للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: عبد الحميد شكري


الوفاق بين الإسلام والنصرانية

أرسل إلينا صاحب الإمضاء هذه الرسالة من بضعة أشهر فحالت كثرة المواد
عن نشرها قبل الآن.
دعاني حب الإنسانية والسلام أن أبذل ما في وسعي للتصافي بين بني الإنسان
والتآخي بين بني آدم وتطهير قلوبهم من البغضاء والشحناء ونزع التعصب الذميم
من بينهم ليعيشوا إخوانًا في صفاء ونعيم. ولما كان الإسلام والنصرانية أكثر
شيوعًا وأعظم عنصرًا في الأرض أبدأ في التآلف بينهما وأرجو القراء أن لا
يستنكروا كبيرًا على إنسان ولا يستبعدوا مقدورًا على أحد فإن الله يهب الفضل لمن
يشاء ويؤتي الحكمة من يشاء ويهدي من يشاء، ولا حول لنا ولا قوة إلا بالله.
ولما قامت النصرانية بالكتاب المقدس وقام الإسلام بالقرآن الشريف أستهدي
كُلا بكتابه وأستميله بحكمه وألفته إلى محكم آياته فإن الناس عن كتاب الله لاهون،
وعن العمل بدينهم تائهون، وإنه لا تعصب بين الدينين، ولا كراهية بين الفريقين
إلا ما ابتدعته سلطة الفرد من التنافر والدين نفسه منه بريء. قرأت التوراة
والإنجيل والقرآن فلم أجد فيها كرهًا ولا بغضًا بل اتحادًا وارتباطًا (وما أشقى
الإنسانَ إلا الإنسانُ) فكلنا خلق الله نعبد الله ولا نتخالف إلا من سوء التفاهم بيننا
فهلموا نعقد الاجتماعات ونتفاهم كتاب الله أولى من المراقص والملاهي. وكل فرد
منا يمكنه أن يقرأه حتى إذا تدبره لا بد وأن ينزع من نفسه كل تعصب منكر، وإن
قلمي ليرتعش طربًا وسرورًا وفؤادي ينتعش حنانًا وإشفاقًا لما سأقوله محققًا لكل
عالم حليم حكيم وهو:
إن الكتاب المقدس يأمر المسيحي أن يكون نصرانيًّا مسلمًا والقرآن الشريف
يأمر المحمدي أن يكون مسلمًا نصرانيًا نعم نعم بينهما حب وسلام، وائتلاف ووئام،
قال تعالى في سورة البقرة: {قُلْ يَا أَهْلَ الكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا
وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللَّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللَّهِ} (آل عمران: ٦٤) لماذا لا نسمع داعي الله إلى هذا الحق هذا الاتحاد هذه
الرابطة المتينة؟ أليس لنا قلوب نعقل بها أم على الصدور أقفالها؟ كلا فمنا
العالمون ومنا المحامون ومنا الحكماء والمهندسون وكلنا أحرار. وإذا لم نرجع إلى
الحق في عصر النور والحرية ونفك نفوسنا من قيود التقليد فمتى يا تُرى؟ أنتبع
آباءنا ولو كانوا خاطئين؟ وإذا لم نعدل لنفوسنا في ضمائرنا فإلى من يا ترى؟
واأسفاه والله واأسفاه. فإننا إذا نظرنا في شيء واتضح لنا الحق ظاهرًا مبينًا
وكان خلاف ما يتبعه آباؤنا نجد في نفوسنا حرجًا وصلابة وجمودًا لما ألفينا عليه
آباءنا مهما كان باطلاً. ألا ترى أن من يعبد العجل يعبده بقلبه؛ لأنه وجد أباه له
عابدًا؟ والمسلم والنصراني يعلمان أنه آثم كافر ويريد كلاهما أن يهديه إلى الحق
ويود المسيحي أن يكون المسلم نصرانيًّا كما يرغب المحمدي أن يكون النصراني
مسلمًا ويرى كلاهما أنه على الحق وغيره على الباطل. لماذا لماذا لماذا! لا شك
أننا لآبائنا مقلدون ولو كانوا في ضلال مبين. عجبًا عجبًا! أين العلوم العصرية؟
أين النور الساطع؟ أين الذكاء؟ أين الحرية؟ ألم تنقشع غيوم الجهالة؟ أفلا تنمحي
ظلمة التقليد الأعمى؟ كدنا اليوم نلمس السماوات بالاختراعات فلماذا لا نفكر في
الاتحاد والسلام؟ لم لا نسير على طريق البحث لنهتدي إلى الحق؟
أيها القراء إني سرت مستقيمًا فوصلت إلى باب الحقيقة بالبحث والبرهان فمن
وجدني زائغًا فليقومني بقلم حادّ وله مني مزيد الشكر وله الأجر من الله.
ورد في الكتاب المقدس في إنجيل متّى إصحاح ٥ - (٢٨) سمعتم أنه قيل
عين بعين وسن بسن (٢٩) وأما أنا فأقول لكم: لا تقاوموا الشر، بل من لطمك
على خدك الأيمن فحول له الآخر أيضًا... (٤٣) سمعتم أنه قيل: تحب قريبك
وتبغض عدوك (٤٤) وأما أنا فأقول لكم: أحبوا أعداءكم باركوا لاعنيكم أحسنوا
إلى مبغضيكم وصلّوا لأجل الذين يسيئون إليكم ويطردونكم.
انظر أيها النصراني إلى هذه الوداعة وإلى هذا الاستسلام المنتهي هل تجد في
ذلك تعصبًا أو كراهية لأخيك المسلم؟ كلا. وإن الله يعلم أن الناس لا يصلحون
بهذا الاستسلام المتناهي وظهرت عليهم آثار علمه بالمخاصمة والشحناء فأمرهم
بالحكمة البالغة فقال في القرآن الشريف في سورة الشورى: {وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا
لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ * وَالَّذِينَ إِذَا
أَصَابَهُمُ البَغْيُ هُمْ يَنتَصِرُونَ * وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى
اللَّهِ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِينَ * وَلَمَنِ انتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُوْلَئِكَ مَا عَلَيْهِم مِّن سَبِيلٍ *
إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الحَقِّ أُوْلَئِكَ لَهُمْ
عَذَابٌ أَلِيمٌ * وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الأُمُورِ} (الشورى: ٣٨-٤٣)
أمر بالشورى وأمر بالقصاص إذا كان لمصلحة واستحسن الصبر والغفران، أليست
هذه الآيات القصيرة كافية وحدها لأن تكون توراة وإنجيلاً وقرآنا؟ لو عمل الناس
بها لعاشوا في هناء وسرور. فيا أيها النصراني أحب عدوك وبالأولى المسلم ابن
عمك ويا أيها المسلم عليك بالصبر والغفران.
ورد في الكتاب المقدس في إنجيل يوحنا إصحاح ١٧ (٣ وهذه هي الحياة
الأبدية أن يعرفوك أنت الإله الحقيقي وحدك ويسوع المسيح الذي أرسلته) فما هو
السبب الذي يدعوك أيها النصراني أن تخاصم المسلم وهو يؤمن بأن الله واحد وأن
السيد المسيح عليه الصلاة والسلام رسوله كما ورد في القرآن الشريف {أَنَّمَا إِلَهُكُمْ
إِلَهٌ وَاحِدٌ} (الكهف: ١١٠) أيها المسلم اقتد بما قاله تعالى: {الم * غُلِبَتِ الرُّومُ
* فِي أَدْنَى الأَرْضِ وَهُم مِّنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ * فِي بِضْعِ سِنِينَ للهِ الأَمْرُ مِن قَبْلُ
وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ * بِنَصْرِ اللَّهِ يَنصُرُ مَن يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ
الرَّحِيمُ} (الروم: ١-٥) فافرح بما يكون لأخيك النصراني من النصر المبين
على الكافرين وكن معه على اتحاد ووفاق. أغير ذلك دلائل على وجوب
التصافي والتضامن بين الفريقين ونزع البغضاء من الطرفين؟ نعم يوجد أكثر من
ذلك اقرأ رسالة يوحنا الأولى إصحاح ٢ (١ يا أولادي! أكتب إليكم هذا لكي لا
تخطئوا وإن أخطأ أحد فلنا شفيع عند الآب يسوع المسيح البار ٢ وهو كفارة
لخطايانا. ليس لخطايانا فقط بل لخطايا كل العالم أيضًا) فهو يقول: إن
المسيح يشفع ليس للنصراني فقط بل للمسلم بل لخطايا كل العالم أيضًا. فعلام أيها
المسيحي تبغض أخاك المسلم الذي آمن بالتوراة والإنجيل وآمن بالمسيح وأنه كلمة
الرب. هل لأنه آمن بمحمد عليه الصلاة والسلام، وإنه ليؤمن به بحق كما بشر به
إبراهيم وموسى وداود وأشعيا وعيسى نفسه في الكتاب المقدس عليهم صلوات الله أجمعين.
اقرأ الكتاب المقدس بتدبر واعتدال، وإذا وسوس إليك الجمود فاقطعه بسيف
الحق وحرر نفسك من رق التقليد وإذا أردت الاختصار فإني أورد لك بعض
البشارات الصريحة. منها ما ورد في التكوين ص ١٧ (٢٠ وأما إسماعيل فقد
سمعت لك فيه ها أنا أباركه وأثمره وأكثره كثيرًا جدًّا اثني عشر رئيسًا يلد واجعله
أمة كبيرة) فمحمد عليه الصلاة والسلام هو ابن قيدار بن إسماعيل بن إبراهيم.
وورد في التثنية إصحاح ١٨ (١٨ أقيم لهم نبيًّا من وسط إخوتهم مثلك
وأجعل كلامي في فمه فيكلمهم بكل ما أوصيه به ٢٠ وأما النبي الذي يطغى فيتكلم
باسمي كلامًا لم أوصه أن يتكلم به أو الذي يتكلم باسم آلهة أخرى فيموت ذلك النبي
٢١ وإن قلت في قلبك: كيف نعرف الكلام الذي يتكلم به الرب؟ ٢٢ فما تكلم به
النبي باسم الرب ولم يحدث ولم يصر فهو الكلام الذي لم يتكلم به الرب بل بطغيان
تكلم به النبي فلا تخف منه) فمحمد هو النبي الذي مثل موسى أتى بكتاب من كل
الوجوه ولم يقم مثله من بعده غيره. انظر إلى التخصيص في قوله: (بين إخوته)
أي بني إسماعيل جد محمد وقد دلنا على كيفية التمييز بين النبي الكاذب والصادق
ونعلم أن محمدًا صدق في كل ما أخبر به من الغيب وقوم الله طريقته وساعده ونشر
دينه ولم يكذب قط، ولو كان كاذبًا لأهلكه الله. وكما ورد في التثنية ورد في القرآن
الشريف في هذا المعنى: {وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الأَقَاوِيلِ * لأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ *
ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الوَتِينَ} (الحاقة: ٤٤-٤٦) .
واقرأ قول داود مزمور ٤٥ (فآمن قلبي بكلام صالح متكلم أنا بإنشائي للملك،
لساني قلم كاتب ماهر أنت أبرع جمالاً من بني البشر، انسكبت النعمة على شفتيك،
لذلك باركك الله إلى الأبد، تقلد سيفك على فخذك أيها الجبار جلالك وبهاؤك)
وذلك لا ينطبق على عيسى؛ لأنه لم يتقلد سيفًا بل على محمد تمامًا.
واقرأ أشعياء إصحاح ٤٢ (١ هو ذا عبدي الذي أعضده مختاري الذي سرت
به نفسي وضعت روحي عليه فيخرج الحق للأمم ٢ لا يصيح ولا يرفع ولا يسمع
في الشارع صوته ٣ قصبة مرضوضة لا يقصف وفتيلة خامدة لا يطفئ إلى الأمان
يخرج الحق ٤ لا يكل ولا ينكسر حتى يضع الحق في الأرض وتنتظر الجزائر
شريعته ٥ هكذا يقول الله الرب خالق السماوات وناشرها باسط الأرض ونتائجها
معطي الشعب عليها نسمة والساكنين فيها روحًا ٦ أنا الرب قد دعوتك بالبر فأمسك
بيدك وأحفظك وأجعلك عهدًا للشعب ونورًا للأمم ٧ لتفتح عيون العُمْي فتخرج من
الحبس المأسورين من بيت السجن المساجين في الظلمة ٨ أنا الرب هذا اسمي
ومجدي لا أعطيه لآخر ولا تسبيحي للمنحوتات ٩ هوذا الأوليات قد أتت والحديثات
أنا مخبر بها قبل أن تنبت أعلنكم بها١٠ غنوا للرب أغنية جديدة تسبيحة من أقصى
الأرض أيها المنحدرون في البحر وملؤه الجزائر وسكانها ١ لترفع البرية ومدنها
صوتها الديار التي سكنها قيدار لتترنم سكان سالع من رءوس الجبال ليهتفوا ١٢
ليعطوا الرب مجدًا ويخبروا بتسبيحه في الجزائر... ٢٢ لكنه شعب منهوب
ومسلوب......) تظن يا حبيبي النصراني أن كل هذا الإصحاح خاص بعيسى عليه
السلام بما ورد في إنجيل متى إصحاح ١٢ (هوذا فتاي) يقول: فتاي ونرجع إلى
الأصل نجد هوذا عبدي، وعندك أن عيسى ليس عبدًا لله، وأما محمد فهو عبد الله
لم يكل ولم ينكسر ومات على فراشه محفوفًا بآله وأصحابه، وأما عيسى عليه
السلام فتعتقد أنه صلب، تذكر ما ورد في إنجيل مرقص إصحاح ١٥ (٢٥ وكانت
الساعة الثالثة فصلبوه) أما محمد فقد حفظه الله وكان يوحد الله وكسر الأصنام وهو
ابن قيدار بن إسماعيل، وأن سالع من بلاد العرب، وتأمل في كيفية الحج فإن
الناس من كل فج يفدون من الجزائر والبحر وملئه، ومن أقصى الأرض ينحدرون
إلى جبال عرفات ويغنون بتسبيحة جديدة قائلين: الله أكبر لبيك اللهم لبيك ألوفًا
ألوفًا وترفع البرية صوتها في البلاد التي سكنها قيدار جد محمد وتترنم سكان سالع.
فهيئة الحج منطبقة تمام الانطباق على هذا الإصحاح في آيات ٨ و٩ و١١ وآية ٢٢
تدل على العرب وهم شعب محمد فإنهم كانوا قبله شعبًا منهوبًا ومسلوبًا.
وإذا لم تكتف يا سيدي بالعهد القديم (التوراة والزبور) فها هو العهد الجديد
(الإنجيل) أصرح بيانًا وأوضح عبارة وأعظم دلالة على محمد صلى الله عليه وسلم
إني ألفتك أولاً إلى أول إنجيل يوحنا من آية ١٩ إلى آية ٢٥ (فسألوه وقالوا: فما
بالك تعمد إن كنت لست المسيح ولا إيليا ولا النبي) ثم تذكر ما في ص ٦ آية ١٤
(وهذا هو بالحقيقة النبي الآتي إلى العالم) ثم تدبر ما في ص ٨ آية ٤٠
(فكثيرون من الجمع لما سمعوا هذا الكلام قالوا: هذا بالحقيقة هو النبي (٤١)
آخرون قالوا: هذا هو المسيح (فهذه الآيات تقول لنا بوضوح وبدون أدنى شك ولا
تأويل: إن الناس كانوا ينتظرون إيليا والمسيح والنبي وحيث إنه من ذلك الحين لم
يظهر إلا إيليا والمسيح لغاية ٦٠٠ ميلادية، وكان من الضروري أن يأتي النبي
المنتظر فلا شك أن يكون هو محمدًا عليه الصلاة والسلام وقد أثبت ذلك الإنجيل
نفسه. قال لوقا ص ١٧. (٢٠ ولما سأله الفريسيون متى يأتي ملكوت الله؟
أجابهم وقال: لا يأتي ملكوت الله بمراقبة ... (٢٦) وكما كان في أيام نوح كذلك
يكون في أيام ابن الإنسان (٢٧) كانوا يأكلون ويشربون ويزوجون ويتزوجون إلى
اليوم الذي فيه دخل نوح الفلك وجاء الطوفان وأهلك الجميع (فملكوت الله هو
الشريعة أي طريقة النجاة بدليل إنجيل متى ص ٢١) ٤٣ لذلك أقول لكم: إن
ملكوت الله ينزع منكم ويعطى لأمة تعمل أثماره) فكأنه قال: إن الشريعة المطهرة
تنزع منكم وتعطى لأمة غيركم تعمل بها. أما الأمة التي أعطيت ملكوت الله أي
الشريعة المطهرة وتعمل بها الآن فأترك للأذكياء ذوي العدل (الحكم) بأنها أمة
محمد أم لا. وأما ما ورد عن المسيح عليه السلام في الآية السابقة وهي قوله: -
وكما كان في أيام نوح إلى وقت دخوله الفلك كذلك يكون أيضًا في أيام ابن الإنسان
(المسيح) فإنه يشير إلى أيام شريعته بأنها ٦٠٠ سنة؛ لأن نوحًا دخل الفلك بعد
٦٠٠ سنة كما ورد في التكوين ص ٦ (٦ ولما كان نوح ابن ست مئة سنة صار
طوفان الماء على الأرض) . فمتى أثبتنا أن ظهور شريعة محمد صلى الله عليه
وسلم كان بعد شريعة المسيح عليه السلام بمقدار ٦٠٠ سنة كان قول المسيح عيسى
ابن مريم حقًّا، وذلك لا يحتاج إلى أدنى شك فتطبيق التاريخ الميلادي على التاريخ
الهجري يتضح أن ابتداء الوحي ونزول الشريعة على محمد كان سنة ٦١٠ ميلادية
وأن ابتداء شريعة المسيح كان بعد ٣٠ سنة من ميلاده كما في إنجيل لوقا ص ٣)
٢٣ ولما ابتدأ يسوع كان له نحو ثلاثين سنة (فتكون المدة بين الشريعتين هي ٥٨٠
سنة إفرنكية تساوي ٦٠٠ سنة قمرية وذلك من أعجب العجب؛ لأن سنين نوح
كانت قمرية. فيا إلهي رحماك! اللهم رحماك بعبيدك بني الإنسان كافة، واهدهم
صراطك المستقيم الحق، واجعلنا اللهم مصدقين لما قاله عيسى عليه السلام بأن
ظهور شريعة محمد يكون بعد ستمائة سنة نعم ستمائة سنة.
إنك يا ربي هديت بني الإنسان، بعبدك ورسولك محمد عليه الصلاة والسلام
كما قلت: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ} (الأنبياء: ١٠٧) فكيف أشكرك يا
إلهي وكيف أشكرك يا أيها المسيح عيسى على قولك الحق: ستمائة سنة.
وإذا لم يكفنا هذا الدليل الكتابي فأمامنا الدليل العقلي والتاريخ أيضًا وهو أننا
جميعًا بني الإنسان على وجه الأرض في زماننا سنة ١٩١١ (مسيحية) كثير منا
يتصفح التوراة والإنجيل والقرآن وسمعنا بالتواتر عن موسى وعيسى ومحمد
صلوات الله عليهم أجمعين ولكنا ولكنا ولكنا ما رأينا واحدًا منهم بل سمعنا وقرأنا
فقط أنهم أتوا بالكتب والمعجزات وكان كل منهم يقول: اعبدوا الله وأطيعوه. فهم
في نظر الحق سواء ولا يصح بأي وجه أن نصدق بواحد أو اثنين ونكذب الآخر،
وحيث إننا صدقنا موسى وعيسى بمجرد كتابيهما وما سمعناه عن معجزاتهما فيلزمنا
حتمًا أن نصدق محمدًا؛ لأنه جاء بكتاب وأظهر معجزات فهو معهما بالحجة سواء.
هل هذا يكفيك أيها النصراني لأن تمد يدك إلى أخيك المسلم وتصافحه على
الاتحاد والحب والارتباط بينكما فإذا لم يكفك ذلك فاقرأ الإنجيل المقدس إصحاح ١٤
من إنجيل يوحنا (٣٠ لا أتكلم معكم كثيرًا؛ لأن رئيس هذا العالم يأتي وليس له فيّ
شيء) أليس رئيس هذا العالم هو محمد رسول الله؟ أفلا يثبت ذلك ما ورد في ص
١٦ (٧ لكني أقول لكم الحق: إنه خير لكم أن أنطلق؛ لأنه إن لم أنطلق لا يأتيكم
المعزي، ولكن إن ذهبت أرسله إليكم ٨ ومتى جاء ذاك يبكت العالم على خطية
وعلى بر وعلى دينونة ٩ وأما على خطية؛ فلأنهم لا يؤمنون بي ١٠ وأما على بر؛
فلأني ذاهب إلى أبي ولا ترونني أيضًا ١١ وأما على دينونة؛ فلأن رئيس هذا
العالم قد دين ١٢ إن لي أمورًا كثيرة أيضًا لأقول لكم ولكن لا تستطيعون أن تحتملوا
الآن ١٣ وأما متى جاء ذاك روح الحق هو يرشدكم إلى جميع الحق؛ لأنه لا يتكلم
من نفسه بل كل ما يسمع يتكلم به ويخبركم بأمور آتية ذاك يمجدني؛ لأنه يأخذ مما
لي ويخبركم ١٥ كل ما للآب هو لي لذلك قلت: إنه يأخذ مما لي ويخبركم) .
إن الرئيس الذي أتى إلى العالم بعد المسيح عليه الصلاة والسلام هو لا شك
محمد رسول الله وإنه هو المعزي هو روح الحق نعم هو محمد عليه الصلاة والسلام؛
لأن لفظ المعزي معرَّبة عن اللفظ اليوناني الأصلي (بير كلوطوس) الذي معناه
محمد أو أحمد وإذا كان اللفظ هو (باركليطوس) على زعم بعضهم فمعناه يكون
المعزي أو المعين أو الوكيل، وعلى كلا اللفظين فالمعنى ينطبق تمامًا على محمد
رسول الله وإن روح الحق هذا الاسم العظيم الذي يليق بهذا الرئيس جدير أن يطلق
على محمد سيد بني آدم، ثم تأمل أنه حقيقة الرئيس فإن المسيح عليه السلام فضله
على الجميع لعلمه أن الله آتاه الكمال الأعظم ولذلك قال: - لكني أقول لكم الحق،
إنه خير لكم أن أنطلق؛ لأنه إن لم أنطلق لا يأتيكم المعزي - فيكون بانطلاقه خير
عظيم ليأتي محمد المعزي الرئيس الأكبر وأكد ذلك بقوله: إن لديه أمورًا كثيرة لا
يستطيعون أن يحتملوها الآن وأما متى جاء محمد روح الحق ورحمة العالمين فهو
يرشدهم إلى جميع الحق بأحكام القرآن الشريف وإنه لا ينطق من عنده بل بكل ما
يسمع كما ورد في القرآن الشريف: {وَمَا يَنطِقُ عَنِ الهَوَى * إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ
يُوحَى} (النجم: ٣-٤) ويخبركم بالغيب وذلك كثير وإنه بكت العالم الذين لم
يؤمنوا بالمسيح ولام من عاب أمه مريم، وشهد له بالبر وبكل كمال وعززه ووقره
ومجده تمجيدًا فنفى عنه القتل والصلب كما قال: - يأخذ مما هو لي ويخبركم وكل
ذلك في القرآن الشريف في قوله تعالى: {وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلَى مَرْيَمَ بُهْتَاناً عَظِيماً
* وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا المَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِن
شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مَا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلاَّ اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا
قَتَلُوهُ يَقِيناً * بَل رَّفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً * وَإِن مِّنْ أَهْلِ الكِتَابِ إِلاَّ
لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ القِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً} (النساء: ١٥٦-١٥٩) وإن
هذا المختصر لبرهان كافٍ ودليل واضح وبيان صحيح على أن محمدًا رسول الله
وجزى الله يوحنا خيرًا؛ لأنه لم يلبس بمحمد شيئًا وقد أزال عنا الشكوك والأوهام
بأفصح كلام.
فيا أيها المسلم اعلم وتحقق أن أقرب الناس حبًّا إليك هو النصراني كما أراك
الله ذلك بقوله تعالى: {لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُوا اليَهُودَ وَالَّذِينَ
أَشْرَكُوا وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُم مَّوَدَّةً لِّلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ
قِسِّيسِينَ وَرُهْبَاناً وَأَنَّهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ * وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ
تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ} (المائدة: ٨٢-٨٣) فأقرب الناس مودة وحبا للمسلمين هم النصارى؛ لأن منهم
قسيسين ورهبانًا يعلمون من التوراة والإنجيل جميع البشارات التي تدل على محمد
رسول الله فإذا سمعوا القرآن تفيض أعينهم دمعًا ويخشون إظهار إيمانهم به
ويقولون في نفوسهم: ربنا آمنا. نعم تفيض أعينهم؛ لأنهم علموا أنه نبي مثل موسى
نعم تفيض أعينهم؛ لأنهم تأكدوا أنه أبرع جمالاً من بني البشر وانسكبت النعمة على
شفتيه، نعم تفيض أعينهم من الدمع؛ لأنهم تحققوا أن محمدًا هو عبد الله بن
قيدار بن إسماعيل بن إبراهيم نعم تفيض أعينهم دمعًا؛ لأنهم كانوا يطلبون من
الله مجيء شريعته في صلواتهم في كل حين قائلين: (ليأت ملكوتك) نعم أعينهم
تفيض من الدمع لعلمهم أنه رئيس هذا العالم وأنه المعزي روح الحق وهم
يريدون الحق.
فيا أيها المسلم والنصراني تصافحا وتعانقا وانزعا من نفوسكما جهالة التعصب
الأعمى؛ لأن الدين يأمر بالوفاق والإخاء فتصالحا ولا تفرقا يحبكم الله.
... ... ... ... ... ... ... ... ... عبد الحميد شكري