للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: محمد رشيد رضا


مختارات
آراء أديسون
في مستقبل البشر السعيد بالصناعة

لكبراء الرجال في قياس الآتي على ما قبله، وفي سير الاجتماع البشري
والعلوم والفنون والأعمال، وقد يصور أحدهم المستقبل في صور خيالية، يقول:
إن حصولها من المحالات العادية، ثم يقع ما تصوره في زمن بعد زمنه. نقول
هذا تمهيدًا لنشر ما نقلته إحدى الجرائد الأمريكية من آراء أديسون؛ صاحب
الاختراعات الكهربائية الشهيرة في مستقبل البشر، نقلناه عن جريدة مرآة الغرب
العربية التي تصدر في نيويورك قالت ما نصه:
نشرت مجلة كوسوبوليتان أفكارًا منسوبة إلى أديسون أمير رجال الاختراع،
والأجدر بأن ندعوها نبوات لتقدم خيرات العلم والصناعة قال ما معربه:
إن الاختراع لا يزال حتى اليوم في دور الطفولية، وسينمو مع الأيام فيبلغ درجة
الرجولية فالكمال، ورجوليته غير بعيدة، فسيرى بنو القرن الآتي الآلات المعدنية
مثل الدماغ الصحيح دقة وسرعة وتباريه إدراكًا.
ولسوف ينظر الناس أن كل الأصناف المراد نسجها وصنعها توضع أصولها
في أحد جانبي الآلة، فتخرج من الجانب الآخر تامة النسج والصنع، وذلك
كأصناف الأقمشة والأزرار والخيوط والورق، فإنها تصبح بدلات تامة خارجة في
صناديق من ورق معدة للاستعمال.
وهكذا قل عن الكتب، فإنها ستغادر الآلة مجلدة تجليدًا متقنًا. والقطع الخشبية
توضع في الطرف الواحد قطعًا متفرقة، فتظهر من الطرف الآخر رياشًا
ومفروشات؛ كالكراسي والمقاعد والمناضد وهلم جرا.
ومن نبوات أديسون؛ أن الإكثار من معدات القتال سينتهي: إما إلى ثورة
عمومية أو إلى سلام شامل، وقد يحدث قبل صحة هذه النبوة حرب واحدة أو أكثر.
إن كل حكومة لا تبالي بمراعاة السنة الطبيعية القادمة تسقط بأيدي شعبها
الذي تحكمه. ويعني أديسون بتلك المراعاة اعتبار مجلس الهاغ السلمي محكمة
الكون العليا.
ونظر أديسون أيضًا إلى المستقبل نظرة سياسية وصناعية، فقال معتقدًا أن
نزاعًا صناعيًّا هائلاً سيظهر للوجود، فيهدد كثيرين من ملوك الأرض وعظمائها،
ويقلق مراكزهم وهو الآن بارز في أوربا، وسيمر بعد عشر سنوات مقابل
(صندي هوك) فمدخل ميناء نيويورك؛ ليحل في هذه البلاد.
وسوف لا يعود من أثر للفاقة بعد انقضاء مائة سنة منذ الآن، حتى لا يعود
من الممكن تحديد رخص المصنوعات بين ضرورية وكمالية لشعوب الأرض.
وإن طوفًا صناعيًّا غامرًا لمحمول على قوادم الأيام القادمة، فلينتظره الناس
وينعموا به، وهو على فخامة جوهره رخيص القيمة زهيدها.
أنى للإنسان أن يتصور استمرار الظفر ودوام سلطانه؟ إن الفاقة إنما رافقت
الشعوب التي كانت تستخدم أيديها في كل أعمالها، وحيثما يكن العمل قاصرًا على
الأيدي تكن المشاق والمتاعب والأعواز موفورة، أما وقد ابتدأ الإنسان باستخدام
دماغه فالفقر يتلاشى ويبيد.
إن الشيء الذي عرفنا كيفية التمسك بأطرافه اليوم هو ما يجب أن نعرف كل دقائقه
غدًا، وإن نحن الآن إلا موالون للدرس تعلمًا وتمكنًا من استخدام قوى الطبيعة.
وعندما نتمكن من معرفة كل تلك الدقائق، يصبح لنا المقدرة على تغيير شكل الوجود.
والانقلابات العظيمة والفخمة عن قريب تقرع الأبواب. وهي التي لا نستطيع الآن
تخيلها إلا في الأحلام. سيفجر المخترعون على العالمين ينابيع الثروة والإسعاد،
ولكن على الشعوب يتوقف حفظ الحكومات ومقامها ضنًّا بالإثراء والهناء
العموميين.
ومن معتقدات أديسون أن سيصبح للرجل العامل في المستقبل القريب إرادة
غير اعتيادية بحيث يشير إلى حكومة إنكلترا آمرًا بالهدوء، فتصدع بإشارته،
ويطلب إليها أن تقوم بخدمته فلا تتردد بالأمر، وقد بنى أديسون هذه الاعتقادات
تصورًا بأن قد يطرأ على قوانين الدول وجدران كيانها بعض التشقق والتغيير،
فلا تعود تقوى على التشامخ لدى رجل العمل، بل يصبح للأخير سلطة على
تقويض أركان أية حكومة يأنس منها امتناعًا عن خدمته العملية.
ويعتقد أديسون أن المدنية الحالية يجب تحويرها أيضًا وتصليح قواعدها؛
لأنها ليست أهلاً لتواجه بها الأمم أيام الإثراء المقبلة، وينتظر أيضًا أن سيبدأ
بتمثيل هذه الرواية مع حكومات الشعوب في أثناء الخمسين سنة الآتية.اهـ
بحروفه.