للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: محمد رشيد رضا


عِبَرُ الحرب في طرابلس الغرب

نشرنا في هذا الجزء مقالة لكاتب عليم خبير، والتقرير الذي قدمه
مبعوثان من طرابلس لمجلس الأمة في الآستانة بيَّنَّا فيه حالة طرابلس
وتقصير وزارة حقي باشا فيما يجب من تحصينها؛ بل جناية هذه الوزارة
بتجريد هذه الإيالة بل المملكة مما كان فيها من العدة والجند وجعلها
عرضة لاستيلاء الأجنبي عليها، وإنشاب أظفار مطامعه فيها، ولدينا
مزيد من أخبار مقدمات هذه الحرب بنوعيها: إعداد الحكومة العثمانية
إياها للخروج من سلطتها، واستعداد إيطالية للاستيلاء عليها، وفي ذلك
من العبرة ما يمثل لكل ذكي وغبي كيف تدول الدول، وكيف تموت وتحيا
الأمم؛ نجَّانا الله.
ومن وجوه العبرة بكارثة طرابلس أننا لم نجد أحدا ولم نعلم أنه يوجد أحد
كان يرتاب عند إعلان الحرب في الخروج طرابلس وبنغازي من المملكة
العثمانية، وكان أشد الناس يأسا منها قواد الدولة ووزراؤها حتى نقل عن ناظر
الحربية، وعن مختار باشا الغازي التصريح بأن الدفاع عنها جناية، وإنما
تجددت لبعض الناس الآمال بما ظهر من نجدة العرب أهل البلاد وشجاعتهم
وكسرهم الجند الطلياني الجرار المنظم الكامل العدة والسلاح مرارا بمعاونة من
هناك من الجند المنظم القليل العَدد والعُدد، وجله أو كله من بلاد سورية
وفلسطين، فكانت الحرب سجالا، والنصر في الغالب للمعتدى عليهم حتى
اضطر المعتدون إلى لزوم الثغور التي احتلوها ليكونوا تحت حماية أسطولهم،
فثبت بهذا أن اليمن والخليج الفارسي لا رجاء في حمايتهما من الأعداء إلا
باستعداد أهلهما للحرب بالتعليم العسكري والسلاح الجديد الكافي.
ومن وجوه العبرة أن أكثر الشعوب الإسلامية قد انتدبت لمساعدة
المجاهدين بالإعانات المالية وكان العرب في مصر وسورية أبسطهم يدًا،
وقصر الشعب التركي الذي كان يجب أن يكون أشد الجميع غيرة وحمية
ونجدة ولا سيَّما أهل الآستانة والرومللي الذين بيدهم أزمة السيادة على هذه
البلاد والسلطة فيها وفي غيرها، وقد ظهر تقصير رجالهم في المحافظة
عليها، بل ما هو أعظم من ذلك، وكان ينتظر من جمعية الاتحاد والترقي
ذات الملايين أن تجود بمبلغ عظيم مما تكنزه من أموال العثمانيين.
من هذه العبر ومن اتحاد دول أوربة كلها علينا، على ما كانت عليه
من التنازع في قسمة النفوذ والامتلاك لبلادنا، نرى أننا على خطر عظيم،
وأن المسألة الشرقية قد حان أوانها ولا نرى أمامنا رجالاً يتداركون
الخَطْبَ؛ بل نرى التفرَّق في مجلس الأمة لا يزداد إلا شدة، ونرى زعماء
الاتحاديين على ظهور خطئهم، ونفور السواد الأعظم منهم لا يزالون
مستمسكين بالمحافظة على سلطتهم الرسمية، وسلطتهم الخفية غير
مبالين بالخطر الذي ينذر الدولة العلية.
وقد بينا رأينا في طريقة تدارك الخطر، ولا نرى أمامنا رأيًا غيره،
وهو أن تسند الصدارة إلى رجل الدولة كامل باشا ويؤيده مجلس الأمة تأييدًا
يعتد به؛ فقد ظهر بالتجربة أنه هو الوزير المستقل الذي تثق به الأمة، ودول
أوربة عامة وإنكلترة خاصة، وإنكلترة هي ميزان سياسة أوربة وصاحبة
الترجيح فيها، فإذا وثقت بحكومتنا يوشك أن تساعدها على درء الخطر
وتخرجها من المأزق الذي وقعت فيه، نظن هذا ونرجوه ولا نوقن به،
ومن العجب أن مكاتب جريدة العلم في الآستانة قال إن حزب الحرية
والائتلاف الذي تألف في الآستانة بسعي زعيم الدستور صادق بك متفق مع
سفير إنكلترة على ترشيح كامل باشا للصدارة، وإن مقابلة ملك الإنكليز
لكامل باشا في سفينته ببورسعيد وحفاوته به يراد بها إظهار ميل إنكلترة إلى
تقليده الوزارة.
قال المكاتب هذا ليثبت به أن توسيد الصدارة إلى كامل باشا ليس من مصلحة
الدولة في شيء، فإذا صح قوله فالرجاء في إنكلترة إن وثقت بحكومتنا أكبر مما نظن
، وليته يتم ولو كره العلم وزعماء الحزب الوطني كلهم الذين يدهنون الآن لجمعية
الاتحاد والترقي، ويتملقون لها، ويجعلون سيئاتها حسنات، وهواها هدى
منزلاً من السماء، كما كانوا يقولون في عبد الحميد أيام سلطانه وجبروته.
أيها العثمانيون إن دولتنا على خطر فاتركوا الأهواء والحظوظ وكونوا
إلبًا واحدًا عسى أن توفقوا لتلافي الخطر، ويا أيها المسلمون إنكم خرجتم
من عهد بعيد عن صراط ربكم، وهداية دينكم، خصوصًا في تمزيق
وحدتكم، وتعديد سلطتكم، وتفرق شيعكم، وكانت لكم ممالك كثيرة لم يبق
منها إلى هذه السنة إلا ثلاث، فواحدة قضي عليها فيها وهي مملكة المغرب الأقصى
والثانية أنشبت أظفار أوربة وبراثنها في أحشائها وهي إيران، والثالثة
بُدِئَ بتقطيعِ أعضائها، ولا يعيش الرأس بغير أعضاء وهي العثمانية، فتأملوا
في حالكم ومستقبلكم إن كنتم قد استيقظتم من رقدتكم، ولا تكونوا كالذين
يفتنون في كل عام مرة أو مرتين ثم لا يتوبون ولا هم يذكرون.
* * *
جمعية الإخاء الإسلامي في بيروت
تألفت هذه الجميعة في بيروت من عهد قريب لأجل التعاون على البر
والتقوى والأعمال التهذيبية والاقتصادية، وبث محبة الوطن العثماني في
نفوس جميع العناصر والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وقد نشرت
نظامها فرأينا أهم أحكامه أنه لا يقبل فيها من يقصر في أداء الفرائض
والواجبات، أو يرتكب بعض المحرمات، وأنه يتحتم على كل عضو يدخل
فيها أن يعطي العهد والميثاق باليمين على الاعتصام بحب الدين والتقوى
والصلاح وحب الدولة والوطن والصدق والأمانة والإخلاص لأفراد
الجمعية ومعاملة جميع الناس بالحسنى، وأنه لا يجوز الاشتغال فيها
بالسياسة، وعلى كل عضو أن يدفع بشلكا فأكثر في الأسبوع لأجل ما تقوم
به الجمعية من الاقتصاد والتوفير، واختير الشيخ محمود فرشوخ رئيسًا
لهذه الجمعية. ووضع لها صديقنا عبد الرحيم أفندي قليلات هذا التاريخ:
إن دين الإسلام دين سلام ... واعتصام بحبل رب الأنام
دين عدل وحكمة واتحاد ... واقتصاد وألفة ووئام
وستبدو هذي الفضائل في تا ... ريخ (جمعية الاتحاد الإسلامي)
(١٣٢٩)
ونحن نتمنى من صميم الفؤاد أن يكون الإقبال على هذه الجمعية
عظيمًا لأن القيام بها إذا انتشرت وكثر أهلها يقلل الجرائم والمنكرات
والمعاصي فيستريح الناس والحكومة وترتقي البلاد بسرعة عظيمة، فما
أهلك البلاد إلا الفسق والفواحش والمنكرات الناشئة من الجهل وعدم
الاعتداد بالدين، وكُنَّا قد ألَّفْنَا جمعية كهذه في طرابلس الشام عند زيارتنا
لها عقب إعلان الدستور، ورجونا أن يتسع نطاقها فلم يوجد رجال يقومون
بأمرها؛ فعلة خيبتنا في كل شيء إنما هي فقد الرجال العاملين للمصلحة
العامة.
* * *
مؤتمر علمي ديني في أزمير
كتب إلينا من أزمير أنه تألفت فيها لجنة لأجل عقد مؤتمر إسلامي في
١٥ المحرم سنة ٣٣ للبحث في الفلسفة الإسلامية والتربية والتعليم في
الإسلام وأسباب ضعف المسلمين بعد أن ارتقوا في دينهم ذلك الارتقاء
المدني الذي يشهد به تاريخ المدنية الشرقية والأندلسية، وتعدى أثر
سعادتهم بدينهم إلى غيرهم من أهل الملل، وأرسل إلينا مؤسسو هذه اللجنة
كتابًا عربيًّا بيَّنوا فيه مقصدهم ووجه الحاجة إليه، وأنهم سينشرون نتيجة
بحثهم وما يكتب إليهم من أصحاب العقول الكبيرة والأفكار النيِّرة الذين
كاتبتهم اللجنة في ذلك ثم طلبوا مِنَّا ما يأتي بقولهم:
فنرجوكم أن تُبينوا لنا فكركم قبل التاريخ المذكور بتحرير من
حضرتكم والأمل قوي أن أمثالكم يعينون المشاريع العالية وبحثكم يكون في
النزاع القائم ضد الإسلامية وحكمتها وإصلاح المدارس والتكايا حتى
يتسنى للإسلام أن يأتي إلى مدينة العلم من بابها، وهو نفس العلم والتربية،
ومثلكم أوسع نظرًا في هذا الموضوع فنرجوكم أن تدبجوا تحريركم
بأمراض أهل الإسلام وتلافيه وما هو المحتاج إليه في هذا الموضوع، إلخ.
٦ ذي الحجة سنة ١٣٢٩
* * *
إغراء بعض كتاب الإفرنج قومه بالترك والإسلام
قرأنا في جريدة المهاجر السورية التي تصدر في نيويورك من
أمريكة ما يأتي (وفيه من العبرة أن جميع الإفرنج الذين نقول إنهم تركوا
الدين يعلمون ديانتهم في بلاد الدولة حتى المسلمين والدولة لا تعنى بتعليم
الإسلام لأهله ثم إنهم يقولون فيها ما ترى) .
كتبت جريدة (المايل) مقالة سألت فيها الأمريكان ماذا نصنع بتركيا،
وبالأتراك الذين يعلمون الناس الديانة بالسيف؟ ! ! ثم طلبت إلى الحكومة طرد
الأتراك من بلادهم إلخ، ولم تنتشر هذه المقالة حتى قام أحد القراء ورد
على الجريدة المذكورة ردًّا انتشر في الجريدة نفسها وهذا هو:
إلى المحرر؛
عجبت كثيرًا لمقالة (ماذا نصنع بتركيا والأتراك؟) فأتيت بهذه
الأسطر أسألكم أي حق لنا بالتداخل في شئون تلك البلاد وأهلها؟ ومن أين
يحق لنا نحن أن نجبر الأتراك على وضع التوراة والتلمود مكان القرآن؟
إن تركيا تخص الأتراك وليست إيطاليا التي اغتصبت طرابلس مؤخرًا
سوى لص يجب تأديبه ومعاقبته.
قلتم إن الديانة لا يتعلمها الناس بالسيف ثم رأيتكم تدعون الأميركان
إلى امتشاق الحسام وطرد الأتراك المسلمين من بلادهم ونشر المسيحية
فيها، ألا تكونوا أنتم بذلك تستعملون السيف لتعليم الناس الديانة، ألا
تستاءون أنتم إذا حاول الأتراك طرد الأميركان من بلادهم؟ والأفضل لكم
أن تقولوا للشعب المسيحي أن يعمل بقول الكتاب وهو: أخرج القذى من
عينك أولاً.
* * *
(استعانة بعض الجرائد الأوربية على تعصبها بقول الزور)
كتب المستشرق الشهير (فمبري) المجري إلى جريدة وقت الروسية
يكذب ما نقلته عن جريدة (بودابست هيرلات) معزوًّا إليه من التحريض
على إزالة ملك المسلمين من الأرض، والقول بوجوب انقراضهم، وقال:
إن ذلك الكلام مفترى عليه في تلك الجريدة المجرية لخصومة شخصية،
وصرَّح بأنه صديق للترك وسائر الشعوب الإسلامية منذ خمسين سنة وأن
المثل التركي يقول: الصديق القديم لا يكون عدوًّا.
ولما كنت قد أشرت في بعض مقالات المسألة الشرقية إلى ما نسب
إليه وجب عليَّ أن أُبَرِّئَهُ منه، وأنبه على مبلغ تعصب تلك الجريدة الكاذبة.
* * *
(تصحيح أغلاط في الجزء العاشر من المنار)
١- أرسل إلينا مترجم مجلة دين ومعيشت التي ناقشناها فيها في الجزء
الماضي يقول: إنه قابل الترجمة التي نشرت في المنار بالأصل فوجد فرقًا في
موضعين؛ أحدهما في السطر السابع من ص ٧٦٩ ونص ما نشر هكذا: (ولا سيَّما
بين غير المتدينين في ديار القزاق والباشقرط، فهم) وحقه أن يكون هكذا (ولا
سيما بين غير المتمدنين، في ديار القزاق والباشقرط مثلاً) ، وثانيهما في السطرين
الثالث والرابع من ص ٧٧٠ ونص ما نشر هكذا: (سبب دخول الإنكليز مصر
التي ولد فيها وتربى في قبضة الإنكليز) ، وحقها أن تكون هكذا: (سبب دخول
مصر التي ولد فيها وتربى في قبضة الإنكليز) .
٢ - جاء في السطر السابع من ص ٧٨٢: (رئيس وزارة إيطالية) ،
وصوابها (ناظر خارجية إيطالية) .
٣ - في السطر السابع من ص ٧٩١ (الأصل ٢٩) وصوابه (الأصل
٣٠) .
٤ - في السطر ١٨ من ص ٧٩٨ (علم النفس والأخلاق) ، وصوابه
زيادة (والحكمة العقلية) بين علم النفس والأخلاق، فليصحح ذلك بالقلم.
هذا ما عدا أغلاط الطبع المدركة بالبداهة.
* * *
(حوالات المنار)
المرجو أن ترسل جميع الحوالات باسم منشئ المجلة (محمد رشيد
رضا) وأن لا يرسل شيء منها باسم وكيل ولا غيره، وأن تكون حوالات البريد
كلها على مكتب (بوسطة مصر) دون فروعها.
* * *
(تأخر المنار عن موعده)
تأخر صدور الجزء الماضي بسبب نقل إدارة المجلة من شارع درب الجماميز
إلى شارع مصر القديمة وتعطل أعمال المطبعة والإدارة أكثر من شهر، وتبع ذلك أن
هذا الجزء يتم في آخر ذي الحجة ويتأخر الذي بعده أيضًا ثم ينتظم الصدور في
المواعيد إن شاء الله تعالى.