للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: محمد رشيد رضا


أخبار العالم الإسلامي

(روسيا ومسلمو تركستان)
نشرت جريدة (نوفي فريميه) الروسية الشهيرة مقالات بإمضاء (يا. ذ.
ف) عنوانها (سياسة عدم الالتفات) أو سياسة الإغضاء خَطَّأَ فيها التعجيل بتغيير
الإدارة في تركستان بأخذها من الإدارة العسكرية وتسليمها إلى الإدارة الملكية وبَيَّنَ
أنه لا يجوز النظر إلى تركستان من حيث إنها سوق تحضر قطنًا للروسية فقط، بل
يجب أن ينظر إليها من حيث هي بمنزلة القلب للعالم الإسلامي في الشرق الأقصى
ولها أهمية سياسية كبيرة بالنسبة إلى الروسية، وهو يوجس خيفة من تركها على
حالها قال:
يستيقظ الشرق، وليست مسألة اتحاد المسلمين جميعًا على أساس المدنية
الحديثة الإسلامية - وهي بغي (في الأصل تجاوز) ظهر من جهة الأتراك محبي
الجامعة الإسلامية - من المسائل التي تمر من غير التفات من الروسية التي يسكن
فيها قدر ثمانية عشر مليون مسلم. كانت نتيجة عدم الالتفات إلى أحوال التتر
المعنوية في أطراف فولغا أنهم سقطوا تدريجيًّا في نفوذ الأتراك المستنيرين. مسلمو
تركستان هم متأخرون في المدنية عن التتر في أطراف نهر فولغا والقريم، ومع
ذلك أخذوا ينهضون من نومهم الطويل الذي مر عليه قرون كثيرة ونرى مع الأسف
أن الآخذين في إيقاظهم ما كانوا منا بل من الأغيار وعلى وجه غير مطلوب ألبتة.
ولا شك أن لذلك أسبابًا: أن مسلمي تركستان كانوا أولاً يخافون الروس جدًّا
ويعدونهم أصحاب القوة والسطوة، وقد ضعف هذا الاعتقاد فيهم بمرور الأيام،
وبعد أن غلبنا في حرب اليابان وظهر عدم الانتظام بين المأمورين نقص نفوذ شوكة
الروس من أنفسهم، وارتقت حالهم من جهة الاقتصاد وغنوا فكان ذلك أيضًا سببًا
في ضعف شوكة الروس شيئًا فشيئًا. هم لم يتربوا في روسية فقط بل ساحوا في
الممالك الأجنبية وأخذوا بعد رجوعهم ينتقدون إدارة تركستان التي فيها شيء كثير
من الخلل حقيقة , ظهر لهم وجه الحاجة إلى المعارف العصرية وعدم إمكان
تحصيلها في المكاتب والمدارس القديمة، وبهذه الكيفية تولد فيهم الميل إلى المعارف
المنيرة للأفكار , وإن ذلك الانقلاب المعنوي التدريجي في مسلمي تركستان لم يظهر
لعمال الحكومة فيها من أول وقته ولكن جمعية الاتحاد والترقي من الأتراك والتتر
من أهل وطننا قد راقبوا ذلك من زمان ودققوا النظر فيه.
حقًّا إن تركية الجديدة تدقق النظر من زمان بعيد في آسيا الوسطى , وإن آمال
الترك فيها كبيرة جدًّا حتى إنهم فتحوا قبل عدة سنين جمعية مخصوصة في الآستانة
لنشر المعارف في تركستان ومقصدهم الأصلي من ذلك نشر فكرة الاتحاديين
المسلمين جميعًا. والتتر من أطراف قزان وأورنبورغ أخذوا يشتغلون بنشاط
وينشرون أدبيات اتحاد الإسلام بين مسلمي تركستان بصفة معلمين في المكاتب
الجديدة هناك وكذا أصحاب المطابع وتجار الكتب. وعمالنا في تركستان لم يروا
تلك الحركات إلا في الوقت الذي تعذر فيه عدم الرؤية، وبعدما عرف ذلك الأجانب
والحال أن ذلك الانقلاب الآخذ في الظهور بين ستة ملايين من مسلمي تركستان مهم
جدًّا لا يصح عدم الإحاطة به.
إن الضغط والتضييق على الأفكار الجديدة قد جعل القشر الثخين المحيط
بالعالم الإسلامي ينشق من بعض جهاته ويرى من وراء شقوقه انقلاب عظيم جدًّا
بين مسلمي تركستان. وكان المحرك الأول لأولئك المسلمين والسبب في ذلك
الانقلاب إنما هو نحن معشر الروس: أدهشنا خيال وأفكار أولئك الأهالي بمعجزات
المدنية الحاضرة مثل السكة الحديدية والتليغراف والكهرباء ولكن لم نقدر على
التقرب من حياتهم المعنوية ولم نخطر في بالهم بعد التقرب منهم كيف ينبغي أن
تكون المدنية وجهاتها المعنوية، وكان يجب ذلك علينا عندما كانوا يفركون عيونهم
من ذلك النوم الذي لبثوا فيه عدة قرون، فبقيت أحوالهم المعنوية في ناحية من
نظرنا.
فاتح تركستان (نون قا أوفمان) الذي هو أكثر الولاة نشاطًا وعملاً كان في
ضلال مؤسف إذ فكر في مكاتب ومدارس المسلمين التي لا تناسب اقتضاء الزمان
في شيء فجزم بأنها ستفنى وتزول من تلقاء نفسها، وهذا القدر من فكره وحكمه
معقول صحيح ولكنه ما فكر في أن محلاتها لا تبقى خالية أبدًا. فها هي ذي قد
أخذت تتجدد ببناء المدارس الجديدة على أنقاض القديمة بقصد معين معلوم وبرنامج
يمهد السبيل لاتحاد المسلمين عامة تحت نفوذ تركية الفتاة.
الحكام الروسيون يعلنون للناس أن الأحوال هناك حسنة للغاية والأمن في
نصابه، ولكن الحقيقة أن الخلاف الآن فيها والجدال مدهش جدًّا بين الروحانيين
(علماء الدين) وأصحاب الأفكار الجديدة: الروحانيون يحافظون على المكاتب
والمدارس القديمة الأصول ويحرصون على بقائها وأما الأغنياء والتجار فهم أشياع
المكاتب الجديدة، ومن المؤسفات أن عمال الحكومة هناك لا يتداخلون في تلك
المحاولات والاختلافات السياسية المهمة بين المسلمين بل يكتفون بالتفرج عليها من
بعيد. ما علمَ الحكام الروسيون هناك بوجود مكاتب جديدة قصدها نشر فكرة اتحاد
الإسلام إلا منذ سنتين فقط. على أنهم ما علموا ذلك بنفسهم مباشرة، بل بالمصادفة
وقت تفتيش (عراف بالين) والحال أن تلك المكاتب وجدت منذ عشرات من
السنين.
مسألة تربية مسلمي تركستان بروح القومية الروسية دون روح الترك
(الجامعة الإسلامية) مسألة مهمة جدًّا لا يجوز تركها على حالها من غير التفات
ولا عناية. ولكن يؤسفنا أن كثيرًا من الفرص السياسية المهمة فاتت من غير التفات
من الحاكمين اهـ , المقالة الأولى من مقالات نوفي فريمية الروسية مترجمة عن
جريدة وقت، ومنها يعلم مقدار يقظة روسيا وقطعها طريق العلم على المسلمين قبل
أن يسلكوه ويعرفوا العالم وما فيه وما فتح لها باب الحذر والخوف إلا ما يظهره
أغرار الاتحاديين من الميل إلى جذب مسلمي تركستان إليهم لتقوية العنصر التركي
وبهذا يضرون أنفهسم ودولتهم وأولئك المساكين، وعملهم هذا مخالف للجامعة
الإسلامية ولكن روسية تتهمهم بها وإن أعلنوا في جريدتهم طنين براءتهم منها.
(حركة الجامعة الإسلامية وسياسة ألمانية)
تقول جريدة نوفيه فريميه الروسية في مقالتها الأولى (عدد ١٢٨٤٠)
المعنونة بهذا العنوان:
منذ زمان غير بعيد قبل عاهل ألمانيا رسميًّا مقابلة رئيس المبشرين الكاثوليك
في مستعمراتها في إفريقية وحاوره طويلاً في حركة الجامعة الإسلامية. وما قاله
الرئيس للإمبراطور في ذلك، وما في اللائحة التي قدمها إليه غير معلوم لأحد [١]
أما ما نشرته شركة (فولف) من الخبر الرسمي فهو أن الإمبراطور ويلهلم ما وجد
من الضروري أن يعدّ الجامعة الإسلامية شيئًا يخاف منه على مستعمرات ألمانية ولا
أرى حاجة إلى المقاومة الجدية لحركة الجامعة الإسلامية الحربية.
هذه المذاكرة في حركة الجامعة الإسلامية بين الإمبراطور ويلهلم ورئيس
المبشرين لم تهتم بها جرائد روسية اهتمامًا يذكر ولكن جرائد ألمانيا كتبت فيها كثيرًا
وأوفتها حقها.
فجرائد حرب الكاثوليك اللاتي لهن ولع دائمًا بإثارة شيء من الحركة الصليبية
اهتممن جدًّا بقبول الإمبراطور لرئيس المبشرين - ذلك الرجل الذي قدم من إفريقية
خصيصًا لإثارة الأفكار العمومية الألمانية ضد الجامعة الإسلامية. أما جرائد حزب
المحافظين البروتستان فلا يرين اندفاع ألمانية في مقاومة الجامعة الإسلامية لأفكار
فرقة (الكاثوليك الحربي) من الرأي السديد. فمن مجموع ذلك بينهم أن سياسة
ألمانية فيها شيء من التردد في اختيار أي خطة من الخطط التي يجب السير عليها
بإزاء الإسلام. حقًا إن المسألة فيها نزاع إلى الآن مثاره هذا السؤال: هل يمكن
للجامعة الإسلامية أن تلعب دورًا مهمًّا في سياسة العالم. أم هي خيال محض طلع
من رءوس شراذم قليلة من متعصبي المسلمين البعيدين عن حقيقة الأحوال؟ فهذه
المسألة لم يقطع فيها بعد.
منذ زمان غير بعيد نشرت في جريدة (الطان) الفرنسية مقالة ذات أساس
متين [٢] لواحد من علماء العرب في مسلك الجامعة الإسلامية وبروجرامها المفصل.
تلك المقالة تجيب جوابًا قريبًا من الصحة عن كون هذه الجامعة ذا روح أو شبحًا
من غير روح. ويفهم من تلك المقالة أن الدول اللاتي لهن السلطة على المسلمين
ومن جملتهن دولة الروسية لا ينبغي لهن ترك الاهتمام بحركة الجامعة الإسلامية.
وقال صاحب المقالة أيضًا: إن مؤسسها الأول رجل أفغاني ولد سنة ١٨٣٩ في بلدة
كابل وباشر الحروب الدموية كلها في الأفغان (يريد السيد جمال الدين) .
ذلك الرجل ساح في بلاد الهند وإيران وجزيرة العرب وبلاد تركية ومصر
ونشر فيها فكرة اتحاد الإسلام. كما أنه انتحل مذهب الماسونية في جهة أخرى.
وذلك يدل على أنه ما نظر إلى الإسلام من جهة الاعتقاد فقط بل اتخذه آلة وتَكِأَة
للمقاصد السياسية. ولرنان الشهير من محرري فرنسة ثناء مهم جدًّا على الأفغاني.
وفي آخر عهده جاء الآستانة ولقي فيها احترامًا عظيمًا ثم توفي فيها. وظهر كثير
من العلماء المروجين لفكر الأفغاني فأسسوا في الآستانة مسلكًا مخصوصًا لنشر فكرة
الاتحاد الإسلامي وظهرت آثارهم بين المسلمين لا في تركية وحدها بل أخذت تُرى
في جميع بقاع العالم التي يوجد فيها المسلمون وسهل أمرهم هذا كثيرًا كون لغة
العرب لسانًا عموميًّا بين المسلمين أجمعين. فبناء على ذلك لا يستغرب وقوع
الدعوة إلى مؤتمر إسلامي عام من إسماعيل غصبر نسكي محرر (جريدة إسلامية
تصدر في بلدة باغجة سراي) .
تنشر مجلات الاتحاد الإسلامي مثل (المقتبس) في نواحي العالم كلها ويقرؤها
المسلمون في جزيرة العرب وبلاد الهند حتى جزر البحر المحيط الكبير وفي أمريكا.
وبواسطة أمثال تلك المجلات يعيش مسلمو لاهور الهندية مثلاً ومسلمو تركية وهم
متعارفون عن كتب وتشتد رابطة الأخوة بينهم.
ليست حركة الجامعة الإسلامية في طور العدوان الآن بل هي خفية ومقتنعة
بنشر فكرة الأخوة بين المسلمين جميعًا وليس عليها عيب في الظاهر. ولكن مع
ذلك لا يمكن للدول اللاتي لهن منافع تمس بالسوء من ناحيتهم غير المقاومة لهم في
صورة قطعية.
نعم يظهر بين المسلمين حينًا بعد آخر بعض الآثار الحادة في نشر فكرة
الاتحاد الإسلامي مثل (أم القرى) ولكن الجامعة الإسلامية ترى الآن وجوب
الامتناع عن كشف الستار عن خريطتها وتجتهد قبل كل شيء في تحصيل التعاون
والأخوة بين المسلمين في أطراف شتى. على أن أرباب هذه الجامعة ليسوا جاهلين
بالسياسة. ومن برنامج سياستهم المدبرة أن ما تسميه أوروبة (خطر الجنس
الأصفر) ينبغي أن يبقى بمثابة ألعوبة صبيانية. وهم يستفيدون من جميع الفرص
لإخراج بروغرامهم من القوة إلى الفعل وإثارة أفكار أبناء جنسهم بعد اتحاد الأفكار
بينهم. وتلك الفرص توجد دائمًا وتزيد عما يحسبه الموظفون والسياسيون
الأوربيون أضعافًا مضاعفة.
مثال ذلك في حرب تركية وإيطالية الآن أن الإيطاليين قتلوا بالرصاص كثيرًا
من عربان طرابلس الذين استولوا عليهم وهم عراة لوجود الأسلحة الممنوعة عندهم،
والعربي عند الأوروبيين يعد في الدرجة الثانية بالنسبة إلى جزاء الإعدام، وليس
له كبير أهمية، ولكنه يعد أمرًا كبيرًا وتحقيرًا دينيًّا عند المسلمين، لذلك أثر على
الطليان هذا تأثيرًا سيئًا جدًّا في العالم الإسلامي فحصل بينهم هياج وغليان في
الأفكار واستفظعوا عمل إيطالية فوق العادة.
كان الإمبراطور ويلهم إلى الآن عونًا كبيرًا لحركة الجامعة الإسلامية وكان
الألمان يظنون أن هذه الحركة تصل إلى درجة توجب الخوف عليهم في الوقت
القريب وأنها على ذلك تحدث صعوبات جمة للإنكليز في الهند ومصر، وتكون
عونًا لهم لقرارهم في الأناضول. ذلك كان ظنهم فسياحة الإمبراطور ويلهلم في
الشرق وذهابه إلى مراكش وإلقاء خطبته في طنجة كل ذلك كان مبنيًّا على ما ذكر
من الاعتقاد في أمر الجامعة الإسلامية. لكن تبين الآن وجود هوة عميقة لا يسهل
اقتحامها مع الصداقة للمسلمين والمحافظة على منافعهم الحقيقية، ولذلك ضحت
ألمانيا بمنافع الملايين من المسلمين في مراكش توصلاً إلى امتلاك قطعة من
الأرض في الكونغو. فكسرة مطروحة لها في إفريقية كانت كافية لهدم تلك الصداقة.
ويوجد أيضًا كثير من المسلمين في مستعمرات ألمانية نفسها في إفريقية، فكل
حركة يراد بها الضرر على إنكلترة من مساعدة الجامعة الإسلامية وإزالة العقوبات
من سبيلها تكون من غير شك حركة ضد موظفيها ومبشريها في إفريقية. والذي
قاله الإمبراطور ويلهلم للرئيس المار ذِكره هو عبارة عن تدبير وقتي فقط.
(وبعد ذلك كله) هل تريد ألمانية أن تسلك في مسلك واحد مع أوربا جمعاء؟
أم هي تقصد أن تهيج تعصبات المسلمين الدينية وتخلق مشاكل وصعوبات هائلة
وتلقيها على رأس أوروبة؟ عن قريب تضطر ألمانية إلى الإجابة على واحد من
هذين الشقين اهـ مترجمًا عن جريدة (وقت) الروسية.