للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: محمد رشيد رضا


شيء من مناقب صادق بك
منقول من خواطر نيازي

نشرت جريدة (إقدام) التركية في الآستانة بعد مقالة صادق بك نبذة من كتاب
(خواطر نيازي) في صفة صادق بك وعمله في الانقلاب. نذكر ملخصها وهي
من حديث كان بينه وبين أحد الأعضاء، وكان نيازي قبل ذلك ينفذ الأوامر التي
ترد إليه من صادق بك ولا يعرف مصدرها، حتى عرفه في ذلك اليوم وتشرف
بتقبيل يده ولحيته، قال:
إن (صادق بك) وحيد بين الوحيدين، وهو صاحب السيف والقلم، وهو
الكاتب لأهم البيانات والأوامر والمصور لأهم التدابير (في أمر الانقلاب)
إن الأعضاء المبجلين في هيئة الإدارة الذين عاشرتهم مدة طويلة، يجتهدون بالآراء
الصائبة الصادرة من آثار كرامات البك المومأ إليه.
إن هذا الرجل المحترم شخصه جدًّا عند الهيئة المركزية في مناستر، قد سخر الأفكار
العامة بكمال درايته وبأخلاقه، وكان يجذب الميول وأنواع الشعور العمومية دائمًا إلى
نقطة واحدة، ويسوقها إلى إخلاص لا يطالب بمكافأة. أما حبيب بك وفخري بك
وضيا بك والمصور إبراهيم شاكر أفندي فلم يتأخروا عن الامتثال (لصادق بك)
المتواضع، الذي كان في زمن الاضطراب تمثالاً مجسمًا للشجاعة، وكان كالأسد
المتهيج. هؤلاء الأربعة كانوا يضعون تواقيعهم على مقررات مهمة هي جرأة بين
الجرآت. وإذا بدا لهم أقل إحجام في سبل الإنفاذ بادروا إلى المخاطرة في ذلك
بأنفسهم.
يوم قدوم شمسي باشا استولى على جميعنا اضطراب خشية؛ لأنا أمعنا النظر
في مقدار جهل الباشا واستبداده وظلمه وتمرده، ولا سيما كونه محاطًا بجماعة من
الألبانيين في زي الجنود لا يعرفون شيئًا ويفدون الباشا بأرواحهم. وبقينا في
وجل من احتمال ظهور حرب داخلية، فأعملنا الفكر في ألف تدبير لمحو وجوده،
ورأينا في إنفاذه ألف عائق. فأصر (صادق بك) وضيا بك وحبيب بك على
وجوب إزالة هذا الوجود السام في أثناء تأدية وظيفته. ولكي لا نضيع الفرصة
بالمناقشة والمذاكرة عرضوا أنفسهم وفي دقيقة الاضطراب، وضع كل منهم يدًا
على القرآن العظيم الشأن ويدًا على مسدسه، وأحكموا الميثاق بهذه الدرجة من الجد.
(ثم ذكر كيفية تنفيذ ذلك بيد ملازم فدائي وقال) :
هؤلاء يا عزيزي هم الذين يقومون بوظائفهم في هيئة إدارتنا وهم مشغولون
جدًّا. فلا يجدون وقتًا للأكل ولا للنوم. ولقد ظلوا كغرباء عن هذا السرور العام
والفرح الملي؛ لأن الوظيفة أهم وأقدس، ولهذا لا يراهم أحد ولا يمكنون أحدًا من
رؤيتهم، ولكنكم ما دمتم ترغبون كثيرًا، هلموا أذهب بكم إلى الدائرة التي يشتغلون
فيها اليوم بإيفاء وظائفهم في منزل (صادق بك) .
أشكركم فلنبادر سريعًا.
وأخذنا نمشي ونتحادث، فأطال البحث في تمكن (صادق بك) من العلوم
الدينية والفلسفية والفنون العسكرية والأدبيات، وأطنب في وصف دهائه وعشقه
للحق والحقيقة وهيامه بها وبمكارم أخلاقه، وثبات طباعه واتساع قدرته، وفرط
توكله وشدة شجاعته وكمال تواضعه.
(وقص عليّ كيف خدم أعضاء الجمعية في حال وهنها لما انتسب إليهم
أهل بيته، وما أظهرته من الإخلاص بنته العذراء وزوجته المحترمة وجعل يعد
عليّ أمثالاً كثيرة من هذا الإخلاص حتى وصلنا إلى المكان المقصود قبل أن يتم
كلامه، وطرقنا الباب فأدخلونا إلى حضرة الهيئة المحترمة في الغرفة المظلمة التي
يجتمعون فيها، فقبلت يد المشار إليه ولحيته) . اهـ المراد منه.