للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: محمد رشيد رضا


المقالة الثانية
من المقالات الروسية عن تركستان

تلك ترجمة المقالة الأولى من مقالات سياسة عدم الالتفات التي تنتشر في
جريدة نوفي فريمية لحث الحكومة الروسية على مقاومة تعليم مسلمي تركستان،
وأما المقالة الثانية فملخصها أن مدارس التتر لم يقبل عليها مسلمو تركستان في أول
الأمر وبعد ثباتها عشر سنين نالت محبة قسم كبير منهم، وتألفت في مدينة طاشقند
لجنة غير رسمية من المسلمين لإدارة تلك المدارس، وأخذت تبث سلطتها، وعمال
الحكومة الروسية لم يلتفتوا إلى ذلك وهو بمثابة نظارة معارف غير رسمية تمهد
طرق التعليم وتستحضر له الكتب والمعلمين وقصدها نشر مذاهب (الجامعة
الإسلامية) في تركستان؛ فهي لذلك توجه نظر الشبان إلى العالم الإسلامي ولاسيما
تركية، وكتب الدراسة تعين على ذلك، ففي كتب المطالعة مسائل في المملكة
التركية وبلادها المشهورة، ومثلها في دروس التاريخ والجغرافية. والمعلمون على
هذا الرأي وهم من تتر قزان وأورنبوغ ينفخون روح الإسلام الذي أخذ ينهض من
جديد، ويلبسون الطرابيش التركية الحمراء ليكونوا ذوي مهابة في أعين تلاميذهم،
وهم من أصحاب المدنية، وقد بلغت هذه المدارس بجدهم في طاشقند وحدها
عشرين مدرسة قبل انتباه الحكومة، وكذلك كان في خوقند زهاء هذا القدر من
المدارس قبل تنبه الحكومة.
بعد تنبه عمال الحكومة تحيروا ولم يقوموا بالواجب وهو منع معلمي التتر من
تعليم مسلمي تركستان، وبضعفهم تمكنت تلك اللجنة غير الرسمية للمعارف أن
ترسل بعض تلاميذها النجباء إلى الآستانة ليستعدوا لخدمة بلادهم إذا رجعوا إليها،
فسيوجد مدارس في تركستان للترك فوق مدارس التتر قبل أن يستقر رأي عمال
الحكومة هناك على أمر ويخرجوا من مضيق حيرتهم.
إنهم مترددون فيما يعاملون به تلك المدارس يقولون: أنعدها دينية كأنها ذات
رخصة؟ أم خصوصية فننفذ فيها نظام المكاتب الخصوصية؟ أم نقفلها ألبتة؟ أم
الأسهل أن نستمر على التغافل عنها؟ ومن العجائب أن (غيور غيفسكي) معاون
نظارة المعارف لم يدخل تلك المدارس عند تجواله في تركستان لئلا يكون دخوله
اعترافًا بها وإقرارًا لها فإذا كان رجال الحكومة متحيرين لا يدرون أي التربية
يختارون لنابتة تركستان وهي مسألة من أهم المسائل فلا عجب إذا انتشرت فكرة
الجامعة الإسلامية في هذه النابتة. نحن متحيرون حقيقة وأما غيرنا الذين لا يحبون
أن يندغموا في الشعب الروسي اندغامًا يفنى فيه الضعيف في القوي فتضيع قوميتهم
فهم يعرفون ماذا يعملون.
المستنيرون من التتر قد أظهروا في الميدان برنامجًا للتعليم يدافع عنه حزب
المسلمين في الدوما (مجلس النواب الروسي) وقد أخذوا يهتمون بمسلمي تركستان
. فيظهر أنهم يريدون جذب مسلمي روسية كافة إليهم ثم ينشرون فكرة الجامعة
الإسلامية والجامعة التركية بينهم، لذلك يريدون توحيد المسلمين كافة باللغة التركية
العامة، ويعرف مقدار اهتمامهم بما ذكر من عناية جناب مقصودف رئيس حزب
المسلمين في الدوما؟ [١] بالسفر إلى تركستان والطواف في بلادها لرؤية فرقه الذين
تتألف منهم قوته الحربية في المستقبل، نعم إن مقصودف لم يرجع منها بفوائد
كثيرة وربما قل طمعه في الرياسة السياسية القريبة على مسلمي تركستان ولكن لا
شك في نيله بعض مطالبه من ذلك السفر، مثال ذلك أنه لم يمض زمن طويل على
سياحة رئيس حزب المسلمين في الدوما؟ حتى جاء من أهالي طاشقند كتاب
احتجاج على نظام نظارة المعارف الحديث لمدارس المسلمين وأمثاله ليقدمه إلى
الدوما، وهو كتاب بيان حقوق مسلمي تركستان، ولا شك في أن ذلك من تأثير
سياحته، ومقتبس مما قاله حزب المسلمين في الدوما ولم يسبق لمسلمي تركستان
مثل هذه الحركة.
سياحة مقصودف هذه ليست في نفسها أمرًا مهمًّا ولكن إطلاق حرية السياحة
للذين يلقون فكرة الجامعة الإسلامية ويغرون المسلمين بها لا يمكن أن يكون مما
يرغب فيه رجال الحكومة ومع هذا نقول آسفين: إنه قد كثر الجوالون في تركستان
أخيرًا؛ لأجل بث الأفكار السياسية في المسلمين. والسائحون في آسية الوسطى
ليسوا من التتر فقط بل يجول فيها كثير من أعضاء جمعية الاتحاد والترقي ومراقبة
هؤلاء لا تُرجى من عمال الحكومة، المشغولين بوظائفهم، فالترك يتعرفون أولاً
إلى سراة القوم ثم يمشون الهُوينا إلى مقصدهم على خط مستقيم , يرونهم أن تركية
مملكة عظيمة قوية ويخبرونهم بأنها ستستولي على البلاد الإسلامية من البحر الأسود
إلى بلاد الصين وتأخذها من الروس فتصير تركستان تحت حكم تركية وكلهم إخوان
في الدين وبهذه الوسيلة يجمعون الإعانات للأسطول. ولا ريب في أن فكرة الجامعة
الإسلامية قد انتشرت بين كثير من المستنيرين في تركستان.
العلوم والمعارف في تركستان ضئيلة جدًّا ومع ذلك ترى القراء يشتركون في
الجرائد التركية وخصوصًا التي تتكلم في الاتحاد الإسلامي مثل (صراط مستقيم)
و (تعارف مسلمين) .
أهالي تركستان مولعون جدًّا بنشر الأخبار بينهم ولو كانت تافهة لا يؤبه لها
كحركة عسكر الترك في حدود إيران أو تقوية الأسطول العثماني بعدة مدرعات من
طراز ديردنوط، وإن هذه الأخبار التي تنتشر بسرعة زائدة لتؤثر في نظرهم
السياسي.
فما هي الوسائل التي يتخذها عمال الحكومة لتلافي تلك التحريضات السياسية؟
لا شك عندنا أنه لا يمكن لأولئك العمال الجاهلين غير الإغضاء عن حياة مسلمي
تركستان المعنوية؛ لأنهم لا يعرفون شيئًا منها الآن كما كانوا لا يعرفون شيئًا عنها
من قبل، وهذه سياسة مؤسفة ظهر عدم نفعها من تطبيقها على مسلمي (القرم)
وأطراف (فولغا) .
- فالواجب إذًا الإسراع بتعديل الإدارة هنالك وتفويضها إلى الإدارة الملكية
وجعلها بحيث توافق منافع الحكومة واقتضاء الزمان. وقد كان صدر بذلك فرمان
عالٍ منذ عشر سنين اهـ.

(المنار)
هذا بعض ما كتب في هذه الجريدة الروسية الشبيهة بالرسمية في عاصمة هذه
الدولة، فليعتبر بها المسلمون كافة والعثمانيون عامةً والمبعوثون منهم خاصةً،
فروسية التي سكتت لها الأمم كلها عن معاملتهم للمسلمين لا تريد أن يجتمع تتريّهم
بتركيّهم ولا أن يتعلموا كما يريدون ولا أن يمر ببلادهم سائح مسلم، وأما الدولة
العثمانية فهي على حرية الشعوب والملل فيها ووصولها إلى درجة الفوضى وعلى
السماح لكل ملة بأن تعلم كما تريد من غير أن تعرف الحكومة لها طريقة تعليمها
وتقرها عليها - هي على هذا كله تتهم بهضم حقوق النصارى وتطالَب بأن تجعل
مدارس جميع الطوائف المسيحية الدينية وغير الدينية في حكم المدارس الرسمية
تعتمد شهاداتها ويقبل المتخرجون فيها في وظائف الحكومة وأعمالها.
هذا وإننا نرجو أن ننبه هذه الوساوس التي يصرح بها القوم أفكار المسلمين
إلى ما يتهمون به وهو لم يخطر لهم على بال، وقد ذكرت جريدة (وقت) التترية
بعد نشر هذه المقالة مثلاً فيه موعظة وعبرة للمستبصرين وهذه ترجمته.