للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: نقلا عن جريدة المؤيد


ملكة بهوبال الهندية في إنكلترة [١]

في بلاد الإنكليز تقيم الآن أميرة مسلمة؛ أتت لتشهد حفلة تتويج الملك جورج
الخامس مع باقي ملوك الهند وهم كثيرون. وقد اهتمت بأمرها الصحف والمجلات
الإنكليزية؛ لأنها الأميرة المسلمة الوحيدة الشرقية التي تحضر هذه الحفلة الشائقة
رسميًّا، وقد حاول كثيرون من الصحافيين والصحافيات التشرف بمقابلتها،
واستأذنوا فلم يؤذن لهم إلا محررة واحدة جميلة في إحدى المجلات الإنكليزية،
قدرت أن تستميل بجمالها ودهائها الحاشية، فسمحوا لها بشرف المثول بين يدي
الأميرة الهندية العظيمة، فلعل ذكر بعض ما كتب عنها لا يخلو من الفائدة.
هي الأميرة (بيجوم [٢] ملكة بهوبال) والبلاد التي تحت حكمها من أحسن
بلاد الهند وأخصبها، يبلغ مسطحها مقدار مسطح الوجه البحري في بلادنا تقريبًا،
ورعاياها يقدرون بسبعة ملايين من النفوس، وهي تقيم بضواحي لندرة بجهة
ريدهل بمنزل أثري جميل، تحيط به حديقة غناء بين حاشيتها المؤلفة من رئيس
وزارتها وأمناء أسرارها، وخادماتها الهنديات والأوربيات ووصيفاتها الوطنيات،
وهن من أبكار الهند الجميلات المشهورات بشعورهن الجميلة السوداء الملقاة على
ظهورهن، ووجوههن السمراء الجذابة، ومعها طبيبها الخاص، وهي متبعة في
معيشتها النظام الشرقي، ومحافظة على عادات الشرقيين في الحجاب، فهي
محتجبة عن الرجال ولا تقابل أحدًا من الأجانب بدون النقاب، أما النساء فإنها
تقابلهن مكشوفة الوجه سواء كنّ أوربيات أو شرقيات.
وهي مشهورة بولائها العظيم لحكومة الهند، حتى إنها منذ ثماني سنوات
قدمت للورد كارزون حاكم الهند العام كمة (طاقية) بديعة الصنع هدية منها لجلالة
ملك الإنكليز. وهذه الكمة مكللة بالجواهر الثمينة ومطرزة تطريزًا شرقيًّا بديعًا،
ومعها خطاب شكر وولاء للملك، تقول فيه: بأنها ليست هي وشعبها فقط الموالين
المخلصين لحكم إنكلترا لبلادها، بل إنها تريد أن تعبر بهذا الخطاب عن سرور
وولاء جميع الرعايا المسلمين في الهند. وإن هذا الولاء هو مطابق لديانتها أي
للشريعة الإسلامية الغراء التي تأمر بإطاعة الله والرسول وأولي الأمر! !
وهي لم تبرح بلادها قبل الآن إلا مرة واحدة في سنة ١٩٠١، عندما أدت
فريضة الحج بمكة المكرمة، وهذه هي الدفعة الأولى لزيارتها لإنكلترا ولأول مرة
في التاريخ لملكات بهوبال. وهي متواضعة كريمة الأخلاق مشهورة بالإحسان
لفقراء بلادها ومحبة للتقدم والارتقاء، وتعتقد أن تقدم الهند لا يكون إلا إذا اعتنق
الوثنيون وغيرهم من الهنود الديانة الإسلامية، فهي لهذا تكلف المستنيرين من
رجال مملكتها بأن يبثوا المبادئ الإسلامية بين قبائل الهنود. وهي محافظة على
الصلاة والصيام حسب الشريعة، ولا يفوتها وقت بدون أداء فريضة الصلاة،
ومشهورة بالشجاعة والإقدام، ومما يذكر عنها أنها عندما كانت في طريق الحج
هاجمها جماعة من الأعراب، فأمرت حشيتها بقتالهم وكانت هي تقودهم بنفسها،
فأصلوهم نارًا حامية، حتى ارتدوا عنها خائبين، ولم يستفيدوا شيئًا إلا ما أصابهم
من نيران رجال حاشية الأميرة الشجاعة.
ولقد قابلت جلالة الملك والملكة في قصر بكنهام، فأحسنا ملاقاتها وأكرماها،
ورأت منهما كل انعطاف واحترام أثر في فؤادها. وكان معها نجلها الصغير (سهل
زاده حميد الله خان) ، فكان موضع رعاية خصوصية من جلالة الملكة.
والإنكليز يؤدون لتحيتها الرسمية ٢١ مدفعًا. وقد كتبت عنها الصحف
الإنكليزية والمجلات قصصًا كثيرة مختلفة، وحكايات غريبة متنوعة عن عاداتها
وأخلاقها ومأكلها ومشربها، حتى إنهم قالوا: إن الأميرة مأكلها عجيب، وإنهم
يأتونها بماء الشرب من الهند، وإنها لا تأكل ولا تشرب من إنكلترا شيئًا أصلاً،
مع أنهم لم يطلعوا على شيء مما كتبوه عنها ولا عجب، فهذه هي عادة الأوربيين
معنا معشر الشرقيين، وعن كل شيء لا يعرفون حقيقته.
ولقد كذبت تلك الآنسة الإنكليزية الصحافية في مجلتها كل ما نسب للأميرة من
الحكايات والخرافات، وقالت: إنها لم تجدها كما كانت تظن أنها تلك الأميرة الشرقية
الأتوقراطية الحاكمة على شعبها بالطريقة الاستبدادية. ووصفتها وصفًا مقرونًا
بالإعجاب؛ إذ قالت: إنها رأت فيها ذكاء نادرًا ولطفًا ورقة وجمالاً. وقالت: إن
الأميرة محبة للفنون الجميلة، ووقت زيارتها كانت ترسم أحد المناظر الطبيعية
البديعة بالضاحية التي تقيم فيها. وقد رأت عندها كثيرًا من الحلي الذهبية والأدوات
والأواني الشرقية الثمينة التي لا تقدر بثمن. وعلمت من محادثتها لها أنها تنظر دائمًا
لإنكلترا كأنها وطن لها. وهي تجتهد في البحث والتنقيب عن كل ما يرقي بلادها
وشعبها، وستأخذ معها من إنكلترا وأوربا كل ما تراه مفيد لنجاح بلادها وأمتها.
وقد تركت ابنها الأكبر (نصر الله خان) في بلادها؛ ليدير شؤون المملكة
حتى عودتها، وتشتغل الآن في تأليف كتاب عن تاريخ حياتها، قد أوشكت أن
تنتهي من الجزء الثاني منها، وستجتهد بأن تصف في الجزء الثالث زيارتها الحالية
لأوربا ولإنكلترا خصوصًا وصفًا تعتقد أن سيكون فيه فائدة لشعبها المجتهد، وأن
يوقظ في نفوس قومها روح النشاط ومجاراة الإفرنج.
وتتبع في مأكلها قواعد وآداب الشريعة الغراء في الاعتناء بالذبح والنظافة
ونحوه، فلا تأكل إلا ما ذبح بيد إمام معيتها وطبخ بإشراف أطبائها المسلمين،
وتلبس رداء على الطراز الشرقي وهو برنس ذو ذيل طويل، وعلى وجهها نقاب
أسود موضون بالذهب ومطرز تطريزًا جميلاً فيه ثقبان لعينيها، وعلى رأسها تاج
صغير من الذهب الوهاج، وفي يديها قفازان من الحرير الأبيض، ولا يسمحون
بالدخول عليها لأحد من الأجانب خصوصًا الأوربيين إلا بإذن خاص منها؛ بشرط
أن يكون ذا صفة عمومية، ولا تقابل أحدًا من الأجانب إلا وفي يديها هذان القفازان،
وهي كثيرة الابتسام لزائريها.
حقق الله آمال الأميرة فيما ترجوه من ترقية بلادها وأمتها.
(المنار) هذه المملكة عربية الأصل شريفة النسب من آل بيت الرسول
عليهم السلام، وناهيك بسلفها الصالح السيد صديق حسن خان صاحب المصنفات
الشهيرة التي هي من دعائم إحياء العلم والدين رحمه الله تعالى. وقد تبرعت في
هذه السنة لمدرسة عليكرة بمائة ألف روبية مساعدة على ما يراد من تحويلها إلى
جامعة تسمى (الجامعة الإسلامية) (وهذا اللفظ يهابه ساسة المصريين،
والحكومة الإنكليزية تساعد عليه مسلمي الهند) ومائة ألف روبية تساوي ٦٥٠ جنيهًا
مصريًّا. واشتراكها الشهري في جمعية ندوة العلماء عشرون جنيهًا إنكليزيًّا ومبراتها
كثيرة. وما نقلته عنها المجلة الإنكليزية من الاستدلال بوجوب طاعة أولي الأمر
على طاعتها لملك الإنكليز لا يصح كما علم مما فسرنا به أولي الأمر من عهد
قريب، ولها أن تستدل بمراعاة المصلحة العامة، وهي أساس السياسة في الإسلام.