلفة قد
رأوا هذه الرخصة كافية للتوفيق بين قيامهم بأمر الدين وبين واجبهم الرسمي، ولم
يطلبوا عليه المزيد، وكذلك كان الأقباط إلى هذا الشهر الفائت عند انعقاد جمعيتهم
العمومية لا يرون عطلة يوم الأحد، وأقرب الفروض إلى فهم هذه النظرية هو
تعطيل يومين في الأسبوع يوم الجمعة للمسلمين ويوم الأحد للمسيحيين، ولقد ترك
اليهود من غير يوم مع تحرجهم في السبت أشد من تحرج المسيحيين في العمل يوم
الأحد، فإذا قسمت الأيام بين العناصر الدينية وجبت عطلة الأعمال ثلاثة أيام في
الأسبوع! !
اصطلحت الحكومات الإسلامية على جعل يوم الجمعة هو يوم البطالة الرسمي
فأصبحت عطلة ذلك اليوم عادة للحكومات الإسلامية، وواحدًا من تقاليدها القديمة
التي تمتاز بها عن غيرها، فهي بذلك لا يجوز لها أن تعطل غير يوم الجمعة من
أيام الأسبوع، إذا أمكن أن يعطل النظر في مصالح الناس يومين اثنين غير أيام
الأعياد القومية. ذلك، ولأن عطلة يوم الجمعة جزء من السيادة، جرت حكومة
لبنان وهي حكومة مسيحية واليها مسيحي وأكثرية الشعب فيها مسيحية على أن
تعطل يوم الجمعة؛ حفظًا لتقاليد الدولة العلية ذات السيادة عليها.
على أنه من الضروري البحث فيما إذا كان الأقباط غير الموظفين وغير
تلامذة المدارس يشتغلون يوم الأحد أم هم يعتقون أن من يشتغل فيه يقتل؟ الواقع
أن الأقباط في مزارعهم يشتغلون كل الأيام من غير فرق، كما أن المسلمين
يشتغلون في مزارعهم كل أيام الأسبوع من غير تفريق بين الجمعة وغيرها إلا وقت
صلاة الجمعة، فما هي الحاجة لهذه البدعة الجديدة وهي إبطال مصالح الحكومة
ومدارسها يوم الأحد أيضًا.
الظاهر أن الدافع إلى ذلك هو الطمع في انتهاز فرصة الاحتلال المسيحي؛
لإبطال التقاليد الإسلامية والاستهانة بالأكثرية، وتقسيم الشعائر القومية نصفين
متساويين بين أقلية صغيرة بعض أفرادها على دين الإنكليز وبين الأكثرية الكبرى
الإسلامية، تعطل الحكومة أعمالها يومين، كما يجب عليها جريًا على هذا المبدأ
الاحتفال رسميًّا بأعياد الجماعتين على السواء، مع عدم ملاحظة طابع الحكومة
ووصفها الإسلامي، ومع عدم اعتبار أن هناك أكثرية دينها يجب أن يكون الدين
الرسمي لا غيره، وتقاليدها هي التقاليد الرسمية لا غيرها، أمر لم يكن له مثيل في
حكومة من حكومات العالم ولا في إنكلترا نفسها التي ليس لحكومتها إلا دين رسمي
واحد.
لا يظهر أن لهذا الطلب دافعًا غير الطمع في إخضاع الأكثرية إلى أحكام
الأقلية الدينية؛ لأن الطلب مجرد عن المنفعة العملية؛ إذ لو فرض أن الحكومة
تعطل يوم الأحد - وذلك لن يكون بالضرورة - فما الذي يكره الأقباط الفلاحين على
عدم كسر الأحد، وهم يكسرونه مختارين، فأما أصحاب المحلات التجارية القليلون
الذين يقفلون محلاتهم يوم الأحد، فذلك لأن ارتباطهم بالبنوك والحركة التجارية
العامة تقضي بذلك كما يقفل المسلمون أنفسهم، وإذا كان الأفراد الأقباط يشتغلون
مختارين يوم الأحد، فأي نتيجة عملية ينالها المؤتمرون في جمعيتهم
العمومية منذ ذلك المطلب؟
وعهدنا في أولي الرأي من الأقباط أن يدركوا إدراكًا صحيحًا مقدار الخطأ
الذي ارتكبه جماعة المؤتمرين منهم؛ بتقرير مثل هذا القرار الذي مع كونه غير
ميسور الإجابة مطلقًا لا يخلو من الضرر؛ لما فيه من دواعي التفريق بين أفراد
الأمة الواحدة، ولما يستتبعه من سوء الظن بالأقباط، بل يسرنا أن لا يفكر
المسلمون كثيرًا في العوامل الباعثة على مثل هذا الطلب، وأن يقابلوه بغاية
التسامح، ونطلب إلى هذا المؤتمر أن يقرر بعدم إمكانه وعدم فائدته، وبأنه مضر
بالجامعة القومية، فيجب إغفاله والتجاوز عنه.
٢- قاعدة التوظيف في الحكومة:
ليس في قوانين التوظيف في الحكومة المصرية شرط يمنع المصري الكفء
من الوصول إلى أرقى المناصب مهما كان دينه، ولكن الاستقراء يدلنا على أن
بعض الوظائف الإدارية كوظيفة مدير إقليم لم يشغلها إلى الآن غير مسلم، مع أن
الوظائف الأرقى منها؛ كوظيفة قاضي الاستئناف أو وكيل نظارة من النظارات،
أو مركز ناظر، أو رئيس نظار، شغلها ويشغلها الأقباط. ولا طريق لتفسير هذا
التضاد إلا أن تكون الحكومة في تطبيق قانون التوظيف تلحظ الكفاءة من جميع
الوجوه الممكنة، ومن تلك الوجوه الاعتبار الذاتي لحاكم الأقاليم؛ لأن هؤلاء الحكام
الإداريين يلزمهم كثيرًا في تصريف الأمور نفوذهم الذاتي أكثر من قوة القانون،
فمن المسائل الكثيرة التي يجب عليهم القيام بها بمقتضى وظائفهم حمل الأهالي على
المشروعات المفيدة؛ كالمجالس البلدية المختلطة، وكترقية التعليم بوسائل الاكتتاب،
والإصلاح بين العائلات وبين العربان، وعلى العموم فإن تنفيذ الأوامر الإدارية
تسهله كثيرًا اعتبار الحاكم الذاتي، متى أضيف إليها سلطة وظيفته.
ومن المسلم أن الرجل لا يتم له هذا السلطان على محكوميه في حكومة
كالحكومة المصرية، إلا إذا اعتقد الناس فيه عدم التحيز لطائفة دون طائفة وأقرب
الناس إلى ذلك من الحكام هم المسلمون؛ لا لأنهم مسلمون بل لأن التعصب والتحيز
لا يكون من شعار أفراد الأكثرية الدينية، ولكن الحوادث العامة تدل على أن من
دأب الأقلية الدينية - إذا أحبت أن لا تفي في الأكثرية - أن تجتهد في إثبات ذاتيتها
بصفتها مجموعًا خاصًّا مستقلًّا، ولا تفتأ تعطي كل يوم مثلاً جديدًا على تضامنها،
ولقد يؤدي الإفراط في التضامن إلى الوقوع فيما لا يتفق مع نزاهة الحاكم، ذلك
أمر يكاد يكون عامًّا في جميع الأقليات الدينية، وإن كان لدينا من الأمثلة على
نزاهة بعض كبار الموظفين من الأقباط، وعدم تحيزهم وقيامهم بالواجب العام خير
قيام، إلا أن تطبيق الحكومة في قانون التوظيف في الوظائف الإدارية العالية يدل
على أنها تخشى من جراء الإفراط في التضامن بين أفراد الأقلية
ومن الأسف أن الأقباط بقراراتهم الأخيرة في الجمعية العمومية، قد صدقوا
نظر الحكومة فيهم، وأعطوها برهانًا قاطعًا على أنهم يشتغلون بوصف أنهم أقباط
قبل كل شيء، مع أن حاكم الإقليم يجب أن يكون مصريًّا قبل كل شيء.
أجل، إن مما يستحق الأسف أن يظهر الأقباط في مصر بهذا المظهر الذي
تأباه عليهم وطنيتهم، فقد جمعوا جمعيتهم العمومية؛ ليقصروا عملهم فيها على ما
يتعلق بهم وحدهم من الشؤون العامة، ثم صرح بعض خطبائهم بوجود فتور في
العلاقات بين المسلمين وبين الأقباط. ثم طلبوا أن يكون لهم امتياز خاص في
الهيئات النيابية المصرية، بأن يجعل للمسلمين دائرة انتخاب خاصة، وللأقباط
دائرة انتخاب خاصة، ثم يحاسبون على ما يدفعونه من ضريبة الخمسة في المائة
المخصصة للتعليم، يقررون كل هذه الفروق، في حين أنهم يقررون فيما يتعلق
بالوظائف بفناء طائفتهم القبطية في الأمة المصرية، إذ يقولون: إنهم لا يطلبون
وظيفة مدير ولا وزير، بل يطلبون أن لا يكون تنفيذ القانون مانعًا لأي مصري من
الدخول في أية وظيفة ثبتت كفاءته لها.
وبالتوفيق بين جميع نقط التفريق بين العنصرين التي ذكرها الأقباط في
جمعيتهم العمومية، وبين تقريرهم قاعدة الكفاءة بمعناها الأخص لوظائف الإدارة.
يبين أن تقرير الكفاءة ليس غرضًا من أغراضهم الجدية. ولكنهم يرمون إلى
غرض آخر؛ هو التذرع إلى الاختصاص بالسلطة في جميع فروع الحكومة.
نعم.. ليكون الأقباط منتخبين نتيجة منطقية في مطالبهم، يجب أن
يقولوا: إنهم أمة صغيرة مع الأمة الكبيرة، تقاسمها في أيام العطلة، وتقاسمها في
الخمسة في المئة من الضريبة، وتقاسمها في النواب عن البلاد للدفاع عن الأقلية،
وتقاسمها في الوظائف أيضًا، غير أنهم قد رأوا أن نصيبهم من الوظائف أظهر من
أن يستر كالمقاصد الأخرى، فرأوا أن يتذرعوا في هذا الطلب بأنهم مصريون قبل
كل شيء، ولكن في بقية الأغراض الأخرى هم أقباط قبل كل شيء.
إن لم يكن الأمر كذلك، وكان الأقباط حقيقة يريدون أن يكونوا مصريين قبل
كل شيء، يقررون الوظائف بالكفاءة والنيابة بالكفاءة، ويعتبرون أن لا مسلم ولا
قبطي كما اعتبر المسلمون ذلك، فانتخبوا نوابًا من الأقباط في مجالس المديريات
وفي الجمعية العمومية، كما سيجيء بيانه، فلماذا يريدون اختصاص الأقباط
- وليسوا أقلية سياسية - بدائرة انتخاب خاصة، يجمعونهم من أطراف البلاد؛
لينتخبوا كأنما لهم مذاهب سياسية تخالف مذاهب المسلمين.
لا جواب على ذلك إلا أنهم ظنوا خطأ؛ أن الاحتلال الإنكليزي يستطيع أن
يرضي الأقلية، فيذهب بتقاليد البلاد، ويمحو مظاهر المساواة والعدل في أرجائها.
أو أن هذا الاضطراب الذي قاموا به يروق في عين الإنكليز، وهو ظن أبلغ في
الخطأ من سابقه.
ولئن كانوا بتقرير الكفاءة يستقلون ما في أيديهم من الوظائف، فإنه إذا كانت
نسبة الموظفين منهم في المعارف إلى المسلمين ٦ في المائة، فإن نسبتهم للمسلمين
في نظارة الداخلية ٥٩.٦١ في المائة، وليست نسبة مرتباتهم لمرتبات المسلمين قليلة
في هذه النظارة؛ لأن نسبتهم في المرتبات هي ٤٠.٢٨ في المائة، مع أن نسبتهم
العددية للمسلمين لا تتجاوز ٦.٤٣ في المائة، وبالنسبة للثروة لا تتجاوز ١٠ في
المائة، كذلك نسبتهم في نظارة الحقانية ١٥ في المائة في عدد الوظائف و ١٤.٥ في
المائة في المرتبات، كذلك في نظارة المالية نسبتهم إلى المسلمين ٤٦ في المائة
غير الصيارف الذين عددهم ١٨٧٧، مع أن عدد المسلمين منهم لا يتجاوز الخمسين.
كما يظهر من الإحصاء التفصيلي المرفق بهذا التقرير.
كل من يقرأ هذه النسبة بين عدد الأقباط في مصر وبين الموظفين منهم، لا
يرى مناصًا من الميل إلى فكره القائلين بأن الرئيس القبطي متى حل في مركز
الرئاسة تطرف في تطبيق معنى التضامن بينه وبين أبناء دينه، فكانت النتيجة
أن المصالح التي يكثر فيها الرؤساء الأقباط؛ كالباشكاتب، والمراقبين في المالية،
ورؤساء الحركة والبضائع في السكة الحديد لا تكاد تقبل توظيف المسلمين بها،
ولا شك في أن هذه الملاحظة يجب أن تكون درسًا للحكومة تستفيد منه كلما همت
بتعين رئيس قبطي في المصالح.
ولقد كانت هذه الحال غير مجهولة عند المسلمين، ولكنهم كانوا يرون
التصريح بها داعيًا إلى التفريق بين عنصري الأمة، وموطئًا لاتهامهم بالتعصب
بوجه ما. ولكن الأقباط قد رفعوا أصواتهم عالية بأنهم مظلومون فيما يتعلق
بالتوظيف، محرومون من بعض السلطة في الحكومة طالبين الوظائف الرئيسة في
الإدارة. فلم يبق بعد ذلك معنى لعدم إظهار الحالة السيئة التي سارت عليها المصالح
الأميرية إلى الآن.
مهما كان من الاعتبارات التي تقف في طريق القبطي؛ ليكون حاكمًا لإقليم،
سواء كان ذلك من حيث أن في أيدي الأقباط من الوظائف الرئيسية الأخرى ما يزيد
عن الكفاية، أو من حيث أنه لا توجد مديرية من المديريات ولا مركز من المراكز
فيه للأقباط أكثرية أو أقلية كبرى، كما يبين من الإحصاء المرفق بهذا التقرير. أو
من حيث كون المدير أو المأمور عليه بمقتضى وظيفته واجبات يومية لها مساس
عن قرب بالأمور الدينية. فإن ما سميناه بالإفراط في التضامن بين الرئيس القبطي
وأبناء دينه، قد يكون هو أكبر الموانع في الرضى بجعل القبطي مديرًا أو مأمورًا
خصوصًا بعد اليوم الذي ظهر فيه أولو الرأي منهم بالعمل لاختصاص الأقباط
الأقلين بالسلطة دون المسلمين الأكثرين. فإن أول المطلوب في أمر الحاكم أن لا
يكره المحكومون سلطته عليهم. وقد كان الأهالي بعيدين بعض الشيء عن فكرة
التمييز على طريقة ظاهرة معينة بين الموظف القبطي وبين الموظف المسلم.
ولكنهم الآن قد شعروا تمامًا بأن تسامحهم قلب عليهم تعصبًا، وانتخابهم للنواب
الأقباط دون المسلمين في بعض المراكز لم ينل في نظر الأقباط أي اعتبار من
الاعتبارات.
وأنه ليسر اللجنة أن يجيء اليوم الذي فيه يعم الاقتناع بأن الرئيس القطبي
كالرئيس المسلم، يسوي بين الناس في عدله وتصرفاته؛ ليكون مصريًّا قبل كل
شيء.
على هذه الاعتبارات تطلب اللجنة إلى المؤتمر أن يقرر بالرضى عن الطريقة
المتبعة في تطبيق الكفاءة بالنسبة لحكام الأقاليم وإلفات نظر الحكومة إلى ما هو واقع
في بعض المصالح لتضع لذلك حدًّا يمنع من العبث بالمصالح العامة.
٣ - وضع نظام لمجالس المديريات يكفل للأقباط تمتعهم بالتعليم الأهلي:
أباح القانون لمجالس المديريات ضرب الضرائب على الأطيان، بحيث لا
تتجاوز الخمسة في المائة من الضريبة الحالية، وهذه الضريبة تصرف إما على
المشروعات العمومية أو مدارس ابتدائية أو صناعية وزراعية. وهذا لا يعارض
الأقباط فيه، وإنما معارضتهم واردة على ما ينفق على الكتاتيب الأولية ومدراس
معلمي الكتاتيب. ولا ندري وجه هذا الاعتراض، وهم يعترفون أنه لا مانع في
قانون مجالس المديريات يمنع من قبول التلاميذ الأقباط في الكتاتيب، إلا أن يكون
الاعتراض بأن هذه الكتاتيب لا تعلم الدين المسيحي.
إن الجزء الأعظم من الكتاتيب التي تديرها مجالس المديريات إلى الآن
والكتاتيب التي تعينها نظارة المعارف، إنما هي كتاتيب بناها المسلمون، وأجروا
عليها الأوقاف تعبدًا؛ ليتعلم فيها صبيان القرى القراءة والكتابة والقرآن وطرفًا من
الحاسب. وليس في البلاد قانون يمنع صبيان الأقباط من التعلم فيها. وأما مدارس
معلمي الكتاتيب، فإنها تضم جماعة من الفقهاء، يتعلمون شيئًا من أصول التربية،
وأطرافًا من مقدمات العلوم ليكونوا بعد ذلك معلمين للقرآن وغيره في تلك الكتاتيب،
فالقبطي لا يجيد تعلم القرآن ليعلمه لأبناء المسلمين؛ لذلك صار من غير الموافق
أن يكون في هذه المدارس أقباط، ولا غبن في ذلك عليهم؛ لأن العرفاء الأقباط
يتعلمون في الأديرة وما شاكلها؛ ليعلموا الدين في الكتاتيب القبطية.
فإن كان الغرض جعل الدين المسيحي والدين الإسلامي يعلمان في مكاتب
القرى، فذلك غير مستطاع ولا مأمون النتيجة؛ لأن أصول التعليم في تلك الكتاتيب
لا تزال إلى الآن دينية بحتة. لذلك لا يصح الاستشهاد بتخصيص حصة آخر النهار
في المدارس الأميرية لتعليم الدين الإسلامي أو الدين المسيحي؛ لأن هذه المدارس
ليس طابعها في التعليم كطابع الكتاتيب الدينية التي معظم ما فيها من التعليم هو
تعليم القرآن، كما أن الاستشهاد بعمل مديرية القليوبية غير صحيح، لأنها لم تعلم
الدين المسيحي في الكتاتيب الإسلامية بل في المدارس الابتدائية جريًا على نظام
نظارة المعارف.
وأما الكتاتيب فإنها إسلامية إلا في ثلاث قرى وجد فيها عدد من الأقباط يسمح
بإنشاء كتاب مسيحي في كل منها. فأنشئ في كل قرية منها كتاب مسيحي صرف.
وتلك هي أفضل طريقة للتعليم الأولي.
وعلى هذا فالشكوى من نظام مجالس المديريات فيما يتعلق بالتعليم أقرب
إلى أن تأخذ صورة التجني من أن تأخذ صورة الشكوى الجدية. والدليل على ذلك
أعمال مجالس المديريات إلى الآن.
وإن اللجنة في هذا المقام لا يسعها إلا أن تظهر عدم الرضى عن الخطة التي
اختطها بعض مجالس المديريات؛ لتعليم الدين المسيحي في الكتاتيب الإسلامية؛
لأن ذلك خلط في الأنماط التعليمية لا يكون من ورائها إلا نتيجة سيئة؛ وهي إيجاد
متسع للمناقشات الدينية في هذه الأوساط التي لا يزال يغلب عليها الجهل. ولكن
يسرنا أن هذه الطريقة لم تكن عامة في المديريات جميعها، وربما تظهر التجربة
فساد الرأي، ويرجع مجلس المديرية عنه إلى المذهب العام الذي اتخذه معظم
المديريات؛ وهو جعل كتاتيب خاصة بالمسلمين وأخرى بالأقباط.
(مديرية القليوبية) عدد سكانها ٤٣٣٥٤٦ منهم ٨٧٠٣ أقباطًا، ومجموع
ضريبة الخمسة في المائة هو مبلغ ١٣٨٦٨ جنيهًا، يدفع الأقباط منها ٦٨٩ جنيهًا،
وحظهم في التعليم أضعاف ما يستحقون بنسبة ما يدفعون من الضريبة، فإن مجلس
المديرية عنده مدرستان ابتدائيتان في بنها: إحداهما للبنين وبها ١٨٢ تلميذًا منهم
٤٧أقباطًا وميزانيتها السنوية ٩٠٠ جنيهًا، والثانية للبنات وبها ١١٥ تلميذة منهن
٣٥ قبطية وميزانيتها السنوية ٥٠٠ جنيه، وتعليم الدين في هاتين المدرستين في
الحصة الأخيرة من النهار، متى جاءت تلقى كل فريق التعليم الديني في غرفة
خاصة. وسيكون للأقباط ذلك الحظ أيضًا في الثلاث المدارس الابتدائية المقرر
إنشاؤها في مراكز المديرية، فإذا كان متوسط ما يصرف على المدرسة الواحدة
٨٠٠ جنيه في السنة، وكان الأقباط على نسبة الثلث في كل مدرسة كما هو الآن
في المدرستين الموجودتين، كان مقدار ما يصرف على الأقباط في ميزانية مجلس
مديرية القليوبية هو ألف جنيه سنويًّا.
أما الكتاتيب: فإن المجلس قد قرر بشأنها أن تبقى كما كانت مفتوحة الأبواب
للمسلمين وغيرهم في جميع القرى. ومما يستحق الذكر أن المجلس ضم إليه كتابين
قبطيين ليديرهما، وقرر إنشاء كتاب قبطي صرف في إحدى القرى، وتبلغ نفقات
إنشائه ٣٠٠ جنيه، وتبلغ نفقات الثلاثة الكتاتيب ٢١٠ جنيهات سنويًّا، فهل يمكن
أن يقول الأقباط: إنهم مظلومون في ضريبة الخمسة في المائة في هذه المديرية؟
(مديرية الشرقية) لم يبتدئ مجلس هذه المديرية فعلاً في أمر التعليم، بل
كل أعماله تجهيزية، ولم يظهر له طريقة اتبعها في ذلك يمكن لأحد أن يأخذ عليه
أو يشكو منها.
(مديرية الدقهلية) قرر مجلسها أن القرى التي يقل فيها عدد الأقباط، يقبل
أبناؤهم في الكتاتيب الموجودة بها. وأما في التي يحتمل عددهم فيها إنشاء كتَّاب
قبطي فالمجلس مستعد لإنشائه، وقد قرر هذا المجلس منح مدرسة قبطية للبنات
إعانة سنوية وصرفها لها فعلاً من سنة ١٩١٠، وقرر المجلس أيضًا إنشاء كتاب؛
لتعليم أبناء الأقباط في صهرجت الكبرى، وسينفذ القرار في هذا العام. أما في
غير التعليم الأولي فالأقباط والمسلمون سواء.
(مديرية الغربية) لم يشرع المجلس حتى الآن في اتخاذ طريقة للتعليم،
ولكن المجلس عندما يقرر الإعانات في المعاهد الأهلية، لا بد أن يعامل كتاتيب
الأقباط وكتاتيب المسلمين على السواء.
(مديرية المنوفية) لم تنته المدارس والكتاتيب التي قرر المجلس إنشاءها،
وطلبات إعانة المدارس القبطية تحت نظر المجلس.
(مديرية البحيرة) كذلك في هذه المديرية تصرف الإعانات لجميع الكتاتيب
على السواء. وأما المدارس الابتدائية فمفتوحة للأقباط والمسلمين بحسب بروجرام
نظارة المعارف. ويوجد الآن في مدرسة شبراخيت ٢٦ تلميذًا قبطيًّا منهم ٥ مجانًا.
ومجموع تلامذة المدرسة ٢٠٨، وكذلك في مدرسة المحمودية ١٢ قبطيًّا منهم اثنان
مجانًا، وعدد جميع التلاميذ ٢٠٥، ويلاحظ هنا أن نسبة الأقباط للمسلمين في هذه
المديرية هي ١ وثلاثة أعشار في المائة.
(مديرية الجيزة) قرر المجلس أن دروس القرآن بعد الظهر. وأما قبل
الظهر فللتعليم العام في الكتاتيب للمسلمين وغير المسلمين، وقد قرر هذا المجلس
في ٢٧ يوليو سنة ٩١٠ أنه إنما بلغ عدد الأقباط في الكتاتيب ٣٦ تلميذًا، يعين لهم
المجلس معلمًا يلقنهم الدين المسيحي في الوقت الذي يتلقى فيها المسلمون دروس
القرآن.
(مديرية بني سويف) المعاهد التابعة للمجلس هي مدرسة بني سويف
الصناعية وتلامذتها من المسلمين والأقباط، وتقرر إنشاء مدرستين ابتدائيتين
أخريين سيكون الحال فيهما كذلك، وقد تقدمت طلبات إعانة من الجمعية الخيرية
القبطية، والمدرسة الإنجليزية، والمدرسة الطليانية، والمجلس ينظر في تقديم
الإعانة إليها جميعًا.
(مديرية الفيوم) في مدرسة الصنائع وفي مدرسة البنات الأمر سائر على ما
هو عليه في غيرها. وأما التعليم الأولي فقد قرر المجلس إنشاء كتاتيب للأقباط،
يعلم فيها الدين المسيحي في القرى التي يسمح عددهم فيها بذلك، وقرر أيضًا أنه
متى كان عدد التلامذة الأقباط في الكتاتيب الإسلامية يسمح بوجود معلم للديانة
المسيحية، يعين المجلس لهم معلمًا دينيًّا.
(مديرية المنيا) في هذه المديرية وضعت اللجنة العلمية المبادئ التي تتبع
في الكتاتيب، وكان من أعضائها عضوان مسيحيان من قبل مطران المنيا وهذه
القواعد هي:
١ - إن مواد التعليم في الكتاتيب واحدة، وأن يعلم في الكتاتيب المسيحية
الكتب الدينية التي اقترحها العضوان المسيحيان ويخصص لها الحصص المخصصة
في الكتاتيب الإسلامية؛ لتعليم الديانة والقرآن، وللكتاتيب المسيحية الحق في
تغيير تلك الكتب بشرط تصديق اللجنة العلمية وبلغ هذا القرار لسيادة مطران
المنيا ومطران بني سويف.
٢ - أن تكون الكتاتيب مفتوحة الأبواب لجميع التلامذة بصرف النظر
عن اختلاف دينهم.
(مديرية أسيوط) قرر مجلس هذه المديرية إدارة ٧٩ كُتَّابًا منها ٩ كتاتيب
للأقباط، يتولى المجلس الصرف عليها جميعها بلا استثناء، ويكون التعليم فيها
جميعًا مجانًا. وأما الثلاث مدارس الابتدائية فهي مفتوحة الأبواب للجميع، وفي
هذه المدارس الثلاث ٢٠ في المائة من الأقباط، والأقباط فيها يعلمون دينهم
كالمسلمين على السواء.
أما المعاهد العلمية فقد خصص لها المجلس إعانة ٢٠٠٠ جنيه في السنة، تأخذ
المعاهد القبطية منها حظها.
(مديرية جرجا) يدر المجلس أربع مدارس ابتدائية للصبيان، وفيها ٤١٠
تلميذًا منهم ١٨٨ أقباطًا، فيكون نسبتهم للمسلمين هما ٢٤ وثلاثة أرباع في المائة،
مع أن نسبة ما يدفعه الأقباط من الضرائب في المديرية هي ٢٠ في المائة، وهذه
المدارس قد بنيت على نفقة المسلمين خاصة، وقد أنشأ المجلس مدرسة للبنات فيها
٧٠ تلميذة منهن ١٤ قبطية، وقد تنازل المسلمون للمجلس عن ٢٩ كتابًا، ولم
يتنازل له الأقباط عن شيء، وقد أدارها المجلس وفتح أبوابها للمسلمين والأقباط
على السواء، فيها الآن عدد غير قليل من الأقباط، وقد أوجد المجلس دروسًا
خصوصية في مراكز المديرية؛ لإرشاد معلمي الكتاتيب، وتلقي هذه الدروس مباح
للمعلمين المسلمين والمعلمين الأقباط على السواء. أما فيما يتعلق بتعليم الدين، فقد
اتبع فيه المجلس طريقة نظارة المعارف في مدارسها. وأما في الكتاتيب فما ينشئه
المجلس منها للأقباط خاصة يعلم فيها الدين المسيحي.
(مديرية قنا) اتبع مجلس هذه المديرية في غير التعليم الأولي الطريقة
المتبعة في المديريات الأخرى. أما في التعليم الأولي فالكتاتيب مفتوحة لأبناء
الأقباط، وفي القرى التي يكثر فيها عددهم قرر المجلس إنشاء كتاتيب خاصة بهم،
وتقرر فعلاً بناء أربعة كتاتيب مسيحية في جهات مختلفة: وبروجرامها هو
بروجرام الكتاتيب الإسلامية، مع إبدال دروس القرآن بدروس الديانة المسيحية،
حسبما يقرره رؤساء الديانة.
(مديرية أسوان) لم ينشئ المجلس كتاتيب إلى الآن في هذه المديرية لا
للمسلمين ولا للأقباط، وفي غير التعليم الأولي الأمر على ما هو عليه في
المديريات الأخرى.
هذا هو بالإجمال طرف من الواقع في مجالس المديريات نعرضه على
المؤتمر؛ ليرى ما إذا كان هناك محل للشكوى من تصرف هذه المجالس، وهل
هناك حاجة لوضع نظام جديد يكفل تعليم أبناء الأقباط أكثر من النظام الذي اتخذته
هذه المجالس؛ وهي لم تكد تخطو خطوة صحيحة بعد في سبيل التعليم لجدتها.
ومن الضروري أن نلفت النظر في هذا المقام على حالة التعليم في نظارة
المعارف بالنسبة للأقباط، وإن لم تكن موضعًا للشكوى، ولكنها كان من شأنها أن
تجعل إخواننا الأقباط راضين بحالهم من غير أن يتعرضوا على الإلحاح في قسمة
ضريبة الخمسة في المائة بين المسلمين وبين الأقباط، تلك الضريبة التي ظهر أن
ليس لهم حق في الشكوى من طريقة توزيعها، والتي إن لم يأخذوا أكثر من حقهم
فيها فلن يغبنوا قياسًا على حالهم في المرافق المصرية الأخرى، ولو انتظروا إلى
أن تملك مجالس المديريات خطة سيرها النهائي لكانوا أحسنوا صنعًا.
يوجد في المدارس الابتدائية لنظارة المعارف ٦٦٣٩ تلميذًا من المسلمين
يقابلهم ١٣٤٨ من الأقباط، فتكون نسبة الأقباط للمسلمين في التعليم الابتدائي ١٧
في المائة، وفي المدارس الابتدائية للبنات ٤٩٣ مسلمة معهن أربع قبطيات فقط،
فتكون النسبة ٢.٩ في المائة. وأما المدارس الثانوية فعدد تلامذتها ١٦٢٨
والأقباط ٥٤١، فيكون نسبة الأقباط إلى المسلمين في هذا النوع ٢٤.٦ في المائة،
وأما في المدارس الخصوصية؛ كمدرسة الزراعة، ومدرسة الفنون والصنائع،
ومدرسة الصناعة بالمنصورة.. إلخ، فإن نسبة عدد الأقباط للمسلمين هي ٢.٦٢
في المائة. أما في المدارس العالية فإن متوسط نسبة الأقباط إلى المسلمين في هذا
النوع من التعليم هو ٢٩.٢ في المائة. على ذلك يكون متوسط نسبة التلامذة
الأقباط إلى المسلمين في نظارة المعارف ١٧.٢٦ في المائة، فأين تلك الحقوق
المهضومة للأقلية، حتى يمكنها التصدي للدفاع عنها بالطرق المختلفة.
نزيد على ذلك أن من ميزانية نظارة المعارف مبلغ ٣٠٠٠٠ مسمى إيراد
المكاتب الأهلية، وهذا الإيراد هو ربع أوقاف إسلامية أهمها اثنان: أحدهما: وقفه
المرحوم إسماعيل باشا الخديوِ الأسبق وقدره ٢١٩١٨ فدانًا؛ ليصرف ريعه على
ما تحتاجه المكاتب الأهلية. والثاني: وقفه المرحوم توفيق باشا الخديوِ السابق
وهو أملاك في القاهرة؛ نصف للمكاتب والنصف للمساجد، وهذان الوقفان
إسلاميان يجب صرفهما كشرط الواقفين على المكاتب الإسلامية. ولكن هذا الربع
يصرف الآن على عشرين مدرسة تابعة لنظارة المعارف، سميت مدارس المكاتب
الأهلية وعدد تلامذتها ٤٥٠٥ منهم ٣٥٥١ مسلمًا و٨٦٧ قبطيًّا و٨٧ من ديانات
أخرى، فيكون التلامذة الأقباط ينتفعون من الوقف الإسلامي الصرف بربع ريعه
تقريبًا، ولم يقل المسلمون في ذلك شيئًا.
زد على ذلك أن كتاتيب أوقاف المسلمين يصرف عليها من ديوان الأوقاف
سنويًّا ١٦٥٠٠ جنيه، وفيها من الأقباط عدد غير قليل، وكذلك الكتاتيب التي
تعينها الحكومة يصرف عليها من ميزانية الحكومة ٢٣٠٠٠ جنيه في السنة وفيها
٣٢٣٩ تلميذًا من الأقباط.
يبين من هذا الإحصاء المختصر أن حال الأقباط في التعليم سواء كان أوليًّا أو
غير أولي، هي حالة يغبطون عليها. فلا يغلو الذي يقول: إن هذا المطلب أشبه
بالتجني منه بالشكوى الصحيحة.
كان العدل أحق أن يتبع؛ لأنه خير واسطة للرضى بين العناصر المؤلفة
للأمة، ولقد يكون التسامح من أنفع وسائط التوفيق بشرط أن يعترف بأنه تسامح،
وأن لا يشعر بأنه غفلة أو استكانة؛ لأنه في هذه الحالة يكون عظيم الضرر على
المصلحة وعلى أخلاق العنصرين جميعًا.
العدل يقضي بأنه إذا حق للأقلية الدينية أن تطلب أن يصرف على أبنائها في
الكتاتيب بنسبة ما تدفعه من ضريبة الخمسة في المائة، مع أن مجالس المديريات لم
تملك بعد ميزان خطتها التعليمية، فقد حق للأكثرية أن تطلب تعليم أبنائها من
نظارة المعارف العمومية على نسبة ما يخص الأكثرية من الميزانية العمومية.
العدل يقضي بأن نسبة التلامذة الأقباط في المدارس الأميرية لا يجوز أن
تزيد على نسبة ما يدفعه الأقباط من الأموال الأميرية.
قد تلاقي هذه الفكرة بادئ بدء غضاضة على النفوس؛ لأنها تنتج حرمان
شخص يريد التعلم من أن يتعلم بحجة أنه قبطي، ولكن الذي يقدر الأشياء تقديرًا
صحيحًا لا يلبث أن يقتنع بأن هذه القاعدة بعيدة عن الانتقاد سليمة من الجور.
نعم.. هي فكرة بعيدة عن الانتقاد؛ لأن أبناء المسلمين يريدون أن يتعلموا
كما يريد أبناء الأقباط أن يتعلموا، ولا يمكن إيجاد توفيق عادل بين الإرادتين إلا
قبول الطرفين كل على نسبة ما يدفعه لخزينة المعارف من النقود؛ وإلا فإن الأقباط
يدفعون من الأموال الأميرية على نسبة العشر مما تدفعه الأكثرية، فيكون كل ما
زاد عن ١٠ في المائة من التلاميذ الأقباط يتعلم مجانًا على مصاريف الأكثرية في
حين أن أبناءهم أنفسهم محرومون من التعليم الذي يسعون إليه.
حقيقة كان ينبغي للأكثرية من باب إكثار عدد المتعلمين، أيًّا كان أن يتعلم
أبناء الأقلية في مدارس الحكومة مجانًا على مصاريفها؛ كان ينبغي ذلك لو أن
المدارس تقبل عددًا غير محدود، فأما وتلامذة التعليم الابتدائي وتلامذة التعليم
الثانوي بل تلامذة التعليم العالي كلهم يقفون على أبواب المدارس، وفي أيديهم
المصاريف المدرسية فترتج أمامهم أبوابها؛ لأن المدرسة قد استوفت العدد المقرر لها،
بل العدد الذي تسعه بالفعل ولا تسع غيره، أما والحال كذلك فتكون الأكثرية
محقة فيما إذا طلبت أن لا يزيد عدد التلامذة الأقباط في مدارس الحكومة عن العشر.
ذلك هو العدل، ومؤتمر أسيوط يقول: إن العدل أحسن الطرائق لحسن
التفاهم واستدامة المودة بين العنصرين.
فإذا كان العدل داعيًا للتوفيق، فإن التسامح أدعى إليه. وقد ثبت جليًّا أن
الأقباط يأخذون بتسامح المسلمين من ضريبة الخمسة في المائة أكثر من حقوقهم؛
لذلك يكون الطلب المتعلق بتلك الضريبة باطلاً ولا محل له.
٤- وضع نظام يكفل تمثيل كل عنصر مصري في المجالس النيابية:
حتى هذا المطلب فإنه على جماله، قد كسي هو أيضًا ثوبًا من التعرض شوه
جماله وحوله عن مركزه العالي، وطبعه بطابع بقية المطالب الأخرى. يتلخص
هذا المطلب في أن الأقلية الدينية غير ممثلة تمثيلاً كافيًا في الهيئات النيابية؛ لأن
أفرادها أشتات في المراكز والمديريات المختلفة، فيراد تعديل قانون الانتخاب بكيفية
تمكن الأقباط من أن يمثلوا في الهيئات النيابية في مصر.
والواقع أن قانون الانتخاب على صورته الحالية لا يستطيع أن يمثل جميع
أجزاء الأمة في المجالس النيابية، ونعني بأجزاء الأمة أجزاءها السياسية لا الدينية،
فإن من الأقباط في كل حزب من الأحزاب المصرية التي يمثل كل منها خطة
خاصة - وإن كانت تلك الخطة كثيرة التقارب بعضها من بعض - إلا أن بينها مع
ذلك من الفوارق ما يجعلها متغايرة نوعًا ما، فإذا كان المراد تقليد قانون الانتخاب
البلجيكي وجب أن لا تكون الأقليات المختلفة أقليات دينية، بل أقليات سياسية كما
هو الحاصل في تلك البلاد.
يقولون في ذلك قولاً يدل بظاهره على التودد للمسلمين والتقرب منهم، ولكنه
يشف دائمًا على شبه إنذار بأنه إن لم توافق الأكثرية على منح الأقلية الدينية
نظامًا يكفل لها تمثيلها في المجالس النيابية، كان الإخاء المصري لفظًا لا معنى له،
والمساواة معنى معطلاً من كل نتيجة عملية.
على أن الذي يريد الإخاء الحقيقي والمساواة الكاملة بحسب الإمكان، لا ينبغي
له أن يدعو إلى بناء كيان سياسي للأقلية الدينية، بل يجب عليه أن يمحو الفروق
الدينية بالمرة من الاعتبارات السياسية، ويدعو المسلمين لانتخاب الكفء ولو قبطيًّا،
والأقباط لانتخاب الكفء ولو مسلمًا، وأن يمزج المصالح المشتركة بين المسلمين
وبين الأقباط، حتى لا يشعر أحدهم في الأعمال العامة بمخالفة جاره إياه في دينه،
ولا يحاول جمع الأقباط في صعيد واحد؛ لتكون لهم دائرة انتخاب بعينها؛ لأن هذا
يدل دلالة واضحة على أن الأقباط لا يستريحون ولا يصدقون بالإخاء والمساواة إلا
إذا مكنوا من انتخاب أقباط مثلهم، وذلك بالضرورة قسمة والقسمة تنافي الوحدة.
وذلك تفريق للعناصر الدينية المختلفة وتعليم لها على أن تجمد على اعتبار الاعتقاد
الديني فارقًا قوميًّا يرجح على المصلحة العامة، ذلك تنبيه إلى أن المسلم من شأنه
أن لا يدافع عن مصلحة القبطي، والقبطي من شأنه أن لا يدافع عن مصلحة المسلم،
إن سلوك مثل هذا الطريق لا يتفق مطلقًا مع ما يقولون به من المساواة، وما
ينادون به من أن الأقباط مصريون قبل كل شيء.
لو أن طائفة المتعلمين في البلد أو بعض بطون هذه الطائفة المتعلمة؛
كالمحامين أو المهندسين أو الأطباء أو المعلمين ... إلخ. أو أن حزبًا من الأحزاب
السياسية ذا مبادئ معروفة وخطة مرسومة؛ قام فأظهر أن مبادئه ليست ممثلة في
الهيئات النيابية، وطلب تعديل قانون الانتخاب لكان ذلك واضحًا مفهومًا. ولكن
أقلية دينية تقول بالمساواة، وتظهر بالسعي في محو الفروق بين أفراد الأمة
تجيء في الوقت عينه تصرح بأن لها حقوقًا تنافي حقوق الأمة، وأنها لا بد لها من
أن تعتبر نفسها أقلية سياسية؛ كالأقليات السياسية البلجيكية؛ لتجعل انتخاباتها في
معزل عن انتخابات المسلمين؛ لأنها لا تأمن المسلمين على مصالحها في الهيئات
النيابية، وما أجدر الذي يطلب هذا الطلب إلا بأن يقول: نحن الأقباط أقلية دينية،
كلنا على مذهب واحد في السياسة يخالف مذهب الأمة المتعصبة علينا، فحفظ
وجودنا السياسي يقتضي أن تكون لنا دوائر انتخاب خاصة.
والذي يقول ذلك، يجب عليه أن يعترف بأنه يرمي إلى أن تصير أقليته يومًا
من الأيام أكثرية تحوز في يدها السلطة على البلاد. وذلك هو الأمل الذي تعيش به
كل أقلية من الأقليات السياسية. ولكن لا يستطيع الأقباط بوصف أنهم أقلية دينية
أن يصبحوا أكثرية سياسية، ما داموا يمزجون الدين بالسياسة، وما دام برنامجهم
أنهم أقباط قبل كل شيء.
إذن يجب علينا أن نصرح بأن هذا المطلب خطأ في أصله، ولكن مسئولية
الخطأ واقعة على الحكومة كما بينا سابقًا؛ لأنها تركت الناس يفهمون أنها تحفظ
للأقلية الدينية مراكز سياسية للدفاع عن مصالحها، فأما لو كانت تنتخب ما تراه هي
كفؤًا لأي كرسي يخلو في مجلس شورى القوانين، من غير نظر إلى أقلية دينية،
فمرة يصيب الانتخاب قبطيًّا ومرة يصيب مسلمًا، وحينًا يكون في المجلس خمسة
من الأقباط أو ستة، وأحيانًا لا يكون ولا واحد. لو كانت الحكومة جرت على هذا
المبدأ في مجلس الشورى؛ لما وقع الأقباط في هذا الخطأ العظيم، ولما ظنوا أن
أقليتهم الدينية يمكن أن تعتبر أقلية سياسية، ولكن ذلك كان.
ومع هذا كله، فهل يمكن للأقباط أن يشكوا من معاملة المسلمين إياهم في
الانتخابات العمومية؟
انتخب أحد الأقباط في مركز قليوب، ونال الانتخاب ضد أكبر أعيانها
المسلمين، وهو الوكيل الدائم لمجلس شورى القوانين، وما انتخبه إلا المسلمون.
انتخب كذلك بمركز السنطة أحد الأقباط، وكل منتخبيه من المسلمين.
انتخب أحد الأقباط نائبًا عن مركز الصف، وعدد مندوبي الانتخاب في هذا
المركز أربعون مندوبًا ليس منهم أقباط إلا أربعة.
انتخب أحد الأقباط نائبًا عن مركز بني مزار وعدد مندوبيه ٥٠، وليس منهم
أقباط إلا خمسة.
انتخب أحد الأقباط نائبًا عن مركز الفشن وعدد مندوبيه ٣٦، وليس منهم
أقباط إلا أربعة.
انتخب أحد الأقباط نائبًا عن مركز ديروط، وعدد مندوبيه ٥٨ منهم خمسة
أقباط فقط.
انتخب أحد الأقباط نائبًا عن مركز أبو تيج، وعدد مندوبيه ٣٧ منهم ستة أقباط
فقط، كذلك انتخب قبطي نائبًا في الجمعية العمومية عن مديرية الجيزة، وليس لها
إلا نائبان فقط أحدهما مسلم والآخر قبطي، مع أن عدد مندوبي الانتخاب في
المديرية ١٧٣ ليس فيهم إلا قبطيان.
كذلك انتخبت مديرية المنيا عنها نائبين للجمعية العمومية: أحدهما مسلم
والثاني قبطي، مع أن مجموع مندوبي الانتخاب في المديرية هو ٢٧٣ منهم ٢٤
قبطيًّا فقط.
أمام هذه الإحصائية، يجب أن يدرك إخواننا الأقباط - ونخص منهم الشبان-
أن علاقات المودة والثقة، لا يمكن أن تجد مظهرًا أوضح من هذا المظهر لإقناع
كل منصف أن المسلمين لا يقيمون وزنًا لاختلاف العقائد الدينية فيما يتعلق
بالانتخاب، فأية مصلحة من مصالحهم قد ضحيت أكثر مما تضحى مصالح
المسلمين بالطريقة الحاضرة للانتخاب؟
على أن المسلمين في الهيئات النيابية الكبرى ليسوا ممثلين تمثيلاً يفوق
تمثيل الأقباط. فإن الجمعية العمومية فيها ٧٦ عضوًا منهم خمسة أقباط، أي بنسبة
سبعة في المائة، وكذلك مجلس شورى القوانين عدد أعضائه ثلاثون منهم ثلاثة
أقباط، أي أن نسبتهم للمسلمين تساوي ١٠ في المائة، على أن نسبتهم لمجموع عدد
السكان لا تتجاوز ٦.٤٣ في المائة.
كذلك في المديريات التي يرشح الأقباط فيها أنفسهم للانتخاب، فإنهم ممثلون
فيها تمثيلاً فوق نسبتم العددية، فمديرية الجيزة يمثل أقباطها في الجمعية العمومية
على نسبة ٥٠ في المائة، وفي مجلس المديرية يمثل الأقباط على نسبة ١٠ في
المائة، مع أن نسبتهم في تلك المديرية ٢ وثلاثة أخماس في المائة من سكان
المديرية.
كذلك مديرية المنيا أقباطها ممثلون في الجمعية العمومية على نسبة ٥٠
في المائة؛ لأن أحد مندوبيها قبطي. وهم ممثلون في مجلس المديرية على نسبة
١٦ وستة أعشار في المائة، ونسبتهم إلى المسلمين في هذه المديرية هي كذلك ١٦
وتسعة أعشار، كذلك في مديرية أسيوط في مجلس مديريتها عضوان من الأقباط،
أي نسبتهم في المجلس ناقصة نوعًا عن نسبتهم العامة لعدد السكان؛ لأن المرشحين
فيها من الأقباط على ما يظهر أقل حظًّا من إخوانهم في المديريات الأخرى،
ويلاحظ على كل حال أن منتخبي هؤلاء هم من المسلمين.
على أي جهة قلب هذا المطلب لا يمكن فهم معناه إلا على أنه مظهر
للروح العامة المنتشرة في مطالب الأقباط، وهي أن مؤتمريهم يرمون إلى حيازة
السلطة في أيديهم؛ ليرجحوا كفة الأقلية الدينية على كفة الأكثرية في حكم البلاد.
لذلك وجريًا على قاعدة أن الأقلية الدينية لا يصح أن يكون لها بهذا الوصف
امتيازات سياسية خاصة، تطلب اللجنة إلى المؤتمر أن يقرر بعدم صلاحية هذا
المطلب على الحالة التي هو عليها؛ اتقاء لنتائجه المضرة بالوحدة القومية، وبأن
الحالة الراهنة قاضية بتعديل قانون الانتخاب بطريقة تتفق مع مقتضيات الحالة
الاجتماعية الحاضرة.
(له بقية)